فصل: تفسير الآيات (1- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (34- 43):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}

.شرح الكلمات:

{إن للمتقين}: أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحده فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي.
{عند ربهم جنات النعيم}: أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل.
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين}: أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين في العطاء والفضل والجواب لا، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
{أم لكم كتاب فيد تدرسون}: أي تقرأون فعلمتم يواسطته ما تدعون.
{أن لكم فيه لما تخيرون}: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
{إن لكم أيمان علينا بالغة}: أي ألكم عهود منا موثقة بالأيمان لا نخرج منها ولا نتحلل إلى يوم القيامة.
{إن لكم لما تحكمون}: أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم كما تشاءون.
{سلهم أيهم بذلك زعيم}: أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون.
{أم لهم شركاء}: أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه وحكموا به لأنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة.
{يوم يكشف عن ساق}: أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
{ترهقهم ذلة}: أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
{وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}: وهم سالمون أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهو سالمون من أية علة ولا يصلون حتى لا يسجدوا تكبراً وتعظماً.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن للمتقين} الآيات نزلت رداً على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياساً منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى: {إن للمتقين عند ربهم يوم القيامة جنات النعيم} أي جنات كلها نعيم لا شيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكراً على المشركين دعواهم مقرعاً مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى: {أفنجعل المسلمين} الذين أسلموا لله وجوهم وأطاعوه بكل جوارحهم مالمجرمين الذين جرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة، فنسوي بينهما وثانيهما قوله: {ما لكم} أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها {كيف تحكمون} أي كيف هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله: {أم لكم كتاب فيد تدرسون} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم فيه لما تخيرون أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا.
لا وخامسها قوله بأيمان لا نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سلهم أيهم بذلك زعيم} أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذين يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله: {أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكلفونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك. بهذه الإستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في تصحيح دعواهم الباطلة عقلاً وشرعاً. وقوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} أي اذكر لهم يا رسولنا مبينا واقع الأمر يوم القيامة، ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم يعظم الهول ويشتد الكرب، ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن ومؤمنة ساجداً ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فلا يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقاً واحداً أي عظماً واحداً فلا يقدر على السجود وذلك علامة شقائه المترتب على نقاقه في الدنيا.
ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيماناً واحتساباً ممن كان يسجد نفاقاً ورياء فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح عظماً واحداً خاشعة أبصارهم لا تطرف من شدة الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون معافون في أبدانهم ولا يسجدون تكبراً وكفراً بالله ربهم وبشرعه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير أن المجرمين لا يساوون المؤمنين يوم القيامة أذ لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة فمن زعم أنه يطعى المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في قوله.
2- بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى إلى السجود لله فلا يسجد أي إلى الصلاة فلا يصلي تكبراً وكفراً.

.تفسير الآيات (44- 52):

{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}

.شرح الكلمات:

{ذرني ومن يكذب}: أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
{بهذا الحديث}: أي بالقرآن الكريم.
{سنستدرجهم}: أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
{وأملي لهم}: أي وامهلهم.
{إن كيدي متين}: أي شديد قويّ لا يطاق.
{فهم من مغرم مثقلون}: أي فهم مما يعطونكه مكلفون حملا ثقيلا.
{أم عندهم الغيب}: أي اللوح المحفوظ.
{فهم يكتبون}: أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
{ولا تكن كصاحب الحوت}: أي يونس في الضجر والعجلة.
{وهو مكظوم}: أي مملوء غماً.
{بالعراء}: أي الأرض الفضاء.
{وهو مذموم}: لكن لما تاب نُبِذَ وهو غير مذموم.
{فاجتباه ربه}: أي اصطفاه.
{ليزلقونك بأبصارهم}: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
{وما هو إلا ذكر}: أي محمد صلى الله عليه وسلم.
{للعالمين}: أي الإِنس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون.

.معنى الآيات:

بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله {فذرني} أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم، والمراد من الحديث القرآن الكريم {سنستدرجهم} أي نستنزلهم درجة درجة {من حيث لا يعلمون} حتى تنتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين} أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعهذاب فأوسع لهم ي الرزق واصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأنهم خيرٌ من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق، وقوله تعالى: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجراً مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك. أم عندهم الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ما هم يقولون به ويُقرُّونه والجواب لا إذاً فاصبر يا رسولنا لحكم ربك فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس بن متَّى أي في الضجر وعدم الصبر. إذ نادى وهو مكظوم أي مملوء غمّاً فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم ولكن لما تاب الله عليه طُرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربّه أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجراً منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وارسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقيطن فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
وقوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أي وان يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم {لما سمعوا الذكر} أي القرآن نقرأه عليهم. ويقولون إنه لمجنون حسداً لك، وصرفاً للناس عنك، وما هو أي محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر للعالمين أي يذكر به الله تعالى الإِنس والجن فليس هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون.

.من هداية الآيات:

1- ردّ الأمور إلى الله إذا استعصى حلّها فالله كفيل بذلك.
2- لا يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة.
3- وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذًى يصيب الداعي.
4- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالجنون والسحر والكذب.

.سورة الحاقة:

.تفسير الآيات (1- 12):

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)}

.شرح الكلمات:

{الحاقة}: أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة.
{بالقارعة}: أم بالقيامة لأنها تقرع القلوب بالخوف والهول.
{فأهلكوا بالطاغية}: أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضاً.
{بريح صرصر عاتية}: أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب.
{حسوماً}: أي متتابعات الهبوب بلا فاصل كتتابع الكيّ القاطع للداء.
{كأنهم أعجاز نخل خاوية}: أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء.
{والمؤتفكات بالخاطئة}: أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلات ذات الخطأ.
{أخذة رابية}: أي زائدة في الشدة على غيرها.
{لما طغا الماء}: أي علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها.
{حملناكم في الجارية}: أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين.
{وتعيها أذن واعية}: أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمعٌ.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} أي أي شيء هي؟ وما أدراك ما الحاقة أي أي شيء أعلمك بها، والمراد بها القيامة لأنها حاقة المجيى واجبته لا محالة. وقوله تعالى: {كذّبّت ثمود وعاد بالقارعة} أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة. فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث والجزاء. {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية، {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر} أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت على خزانها في الهبوب. {سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً} أي متتابعات بلا انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع. وقوله تعالى: {فترى} أيها السرول {القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية} أي فترى القوم في تلك الليالي والأيام صرعى ساقطين على الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء {فهل ترى لهم من باقية} أي من نسلهم لا شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون، وقوله تعالى: {وجاء فرعون ومن قبله} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات بالخاطئة أي بالأفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي وبينها تعالى بقوله: {فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} أي زائدة في الشدة على غيرها وقوله تعالى: {إنا لما طغا الماء} أي ماء الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح حملكناكم في الجارية أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلام وقوله لنجعلها لكم تذكرة أي لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة لا تنسى ما هو حق وخير من المعاني.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان أن كلا من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم الله به.
3- بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي والأخروي.
4- التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة.

.تفسير الآيات (13- 18):

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)}

.شرح الكلمات:

{نفخة واحدة}: أي النفخة الأولى.
{حملت الأرض والجبال}: أي رُفعت من أماكنها.
{فدكتا دكة واحدة}: أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيلا.
{وقعت الواقعة}: أي قامت القيامة.
{فهي يومئذ واهية}: أي مسترخية ضعيفة القوة.
{على أرجائها}: أي على أطرافها وحافاتها.
{ثمانية}: أي من الملائكة وهم حملة العرش الأربعة وزيد عليهم أربعة.
{لا تخفى منكم خافية}: أي لا تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الدافع إلى فعل الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى: {فإذا نفخ في الصور} أي نفخ إسرافيل في الصور الذي هو البوق أو القرن النفخة الأولى وهو المراد بقوله: {نفخة واحدة}، وقوله تعالى: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا، {فيومئذ وقعت الواقعة} أي قامت القيامة {وانقشت السماء} أي انفطرت وتمزقت {فهي يومئذ واهية} ضعيفة مسترخية. {والملك على أرجائها} أي على أطرافها وحافاتها، {ويحمل عرش ربك فوقهم ثمانية} أي ثمانية من الملائك أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية قال تعالى: {يومئذ تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية} أي سريرة مما كنتم تسرون.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان كيفية الانقلاب الكوني لنهاية الحياة الأولى وبداية الحياة الثانية.
3- تقرير العرض على الله عز وجل للحساب ثم الجزاء.

.تفسير الآيات (19- 24):

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}

.شرح الكلمات:

{هاؤم}: أي خذوا.
{إني ظننت}: أي علمت.
{راضية}: أي يرضى بها صاحبها.
{قطوفها دانية}: أي ما يقتطف ويجنى من الثمار.
{بما أسلفتم}: أي بما قدمتم.
{في الأيام الخالية}: أي الماضية.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى: {فأما من أُوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم أقرؤا كتابية} أي إنه بعد مجيء الربّ تبارك وتعالى لفصل القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأواه إنه مشرق كله ما فيه سواد السيئات، ويُعلل لسلامة كتابه من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملاقٍ حسابية لا محالة فلذا لم اقارف السيئات وإن قدر عليّ شيء فقارفته جهلا فإِني تبت منه فورا فانمحى أثره من نفسي فلم يكتب عليّ قال تعالى مخبراً عن آثار نجاحه في سلامة كتابه من السيئات فهو في عيشة راضية. أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنّة عالية قطوفها أي جناها وما يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكيء على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من طعام الجنة وشرابها هنيئاً ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول {بما أسلفتم} أي قدمتم لأنفسكم {في الأيام الخالية} أي ايام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر ناهين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء أي الإِيمان باليون الآخر.
2- آثار الإِيمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات. وقد علل لذلك بقوله إني ظننت أني ملاق حسابي فلذا لم أعصِ ربي.
3- إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الآخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة خيراً أو شراً.

.تفسير الآيات (25- 37):

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}

.شرح الكلمات:

{يا ليتني لم أُوت كتابية}: أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السسيئات.
{كانت القاضية}: أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى لا أبعث.
{هلك عني سلطانية}: أي قوتي وحجتي.
{خذوه}: أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر.
{فغلوه}: أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل.
{ثم الجحيم صلوه}: أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية.
{حميم}: أي من قريب ينفعه أو صديق.
{إلا من غسلين}: أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لأكلهم شجر الغسلين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر الذي أُوتي كتابه بيمينه وما له من كرامة عند ربّه وفي هذه الآيات ذكر الذي أُوتي كتابه بشماله وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى: {وأما من أُوتي كتابه} أي في عرصات القيامة فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات {يا ليتني لم أُوت كتابيه} يتمنى لو أنه لم يعط كتابه ولم يدر ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى لا يبعث، ثم يواصل تحسره وتحزنه قائلا {ما أغنى عني مايه} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه وحسابية وفي مالية وسلطانية يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله: {هلك عني سلطانية} أي ذهبت عني حججي فلم أجد ما احتج به لنفسي قال تعالى للزبانية {خذوه فغلوه} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثم الجحيم صلوه} أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي، {ثم في سلسلة} طويلة {ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إلا أنه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد قرابة مائة وخمسين ميلا فإِن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لابد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم {فاسلكوه} أي ادخلوه فيها فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى علّة هذا الحكم عليه فقال: {إن كان أي في الدنيا لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بالله ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال: {فليس له اليوم ها هنا} أي في جهنم {حميم} أي صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {ولا طعام إلا من غسلين} أي وليس له طعام يأكله إلا من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإِنهم عندما يأكلون شجر الغسلين يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ماف ي بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين الذي لا يأكله إلا الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها.
2- المال الذي باع المفلسون فيه الأمة والملة لا يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا.
3- التنديد بالكفر بالله وأهله.
4- عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها.