فصل: تفسير الآيات (102- 103):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (87- 90):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}

.شرح الكلمات:

{موسى}: موسى بن عمران نبي مرسل إلى بني إسرائيل.
{الكتاب}: التوراة.
{قفينا}: أرسلناهم يَقْفُو بعضهم بعضاً أي واحداً بعدَ واحد.
{الرسل}: جمع رسول: ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بتبلغيه.
{البينات}: المعجزات وآيات الله في الإِنجيل.
{روح القدس}: جبيريل عليه السلام.
{غلفٌ}: عليها غلاف يمنعها من الفهم لما تدعونا إليه، أو هي أوعية للعلم فلا نحتاج معها إلى أن نتعلم عنك.
{كتاب من عند الله}: القرآن الكريم.
{يستفتحون}: يطلبون الفتح أي النصر.
{بئسما}: بئس كلمة ذَمّ، ضدها نِعْمَ فإنها للمدح.
{بغياً}: حسداً وظلماً.
{باءوا بغضب}: رجعوا والغضب ضد الرضا، ومن غضب الله عليه أبعده ومن رضي عنه قربه وأدناه.
{مهين}: عذاب فيه إهانة وصغار وذلك للمعذب به.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام الله تعالى على بني إسرائيل، وذكر معايبهم وبيان مثالبهم لعل ذكر الإِنعام يحملهم على الشكر فيؤمنوا، وذكر المعايب يحملهم على الإِصلاح والتوبة فيتوبوا ويصلحوا ففي الآية (87) يذكر تعالى منته بإعطاء موسى التوراة وإرسال الرسل بعده بعضهم على أثر بعض، وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليه السلام ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون الأنبياء ويكذبونهم فوبخهم الله تعالى على ذلك قوله: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون}. وفى الآية الثانية (88) يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به، ويبطل دعواهم ويثب علة ذلك وهي أن الله لعنهم بكفرهم فلذا هم لا يؤمنون وفي الآية الثالثة (89) يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيّه بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون للعرب إن نبياً قد أظل زمانه وسوف نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر عليكم فلما جاءهم، عرفوا كفروا به فلعنه الله عليهم لأنهم كافرون. وفى الآية الرابعة (89) يقبّح الله تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة، باعوها بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيّه حسداً أن يكون في العرب نبي يوحى إليه ورسول يطاع ويتبع، فجعوا من طول رحلتهم في الضلال بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى، وبغضب عظيم سببه كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومع الغشب العذاب المهين في الدنيا والآخرة.

.من هداية الآيات:

1- واجب النعمة الشكر، وواجب الذنب التوبة.
2- قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس.
3- فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق.
4- سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه.
5- ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب.
6- شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى.

.تفسير الآيات (91- 93):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}

.شرح الكلمات:

{بما أنزل الله}: من القرآن.
{بما أنزل علينا}: التوراة.
{وهو الحق مصدقاً}: القرآن الكريم مقرر لأصول الأديان الإِلهية كالتوحيد.
{البيانات}: المعجزات.
{اخذتم العجل}: يريد إلهاً عبدتموه في غيبة موسى عليه السلام.
{وأشربوا في قلوبهم العجل}: أي حب العجل الذي عبدوه بدعوة السامري لهم بذلك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في بني إسرائيل وتقريعهم على سوء أفعالهم ففي الآية الأولى (191) يخبر تعالى أن اليهود إذا دعوا إلى الإِيمان بالقرآن يدّعون أنهم في غير حاجة إلى إيمان جديد بحجة أنهم مؤمنون من قبل بما أنزل الله تعالى في التوراة وبهذا يكفرون بغير التوراة وهو القرآن مع أن القرآن حق والدليل أنه مصدق لما معهم من حق في التوراة ثم أمر الله رسوله أن يبطل دعواهم موبخاً إياهم بقوله: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} إذ قتل الأنبياء يتنافى مع الإِيمان تمام المنافاة.
وفي الآية الثالثة (93) يذكِّر تعالى اليهود بما أخذه على أسلافهم من عهد وميثاق بالعمل بما جاء في التوراة عندما رفع الطور فوق رؤوسهم تهديداً لهم غير أنهم لم يفوا بما عاهدوا عليه كأنهم قالوا سمعنا وعصينا، فعبدوا العدل وأشربوا حبه في قلوبهم بسبب كفرهم ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقبّح ما ادّعوه من أن إيمانهم هو الذي أمرهم بقتل الأنبياء وعبادة العجل، والتمرد والعصيان.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية توبيخ أهل الجرائم على جرائمهم إذا أظهروها.
2- جرأة اليهود على قتل الأنبياء والمصلحين من الناس.
3- وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة.
4- الإِيمان الحق لا يأمر صاحبه إلا بالمعروف، والإِيمان الباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر.

.تفسير الآيات (94- 98):

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}

.شرح الكلمات:

{الدر الآخرة}: المراد منها نعيهما وما أعد الله تعالى فيها لأوليائه.
{خالصة}: خاصة لا يدخلها أحد سواكم.
{تمنوا الموت}: تمنّوه في نفوسكم واطلبوه بألسنتكم فإن من كانت له الدار الآخرة لا خير له في بقائه في الدنيا.
{إن كنتم صادقين}: أي في دعوى أن نعيم الآخرة خاص بكم لا يشارككم فيه غيركم.
{حياة}: التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة.
{يودّ}: يحب.
{الذين أشركوا}: هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار.
{بمزحزحه}: بمبعده من العذاب.
{أن يعمر}: تعميره ألف سنة.
{جبريل}: روح القدس الموكل بالوحي يتنزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{نزّله على قلبك}: نزل جبريل القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{مصدقاً لما بين يديه}: القرآن مصدق لما في الكتب السابقة من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم والبشارة به ومن التوحيد ووجوب الإسلام لله تعالى.
ميكال: ميكال وميكائيل. ملك من أعاظم الملائكة وقيل معناه عبيد الله.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الرد على اليهود وإبطال حججهم الواهية ففي الآية الأولى (94) أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم مباهلاً إياهم: إن كانت الدار الآخرة خالصة لكم لا يدخل الجنة معكم أحد فتمنوا الموت لتدخلوا الجنة وتستريحوا من عناء الدنيا ومكابلة العيش فيها فإن لم تتمنوا ظهر كذبكم وثبت كفركم وأنكم أصحاب النار، وفعلاً ما تمنوا الموت ولو تمنوه لماتوا عن آخرهم.
وفي الآية الثانية (95) أخبر تعالى أن اليهود لن يتمنوا الموت أبداً وذلك بسبب ما قدموه من الذنوب والخطايا العظام الموجبة لهم عذاب النار بأنهم مجرمون ظلمة والله عليم بالظالمين وسيجزيهم بظلمهم إن حكيم عليم.
وفي الآية الثالث (96) يخبر الله تعالى أن اليهود أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين الذين يود الواحد منهم أن يعيش ألف سنة، فكيف يتمنون الموت إذاً وهم على هذا الحال من الحرص على الحياة، وذلك لعلمهم بسوء مصيرهم إن هم ماتوا. كما يخبر أن الكافر لا ينجيه من العذاب طول العمر ولو عاش أكثر من ألف سنة، ثم هدد الله تعالى اليهود وتوعدهم بقوله: {والله بصير بما يعملون} من الشر والفساد وسيجزيهم به.
وفي الآية الرابعة (97) يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم: لو كان الملك الذي بأتيك بالوحي مكيائيل لآمنا بك، ولكن لما كان جبريل فجبريل عدونا لأنه ينزل بالعذاب، بقوله: {قل من كان عدوا لجبريل} فليمت غيظاً وحنقاً فإن جبريل هوالذي ينزل بالقرآن بإِذن ربه على قلب رسوله مصدقاً- القرآن- لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشى يبشر به المؤمنون الصالحون.
وفي الآية الخامسة (98) يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه من الملائكة والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر، والله عدو له ولسائر الكافرين.

.من هداية الآيات:

1- صحة الإِسلام، وبطلان اليهودية، وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت.
2- المؤمن الصالح يفضل لموت على الحياة لما يرجوه منالراحة والسعادة بعد الموت.
3- صدق القرآن فيما أخبر به عم اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة إذ هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم.
4- عداوة الله تعالى للكافرين. ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم الله، ومعاداة الله تعالى لهم.

.تفسير الآيات (99- 101):

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}

.شرح الكلمات:

{آيات بينات}: هي آيات القرآن الكريم الواضحة فيما تدل عليه من معان.
{يكفر بها}: يجحد بكونها كتاب الله ووحيه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
{الفاسقون}: الخارجون عما يجب أن يكونوا عليه من الإِيمان بالله والإِسلام له ظاهراً وباطناً.
{أو كلما عاهدوا}: الهمزة للإِستفهام الإِنكاري والواو عاطفة على تقديره أكفروا بالقرآن ونبيه وكلما عاهدوا إلخ..
{العهد}: الوعد الملزم.
{نبذه}: طرحه وألقاه غير آبه به ولا ملتفت إليه.
{رسول}: التنكير للتعظيم والرسول هو محمد صلى الله عليه وسم، ومن قبله عيسى عليه السلام.
{لما معهم}: من نعتِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتقرير نبوته، وسائر أصول دينه الإِسلام.
{كتاب الله}: أي أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه لمنافاته لما هم معروفون عليه من الكفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم لا يعلمون مع أنهم يعلمون حق العلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته والرد على اليهود وإظهار ما هم عليه من الفسق والكفر والظلم ففي الآية الأولى (99) يرد تعالى على قول ابن صوريا اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشيء بقوله: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون} كالأعور بن صوريا اليهودي وفي الآية الثانية (100) ينكر الحق سبحانه وتعالى على اليهود كفرهم ونبذهم للعهود والمواثيق وليسجل عليهم عدم إيمان أكثرهم بقوله: {بل أكثرهم لا يؤمنون}. وفي الآية الثالثة (101) ينعى البارئ عز وجل على العلماء اليهود نبذهم للتوراة لما رأو فيها من تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتها فقال: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}.

.من هداية الآيات:

1- الفسق العام ينتج الكفر، إن العبد إذا فسق وواصل الفسق عن أوامر الله ورسوله سيؤدي به ذلك إلى أن ينكرما حرم الله وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بالله.
2- اليهود لا يلتزمون بوعد ولا يفون بعهد، فيجب أن لا يوثف في عهودهم أبداً.
3- التوراة أحد كتب الله عز وجل المنزلة أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه السلام.
4- قبح جريمة من تنكَّر للحق بعد معرفته، وصبح وكأنه جاهل به.

.تفسير الآيات (102- 103):

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}

.شرح الكلمات:

{ما تتلوا الشياطين}: الذي تتبعه وتقول به الشياطين من كلمات السحر.
{على ملك سليمان}: على عهد ملك سليمان ووقت حكمه.
{الشياطين}: جمع شيطان وهو من خبث وتمرد ولم يبق فيه قابلية للخير.
{السحر}: هو كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو أبدانهم.
{هاروت وماروت}: ملكان وجدا للفتنة.
{فلا تكفر}: لا تتعلمْ منا السحر لتضر به فتكفرْ بذلك.
{بين المرء وزوجه}: بين الرجل وامرأته.
{اشتراه}: اشترى السحر بتعلمه والعمل به.
{الخلاق}: النصيب والحظ.
{ما شروا}: ما باعوا به أنفسهم.
{لمثوبة}: ثواب وجزاء.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق الكريم في بيان ما عليه اليهود من الشر والفساد ففي الآية الأولى (102) يخبر تعالى أن اليهود لما نبذوا التوراة لتقريرها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتأكيدها لصحة دينه اتبعوا الأباطيل والترهات التي جمعها شياطين الإِنس والجن في صورة رُقًى وعزائم وكانوا يحدثون بها، ويدّعون أنها من عهد سليمان بن داود عليهما السلام وأنها هي التي كان سليمان يحكم بها الإِنس والجن، ولازم هذا أن سليمان لم يكن رسولاً ولا نبياً وإنما كان ساحراً كافراً فلذا نفى الله تعالى عنه ذلك بوقوله: {وما كفر سليمان} وأثبته للشياطين فقال: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}. كما يعلمونهم ما أُلهِمَهُ الملكان هاروت وماروت ببابل العراق من ضروب السحر وفنونه وهنا أخبرنا تعالى عن ملكى الفتنة أنهما يقولان لمن جاءهما يريد تعلم السحر: إنما نحن فتنة فلا تكفر بتعلمك السحر وهذا القول منهما يفهم منه بوضوح أن أقوال الساحر وأعماله التي يؤثر بها على الناس منها ما هو كفر في حكم الله وشرعه قطعاً.
كما أخبر تعالى في هذه الآية أن ما يتعلمه الناس من الملكين إنما يتعلمونه ليفرقوا بين الرجل وامرأته، وأن ما يحدث به من ضرر هو حاصل بإذن الله تعالى حسب سنته في الأسباب والمسببات، ولو شاء الله أن يوجد مانعاً يمنع من حصول الأمر بالضرر لفعل وهو على كل شيء قدير. فبهذا متعلموا السحر بسائر أنواعه إنما هم يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. وفي آخر الآية يقرر تعالى علم اليهود بكفر الساحر ومتعلم السحر ومتعاطيه حيث أخبر تعالى أنهم لا نصيب لهم في الآخرة من النعيم المقيم فيها فلذا هم كفار قطعاً. وأخيراً يقبح تعالى ما باع به اليهود أنفسهم، ويسجل عليهم الجهل بنفي العلم إذ قال تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}.
وفي الآية الثانية (103) يفتح تعالى على اليهود باب التوبة فيعرض عليهم الإِيمان والتقوى فيقول: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون}.

.من هداية الآيتين:

1- الاعراض عن الكتاب والسنة لتحريمهما الشر والفساد والظلم يفتح أمام المعرضين أبواب الباطل من القوانين الوضعية، والبدع الدينية، والضلالات العقلية قال تعال:
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل (سبيل السّعادة والكمال) ويحسبون أنهم مهتدون}
2- كفر الساحر وحرمة تعلم السحر، وحرمة استعماله.
3- الله تعالى خالق الخير وَالضَّيْرِ ولا ضرر ولا نفع إلا بإذنه فيجب الرجوع إليه في جلب النفع، ودفع الضر بدعائه والضراعة إليه.
4- العلم المبهم كالظَّن الذي لا يقين معه لا يغير من نفسية صاحبه شيئاً فلا يحمله على فعل خير ولا على ترك شر بخلاف الرسوخ في العلم فإن صاحبه يكون لديه من صادق الرغبة وعظيم الرهبة ما يدفعه إلى الإِيمان والتقوى ويجنبه الشرك المعاصي. وهذا ظاهر في نفي الله تعالى العلم عن اليهود في هاتين الآيتين.

.تفسير الآيات (104- 105):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}

.شرح الكلمات:

{راعنا}: أمهلنا وانظرنا حتى نعى ما نقول.
{انظرنا}: أملهنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ.
{الكافرين}: الجاحدين المكذبين لله ورسوله المستهزئين بهما أو بأحدهما.
{أليم}: كثير الألم شديد الإِيجاع.
{من أهل الكتاب ولا المشركين}: اليهود والنصارى والوثنيين من العرب وغيرهم.
{من خير من ربكم}: من الوحي الإِلهي المشتمل على التشريع المتضمن لكل أنواع الهداية وطرق الإسعاد والإِكمال في الدارين.
{الفضل}: ما كان من الخير غير محتاج إليه صاحبه، والله عز وجل هو صاحب الفضل إذ كل ما يمن به ويعطيه عباده من الخير هو في غنى عنه ولا حاجة به إليه أبداً.

.معنى الآيتين:

أما الآية ألأولى (104) فقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يُراعوا الأدبْ في مخاطبة نبيّهم صلى الله عليه وسلم تجنباً للكملات المشبوهة ككلمة راعنا، إذ قد تكون من الرعونة، ولم تدل عليه صيغة المفاعلة إذ كأنهم يقولون راعنا نُرَاعِكَ، وهذا لا يليق أن يخاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأرشدهم تعالى إلى كلمة سليمة من كل شبهة تنافي الأدب وهي انظرنا، وأمرهم أن يسمعوا لنبيّهم إذا خاطبهم حتى لا يضطروا إلى مراجعته؛ إذ الاسْتِهْزَاءُ بالرسول والخسرة منه ومخاطبته بما يفهم الاستخفاف بحقه وعلوّ شأنه وعظيم منزلته كفر بواح.
وفي الآية الثانية (105) أخبر تعالى عباده المؤمنين بأن الكفرين من أهل الكتاب ومن غيرهم من المشركين الوثنيين لا يحبون أن يُنزل عليكم من خير من ربكم وساء كان قرآنُاً يحمل أسمى الآداب وأعظم الشرائع وأهدى سبل السعادة والكمال، أو كان غير ذلك من سائر أنواع الخيرات، وذلك حسداً منهم للمؤمنين كما أخبرهم أنه تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده فحسد الكافرين لكم لا يمنع فضل الله عليكم ورحمته بكم متى أرادكم بذلك.

.من هداية الآيتين:

1- وجوب التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخاطبته بعدم استعمال أي لفظة قد تفهم غير الإِجلال والإِكبار له صلى الله عليه وسلم.
2- وجوب السماع لرسول الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وعند مخاطبته لمن أكرمهم الله تعالى بمعايشته والوجود معه.
3- التحذير من الكافرين كتابيين أو مشركين لأنهم أعداء حسدة للمؤمنين فلا يحل الركون إليهم والإِطمئنان إلى أقوالهم وأفعالهم، إذ الريبة لا تفاقهم.