فصل: تفسير الآيات (1- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (10- 19):

{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)}

.شرح الكلمات:

{واصبر على ما يقولون}: أي على ما يقوله لك كفار مكة من أذى كقولهم شاعر وساحر وكاذب.
{واهجرهم هجرا جميلا}: أي اتركهم تركا جميلا أي لا عتاب معه.
{وذرني}: أي اتركني.
{والمكذبين}: أي صناديد قريش فإِني أكفكهم.
{أولي النعمة}: أي أهل التنعم والترف.
{ومهلهم قليلا}: أي انتظرهم قليلا من الزمن حتى يهلكوا ببدر.
{إن لدينا انكالا}: أي قيودا وهي جمع نِكل وهو اليد من حديد.
{وطعاما ذا غصة}: أي بغص في الحلق هو الزقوم والضريع.
{يوم ترجف الأرض}: أي تتزلزل.
{كثيباً مهيلا}: أي رملا مجتمعا مهيلا أي سائلا بعد اجتماعه.
{فأخذناه أخذا وبيلا}: أي ثقيلا شديدا غليظا.
{فكيف تتقون يوما}: أي عذاب يوم يجعل الولدان لشدة هوله شيبا.
{السماء منفطر به}: أي ذات انفطار وانشقاق أي بسبب هول ذلك اليوم.
{كان وعده مفعولا}: أي وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم كان مفعولا أي كائنا لا محالة.
{إن هذه تذكرة}: أي ان هذه الآيات المخوفة تذكرة أي عظة للناس.
{اتخذ إلى ربّه سبيلا}: أي طريقا بالإِيمان والطاعة إلى النجاة من النار ودخول الجنة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تربية الرسول صلى الله عليه وسلم وامته بأنواع التربية الربانية الخاصة فقال تعالى لرسوله {واصبر على ما يقولون} أي كفار قريش من كلام يؤذونك به كقولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وما إلى ذلك، وقوله: {واهجرهم هجرا جميلا} يرشد تعالى رسوله إلى هجران كفار قريش وعدم التعرض لهم والهجر الجميل هو الذي لا عتاب معه وقوله: {وذرني والمكذبين أولي النعمة} أي اتركني والمكذبين من صناديد قريش أولي النعمة أي النعم والترف {ومهلهم قليلا} أي انظرهم ولا تستعجل فإِني كافيكهم، ولم يمض إلا زمن يسير حتى هلكوا في بدر على أيدي المؤمنين. وقوله تعالى: {إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما} أي عندنا للمكذبين بك في الآخرة أنكالا قيودا من حديد وجحيما أي نارا مستعرة محرقة وعذابا أليما أي موجعا وطعاما هو الزقوم والضريع ذا غصة أي يغصّ في حلق آكله، وعذابا أليما أي موجعاً وذلك يحصل لأهله وينالهم يوم ترجف الأرض والجبال، أي تتحرك وتضطرب وكانت الجبال كثيبا أي من الرمل مهيلا سائلا بعد اجتماعه. وقوله تعالى: {إنا أرسلنا إليكم} أي يا أهل مكة وكل من ورائها من سائر الناس والجن {رسولا شاهدا عليكم} بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة وقوله: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا} أي موسى بن عمران عليه السلام {فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا} أي غليظا شديدا. وقوله تعالى مخاطبا الكافرين المكذبين: {فكيف تتقون يوما} أي عذاب يوم {يجعل الولدان شيبا} وذلك لهوله وللكرب الذي يقع وحسبه أن السماء منفطر به أي منشقة بسبب أهواله. وذيك يوم يقول الرب تعالى لآدم يا آدم ابعث بعث النار أي خذ من كل ألف من أهل الموقف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ولم ينج من كل ألف إلا واحد هنا يشتد البلاء ويعظم الكرب.
وقوله: {كان وعده مفعولا} أي وعده تعالى بمجيء هذا اليوم كان مفعولا أي كائنا لا محالة وقوله: {إن هذه تذكرة} أي إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة وأهوالها تذكرة وعظة وعبرة {لمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} فليتخذها وهي الإِيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الصبر على الطاعة وعن المعصيّة.
2- الهجر الجميل هو الذي لا عتاب فيه.
3- تقرير النبوة المحمدية.
4- تقرير البعث والجزاء.

.تفسير الآية رقم(20):

{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}

.شرح الكلمات:

{أنك تقوم}: أي للتهجد.
{أدنى}: أي أقل.
{وطائفة}: أي وطائفة معك من أصحابك تقوم كذلك.
{والله يقدر الليل والنهار}: أي يحصيها ويعلم ما يمضي من ساعات كل منهما وما يبقى.
{علم أن لن تحصوه}: أي الليل فلا تطيقون قيامه كله لأنه يشقّ عليكم.
{فتاب عليكم}: أي رجع بكم غلى التخفيف في قيام الليل إذ هو الأصل.
{فاقرأوا ما تيسر}: أي صلوا من الليل ما سهل عليكم ولو ركعتين.
{وأقيموا الصلاة}: أي المفروضة.
{وآتوا الزكاة}: أي المفروضة.
{وأقرضوا الله قرضاً حسنا}: أي تصدقوا بفضول أموالكم طيبة بها نفوسكم فذلك القرض الحسن.
{وما تقدموا لأنفسكم من خير}: أي من نوافل العبادة من صلاة وصدقة وصيام وحج وغيرها.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو وطائفة من أصحابه وأنهم يقومون أحيناً أدنى من ثلثي الليل أي أقل ويقومون أحيانا النصف والثلث، كما في أول السورة هذا معنى قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك}، وقوله: {والله يقدر الليل والنهار} أي يحصي ساعاتهما فيعلم ما مضى من الليل وما بقى من ساعاته، وقوله: {علم أن لن تحصوه} أي لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثرة تحريا منكم لما هو المطلوب. {فتاب عليكم} لذلك وبهذا نسخ قيام الليل الواجب وبقى المستحب يُؤدى ولو بركعتين في أي جزء من الليل وكونهما بعد صلاة العشاء أفضل وقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} أي صلوا من الليل ما تيسر أطلق لفظ القرآن وهو يريد الصلاة لأن القرآن هو الجزء المقصود من صلاة الليل، وقوله: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض ييبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} فذكر فيه تعالى ثلاثة أعذار لهم وهي المرض، والضرب في الأرض للتجراة والجهاد في سبيل الله وكلها يشق معها يام الليل فرحمة بالمؤمنين نسخ الله تعالى هذا الحكم الشاق بقوله: {فاقرأوا ما تيسر منه}، كررَّه تأكيداً لنسخ قيام الليل الذي كان واجبا واصبح بهذه الآية مندوبا. وقوله وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي المفروضتين. وقوله وأقرضوا الله قرضا حسنا أي انفقوا في سبيل الله الذي هو الجهاد فإِن الحسنة فيه بسبعمائة وما تقدموا لأنفسكم من نوافل الصلاة والصدقات والحج وسائر العبادات تجدوه عند الله يوم القيامة هو خيراً وأعظم أجرا. وقوله واستغفروا الله من كل ما يفرط منكم من تقصير في جنب الله تعالى إن الله غفور رحيم يغفر لمن تاب ويرحمه فلا يؤاخذه بذنب قد تاب منه.

.من هداية الآيات:

1- بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومونه من الليل تهجداً.
2- نسخ واجب قيام الليل وبقاء استحبابه وندبه.
3- وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
4- الترغيب في التطوع من سائر العبادات.
5- وجوب الاستغفار عند الذنب وندبه واستحبابه في سائر الأوقات لما يحصل من التقصير.

.سورة المدثر:

.تفسير الآيات (1- 10):

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها المدثر}: أي يا أيها المدثر أي المُتلفف في ثيابه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
{قم فأنذر}: أي خَوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا ويوحدوا.
{وربك فكبر}: أي عظم ربك من إشراك المشركين.
{وثيابك فطهر}: أي طهر ثيابك من النجاسات.
{والرجز فاهجر}: أي أدم هجرانك للأوثان.
{ولا تمنن تستكثر}: أي لا تمنن على ربك ما تقوم به من أعمال لأجله طاعة له.
{فإِذا نقر في الناقور}: أي نفخ في الصور النفخة الثانية.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها المدثر} أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم روى الزهري قال فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة فحزن حزناً فجعل يعدو شواهق رؤوس لجبال ليتردّى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول إنك نبيّ الله فيسكن جاشه وتسكن نفسه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك فقال: «بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسيّ بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني» فزملناه أي فدثرناه فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه اقرأ باسم ربّك الذي خلق خلق الإِنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإِنسان ما لم يعلم. وعليه فهذا النداء الإِلهي كان بعد فترة الوحي الأولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها، ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أُعنت عليها رسولك فأعني على قدر ما اقوم به منها، وإن كان ما أقوم به منها لا يساوي جمرة من لظى ولا قطرة من ماء السماء. يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأذنر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد القهار وربك فكبر أي وربّك فعظمه تعظيماً يليق بجلاله وكماله فإِنه الأكبر الذي لا أكبر منه والعظيم الذي لا أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائلا الله أكبر ويحالك فلا تذل إلا له ولا ترغب إلا فيه وكبره بأعمالك فلا تأتي منها إلاّ ما أذن لك فيه أو أمرك به {وثيابك فطهر} أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفاً بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ولا يتنزهون من ابوالهم {والرجز فاهجر} أي والأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فلا تقربها ودُم على هجرانها على دعوتك أجرا، ولا تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لأجمل الآخلاق وكريم السجايا وسامي الآداب.
ولربك وحده دون سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلاغ رسالتك ونشر دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به الله رسول الله في فاتحة دعوته. ثم نزل فإِذا نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل والنقر يُحدث صوتا والصوت هو صوت البوق والمراد به النفخة الثانية نفخة البعث والجزاء فإِذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير صعب شديد لا يحتمل ولا يطاق على الكافرين غير يسير فذكر به من تدعوهم فإِن التذكير به نافع إن شاء الله، ولذا كان من أعظم أركان العقيدة التي إن تمكنت من النفس تهيأ صاحبها لحمل كل ثقيل ولإِنفاق كل غال ورخيص ولفراق الأهل والدار الإِيمان بالله واليوم الآخر إذ هما محوزر العقيدة وعليهما مدار الإِصلاح والهداية.

.من هداية الآيات:

1- الجد طابع المسلم، فلا كسل ولا خمول ولا لهو ولا لعب ومن فارق هذه فليتهم نفسه في إسلامه.
2- وجوب تعظيم أسمائه وصفاته وتعظيم كلامه وكتابه، وتعظيم شعائره وتعظيم ما عظم.
3- وجوب الطهارة للمؤمن بدناً وثوبا ومسجداً. أكلاً وشرباً وفراشاً ونفساً وروحا.
4- حرمة العجب فلا يعجب المؤمن بعمله ولا يزكي به نفسه ولو صام الدهر، وأنفق الصخرة وجاهد الدهر.
5- وجوب الصبر على الطاعات فعلا وعلى المعاصي تركاً وعلى البلاء تسليما ورضا.

.تفسير الآيات (11- 30):

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}

.شرح الكلمات:

{ذرني ومن خلقت وحيدا}: أي اتركني ومن خلقته وحيداً منفرداً بلا مال ولا ولد فأنا أكفيكه.
{وبنين شهودا}: أي يشهدون المحافل وتُسمع شهادتهم وأغلب الوقت حاضرون ولا يغيبون.
{ومهدت له تمهيدا}: أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه حتى كان يلقب بريحانة قريش.
{عنيدا}: أي معانداً وهو الوليد بن المغيرة المخزومي.
{سأرهقه صعودا}: أي سأكلفه يوم القيامة صعود جبل من نار كلما صعد فيه هوى في النار أبداً.
{إنه فكر وقدّر}: أي فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقدر في نفسه ذلك.
{ثم نظر ثم عبس وبسر}: أي تروَّى في ذلك ثم عبس أي قبض ما بين عينيه ثم يسر أي كلح وجهه.
{ثم أدبر واستكبر}: أي عن الإِيمان واستكبر عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
{سحر يؤثر}: أي ينقل من السحرة كمسيلمة وغيره.
{سأصليه سقر}: سأدخله جهنم وسقر اسم لها يدخله فيها لإِحراقه بنارها.
{لا تبقي ولا تذر}: أي لا تترك شيئا من اللحم ولا العصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان لإِدامة العذاب.
{لواحة للبشر}: أي محرقة مسودة لظاهر جلد الإِنسان وهو بشرته والجمع بشر.
{عليها تسعة عشر}: أي ملكاً وهم خزنتها.

.معنى الآيات:

لقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبء الدعوة وأمر بالصبر وشرع صلى الله عليه وسلم في إنذار قومه وبدأت المعركة كأحرّ وأشد ما تكون إذ أعلم قومه وهم من هم أنه لا إله إلا الله وأنه هو رسول الله فتصدى له طاغية من أعظم الطغاة ساد الوادي مالاً وولداً وجاهاً عريضا حتى لقب بريحانة قريش هذا هو الوليد بن المغيرة صاحب عشرة رجال من صلبه وآلاف الدنانير من الذهب فلما أرهب رسول الله وأخافه قال له ربّه تبارك وتعالى: {ذرني} أي دعني والذي خلقته {وحيدا} فريدا بلا مال ولا ولد، {وجعلت له مالاً ممدوداً} واسعا تمده به الزراعة والتجارة فصلا بعد فصل ويوما بعد يوم، {وبنين شهودا} لا يغيبون كما يغيب الذين يطلبون العيش كما أنهم لمكانتهم يستشهدون فيشهدون فهم شهود على غيرهم. ويشهدون المحافل وغيرها. {ومهدت له تمهيدا} أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه العريض في ديار قومه، {ثم يطمع أن أزيد} أي أن أزيده من المذكور في الآيات {كلا} أي لن أزيده بعد اليوم، وعلل تعالى لمنعه الزيادة بقوله: {إنه كان لآياتنا} القرآنية {عنيداً} أي معانداً يحاول ابطالها بعد رفضه لها. {سأرهقه صعودا} أي سأكلفه عذابا شاقا لا قبل له به وذلك جبل من نار في جهنم يكلف صعوده كلما صعد سقط وذلك ابداً. وعلل أيضا لهذا العذاب الذي أعده له وأوعده به فقال تعالى: {إنه فكر} أي فيما يقول في القرآن لما طلبت منه قريش أن يقول فيه ما يراه من صلاح أو فساد.
{وقدر} في نفسه {فقتل كيف قدر} أي لعن كيف قدر ذلك التقدير الذي هو قوله: {إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر}. {ثم قتل كيف قدر} فلعنه الله لعنتين تلازمانه واحة في الدنيا والأخرى في الآخرة وقوله تعالى عنه: {ثم نظر} أي ترّوى {ثم عبس} أي قطب فقبض ما بين عينيه {وبسر} أي كلح وجهه فاسودّ. فقال اللعني نتيجة تفكير وتقدير ونظر {إن هذا إلا سحر يؤثر} أي ما هذا القرآن إلا سحر ينقل عن السحرة في اليمين ونجد والحجاز {إن هذا إلا قول البشر} أي ما هذا الذي يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم إلا قول البشر قال تعالى موعداً إياه على قولته الكافرة الفاجرة {سأصليه سقر} أي سأدخله نار سقر يصطلي بنارها، ثم عظّم تعالى من شأن سقر فقال: {وما أدراك ما سقر} أي أي شيء يدريك ما هي وما شأنها فإِنها عظيمة {لا تبقي ولا تذر} أي لا تبقي لحما ولا تذر عصبا بل تأتي على الكل لواحة للبشر أي تحرق الجلود وتسوّدها. والبشر جمع بشرة الجلدة ومن ذلك سمي الآدميون بشرا لأن بشرتهم مكشوفة ليست مستورة بوبر ولا صوف ولا شعر ولا ريش. وقوله تعالى: {عليها تسعة عشر} أي على سقر ملائكة يقال لهم الخزنة عدتهم تسعة عشر ملكاً لقد كان لنزول هذه الآية سبب معروف وهو أن قريشا اتهمت الوليد بأنه صبا أي مال إلى دين محمد فسمع ذلك منهم فأنكر وحلف لهم فطلبوا إليه إن كان صادقا أن يقول في القرآن كلمة يصرف بها العرب عن محمد وما يقوله ويدعو إليه فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويقرأ في صلاته فاستمع إليه ففكر وقدر كما أخبر تعالى عنه في هذه الآيات وقال قولته الفاجرة الكافرة. إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر بعد أن وصف القرآن وصفا دقيقا بقوله ووالله إن لقوله لحلاوة وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يُعلى أي عليه فقالوا والله لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه فقال دعوني حتى افكر ففكر وقال ما تقدم فنزلت هذه الآيات {ذرني ومن خلقت وحيدا} إلى قوله: {تسعة عشر}.

.من هداية الآيات:

1- المال والبنون والجاه من عوامل الطغيان إلاّ أن يُسلّم الله عبده من فتنتها.
2- من أكفر الناس من يعاند في آيات الله يريد صرف الناس عنها وإبطال هدايتها.
3- بيان ما ظفر به طاغية قريش الوليد بن المغيرة من لعنة وعذاب شديد.
4- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
5- تقرير البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (31- 37):

{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)}

.شرح الكلمات:

{أصحاب النار}: أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه.
{إلا ملائكة}: أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّاً حتى لا يرحموهم بحكم الجنس.
{وما جعلنا عدتهم}: أي كونهم تسعة عشر.
{إلا فتنة للذين كفروا}: أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الأشُدين الجُمحي فيزدادوا ضلالا.
{ليستيقن الذين أوتوا الكتاب}: أي ليحصل اليقين لأهل التوراة والإِنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما التوراة والإِنجيل.
{ولا يرتاب}: أي ولا يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك.
{وليقول الذين في قلوبهم مرض}: أي مرض النفاق.
{ماذا أراد الله بهذا مثلا}: أي أي شيء أراد الله بهذا العدد الغريب استنكاراً منهم.
{كذلك}: أي مثل اضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء.
{وما هي إلا ذكرى للبشر}: أي وما النار إلا ذكرى للبشر يتذكرون بها.
{إذ أدبر}: أي ولى ومضى.
{إذا أسفر}: أي أضاء وظهر.
{إنها لاحدى الكبر}: أي جهنم لإِحدى البلايا العظام.
{نذيراً للبشر}: أي عذاب جهنم نذير لبني آدم.
{لمن شاء منكم}: أي أيها الناس.
{أن يتقدم}: أي بالطاعة.
{أو يتأخر}: أي بالمعصية.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} هذه الآية نزلت ردّاً على أبي الأشُدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول الله تعالى: {وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر} قال لقريش ساخراً مستهزئاً أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين، ومرة قال أنا أمشي بين ايديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فنخل الجنة. فأنزل الله تعالى قوله: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} أي لم نجعلهم بشراً ولا جنَّا حتى لا يرحموا أهل النار بخلاف لو كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك، ولذا جعلهم من الملائكة فلا تناسب بينهم وبين الإِنس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلاء رؤساء في جهنم أما من عداهم فلا تتسع لهم العبارة ولا حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى: {وما يعلم جنود ربك لا هو}، وقوله: {وما جعلنا عدتهم} أي كونهم تسعة عشر {إلا فتنة للذين كفروا} ليزدادوا ضلالا وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كابي الشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلالا وكفرا بما قالا، وقوله تعالى: {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب} أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر ليستيقن الذين أوتوا الكتاب لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم. ويزداد الذين آمنوا إيمانا فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له، وقوله: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} أي حتى لا يقعوا في ريب وشك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة.
وقوله: {وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا} أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد الله بهذا مثلا أي اي شيء اراده الله بهذا الخبر الغريب غرابة الأمثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا. فهذه جملة علل ذكرها تعالى لإِخباره عنزبانية جهنم ثم قال وقوله الحق {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} أي مثل اضلال منكر هذا العدد وهُدَى مصدقه يضل الله من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته. وقوله تعالى: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنوداً لا يعلم عددها ولا قوتها غلا هو وقد ورد أن لأحدهم مثل قوة القلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم، ولا عجب اربعة ملائكة يحملون العرش الذي هو أكبر من السموات والأرضين فسبحان الخلاق العليم سبحان الله العزيز الرحيم سبحان الله ذي الجبروت والملكوت. وقوله تعالى: {وما هي} أي جهنم {إلا ذكرى للبشر} أي تذكرة يذكرون بها عظمة الله ويخافون بها عقابه. وقوله: {كلا والقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر} أي كلا أي ليس القول كما يقول من زعم من المشركين أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها. والقمر والليل إذا أدبر ولى ذاهبا والصبح إذا أسفر أي أضاء وأقبل {إنها لإِحدى الكبر} أي أقسم تعالى بالقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر على أن جهنم لإِحدى الكبر أي البلايا العظام {نذيرا للبشر} أي بني آدم، وقال نذيرا ولم يقل نذيرة وهي جهنم لأنها بمعنى العذاب أي عذابها نذير للبشر. وقوله: {لمن شاء منكم أن يتقدم} في طاعة الله ورسوله حتى يبلغ الدرجات العلا، {ومن شاء أن يتأخر} في معصية الله ورسوله حتى ينزل الدركات السفلى.

.من هداية الآيات:

1- بيان الحكمة من جعل عدد الزبانية تسعة عشر والإِخبار عنهم بذلك.
2- موافقة التوراة والإِنجيل للقرآن من شأنها أن تزيد إيمان المؤمنين من الفريقين.
3- في النار من الزبانية مالا يعلم عددهم إلا الله تعالى خالقهم.
4- جهنم نذير للبشر أي عذابها نذير للبشر لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية.