فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (36):

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)}
(36)- بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مَثَلَ نُورِهِ لِعِبَادِهِ، وَهِدَايَتَهُ إِيَّاهُمْ، أَرَادَ هُنَا بَيَانَ حَالِ مَنْ اهْتَدَوا بِذَلِكَ النُّورِ، وَصِفَاتِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ حَالَ هَؤُلاءِ المُهْتَدِينَ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الحِسِّيَّةِ والمَعْنَوِيَّةِ (كاللَّغْو والرَّفثِ فِي الحَدِيثِ) كَمَثَلِ القَنْدِيلِ فِي المِصْبَاحِ المُضِيءِ، الدُّرِي المُقَام فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ التي أُقِيمَتْ لِعِبَادَة اللهِ تَعَالَى فِيهَا، وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مُنَزَّهَةٌ، يَقُومُ فِيهَا بِعِبَادَتِهِ تَعَالَى رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ يُنَزِّهُونَ الله تَعَالَى فِيهَا وَيُقَدِّسُونَه فِي أَوائِلِ النَّهَارِ (الغُدُوِّ) وَفِي آخِرِهِ (الآصَالِ).
في بُيُوتٍ- المَسَاجِدِ كُلِّها.
أَنْ تُرْفَعَ- أَنْ تُعَظَّمَ وَتَطَهَّر أو تُشَادَ.
بالغُدُوِّ والآصَالِ- أَولِ النَّهَارِ وآخِرِهِ.

.تفسير الآية رقم (37):

{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
{تِجَارَةٌ} {الصلاة} {الزكاة} {الأبصار}
(37)- وَهَؤُلاءِ الرِّجَالُ، الذينَ يَعْمُرُونَ بُيُوتَ اللهِ، هُمُ رِجَالٌ أَصْحَابُ هِمَمٍ وَعَزَائِمَ لا يُلْهِيهِمْ شَيءٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وإِقَامِ الصَّلاةِ: لا تِجَارَةٌ، وَلا بَيْعٌ، وَلا تَشْغَلُهُم الدُّنْيا وَزُخْرُفُهَا، وَزِينَتُها، وَمَلاذُّهَا، وَلا بَيْعُها، ولا رِبْحُها.. عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الذي عَنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُمْ وأَنْفَعُ مِمَا بِأَيْدِيهِمْ، وَهُمْ يُقَدِّمُونَ طَاعَةَ رَبِّهِمْ وَمَحَبَّتَه عَلَى مُرَادِهِم وَمَحَبَّتِهِمْ، فَلا شَيءَ يُلْهِيهِم عَنْ أَنْ يُؤدُّوا الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا، لأَنَّهُمْ يَخَافُونَ يَومَ القِيَامَةِ الذي تتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأَبْصَارُ مِنْ شِدَّةِ الفَزَعِ، وَعِظَمِ الهَوْلِ.

.تفسير الآية رقم (38):

{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
(38)- وَهَؤُلاءِ هُمُ الذينُ يَتَقَبَّلُ اللهُ تَعَالَى حَسَنَاتِهِمْ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَيُضَاعِفُ لَهُمُ الحَسَنَاتِ (وَيَزِيدُهُم مِنْ فَضْلِهِ)، وَهُوَ تَعَالَى يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَبِدُونَ تَحْدِيدٍ فَهُوَ الكَرِيمُ الجَوَادُ.
بِغَيْرِ حِسَابٍ- بَلا نِهَايِةٍ لِمَا يُعْطِي، أَو بِتَوَسُّعٍ.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}
{أَعْمَالُهُمْ} {الظمآن} {فَوَفَّاهُ}
(39)- وَيَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً للأَعْمِالِ الصَّالِحَةِ التِي يَعْمَلُها الذينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَه، وَجَحَدُوا كُتَبَه، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنْ أَعْمَالَهم تَنْفَعُهم يَوْمَ القِيَامَة، وَتًنْجِيهِم مِنْ عَذَابِ اللهِ، ثُمَّ تَخِيبُ فِي النَّتِيِجَةِ آمَالُهْم، وَيَجْدونَ خَلافَ ما قَدَّرُوا. فَيُشَبِّهُ اللهُ تَعَالَى تِلْكَ الأَعْمَالَ بالسَّرَابِ الذي يَرَاهُ الظَّمْآنُ فِي القِيعَانِ مِنَ الأَرْضِ وَكَأنَّهُ بَحْرٌ طَام، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، فَإِذَا رَأى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاج إِلى المَاءِ حسِبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشرَبَ مِنْهُ فَإِذا جَاءَهُ لَمْ يَجدْهُ شَيئاً. فَكَذَلِكَ الكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلاً يَنْفَعُهُ، وأَنَّهُ قَدْ حَصَّل شَيئاً فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَعَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَإِذَا جَاءَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَحَاسَبَهُ رَبُّهُ، وَنَاقَشَهُ فِي أَعْمَالِهِ لَمنْ يَجدْ لَهُ شَيْئاً مِنَ العَمَلِ مَقْبُولاً يَنْتَفِعُ بِهِ عِنْدَ اللهِ فَيُوفِّيِه اللهُ حِسَابَه، وَهُوَ العِقَابُ الذِي تَوَّعَدَ اللهُ بِهِ الكَافِرِينَ. واللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ لا يُبْطِى وَلا يُخْطِئُ.
السَّرَابُ- شُعَاعٌ يُرَى ظُهْراً فِي البِرِّ عَنْدَ اشْتِدَادِ الحَرِّ كَالمَاءِ السَّارِبِ.
القِيعَةِ- الأَرْضِ المُنْبَسِطَةِ وَفِيهَا يَظْهَرُ السَّرَابُ.

.تفسير الآية رقم (40):

{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)}
{كَظُلُمَاتٍ} {يَغْشَاهُ} {ظُلُمَاتٌ} {يَرَاهَا}
(40)- وَيَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً آخَرَ يُشَبِّهُ بِهِ أَعْمَالَ الكَافِرِينَ الصَّالِحَةِ، فَيَقُولُ إِنَّهَا تُشْبِهُ ظُلُمَاتِ البَحْرِ العِمِيقِ الوَاسِعِ، الذي تَتَلاطَمُ أَمْوَاجُهُ عِنْدَ هِيَاجِهِ، وَيَعْلُو بَعْضَها فَوْقَ بَعْض، وَيُغَطِّيهَا سَحَابٌ كَثِيفٌ قَاتِمٌ يَحْجُبُ النُّورَ عَنْهَا فَهِذِهِ ظُلُمَاتٌ مُتَرَاكِمَةٌ لا يِسْتَطِيعُ رَاكِبُ البَحْرِ مَعَهَا أَنْ يَرَى يَدَهُ إِذَا أَخْرَجَهَا لِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ. وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذِه الحَيْرَةِ مِنْ غَيْرِ نُورٍ يَهْدِيهِ فِي مَسِيرَتِهِ.
كَذِلِكَ الكَافِرُونَ لا يُفِيدُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلا يَخْرُجُونَ مِنْ عمَايَتِهِمْ وَضَلالِهِمْ، إِلا بِنُورِ الإِيْمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللهُ إِلى الإِيْمَانِ، وَإِلى الخَيْرِ فَلَيْسَ مَنْ يَهِدْيِهِ. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَلَيْسَ لَهُ مِنْ تُورٍ.
(وَقِيلَ بَلْ إِنَّ المَقْصَودَ هُنَا بالظُّلُمَاتِ أَعْمَالُ الْكَافِرِينَ، وَبَالبَحْرِ اللُّجِّيِّ قُلُوبُهم التي غَمَرَهَا الجَهْلُ، وَتَغَشَّهْا الحَيْرَةُ والضَّلالَةُ، فَهِي لا تَعْقِلُ مَا فِي الكَوْنِ مِنْ آيَاتٍ وَحُجَجٍ وَعِظَاتٍ فَتِلْكَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ).
بَحْرٌ لُجِّيٌّ- عَمِيقٌ كَثِيرُ المَاءِ.
يَغْشَاهُ- يَعْلُوه وَيُغَطِّيهِ.
سَحَابٌ- غَيْمٌ يَحْجُبُ نُورَ السَّمَاءِ.

.تفسير الآية رقم (41):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}
{السماوات} {صَآفَّاتٍ}
(41)- أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ (وَهُمُ المَلائِكَةُ)، وَمَنْ فِي الأَرْضِ مَنَ البَشَرِ والدَّوَابِّ والجَمَادِ والنَّبَاتِ، وَتُسَبِّحُ لَهُ الطِّيْرُ فِي حَالِ طَيَرَانِهَا فِي أَجْوَاءِ الفَضَاءِ (صَافَّاتِ)، وَتَعْبُدُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُهُ، وَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ كُلَّ مَخْلَوقٍ إِلى طرِيقَتِهِ وَمَسْلَكِهِ فِي عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللهُ عَالِمٌ بِكُلِّ ذَلِكَ، لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَكْفُرُ بِهِ هَؤُلاءِ الجَاحِدُون؟
صَافَّاتٍ- بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتَها فِي الهَوَاءِ.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}
{السماوات}
(42)- واللهُ تَعَالَى هُوَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، فَهُوَ الحَاكِمُ وَالإِلهُ المَعْبُودُ، الذي لا تَنْبَغِي العِبَادَةُ إِلا لَهُ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَإِلَيْهِ يَصِيرُ النَّاسُ جَمِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهم عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَيَجْزِيَهُمْ عَلَيْهَا.

.تفسير الآية رقم (43):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)}
{خِلالِهِ} {بالأبصار}
(43)- أَلَمْ تَرَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ كَيفَ يَسُوقُ اللهُ تَعَالى بِقُدْرَتِهِ السَّحَابَ بِالرِّيحِ أَوَّلَ مَا يُنْشِئُهُ (وَهُوَ الإِزْجَاءُ)، ثُمَّ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّ بَعْضَه إِلَى بَعْضٍ بَعْدَ تَفَرُّقِهِ (وَهُوَ التَّأَلِيفُ)، ثُمَّ يَجْعَلُهُ مُتَرَاكِماً يَرْكَبُ بَعْضُه بَعْضاً، فإِذَا أَثْقَلَ خَرَجَ المَطَرُ (الوَدْقُ) مِنْ خِلالِهِ، وَيَكُونُ السَّحَابُ فِي هَيْئَةِ الجِبَالِ الضَّخْمَةِ الكَثِيفَةِ فِيها قِطَعُ البَرَدَ والثَّلْجِ الصَّغِيرَةِ، ثُمَّ وَفْقَ نِظَامٍ قَدَّرَه اللهُ تَعَالَى، يُوَجِّهُ اللهُ السَّحَابَ إِلَى الأَمَاكِن التي يُرِيدُ لِيُفْرِغَ مَا فِيهِ مِنْ مَاءٍ وَبَرَدٍ وَثَلْجٍ، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ، وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ خِلالِ السَّحَابِ البَرْقِ الذي تَكَادُ قُوَّةُ بَرِيقِهِ تَخْطَفٌ الأبْصَارَ، وَتَذْهَبُ بِهَا. وَهَذِهِ الظَّوَاهِرُ دَلالَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ المُوجِبَةِ للإِيْمَانِ بِهِ.
الوَدْقُ- مَاءُ المَطَرِ.
يُزْجِي سَحَاباً- يَسُوقُه بِرْفْقٍ إِلى حَيْثُ يُرِيدُ.
يَجْعَلُهُ رُكاماً- مَجْتَمِعاً يَرْكَبُ بَعْضُه بَعْضاً.
سَنَا بَرْقِهِ- ضَوْءُ بَرْقِهِ وَلَمَعَانُهُ.

.تفسير الآية رقم (44):

{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)}
{الليل} {الأبصار}
(44)- وَاللهُ تَعَالَى يَتَصَّرفُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، فَيأخذُ مِنْ طُولِ هَذَا لِيُضِيفَ فِي قِصَرِ هَذَا حَتَّى يَعْتَدِلا، ثُمَّ يَتَتَابَعُ هَذَا التَّنَاوُبُ، فَهُوَ تَعَالَى المُتَصَرِّفُ بِذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَقَهْرِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ تَجْعَلُ ذَوِي الأَبْصَارِ والعُقُولِ المُدْرِكَة يُؤمِنُونَ بِاللهِ تَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}
(45)- يُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِقُدْرَتِهِ التَّامَّة، وسُلْطَانِهِ العَظِيمِ فِي خَلْقِهِ المَخْلُوقَاتِ، عَلَى اخْتِلافِ أَشْكَالِهَا وأَلْوَانِهَا، وَحَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِها، مِنْ مَاءٍ جَعَلَهُ أسَاساً فِي تَرْكِيبِ أَجْسَامِ المَخْلُوقَاتِ ثُمَّ خَالَفَ بَيْنَها في الأشْكَالِ والألْوَانِ والاسْتِعْدادَاتِ فَمِنْ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ، مَنْ يَمْشِي زَحْفاً عَلَى بِطْنِهِ كالحَيَّاتِ، وَمِنْهَمْ مَنْ يَمْشِيِ عَلَى رِجْلَيْنِ كالإِنْسَانِ والطُّيُورِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ كالأَنْعَامِ. واللهُ تَعَالَى يَخْلُق بقُدْرَتِهِ مَا يَشَاءُ، لِيَكُونَ خَلْقهُ دَلِيلاً عَلَى قُدْرَتِهِ. وَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَلا يُعْجِزُهُ شيءٌ أبداً.

.تفسير الآية رقم (46):

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}
{آيَاتٍ} {مُّبَيِّنَاتٍ} {صِرَاطٍ}
(46)- وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ لِلدَّلالَةِ عَلَى طَرِيقِ الحَقِّ والرَّشَادِ، ولَكِنْ لا يَتَوصَّلُ إِلَى فَهْمِهَا إِلا أُوتِي فَهْماً سَلِيماً وَبَصِيرَةً نَيِّرَةً، وَاللهُ يُرْشِدُ مَنْ يَشاءُ إِلى الطَّرِيقِ القَويمِ الذي لا عِوَجَ فِيهِ، طَرِيقِ الهُدَى والرَّشَادِ.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)}
{آمَنَّا} {أولئك}
(47)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ المُنَافِقِينَ الذين يُظْهِرُونَ خِلافَ مَا يُبْطِنُونَ، فَيَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ: آمَنَّا بِاللهِ وبِالرَّسُولِ، وأَطْعَنَا أمْرَهُمَا، ثُمَّ تُخَالِفُ أَعْمَالُهُمْ أَقْوَالَهُمْ فَيَفْعَلُونَ خِلافَ مَا يَقُولُونَ، لِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ أولَئِكَ لَيْسُوا بالمُؤْمِنِينَ المُخْلِصينَ الثَّابِتِينَ عَلَى الإِيْمَانِ الصَّحِيحِ.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}
(48)- وَإِذَا دُعِيَ هَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، بِمُقْتَضى مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ شَرْعٍ، طَهَرَ نِفَاقُهم، وأَعْرَضُوا عَنْ قَبُولِ الحَقِّ، واسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ عَنْ اتِّبَاعِهِ، فَإِذَا كَانَتْ الحُكُومَةُ عَلَيْهِمْ أَعْرَضَوا وَدَعَوا إِلى غَيرِ الحَقِّ، وأحَبُّوا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَاطِلُهُمْ، لأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ لا يَحْكُمُ إِلا بالحَقِّ.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)}
(49)- وَإذَا كَانَتِ الحُكُومَةُ لَهُمْ، لا عَلَيْهِمْ، جَاؤوا سَامِعِينَ مُطِيعِينَ (مُذْعِنِينَ)، وَلَكِنَّ إِذْعَانَهُمْ هَذَا لَمْ يَكُنْ عَنِ اعْتِقَادٍ مِنْهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ هُوَ الحَقُّ بَلْ لأَنَّهُ مُوَافِقٌ لأَهْوَائِهِمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ إذَا خَالَفَ الحَقّ قَصْدهُمْ عَدَلُوا عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.
مُذْعِنِينَ- مُنَقَادِينَ مُطِيعِينَ.