فصل: تفسير الآيات (11- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (8- 10):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)}

.شرح الكلمات:

{ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى}: أي المسارة الكلامية والمهيون هم اليهود والمنافقون.
{ثم يعودون لما نهوا}: أي من التناجى تعمداً لأذية المؤمنين بالمدينة.
{ويتناجون بالإِثم والعدوان}: أي بما هو إثم في نفسه، وعداوة الرسول والمؤمنين.
{ومعصية الرسول}: أي يتناجون فيوصى بعضهم بعضاً بمعصية الرسول وعدم طاعته.
{وإذا جاءوك حيوك}: أي جاءوك أيها النبي حيوك بقولهم السام عليك.
{بما لم يحبك به الله}: أي حيوك بلفظ السام عليك، وهذا لم يحيى الله به رسوله على حياه بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
{ويقولون في أنفسهم}: أي سراً فيما بينهم.
{لولا يعذبنا الله بما نقول}: أي هلا يعذبنا الله بما نقول له، فلو كان نبياً لعاجلنا الله بالعقوبة.
{حسبهم جهنم يصلونها}: أي يكفيهم عذاب جهنم يصلونها فبئس المصير لهم.
{فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان}: أي فلا يناج بعضكم بما هو إثم ولا بما هو عدوان وظلم ولا بما هو معصية للرسول.
{وتناجوا بالبر والتقوى}: أي وتناجوا إن أردتم ذلك بالبر أي الخير والتقوى وهي طاعة الله والرسول.
{إنما النجوى من الشيطان}: أي إنما النجوى بالإِثم والعدوان من الشيطان أي بتغريره.
{ليحزن الذين آمنوا}: أي ليوهمهم انها بسبب شيء وقع ما يؤذيهم.
{وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله}: ألا وليس التناجي بضار المؤمنين شيئاً إلا بإرادة الله تعالى.
{وعلى الله فليتوكل المؤمنون}: أي وعلى الله لا على غيره يجب أن يتوكل المؤمنون.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ألم تر} الآية: هذه نزلت في يهود المدينة والمنافقين فيها. إذ كانوا {يتناجون} أي يتحدثون سرّاً على مرأًى من المؤمنين، والوقت وقت حرب فيوهمون المؤمنين إن عدواً قد عزم على غزوهم، أو أن سرية هزمت أو أن مؤامرة تحاك ضدهم فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجي: «وقال لا يتناج اثنان دون ثالث» وأبوا إلا أن يتناجوا فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب رسوله منهم ويوعدهم بعد فضحهم وكشف الستار عن كيدهم للمؤمنين ومكرهم بهم فقال تعالى لرسول ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى وهي التناجى المحادثة السرية أمام الناس، ثم يعودون لما نهوا عنه عصياناً وتمرداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتناجون لا بالبر والتقوى، ولكن بالإِثم والعدوان ومعصيت الرسول أي بما هو إثم في نفسه كالغيبة والبذاء في القول، وبالعدوان وهو الاعتداء على المؤمنين وظلمهم، وبمعصية الرسول فيوصى بعضه بعضاً بعصيان الرسول وعدم طاعته في أمره ونهيه.
هذا وشرَّ منه أنهم إذا جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيَّوه بما لم يحيه به الله فلم يقولوا السلام عليكم ولكن يقولون السام عليكم والسام الموت يلوون بها ألسنتهم، ويأتون الرسول واحداً واحداً ليحيوه بهذه التحية الخبيثة ليدعوا عليه بالموت لعنة الله عليهم ما أكثر أذاهم وما أشد مكرهم وما أنتن خبثهم ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد نبياً لآخذنا الله بما نقول له من الدعاء عليه بالموت وهذا معنى قوله تعالى عنهم: {ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} أي هلاًَّ عذبنا الله بما نقول لمحمد صلى الله عليه وسلم لو كان نبياً.
قال تعالى حسبهم عذاباً جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في الدار الآخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب الله ولعنته عليهم.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} هذه الآية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين روحياً وتهذيبهم أخلاقياً فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله إذا تناجيتم لأمر استدعى ذلك منكم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول فتكون حالكم كحال اليهود والمنافقين ولكن {تناجوا بالبر والتقوى} أي بما هو خير في نفسه لا إثم فيه بطاعة الله ورسوله إذ هم االتقوى، واتقوا الله الذي إليه تحشرون يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته وطاعة رسوله.
وقوله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} أي هو الدافع إليها والحامل عليها وذلك لعلة وهي أن يوقع المؤمنين في غم وحزن، وليس التناجى ولا الشيطان بضار المؤمنين شيئاً إلا بإرادة الله تعالى لحكم عالية يعلمها الله، ولذا فلا تحزنوا ولا تغتموا لما ترون من تناجى أعدائكم من اليهود والمنافقين، وتوكلا على الله في أموركم كلها. وعلى الله تعالى لا على غيره فليتوكل المؤمنون في كل زمان ومكان. فإن الله تعالى كافٍ من يتوكل عليه كافيه كل ما يهمه والله على ذلك قدير.

.من هداية الآيات:

1- بيان مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان.
2- إذا حيا الكافرُ المؤمنَ ورد عليه المؤمنُ رد عليه بقوله وعليكم لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القسم فقال صلى الله عليه وسلم: «وعليكم». فقالت عائشة رضي الله عنها عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم. فقال لها عليه الصلاة والسلام «يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش». فقالت: ألا تسمعهم يقولون السام؟ «فقال لها أو ما سمعت ما أقول: وعليكم». فأنزل الله هذه الآية رواه الشيخان.
3- إذا سلم الذميّ وكان سلامه بلفظ السلام عليكم لا بأس أن يرد عليه بلفظه.
4- حرمة التناجى بغير البر والتقوى لقوله تعالى: {إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} الآية من سورة السورة.
5- لا يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث لما يوقع ذلك في نفس الثالث من حزن لاسيما إن كان ذلك في سفر أو في حرب وما إلى ذلك.
6- وجوب التوكل على الله وترك الأوهام والوساوس فإنها من الشيطان.

.تفسير الآيات (11- 13):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)}

.شرح الكلمات:

تفسحوا في المجالس: أي توسعوا في المجالس التي هي مجالس علم وذكر.
{فافسحوا يفسح الله لكم}: أي في الجنة وفي الرزق والقبر.
{انشزوا فانشزوا}: أي قوموا للصلاة أو لغيرها من أعمال البر.
{يرفع الله الذين آمنوا منكم}: أي بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وفي غرفات الجنات في الآخرة.
{والذين اوتوا العلم درجات}: أي ويرفع الذين اوتوا العلم درجات عالية لجمعهم بين العلم والعمل.
{إذا ناجيتم الرسول}: أي أردتم مناجاته.
{فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}: أي قبل المناجاة تصدقوا بصدقة ثم ناجوه صلى الله عليه وسلم.
{ذلك خير لكم وأطهر}: أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لما فيه من نفع الفقراء وأطهر لذنوبكم.
{فإن لم تجدوا}: أي فإن لم تجدوا ما تتصدقون به.
{فإن الله غفور رحيم}: أي غفور لمناجاتكم رحيم بكم فليس عليكم في المناجاة بدون صدقة إثم.
{ءاشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات}: أي أَخِفْتُم الفقر إن قدمتم بين يدي نجواكم صدقات.
{فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم}: أي تقديم الصدقات، وتاب الله عليكم بأن رخص لكم في تركها.
{فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}: أي على الوجه المطلوب من إقامتها وأخرجوا الزكاة.
{وأطيعوا الله ورسوله}: أي وداوموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله.
{والله خبير بما تعملون}: أي من أعمال البر والإِحسان وسيثيبكم على ذلك بالجنة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تربية المؤمنين وتهذيبهم ليكملوا ويسعدوا فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا الله ورسوله {إذ قيل لكم تفسحوا في المجالس} أي إذا قال لكم الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره توسعوا في المجلس ليجد غيركم مكاناً بينكم فتوسعوا ولا تضنوا بالقرب من الرسول أو من العالم الذي يعلمكم أو المذكر الذي يذكركم وإن أنتم تفسحتم أي فإن الله تعالى يكافئكم فيوسع عليكم في الدنيا بسعة الرزق وفي البرزخ في القبر وفي الآخرة في غرفات الجنان.
وقوله تعالى: {وإذا قيل انشزوا} أي قوموا من المجلس لعلة أو للصلاة أو للقتال أو لفعل بر وخير فانشزوا أي خفوا وقوموا يئبكم الله فيرفع الله الذي آمنوا منكم درجات بالنصر والذكر الحسن في الدنيا وفي غرف الجنة في الآخرة والذين أوتوا العلم درجات أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون درجاتٍ عالية لجمعهم بين الإِيمان والعلم والعمل.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} أمرهم تعالى إذا أراد أحدهم أن يناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكلمه وحده أن يقدم صدقة أولاً ثم يطلب المناجاة وكان هذا لمصحلة الفقراء أولا ثم للتخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كل مؤمن يود أن يخلو فأعلمهم أنه يريد التخفيف عن رسوله.
فلما علموا ذلك وتحرجوا من بذل صدقة وأكثرهم فقراء لا يجدها نسخ تعالى ذلك ولم تدم مدة الوجوب أكثر من ليالى ونسخها الله تعالى بقوله الآتي أأشفقتم. الآية.
وقوله تعالى: {ذلك خير لكم وأطهر} أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لم حيث تعود الصدقة على الفقراء إخوانكم وأطهر أي لنفوسكم لأن النفس تطهر بالعمل الصالح وقوله تعالى: {فإن لم تجدوا} أي ما تقدمونه صدقة قبل المناجاة فناجوه صلى الله عليه وسلم ولا حرج عليكم لعدم وجدكم فإن الله غفور لكم رحيم بكم. وقوله تعالى: {ءأشفقتم} أي أخفتم الفاقة والفقر إن أنتم أزمتم بالصدقة بين يدي كل مناجاة وعليه فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم برفع هذا الواجب ونسخه فرجع بكم إلى عهد ما قبل وجوب الصدقة فأقيموا الصلاة بأدائها في أوقاتها في جماعة المؤمنينمراعين شرائطها وأركانها وسننها وآدابها وآتوا الزكاة الواجبة في أموالكم. وأطيعوا الله ورسوله في أمرهما ونهيهما يكفكم ذلك عوضاً عن الصدقة التي نسخت تخفيفاً عليكم ورحمة بكم.
وقوله: {والله بما تعملون خيبر} أي فراقبوه في طاعته وطاعة رسوله تفلحون فتنجوا من النار وتدخلوا الجنة دار الأبرار.

.من هداية الآيات:

1- الندب إلى فضيلة التوسع في مجالس العلم والتذكير.
2- الندب والترغيب في القيام بالمعروف وأداء الواجبات إذا دعى المؤمن إلى ذلك.
3- فضيلة الإِيمان وفضل العلم والعمل به.
4- مشروعية النسخ في الشريعة قبل العلم بالمنسوخ وبعده إذ هذه الصدقة نسخت قبل أن يعمل بها اللهم إلا ما كان من عليّ رضي الله عنه فإنه أخبر أنه تصدق بدينار وناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخت هذه الصدقة فكان يقول في القرآن آية لم يعمل بها أحد غيري وهى فضيلة له رضي الله عنه.
5- في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة ورسوله في الواجبات والمحرمات عوض عما يفوت المؤمن من النوافل.

.تفسير الآيات (14- 19):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}

.شرح الكلمات:

{ألم تر إلى الذين تولوا}: أي ألم تنظر إلى المنافقين الذي تولوا.
{قوما غضب الله عليهم}: أي اليهود.
{ما هم منكم ولا منهم}: أي ما هم منكم أيها المؤمنون ولا منهم أي من اليهود بل هم مذبذبون.
{ويحلفون على الكذب وهم يعلمون}: أي يحلفون لكم أنهم مؤمنون وهم يعلمون أنهم غير مؤمنين.
{إنهم ساء ما كانوا يعملون}: أي قبح أشد عملهم وهو النفاق والمعاصي.
{اتخذا أيمانهم جنة}: أي ستراً على أنفسهم وأموالهم فادعوا الإِيمان كذباً وحلفوا أنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين.
{فصدوا عن سبيل الله}: أي فصدوا بتلك الأيمان المؤمنين عن سبيل الله التي هي جهادهم وقتالهم.
{فيحلفون له كما يحلفون لكم}: أي يوم يبعثهم من قبورهم يوم القيامة يحلفون لله أنهم كانوا مؤمنين كما يحلفون اليوم لكم أنهم مؤمنون.
{وحسبون أنهم على شيء}: أي يظنون في أيمانهم الكاذبة أنهم على شيء من الحق.
{استحوذ عليهم الشيطان}: أي غلب عليهم الشيطان.
{فأنساهم ذكر الله}: فلم يذكروه بألسنتهم إلا تقية ولا يذكرون وعده ولا وعيده.
{أولئك حزب الشيطان}: أي أولئك البعداء أتباع الشيطان وجنده.
{ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}: أي إن أتباع الشيطان وجنده هم المغبونون الخاسرون في صفقة حياتهم.

.معنى الآيات:

في هذه الأيام التي نزلت فيها هذه اسورة كان النفاق بالمدينة بالغاً أشده، وكان اليهود كذلك كثيرين ومتحزبين ضد الإِسلام والمسلمين وذلك قبل اجلائهم من المدينة ففي هذه الآية يحذر الله تعالى رسوله والمؤمنين من العدوين معاً ويكشف الستار عنهم ليظهرهم على حقيقتهم ليحذرهم المؤمنين فيقول تعالى: {ألم تر} أي تنظر يا رسولنا إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم وهم اليهود تولاهم المنافقون ولاية نصرة وتحزب ضد الرسول والمؤمنين. يقول تعالى هؤلاء المنافقون ما هم منكم أيها المؤمنون ولا منهم من اليهود بل هم مذبذبون حيارى يترددون بينكم وبين اليهود معكم في الظاهر ومع اليهود في الباطن.
وقوله تعالى: {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} أي أنهم كاذبون إذ كانوا يأتون رسول الله ويحلفون له أنهم مؤمنون به وبما جاء به وهم يعلمون أنهم كاذبون إذ هم غير مؤمنين به ولا مصدقين. فتوعدهم الله عز وجل بقوله: {أعد الله لهم عذاباً شديداً} أي هيأ لهم وأحضروه وذلك يوم القيامة، وندد بصنيعهم وقبح سلوكهم بقوله إنهم ساء ما كانوةا يعملون ولذا أعد لهم العذاب الشديد لسوء سلوكهم وقبح أعمالهم.
وقوله تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين} أي اتخذ هؤلاء المنافقون أيمانهم التي يحلفونها لكم بأنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين اتخذوها ستارة ووقاية يقون بها أنفسهم من القتل وأموالهم من الأخذ فصدوا بتلك الأيمان الكاذبة المؤمنين عن سبيل الله التي هي قتالهم لأنهم كفار مشركون يجب قتالهم حتى يدخلوا في دين الله أو يهلكوا لأنهم ليسوا أهل كتاب فتقبل منهم الجزية.
وقوله تعالى: {فلهم عذاب مهين} أي يوم القيامة يهانون ويذلون به.
وقوله تعالى: {لن تغني عنهم} أي يوم القيامة أموالهم التي يجمعونها ويتمتعون بها اليوم كما لا تغنى عنهم أولادهم الذين يعتزون بهم من الله شيئاً من الإِغناء فلا تقبل منهم فدية فيفتدون بأموالهم ولا يطلبون من أولادهم نصرة فينصرونهم. أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لا يخرجون منها ولا يموتون فيها ولا يحيون.
وقوله تعالى: {يوم يبعثم الله جميعاً} أي اذكر يا رسولنا يوم يبعثهم الله جميعاً في عرصات القيامة فيحلفون له أنهم كانوا مؤمنين كما يحلفون لكم اليوم أنهم مؤمنون. ويحسبون اليوم أي يظنون أنهم على شيء من الصواب والحق ألا إنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان أي غلب عليهم فانساهم ذكر الله فلا يذكرونه إلا قليلاً كما أنساهم ذكر وعده ووعيده فلذا هم لا يرغبون فما عنده ولا يرهبون مما لديه. أولئك حزب الشيطان أي أتباعه وجنده. ألا إنَّ حزب الشيطان أي أتباعه وجنده هم الخاسرون أي المغبونون في صفقتهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة.

.من هداية الآيات:

1- حرمة مولاة اليهود.
2- حرمة الحلف على الكذب وهي اليمين الغموس.
3- من علامات استحواذ الشطيان على الإِنسان تركه لذكر الله بقلبه ولسانه ولوعده ووعيده بأعماله وأقواله.

.تفسير الآيات (20- 22):

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}

.شرح الكلمات:

{إن الذين يحادون الله ورسوله}: أي يخالفون الله ورسوله فيما يأمران به وينهيان عنه.
{أولئك في الأذلين}: أي المغلوبين المقهورين.
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلى}: أي كتب في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم بأن يغلب بالحجة أو السيف.
{يوادون من حاد الله ورسوله}: أي يصادقون من يخالف الله ورسوله بمحبتهم ونصرتهم.
{ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}: أي يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على الإِيمان كما وقع للصحابة.
{أولئك كتب في قلوبهم الإِيمان}: أي أثبت الإِيمان في قلوبهم.
{وأيدهم بروح منه}: أي برهان ونور وهدًى.
{رضي الله عنهم ورضوا عنه}: أي رضي الله عنهم بطاعتهم إياه في الدنيا ورضوا عنه في الآرة بإدخاله إياهم في الجنة.
{ألا أن حزب الله هم المفلحون}: أي أَلا إِن جند الله وأوليائه هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى موجها المؤمنين مرشداً لهم إلى أقوم طريق وأكل الأحوال فيقول: {إن الذين يحادون الله ورسوله} أي خالفونهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من الدين الحق {أولئك} أي المخالفون في زمرة الأذلين في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} أي كتب في اللوح المحفوظ وقضى بأن يغلب رسوله أعداءه بالحجة والسيف. {إن الله قوى عزيز} أي ذو قوة لا تقهر وعزة لا ترام فلذا قضى بنصرة رسوله على أعدائه مهما كانت قوتهم.
وقوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله وباليوم الآخر} يقول تعالى لرسوله لا تجد أناساً يؤمنون بالله إيماناً صادقاً بالله رباً وإلهاً وباليوم الآخر يوادون بالمحبة والنصرة من حاد الله ورسوله بمخالفتهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من توحيد الله وطاعته وطاعة رسوله ولو كانوا أقرب قريب إليهم من أب أو إبن أو أخ أو عشيرة. وقوله تعالى: {أولئك كتب} أي الله تعالى في قلوبهم الإِيمان أي أثبته وقرره فيها فهو لا يبرح ينير لهم طريق الهدى حتى ينتهوا إلى جوار ربهم.
{وأيدهم بروح منه} أي ببرهان ونور منه سبحانه وتعالى هذا في الدنيا وأما في الآخرة فيدخلهم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهار أي بساتين غناء تجرى الأنهار المختلفة من خلال الأشجار والقصور خالدين فيها لا يخرجون منها أبدا، وفوق ذلك رضي الله عنهم بطاعتهم إياه ورضوا عنه في الآخرة بإدخاله إياهم الجنة دار المتقين.
وقوله تعالى: {أولئك حزب الله} أو أولئك العالون في كمالاتهم الروحية حزب الله أي جنده وأولياؤه، ثم أعلن تعالى عن فوزهم ونجاحهم فقال: {ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون} أي الفائزون يوم القيامة بالنجاة من النار ودخول الجنة.

.من هداية الآيات:

1- كتب الله الذل والصغار على من حاده وحاد رسوله بمخالفتهما فيما يحبان ويكرهان.
2- قضى الله تعالى بنصرة رسوله فنصره إنه قوي عزيز.
3- حرمة موالاة الكافر بالنصرة والمحبة ولو كان أقرب قريب، وقد قاتل أصحاب رسول الله آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم في بدر. وفيهم نزلت هذه الآية تبشرهم برضوان الله تعالى لهم، وإنعامه عليهم اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم.