فصل: تفسير الآيات (1- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (83- 96):

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}

.شرح الكلمات:

{فلولا}: أي فهلاّ وهي للحض على العمل والحث عليه.
{إذا بغلت الحلقوم}: أي مجرى الطعام وذلك وقت النزع.
{وأنتم تنظرون}: أي وأنتم أيها الممرضون والعواد تنظرون إليه.
{ونحن أقرب إليه منكم}: أي ورسلنا ملك الموت وأعوانه أقرب إلى المتحضر منكم.
{ولكن لا تبصرون}: أي الملائكة.
{فلولا إن كنتم غير مدينين}: أي فهلا إن كنتم غير مدينين أي محاسبين بعد الموت.
{ترجعونها ان كنتم صادقين}: أي ترجعون الروح إلى الجسم بعد وشوك مفارقتها له إن كنتم صادقين في انكم لا تبعثون ولا تحاسبون.
{فأما إن كان}: أي الميت.
{من المقربين}: أي من السابقين وهو الصنف الأول من الأصناف الثلاثة التي تقدمت في أول السورة.
{فروح وريحان}: أي استراحة وريحان أي رزق حسن وجنّة نعيم.
{وأما إن كان من أصحاب اليمين}: أي من الصنف الثاني فسلام لك يا صاحب اليمين من أصحاب اليمين. أي من اخوانك يسملون عليك فإنهم في جنات النعيم.
{فنزل من حميم}: أي فله نزل من ماء حار شديد الحرارة.
{وتصلية جحيم}: أي احتراق بها.
{إن هذا لهو حق اليقين}: أي إن الذي قصصناه عليك في هذه السورة لهو حق اليقين.
{فسبح باسم ربك العظيم}: أي نزه وقدس اسم ربك العظيم.

.معنى الآيات:

بعد تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن كلام الله وتنزيله عاد السياق الكريم إلى تقرير البعث والجزاء فقال تعالى: {فلولا إذا بلغت} أي الروح {الحلقوم} وهو مجرى الطعام {وأنتم} في ذلك الوقت {تنظرون} مريضكم وهو يعانى من سكرات الموت، ونحن أقرب إليه منكم أي رسلنا أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون إذ لا قدرة لكم على رؤية الملائكة ما لم يتشكلوا في صورة إنسان. وقوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين} أي محاسبين بعد الموت ومجزيين بأعمالكم ترجعونها الروح بعد ما بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين في أنكم غير مدينين لله بأعمالكم، أي فلا يحاسبكم عليها ولا يجزيكم بها.
وقوله تعالى: {فأما إن كان} أي المحتضر من المقربين وهم السابقون {فروح وريحان} أي فإن له الاستراحة التامة من عناء تعب الدنيا وتكاليفها وريحان وهو الرزق الحسن وجنة نعيم.
وأما إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين فسلام لك يا صاحب اليمين من اخوانك أصحاب اليمين الذين سبقوك إلى دار السلام.
وأما إن كان المحتضر من المكذبين لله ورسوله المنكرين للبعث الآخرة الضالين عن الهدى ودين الحق {فنزل من حميم} أي ضيافة على الماء الحار هذه ضيافته وتصلية جحيم أي واحتراق بالجحيم.
وقوله تعالى: {إن هذا لهو حق اليقين} أي هذا الذي حدثناك به عن المحتضرين الثلاثة وما لهم وما نالهم لحق اليقين. وقوله: {فسبح باسم ربك العظيم} يأمر تعالى رسوله بالتسبيح باسم ربه العظيم صح أنه لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» والتسبيح التقديس والتنزيه لله تعالى عما لا يليق بجلاله وكماله.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان عجز كل الناس أمام قدرة الله تعالى.
3- ان في عجز الإنسان على رد روح المحتضر ليعيش بعد ذلك ولو ساعة دليلا على أنه لا إله إلا الله.
4- بيان فضل السابقين عن أصحاب اليمين.
5- القرآن الكريم أحكامه كلها عدل وأخباره كلها صدق.
6- مشروعية قول العبد سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وهما من الكلم الطيب وكذا سبحان ربي العظيم حال الركوع.

.سورة الحديد:

.تفسير الآيات (1- 6):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)}

.شرح الكلمات:

{سبح لله ما في السموات والأرض}: أي نزه الله تعالى جميع ما في السموات والأرض بلسان الحال والقال.
{وهو العزيز الحكيم}: أي في ملكه، الحكيم في صنعه وتدبيره.
{له ملك السموات والأرض}: أي يملك جميع ما في السموات والأرض يتصرف كيف يشاء.
{يحيى ويميت}: يحيى بعد العدم ويميت بعد الإِيجاد والإِحياء.
{وهو على كل شيء قدير}: وهو على فعل كل ما يشاء قدير لا يعجزه شيء.
{هو الأول والآخر}: أي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء.
{والظاهر والباطن}: أي الظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء.
{وهو بكل شيء عليم}: أي لا يغيب عن علمه شيء ولو كان مثقال ذرة في السموات والأرض.
{في ستة أيام}: أي من أيام الدنيا مقدرة بها أولها الأحد وآخرها الجمعة.
{ثم استوى على العرش}: أي ارتفع عليه وعلا.
{يعلم ما يلج في الأرض}: أي ما يدخل في الأرض من كل ما يدخل فيها من مطر وأموات.
{وما يخرج منها}: أي من نبات ومعادن.
{وما ينزل من السماء}: أي من رحمة وعذاب.
{وما يعرج فيها}: أي يصعد فيها من الأعمال الصالحة والسيئة.
{وهو معكم أينما كنتم}: أي بعلمه بكم وقدرته عليكم أينما كنتم.
{والله بما تعملون بصير}: أي لا يخفي عليه من أعماله عباده الظاهرة الباطنة شيء.
{والى الله ترجع الأمور}: أي مرد كل شيء إلى الله خالقه ومدبره يحكم فيه بما يشاء.
{يولج الليل في النهار}: أي يدخل جزءاً من الليل في النهار وذلك في الصيف.
{ويولج النهار في الليل}: ويدخل جزءاً من النهار في الليل وذلك في الشتاء كما يدخل كامل أحدهما في الآخر فلا يبقى الا يبقى الا ليل أو نهار إذْ احدهما دخل في ثانيهما.
{وهو عليم بذات الصدور}: أي ما في الصدور من المعتقدات والأسرار والنيات.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى في هذه الآيات الخمس عن وجوده وعظمته من قدرة وعلم وحكمة ورحمة وتدبيره وملكه ومرد الأمور إليه وكلها مظاهر الربوبية الموجبة للألوهية فأولا تسبيح كل شيء في السموات والأرض أي تنزيهه عن كل نقص كالزوجة والولد والشريك والوزير المعين والعجز والجهل، ثانيا إنه تعالى العزيز ذو العزة التي لا ترام العظيم الانتقام الحكيم في تدبير ملكه فلا شيء في خلقه هو عبثٌ أو لهوٌ أو باطل ثالثا له ملك السموات والأرض ملكاً حقيقاً يتصرف كيف يشاء يهب من شاء ويمنع من شاء. رابعاً يحيى من العدم ويميت الحيّ الموجود، خامساً هو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء ولا يعجز عن شيء متى أراد الشيء وقال له كن فهو يكون لا يتخلف.
سادساً: هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء إذ له ميراث السموات والأرض.
سابعاً: علمه محيط بكل شيء. ثامناً: خلقه السموات والأرض في ستة أيام الدنيا ابتداء من الأحد وانتهاء بالجمعة وما مسه من لغوب ولا تعب ولا نصب ثم استوى على العرش يدبر ملكوت خلقه بالحكمة ومظاهر العدل والرحمة. تاسعاً: مع علوه وبعده من خلقه فالخلق كله بين يديه يعلم ما يلج في الأرض أي يدخل فيها من أمطار وأموات وما ينزل من السماء من مطر ورحمة وعذاب وملك وغيره، وما يعرج أي يصعد فيها من ملك ومن عمل صالح ودعاء وخاصة دعوة المظلوم فإنها لا تحجب عن الله أبداً. وعاشراً: معية الله تعالى الخاصة والعامة فالخاصة مَعِيْتُه بنصره لأوليائه، والعامة عِلْمُهُ بكل عباده وسائر خلقه، وقدرته عليهم وعلمه بهم.
الحادي عشر: بصره تعالى بكل أعمال عباده فلا يخفى عليه شيء منها ليحاسبهم بها ويجزيهم عليها. الثاني عشر: له ملك السموات والأرض أي كل ما في السموات وما في الأرض من سائر الخلق هو ملك لله تعالى وحده لا شريك له فيه ولا في غيره. الثالث عشر: رد كل الأمور إليه فلا يقضى فيها غيره ولا يحكم فيها سواه والظاهر منها كالباطن. الرابع عشر: إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل لمصلحة عباده وفائدتهم إذ لولا هذا التدبير الحكيم لما صلح أمر الحياة ولا استقام هذ الوجود.
وأخيراً علمه الذي أحاط بكل شيء وتغلغل في كل خفي حتى ذات الصدور من خاطر ووسواس وهمّ وعزم ونية وإرادة فسبحانه من إله لا إله غيره ولا ربّ سواه، بهذه المظاهر من الكمالات استحق العبادات فلا تصح العبادة لغيره، ولا تنبغى الطاعة لسواه.

.من هداية الآيات:

1- فضل التسبيح وأفضله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
2- مظاهر القدرة والعلم والحكمة في هذه الآيات الخمس هي موجبات ربوبيته الله تعالى وألوهيته وهي مقتضية للبعث الآخر والجزاء فيه.
3- في خلقه تعالى السموات والأرض في ستة أيام وهو القادر على خلقهما بكلمة التكوين تعليم لعباده التأني في الأمور وعدم العجلة فيها لتخرج متقنة صالحة نافعة.
4- بطلان دعاء غير الله تعالى ورجاء غيره إذ له ملك السموات والأرض وليس لغيره شيء من ذلك.
5- وجوب مراقبة الله تعالى والحياء منه وتقوه وذلك لعلمه بظواهرنا وبواطننا وقدرته على مجازاتنا عاجلاً وآجلاً.

.تفسير الآيات (7- 11):

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}

.شرح الكلمات:

{آمنوا بالله ورسوله}: أي صدقوا بالله ورسوله يا من لم تؤمنوا بعد واثبتوا على إيمانكم يا من آمنتم قبل.
{وأنفقوا}: أي وتصدقوا في سبيل الله.
{مما جعلكم مستخلفين فيه}: أي من المال الذي استخلفكم الله فيه إذ هو مال من قبلكم وسيكون لمن بعدكم.
{فالذين آمنوا منكم وأنفقوا}: أي صدقوا بالله ورسوله وتصدقوا بأموالهم المستخلفين فيها.
{لهم أجر كبير}: أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة.
{وما لكم لا تؤمون بالله}: أي والحال أن الرسول بنفسِه يدعوكم لتؤمنوا بربكم.
{وقد أخذ ميثاقكم}: أي على الإِيمان به وأنتم في عالم الذر حيث أشهدكم فشهدتم.
{إن كنتم مؤمنين}: أي مريدين الإِيمان فلا تترددوا وآمنوا وأسلموا تنجوا وتسعدوا.
{هو الذي ينزل على عبده}: أي هو الله ربكم الذي يدعوكم رسوله لتؤمنوا به ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم.
{آيات بينات}: هي آيات القرآن الكريم الواضحات المعاني البينات الدلالة.
{ليخرجكم من الظلمات إلى النور}: أي ليخرجكم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإِيمان والعلم.
{وإن الله بكم لرءوف رحيم}: ويدلكم على ذلك إرسال رسوله إليكم وإنزال كتابه ليخرجكم من الظلمات إلى النور.
{وما لكم ألا تنفقون في سبيل الله}: أي أي شيء لكم في عدم الإِنفاق في سبيل الله.
{ولله ميراث المسوات والأرض}: أي ومن ذلك المال الذي بين أيديكم فهو عائد إلى الله فأنفقوه في سبيله يؤجركم عليه. وإلا فسيعود إليه بدون أجر لكم.
{من قبل الفتح وقاتل}: أي لا يستوى مع من أنفق وقاتل بعد صلح الحديبية حيث عز الإِسلام وكثر مال المسلمين.
{وكلاً وعد الله الحسنى}: أي الجنة، والجنة درجات.
{من ذا الذي يقرض الله}: أي بإنفاقه ماله في سبيل الله الذي هو الجهاد.
{قرضا حسنا}: أي قرضا لا يريد به غير وجه الله تعالى.
{فيضاعفه له}: أي الدرهم بسبعمائه درهم.
{وله أجر كريم}: أي يوم القيامة وهو الجنة دار النعيم المقيم.

.معنى الآيات:

بعد ذكر الأدلة والبراهين على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها وتقرير البعث والجزاء يوم لقائه رحمة منه ورأفة بعباده أمرهم جميعا مؤمنيهم وكافريهم بالإيمان به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فالمؤمنون مأمورون بزيادة الإيمان والثبات عليه والكافرون مأمورون بالإِيمان والمبادرة إليه. وبما أن الآية نزلت بالمدينة بعد الهجرة وبعد صلح الحديبية فإن هذه الأوامر والتوجيهات الإِلهية تشمل المؤمنين الصادقين والمنافقين الكذبين في إيمانهم تشمل الرغبين في الإِيمان في مكة وغيرها وهم يترددون في ذلك فوجه الخطاب إلى الجميع لهدايتهم ودخولهم في رحمة الله الإِسلام بسرعة ودون تباطؤ فقال تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} أي صدقوا بوحدانية الله ورسالة رسول الله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه من الأموال، ووجه الاستخلاف أن العبد يرث لامال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فلا يدفن معه في قبره.
وقوله تعالى: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} أي ثواب عظيم عند الله وهو الجنة والرضوان فيها. وهذا الإِخبار يفيد تنشيط الهمم الفاترة والعزائم المترددة. وقوله: {ما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين} أي أي شيء يجعلكم لا تؤمنون وفرص الإِيمان كلها متاحة لكم فإِيمانكم الفطرى صارخ في نفوسكم إذ كل من سألكم: من خلقكم؟ من خلق العالم حولكم؟ سماء وأرضا تقولون الله. وأنتم في حَرَمِهِ وحِمى بيته والرسول الكريم بين أيديكم يدعوكم صباح مساء إلى الإِيمان بربكم وقد أخذ الله ميثاقكم عليكم بأن تؤمنوا به وذلك يوم أخرجكم في صورة الذر من صلب آدم أبيكم وأشهدكم على أنفسكم فشهدتم. إذاً ما هذا التردد إن كنتم تريدون الإِيمان فآمنوا قبل فوات الأوان.
وقوله تعالى: {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات} أي إنكم تدعون إلى الإِيمان بالله الذي ينزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم آيات واضحات المعاني بينات الدلائل كل ذلك ليخرجكم من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإِيمان والعلم، فما لكم لا تؤمنون إذاً ما هذا التردد والتلكؤ يا عباد الله في الإِيمان بالله وبرسول الله، وإن الله بكم لرءوف رحيم فاعرفوا هذا وآمنوا به ويدلكم على ذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول وتوضيح الأدلة وإقامة الحجج والبراهين.
وقوله: {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله} التي هي سبيل إسعادكم وإكمالكم بعد نجاتكم من العذاب في الحياتين مع العلم أن لله ميراث السموات والأرض إذ ما بأيديكم هو لله هو واهبه لكم ومسترده منكم فلم لا تنفقون منه.
وقوله تعالى: {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أي صلح الحديبية لقول الله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} والمراد به صلح الحديبية. أي لا يستوون في الأجر والمثوبة مع من قاتل وأنفق بعد الفتح. قال تعالى: {أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً} من الفريقين {وعد الله الحسنى} أي الجنة {والله بما تعملون خبير} لا يخفى عليه إنفاقكم وقتالكم وعدمهما كما لا يخفى عليه نياتكم وما تخفون في نفوسكم فاحذروه وراقبوه خيراً لكم.
وقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} أي مخلصا فيه لله طيبة به نفسه {فيضاعفه له} ربه في الدرهم سبعمائة درهم، {وله أجر كريم} ألا وهو الجنة دار السلام.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الإِيمان بالله ورسوله وتقويته.
2- وجوب الإِنفاق في سبيل الله من زكاة ونفقة جهاد وصدقة على الفقراء والمساكين.
3- بيان لطف الله ورأفته ورحمته بعباده مما يستلزم محبته وطاعته وشكره.
4- الإِنفاق في المجاعات والشدائد والحرب أفضل منه في اليسر والعافية.
5- الترغيب في الإِنفاق في سبيل الله بمضاعفة الأجر حتى يكون الدينار بألف دينار عند الله تعالى وما عند الله خير وأبقى، وللآخرة خير من الأولى.

.تفسير الآيات (12- 15):

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}

.شرح الكلمات:

{يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}: أي يتقدمهم نورهم الذي اكتسبوه بالإشيمان والعمل الصالح بمسافات بعيدة يضيء لهم الصراط الذي يجتازونه إلى الجنة.
{بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار}: أي تقول لهم الملائكة الذين أُعدوا لاستقبالهم بشراكم.
{ذلك هو الفوز العظيم}: أي النجاة من النار ودخول الجنة وهو الفوز العظيم الذي لا أعظم منه.
{المنافقون والمنافقات}: أي الذين كانوا يخفون الكفر في نفوسهم ويظهرون الإِيمان والإِسلام بألسنتهم.
{تقتبس من نوركم}: أي أنظروا إلينا بوجوهكم نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق.
{قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً}: أي يقال لهم استزاءً بهم ارجعوا وراءكم إلى الدنيا حيث يطلب النور هناك بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي فيرجعون وراءهم فلم يجدوا شيئاً.
{فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة}: أي فضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال له باب باطنه الذي هو من جهة المؤمنين الرحمة.
{وظاهره من قلبه العذاب}: أي الذي من جهة المنافقين في عرصات القيامة العذاب.
{ينادونهم ألم نكن معكم}: أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات أي فنصلى كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون.
{قالوا بلى}: أي كنتم معنا على الطاعات.
{ولكنكم فتنتم أنفسكم}: أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض الإِسلام والمسلمين.
{وتربصتم}: أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم وتعودون إلى شرككم.
{وغركم بالله الغرور}: أي وغركم بالإِيمان بالله ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم الإِيمان الشيطان.
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية}: أي مال تفدون به أنفسكم إذ لا مال يومئذ ينفع ولا ولد.
{ولا من الذين كفروا}: أي ولا فدية تقبل من الذين كفروا.
{مأواكم النار هي مولاكم}: أي مستقركم ومكان إيوائكم النار وهي أولى بكم لخبث نفوسكم.
{وبئس المصير}: أي مصيركم الذي صرتم إليه وهو النار.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} هذا الظرف متعلق بقوله: {ولهم أجر كريم} في آخر الآية السابقة أي لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين والمؤمنات في عرصات القيامة نورهم الذي اكتسبوه بإيمانهم وصالح أعمالهم في دار الدنيا ذلك النور يمشى أمامهم يهديهم إلى طريق الجنة، وقد أعطا كتبهم بأيمانهم. وتقول لهم الملائكة الذي أعدوا لتلقيهم واستقبالهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار أي تجري الأنهار أنها رالماء واللبن والخمر والعسل من خلال الأشجار والقصور خالدين فيها ماكثين أبدا لا يموتون ولا يخرجون. قال تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم} إذ هو نجاة من النار ودخول الجنان في جوار الرحمن. وقوله تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات} بدل من من قوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات، والمنافقون والمنافقات وهم الذي كانوا في الحياة الدنيا يخفون الكفر في أنفسهم ويظهرون الإِيمان بألسنتهم والإِسلام بجوارحهم يقولولن للذين آمنوا انظرونا أي اقبلوا علينا بوجوهكم ذات الأنوار نقتبس من نوركم أي نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق مثلكم قيل فيقال لهم استهزاء بهم {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} إشارة إلى أن هذا النور يطلب في الدنيا بالإِيمان وصالح الأعمال فيرجعون إلى الوراء وفوراً يضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال {له باب باطنه} وهو يلي المؤمنين فيه الرحمة {وظاهره} وهو يلي المنافقين {من قبله العذاب} فيأخذون في ندائهم ألم نكن معكم على الطاعات أيها المؤمنون فقد كنا نصلى معكم نجاهد معكم وننفق كما تنفقون فيقول لهم المؤمنون بلى أي كنتم معنا في الدنيا على الطاعات في الظاهر ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر لتعلنوا عن كفركم وتعودوا إلى شرككم، وارْتَبتُم أي شككتم في صحة الإِسلام وفي عقائده ومن ذلك البعث الآخر وغرتكم الأماني الكاذبة والأطماع في أن محمداً لن ينتصر وأن دينه لن يظهر، حتَّى جاء أمر الله بنصر رسوله وإظهار دينه وغركم بالله الغرور أي بالإِيمان بالله أي بعد معاجلته لكم بالعذاب والستر عليكم وعدم كشف الستار عنكم وإظهاركم على ما أنتم عليه من الكفر الغرور أي الشيطان إذ هو الذي زين لكم الكفر وذكركم بعفو الله وعدم مؤاخذته لكم.
قال تعالى: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} أي فداء مهما كان ولا من الذين كفروا كذلك مأواكم النار أي محل إيوائكم وإقامتكم الدائمة النار هي مولاكم أي من يتولاكم ويضمكم في أحضانه وهي أولى بكم لخبث نفوسكم وعفن أرواحكم من جراء النفاق والكفر، وبئس المصير الذي صرتم إليه إنه النار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير البعث يذكر أحداثه وما يجرى فيه.
2- تقرير أن الفوز ليس ربح الشاة والبعير ولا الدار ولا البستان في الدنيا وإنما هو الزحزحة عن النار ودخول الجنان يوم القيامة هذا هو الفوز العظيم.
3- من بشائر السعادة لأهل الإِيمان قبل دخول الجنة تلقِّي الملائكة لهم وإعطاؤهم كتبهم بأيمانهم ووجود نور عال يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يتقدمهم على الصراط إلى الجنة.
4- نور يوم القيامة في وجوه المؤمنين أخذوه من الدنيا وفي الحديث: «بشرِّ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».
5- بيان صفات المنافقين في الدنيا وهي إبطان الكفر في نفوسهم والتربص بالمؤمنين للانقضاض عليهم متى ضعفوا أو هزموا وأمانيهم في عدم نصرة الإِسلام. وشكهم الملازم لهم حتى انهم لم يخرجوا منه إلى أن ماتوا شاكين في صحة الإِسلام وما جاء به وأخبر عنه من وعد ووعيد.