فصل: تفسير الآيات (117- 122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (94- 95):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}

.شرح الكلمات:

{في قرية}: القرية: المدينة الجامعة لأعيان البلاد ورؤسائها وهي المدينة.
{بالبأساء}: بالشدة كالقحط والجوع والحروب.
{والضراء}: الحالة المضرة كالأمراض والغلاء وشدة المؤونة.
{يضرعون}: يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه ليكشف عنهم السوء.
{مكان السيئة الحسنة}: أي بدل الغلاء الرخاء، وبدل الخوف الأمن، وبدل المرض الصحة.
{حتى عفوا}: كثرت خيراتهم ونمت أموالهم، وأصبحت حالهم كلها حسنة.
{أخذناهم بغتة}: أنزلنا بهم العقوبة فجأة.

.معنى الآيتين:

على إثر بيان قصص خمسة أنبياء ذكر تعالى سنته في الأمم السابقة ليكون ذلك عظة لكفار قريش، وذكرى للمؤمنين فقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية} أي في أهل والمراد بالقرية الحاضرة والعاصمة من كبريات المدن حيث الكبراء والرؤساء من نبي من الأنبياء والمرسلين فكذبوه قومه وردوا دعوته مصرين على الشرك والضلال إلا أخذ الله تعالى أهل تلك المدينة بألوان من العذاب التأديبى كالقحط والجوع وشظف العيش، والأمراض والحروب المعبر عنه بالبأساء والضراء. رجاء أن يرجعوا إلى الحق بعد النفور منه، وقبوله بعد الإِعراض عنه ثم يغير تعالى ما بهم من بأساء وضراء إلى يسر ورخاء، وعافية وهنا فتكثر أموالهم وأولادهم ويعظهم سلطانهم، ويقولون عندما يوعظون ويذكرون ليتوبوا فيؤمنوا ويتقوا: {قد مس آباءنا الضراء والسراء} أي الخير والشر وما هناك ما تخوفوننا به إنما هي الأيام هكذا دول يوم عسر وآخر يسر وبذلك يحق عليهم العذاب فيأخذهم الجبار عز وجل فجأة {وهم لا يشعرون} فيتم هلاكهم ويمسون حديث عبرة لمن بعدهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة وعذاب الآخرة أشد وأبقى.

.من هداية الآيتين:

1- بيان سنة الله تعالى في الأمم السابقة.
2- تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ الله تعالى المصرين على الكفر المتمردين على الحق.
3- التذكير والوعظ بتاريخ الأمم السابقة المنبئ عن أسباب هلاكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلاء، كما قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}.

.تفسير الآيات (96- 100):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}

.شرح الكلمات:

{آمنوا واتقوا}: أي آمنوا بالله ورسوله ووعد الله ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته.
{بركات من السماء والأرض}: جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم والإِلهام والمطر من بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والأمن والعافية من بركات الأرض.
{يكسبون}: من الشرك والمعاصي.
{بياتا}: أي ليلاً وهم نائمون.
{مكر الله}: استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة الأبدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.
{أو لم يهد لهم}: أي أو لم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.
{بذنوبهم}: أي بسبب ذنوبهم.

.معنى الآيات:

بعدما بين تعالى سنته في الأمم السابقة، وهي أخذ الأمة بعد تكذيبها عصيانها بالبأساء والضراء، ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة مالها وصلاح حالها أخذها بغتة فأهلكها، وتم خسرانها في الدارين، فتح الله باب التوبة والرجاء لعباده فقال: {ولو أن أهل القرى} المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن {آمنوا} أي بالله ورسوله وبلقاء الله ووعده ووعيده، {واتقوا} الله تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات، وفتح عليهم كنوز الأرض ورزقهم من الطيبات ولكن أهل القرى الأولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون، وأهل القرى اليوم وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الأولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا، وإما أن يصروا على لاشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب الإِبادة والاستئصال، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (96) وهي قوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أما الآيات الثلاث بعدها فإن الله تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخاً لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجباً من حالهم فيقول: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياناً وهم نائمون} أي أجهلوا من نزل بمن قبلهم فأمنوا أن يأتيهم عذابنا ليلاً وهم نائمون؟ {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا {ضحى وهم يلعبون} أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي لا تعود عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها {أفمنوا مكر الله}؟ أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا إياهم فأمنوا مكر الله؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وقوله تعالى في الآية الخامسة (100): {أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبنانهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي عمى الذين يرثون الأرض من بعد أهلها ولم يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم {ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى لا يعوا ما يقال لهم ولا يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم.

.من هداية الآيات:

1- عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على ولم يطلب منهم أكثر من الإِيمان والتقوى.
2- حرمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة.
3- حرمة الأمن من مكر الله تعالى.
4- إذا أمنت مكر الله تهيأت للخسران وحل بها لا محالة.
5- وجوب الاعتبار بما أصاب الأولين، وذلك بترك ما كان سبباً لهلاكهم.

.تفسير الآيات (101- 102):

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}

.شرح الكلمات:

{تلك القرى}: الإِشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
{من أنبائها}: أي من أخبارها.
{بالبينات}: بالحجج والبراهين الدالة على توحيد الله وصدق رسله.
{من قبل}: أي من قبل خلقهم ووجودهم، إذ علم الله تعالى تكذيبهم فكتبه عليهم في كتاب المقادير.
{وما وجدنا لأكثرهم من عهد}: أي لم نجد لأكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ الميثاق.

.معنى الآيتين:

يخاطب الرب تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قائلا {تلك القرى نقص عليك من أنبائها} أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى الإِيمان والتوحيد والطاعة، وكيف ردت تلك الأمم دعوة الله واستكبرت على عبادته، وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا. وقوله تعالى: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما جاءتهم به رسلهم من امر ونهي من ربهم. وقوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} أي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في لعلم الله وقدره إذ علم الله أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم لا يؤمنون، وقوله تعالى: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم لا يؤمنون ولم يؤمنوا فعلاً فأهلكهم، يطبع كذلك على قلوب الكافرين فلا يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم. وهذا الحكم الإِلهي قائم على مبدأ ان الله علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على غيره ويعمله باختياره وارادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه إلى الدنيا لا يعمل إلا به. ليصل إلى ما كتب عليه، وقدر له أزلاً قبل خلق السموات والأرض، وقوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} أي لم نجد لتلك الأمم التي أهلكنا وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. لم نجد لأكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من الإِيمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا، وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا وطاعة رسلنا، وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.

.من هداية الآيتين:

1- تقرير الوحي الإِلهي وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ما قُصَّ من أنباء الأولين لا يُتَلَقَّى إلا بوحي إلهي ولا يتلقى عن الله تعالى إلا رسول أَعِدَّ لذلك.
2- وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ الله هدايته.
3- المؤمن من آمن في الأزل، والكافر من كفر فيه.
4- الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما كانت الحال.

.تفسير الآيات (103- 108):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}

.شرح الكلمات:

{ثم بعثنا من بعدهم}: أي من بعد نوح وهود صالح ولوط وشعيب.
{موسى}: هو موسى بن عمران من ذرية يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
{بآياتنا}: هي تسع آيات: العصا، واليد، والسنون المجدبة، والدم، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والطمس على أموال فرعون.
{إلى فرعون}: أي بعث موسى الرسول إلى فرعون وهو الوليد بن مصعب بن الريان، ملك مصر.
{وملئه}: أي أشراف قومه وأعيانهم من رؤساء وكبراء.
{فظلموا بها}: أي ظلموا أنفسهم بالآيات وما تحمله من هدى حيث كفروا بها.
{بينة من ربكم}: حجة قاطعة وبرهان ساطع على أني رسول الله إليكم.
{ونزع يده}: أخرجها بسرعة من جيبه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى} هذا شروع في ذكر القصص السادس مما اشتملت عليه سورة الأعراف، وهي قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملئه. قال تعالى وهو يقص على نبيه ليثبت به فؤاده، ويقرر به نبوته، ويعظ امته، ويذكر به قومه {ثم بعثنا من بعدهم} أي من بعد نوح وهود صالح ولوط وشعيب موسى بن عمران إلى فرعون وملئه من رجالات ملكه ودولته، وقوله بآياتنا. هي تسع آيات لتكون حجة على صدق رسالته وأحقية دعوته. وقوله تعالى: {فظلموا بها} أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها، واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم الله تعالى بإغراقهم، ثم قال لرسوله {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي دماراً وهلاكاً وهي عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي. هذا ما دلت عيله الآية الأولى (103) وأما الآيات بعدها فإنها في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب. وأتى موسى فرعون وقال: {يا فرعون إني رسول الله من رب العالمين حقيق} أي جدير وخليق بي {أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم} دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول {فأرسل معي بني إسرائيل} لأذهب بهم إلى أرض الشام التي كتب الله لهم وقد كانت دار آبائهم. وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالآية التي ذكر أنه جاء بها فقال: {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعيه وتقول به وتدعوا إليه. وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالآية: {فإذا هي ثعبان مبين} أي حية عظيمة تهتز {فغذا هي بيضاء للناظرين} بيضاء بياضاً غير معهود مثله في أيدي الناس. هذا ما تضمنته هذه الآيات الخمس في هذا السياق.

.من هداية الآيات:

1- بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي.
2- تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس رباً بل هناك رب العالمين وهو الله رب موسى وهرون والناس أجمعين.
3- تقرير مبدأ الصدق لدى الرسل عليهم السلام.
4- ظهور آيتين لموسى العَصَا واليد.

.تفسير الآيات (109- 112):

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}

.شرح الكلمات:

{ساحر عليم}: أي ذو علم بالسحر خبير به ليس مجرد مدّع.
{من أرضكم}: أي من بلادكم ليستولى عليها ويحكمكم.
{فماذا تأمرون}: أي أشيروا بما ترون الصواب في حل هذا المشكل.
{أرجه}: أي أمهله وأخاه لا تعجل عليهما قبل اتخاذ ما يلزم من الاحتياطات.
{في المدائن}: مدن المملكة الفرعونية.
{حاشرين}: رجالاً يجمعون السحرة الخبراء في فن السحر للمناظرة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تفصيل قصص موسى مع فرعون فبعد أن تقدم موسى بما طلب فرعون منه من الآية فأراه آية العصا، واليد، وشاهد الملأ من قوم فرعون الآيتين العظيمتين قالوا {إن هذا لساحر عليم} وذلك لما بهرتهم الآيتان تحول العصا إلى حية عظيمة واليد بيضاء من غير سوء كالبرص بل بياضها عجب حتى لكأنها فلقة قمر أي قطعة منه، واتهموا موسى فوراً بالسياسة وأنه يريد بهذا إخراجكم من بلادكم ليستولي عليها هو وقومه من بني إسرائيل، وهنا تكلم فرعون وقال: {فماذا تأمرون} أي بم تشيرون عليّ أيها الملأ والحال كما ذكرتم؟ فأجابوه قائلين {أرجه وأخاه} أي أوقفهما عندك {وأرسل في المدائن حاشرين} أي رجالاً من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء الإيالة أي الإقليم المصري، وأجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره وأمنا من خطره على بلادنا وأوضاعنا. هذا ما دلت عليه الآيات الأربع في هذا السياق.

.من هداية الآيات:

1- جهل الملأ بالآيات أدى بهم إلى أن قالوا إن موسى ساحر عليم.
2- مكر الملأ وخبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك وهو كذب بحت وإنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل الأقباط وهم أبناء الأنبياء وأحفاد إسرائيل وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام.
3- فضيحة فرعون حيث نسي دعواه الربوبية، فاستشار الملأ في شأنه، إذ الرب الحق لا يستشير عباده فيما يريد فعله لأنه لا يجهل ما يحدث مستقبلاً.
4- السحر صناعة من الصناعات يتعلم ويبرع فيها المرء، ويتقدم حتى يتفوق على غيره.
5- حرمة السحر وحرمة تعلمه، ووجوب إقامة الحد على من ظهر عليه وعرف به.

.تفسير الآيات (113- 116):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}

.شرح الكلمات:

{السحرة}: جمع ساحر وهو من يتقن فن السحر ويؤثر في أعين الناس بسحره.
{إن لنا لأجراً}: أي ثواباً من عندك أي اجراً تعطيناه إن نحن غلبنا.
{نحن الملقين}: لعصيّنا.
{سحروا أعين الناس}: حيث صار النظارة في الميدان يشاهدون عصي السحر وحبالهم يشاهدونها حيات وثعابين تملأ الساحة.
{واسترهبوهم}: أي أدخلوا الرهب والرعب في قلوب الناس من قوة أثر السحر في عيونهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام من جهة وبين فرعون وملئه من جهة أخرى، فقد جاء في الآيات السابقة أن الملأ أشارواعلى فرعون بأن يحبس موسى وأخاه هارون ويرسل شرطة في المدن يأتون بالخبراء في فن السحر لمناظرة موسى عيسى أن يغلبوه، وفعلاً أرسل فرعون في مدنه حاشرين يجمعون خبراء السحر، وها هم أولاء قد وصلوا قال تعالى: {وجاء السحرة فرعون} وعرفوا أن الموقف جد صعب على فرعون فطالبوه بالأجر العظيم إن هم غلبوا موسى وأخاه فوافق فرعون على طلبهم، وهو معنى قوله تعالى: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم} وزادهم أيضاً أن يجعلم من خواصه ورجال قصره فقال: {وإنكم لمن المقربين} أي لدينا. وهنا تقدموا لموسى وكأنهم على ثقة في قوتهم السحرية وان الجولة ستكون لهم، تقدموا بإلقاء آلاتهم السحرية أو تقدم موسى عليهم فقالوا {يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} أي الق عصاك أو نلقى نحن عصينا فقال لهم موسى {ألقوا} فألقوا فعلاً فسحروا أعين الناس وجاءوا بسحر عظيم كما أخبر تعالى الأمر الذي استرهب النظارة حتى إن موسى عيه السلام أوجس في نفسه خيفة فنهاه ربه تعالى عن ذلك وأعلمه أن الغالب بإذن الله تعالى جاء هذا الخبر في سورة طه.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية طلب الأجرة على العمل الذي يقوم به الإِنسان خارجاً عن نطاق العبادة.
2- مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلى للدولة.
3- تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلاف ما هو عيله إذ العصي والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين.

.تفسير الآيات (117- 122):

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}

.شرح الكلمات:

{تلقف}: تأخذ بسرعة فائقة وحذق عجيب.
{ما يأفكون}: ما يقلبون بسحرهم وتمويههم.
{فوقع الحق}: ثبت وظهر.
{صاغرين}: ذليلين.
{ساجدين}: ساقطين على وجوههم سجداً لربهم رب العالمين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في المناظرة أو المباراة بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون، فبعد أن ألقى السحرة حبالهم وعصيهم في الساحة وانقلبت بالتمويه السحري حيات وثعابين ورهب الناس من الموقف وظن فرعون وملأه أنهم غالبون أوحى الله تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه فألقاها {فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي تأخذه وتبتلعه وبذلك وقع الحق أي ظهر وثبت واستقر {وبطل ما كان يعملون} أي السحر والتمويه وقوله تعالى: {فغلبوا} أي فرعون وملأه وقومه {هنالك} أي في ساحة المباراة والمناظرة {وانقبلوا} إلى ديارهم {صاغرين} أي ذليلين مهزومين. وقوله تعالى: {وألقي السحرة ساجدين} أي إنهم بعد أن شاهدوا الآية الكبرى بهرتهم فخروا ساجدين كأنما ألقاهم أحد على وجه الأرض لا حراك لهم وهم يقولون {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وضمن ذلك فقد كفروا بربوبية فرعون الباطلة، لأن الإِيمان بالله سيلزم الكفر بما عداه، ولذا قالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} تلويحاً بكفرهم بفرعون الطاغية وبكل إله غير الله.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنته تعال في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائماً.
2- بطلان السحر وعدم فلاح أهله ولقوله تعالى في سورة طه {ولا يفلح الساحر حيث أتى}.
3- فضل العلم وأنه سبب الهداية فإيمان السحرة كان ثمرة العلم، إذ عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو آية له من الله فآمنوا.
4- مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين.