فصل: تفسير الآيات (16- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (23- 31):

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)}

.شرح الكلمات:

{نزلنا عليك القرآن تنزيلا}: أي شيئا فشيئا ولم ينزله جملة واحدة لحكمة بالغة.
{فاصبر لحكم ربك}: أي عليك بحمل رسالتك وإبلاغها إلى الناس.
{ولا تطع منهم آثما أو كفورا}: الآثم هنا عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة.
{واذكر اسم ربك بكرة واصيلا}: أي صل الصبح والظهر والعصر.
{ومن الليل فاسجد له}: أي صل صلاة المغرب والعشاء.
{وسبحه ليلا طويلا}: أي تهجد بالليل نافلة لك.
{يحبون العاجلة}: أي الدنيا.
{ويذرون وراءهم يوما ثقيلا}: أي يوم القيامة.
{وشددنا أسرهم}: أي قوينا أعضاءهم ومفاصلهم.
{وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا}: أي جعلنا أمثالهم في الخلقة بدلا منهم بعد أن نهلكهم.
{إن هذه تذكرة}: أي عظة للناس.
{اتخذ إلى ربه سبيلا}: أي طريقا إلى مرضاته وجواره بالإِيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.
{في رحمته}: أي الجنة.
{أعد لهم عذابا أليما}: أي في النار والأليم ذو الألم الموجع.

.معنى الآيات:

لقد عرض المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضا مفاده أن يترك دعوة الله تعالى إلى عبادته وتوحيده ويعبد ربّه وحده ويترك المشركين فيما هم فيه وله مقابل ذلك مال أو أزواج أو رئاسة وما إلى ذلك فأبى الله تعالى له ذلك وأنزل قوله: {إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك} على تحمل رسالتك وتبليغها إلى الناس {ولا تطع منهم} أي من مشركي قريش {آثما} كأبي جهل وعتبة بن ربيعة {ولا كفورا} كالوليد بن المغيرة أي لا تطعهما فيما طلبا إليك وعرضا عليك وواصل دعوتك واستعن بالصلاة والتسبيح والذكر ولدعاء، وفي قوله تعالى: {بكرة وأصيلا} إشارة غلى صلاة الصبح والظهر والعصر، وفي قوله: {ومن الليل فاسجد له} إشارة إلى صلاة المغرب والعشاء، وقوله: {وسبحه ليلا طويلا} صريح في انه التهجد إذ الصلاة نعم العون للعبد ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وقوله تعالى: {إن هؤلاء يحبون العاجلة} أي الدنيا يعني بهم كفار قريش يحبون الدنيا وسميت بالعاجلة لأنها ذاهبة مسرعة، {ويذرون وراءهم يوما ثقيلا} هو يوم القيامة فلم يؤمنوا ولم يعملوا بما يسعدهم فيه ويذكرهم تعالى بأنه خالقهم وقادر على تبديلهم بغيرهم فيقول {نحن خلقناهم} أي أوجدناهم من العدم {وشددنا أسرهم} أي قوينا ظهورهم وأعضاءهم ومفاصلهم {وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} أي جعلنا أمثالهم في الخلقة بدلا عنهم وأهلكناهم ولو شاء تعالى ذلك لكان ولكنه لم يشأ مع أنه في كل قرن يبدل جيلا بجيل هذا يميته وهذا يحييه وهو على كل شيء قدير. وفي خاتمة هذه السورة المشتملة على أنواع من الهدايات الكثيرة يقول تعالى: {إن هذه تذكرة} أي هذه السورة موعظة {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} طريقا إلى رضاه أولا ثم مجاورته في الملكوت الأعلى ثانيا، ولما أعطى تعالى المشيئة قيدها بأن يشاء الله ذلك المطلوب أولا، ومن هنا وجب الافتقار إلى الله تعالى بدعائه والضراعة إليه وهو قوله: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} إن الله كان عليما بخلقه وبما يصلحهمن أو يُفسدهنم حكيما في تدبيره لأوليائه خاصة ولباقي البشرية عامة فله الحمد وله المنة.
وقوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} إنه بهذا يدعو كافة البشرية غلى الافتقار إليه ليغنيهم وإلى عبادته ليزكيهم وإلى جواره فيطهرهم ويرفعهم هؤلاء أولياؤه من أهل الإِيمان والتقوى {والظالمين} أي المشركين {أعد لهم عذابا أليما} أي أهانهم لكفرهم به وشركهم في عبادته فأعد لهم عذابا مؤلما موجعا نعوذ بالله من عذابه وشديد عقابه.

.من هداية الآيات:

1- حرمة طاعة ذوي الإِثم وأهل الكفر في حال الاختيار.
2- على المؤمن أن يستعين بالصلاة والذكر والدعاء فإِنها نعم العون.
3- استحباب نافلة الليل.
4- مشيئة الله عز وجل قبل فوق كل مشيئة.
5- القرآن تذكرة للمؤمنين.

.سورة المرسلات:

.تفسير الآيات (1- 15):

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}

.شرح الكلمات:

{والمرسلات عرفا}: المرسلات الرياح الطيبة والعرف المتتابعة.
{فالعاصفات عصفا}: فالرياح الشديدة الهبوب المضرة لشدتها.
{والناشرات نشرا}: الرياح تنشر المطر وتفرقه في السماء نشرا.
{فالملقيات ذكرا}: أي فالملائكة تلقى بالوحي على الأنبياء للتذكير به.
{عذرا أو نذرا}: أي للاعذار بالنسبة إلى اقوام أو إنذار بالنسبة إلى آخرين.
{إنما توعدون لواقع}: أي إنما توعدون أيها الناس لكائن لا محالة.
{فإذا النجوم طمست}: أي محى نورها وذهبت.
{وإذا السماء فرجت}: أي انشقت وتصدعت.
{وإذا الجبال سيرت}: أي نسفت فإِذا هي هباء منبث مفرق هنا وهناك.
{وإذا الرسل أُقتت}: أي جمعت لوقت حدد لها لتحضر فيه.
{ليوم الفصل}: أي اليوم الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والمرسلات عرفا} هذا بداية قسم الله تعالى أقسم فيه بعدة اشياء من مخلوقاته ولله أن يقسم بما شاء، والحكمة من الإِقسام أن تسكن النفوس للخبر وتطمئن إلى صدق المخبر فيه وبذلك يحصل الغرض من إلقاء الخبر على السامعين والمقسم به هنا المرسلات وهي الرياح المتتابعة الطيبة العذبة والعاصفات منها وهي الشديدة الهبوب التي قد تعصف بالأشجار وتقتلعها وبالمباني وتهدمها والناشرات نشرا وهي الرياح المعتدلة التي تنشر السحاب وتفرقه أو تسوقه للإمطار وإِنزال المطر والفارقات فرقا وهي آيات القرآن الكريم تفرق بين الحق والباطل والملقيات ذكرا عذرا أو نذرا وهي الملائكة تلقى بالوحي على من اصطفى الله تعالى من عباده للاعذار والانذار أي تعذر أناسا وتنذر آخرين هذا هو القسم والقسم هو الله والمقسم عليه هو قوله جل ذكره إن ما توعدون أيها الناس من خير أو شر لواقع أي كائن لا محالة وعليه فأصلحوا أعمالكم بعد تصحيح نياتكم فإِن الجزاء واقع لا يتخلف أبدا ولا يتغير ولا يتبدل ومتى يقع هذا الموعود الكائن لا محالة والجواب يقع في يوم الفصل إذاً فما هو يوم الفصل والجواب يوم يحضر الله الشهود من الملائكة والرسل ويفصل بين الناس ومتى يكون يوم الفصل والجواب إذا النجوم طمست أي ذهب نورها ومحى وإذا السماء فرجت أي انشقت وتصدعت وإذا الجبال نسفت أي فتت وإذا الرسل أقتت أي حدد لها وقت معين تحضر فيه وهو يوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل تفخيم لشانه وإعلام بهوله وقوله تعالى: {ويل يومئذ} أي يوم يقع الفصل العذاب الهائل الكبير {للمكذبين} بالله وبآياته ولقائه ورسوله.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير خالقه عز وجل.
3- علامات القيامة وظاهرة الانقلاب الكوني العام وهي انطماس ضوء النجوم وانفراج السماء ونسف الجبال.
4- الوعيد الشديد بالويل الذي هو واد في جهنم تستغيث جهنم من حره للمكذبين بما يجب التصديق به من أركان الإِيمان الستة، والوعد والوعيد الإِلهيين.

.تفسير الآيات (16- 28):

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}

.شرح الكلمات:

{ألم نهلك الأولين}: أي كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى البعثة النبوية وذلك بتكذيبهم.
{ثم نتبعهم الآخرين}: أي إن أصروا على التكذيب ككفار مكة.
{كذلك نفعل بالمجرمين}: أي مثل ذلك الهلاك نهلك المجرمين.
{ويل يومئذ للمكذبين}: أي إذا جاء وقت الهلاك ويل فيه للمكذبين.
{من ماء مهين}: أي المنيّ والمهين الضعيف.
{في قرار مكين}: أي حريز وهو الرحم.
{إلى قدر معلوم}: أي إلى وقت الولادة.
{فقدرنا}: أي خلقه.
{فنعم القادرون}: أي نحن على الخلق والتقدير.
{كفاتا}: أي تكفت الناس أي تضمهم أحياء فوق ظهرها وأمواتا في بطنها.
{رواسي شامخات}: أي جبال عاليات.
{فُراتا}: أي عذبا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين} إنه لما أقسم تعالى على وقوع ما أوعد به المكذبين من عذاب يوم القيامة وذكر وقت مجيئه وعلامات ذلك وذكر أن الرسل أقتت ليوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل فيه تعالى بين الخلائق فيقتص من الظالم للمظلوم، ويجزي المحسن بإِحسانه والمسيء بإِساءته وتوعد المكذبين بذلك فقال ويل يومئذ للمكذبين دلل هنا على قدرته على إهلاك المكذبين بما سبق له أن فعله بالمكذبين فقال في استفهام تقريري لا ينكر {ألم نهلك الأولين} من الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط إلى زمن البعثة النبوية {ثم نتبعهم الآخرين} فقد أهلك أكابر مجرمي قريش في بدر وقوله: {وكذلك نفعل بالمجرمين} وهو وعيد صريح وحقا والله لقد أهلك المجرمين ولو ينج من الهلاك مجرم وويل يومئذ للمكذبين وقوله تعالى: {ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون}. هذا استدلال آخر على قدرة الله وعلمه اللذين لا يتم البعث والجزاء إلا عليهما قدرة لا يعجزها شيء وعلم لا يخفى معه شيء فقال مستفهما استفهاما تقريريا {ألم نخلقكم من ماء مهين} أي ضعيف هو المني {فجعلناه} أي الماء {في قرار مكين} أي حريز حصين وهو الرحم {إلى قدر معلوم} وهو زمن الولادة {فقدرنا} أي خلق الجنين على أحسن صورة أدق تركيب المسافات بين الأعضاء كما بين العينين كما بين اليدين والرجلين كما بين الأذنين كلها مقدرة تقديرا عجيبا لا تزيد ولا تنقص {فنعم القادرون} على الخلق والتقدير معا والجواب بلى ولم إذاً تكفرون وتكذبون؟ {ويل يومئذ للمكذبين} وقوله: {ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا} هذا استدلال آخر على قدرة الله على البعث والجزاء والاستفهام فيه للتقرير أيضا {ألم نجعل الأرض كفاتا} أي مكان كفاية مأخوذ من كفت الشيء إذا ضمه غلى بعضه بعضا والأرض ضامة للناس كافية لهم كافتة الأحياء على ظهرها يسكنون ويأكلون ويشربون والأموات في بطنها لا تضيق بهم أبدا كما لم تضق بالأحياء {وجعلنا فيها} أي في الأرض {رواسي شامخات} أي جبال عاليات {وأسقيناكم ماء فراتا} أي عذبا وهو ماء السماء ناقعا في الأرض وجاريا في الأودية والأنهار والجواب بلى، بلى إذاً مالكم أيها المشركون كيف تكذبون؟ {ويل يومئذ للمكذبين} أي ويل لهم إذا حان وقت هلاكهم أي {يوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل}

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- الاستدلال على البعث والجزاء بالقدرة والعلم إذ هما اساس البعث والجزاء.
3- بيان انعام الله تعالى على عباده في خلقهم ورزقهم وتدبير حياتهم أحياء وأمواتا.
4- بيان أن الناس أكثرهم لا يشكرون.
5- الوعيد الشديد للمكذبين الكافرين.

.تفسير الآيات (29- 40):

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}

.شرح الكلمات:

{انطلقوا غلى ما كنتم به تكذبون}: أي من العذاب.
{ظل ذي ثلاث شعب}: أي دخان جهنم إذا ارتفع انقسم إلى ثلاث شعب لعظمته.
{لا ظليل}: أي كنين ساتر يكن ويستر.
{ولا يغني من اللهب}: أي ولا يرد شيئا من الحر.
{إنها}: أي النار.
{بشرر كالقصر}: أي الشررة الواحدة كالقصر في عظمته وارتفاعه.
{كأنه جمالة صفر}: أي الشرر المتطاير من النار الشررة كالقصر في عظمها وارتفاعها وكالجمل في هيئتها ولونها والجمل الصفر السود الذي يميل إلى صفرة.
{هذا يوم لا ينطقون}: أي فيه بشيء.
{ولا يؤذن لهم}: أي في العذر.
{جمعناكم والأولين}: أي من المكذبين قبلكم.
{فإِن كان لكم كيد فكيدون}: أي حيلة في دفع العذاب فاحتالوا لدفع العذاب عنكم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الحياة كلها قوله تعالى: {انطلقوا} هذا يقال للمكذبين يوم القيامة وهم في عرصاتها يقال لهم تقريعاً وتبكيتاً انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون وهو عذاب الآخرة ويتهكم بهم ويسخرون منهم فيقولون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب وهو دخان النار إذا ارتفع يتشعب إلى ثلاث شعب وذلك لعظمته لا ظليل أي ليس هو ظلا حقيقيا كظل لشجرة والجدار فيكن ويستر ولا يغني من اللهب فيدفع الحر وقال تعالى في وصفها {إنها} أي النار {ترمي بشرر كالقصر} الشررة الواحدة كالقصر في كبره وارتفاعه كأنه أي الشرر جمالة صفراء أي الشررة كالجمل الصفر وهو الأسود المائل غلى الصفرة. ثم قال تعالى: {ويل يومئذ للمكذبين} يتوعد المكذبين به وبآياته ولقائه ورسوله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون} أي هذا يوم القيامة يوم لا ينطقون أي فيه بشيء {ولا يؤذن لهم} أي في الاعتذار فهم يعتذرون لا اعتذار ولا إذن به. ولطول يوم القيامة وتجدد الأحداث فيه يخبر القرآن مرة باعتذارهم وكلامهم في موطن، وينفيه في آخر، إذ هو ذاك الواقع في مواطن يتكلمون بل ويحلفون كاذبين وفي مواطن يغلب عليهم الخوف والحزن فلا يتكلمون بشيء وفي مواطن يطلب منهم أن يتكلموا فيتكلموا وفي أخرى لا، {ويل يومئذ للمكذبين} وعيد لكل المكذبين بهذا وبغيره وقوله تعالى: {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين} أي يقال لهم يوم القيامة وهم في عرصاتها هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جمعناكم فيه أيها المكذبون من هذه الأمة والمكذبين الأولين من قبلها، فإِن كان لكم كيد أي حيلة على خلاصكم مما أنتم فيه فكيدون أي احتالوا عليّ وخلصوا أنفسكم يقال لهم تبكيتا لهم وخزيا وهو عذاب روحي اشد الماً من العذاب الجسماني {ويل يومئذ للمكذبين} أي ويل يوم إذ يجيء يوم الفصل للمكذبين.

.من هداية الآيات:

1- التهكم والسخرية والتبكيت من ألم أ، واع العذاب الروحي يوم القيامة.
2- عرصات القيامة واسعة والمقام فيها طويل والبلاء فيها شديد.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يتم فيه.
4- التكذيب هو رأس الكفر، وبموجبه يكون العذاب.

.تفسير الآيات (41- 50):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}

.شرح الكلمات:

{إن المتقين}: أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وأطاعوه بفعل ما يحب وترك ما يكره.
{في ظلال}: أي في ظلال الأشجار الوارفة.
{وعيون}: أي من ماء ولبن وخمر وعسل.
{مما يشتهون}: لا مما يجدون كما هي الحال في الدنيا.
{إنا كذلك نجري المحسنين}: أ كما جزينا المتقين نجزي المحسنين.
{كلوا وتمتعوا}: أي في هذه الحياة الدنيا.
{وإذا قيل لهم اركعوا}: أي صلوا لا يصلون.
{بعده يؤمنون}: أي بعد القرآن غذ الكتب غيره ليست معجزة والقرآن هو المعجز بألفاظه ومعانيه فمن لم يؤمن بالقرآن ما آمن بغيره بحال من الأحوال.

.معنى الآيات:

من باب الترغيب والترهيب وهو أسلوب أمتاز به القرآن الكريم ذكر تعالى ما للمتقين من نعيم مقيم بعد ذكر ما للمكذبين الضالين من عذاب الجحيم فقال تعالى: {إن المتقين} وهم الذين اجتنبوا الشركَ والمعاصيَ {في ظلال وعيون} في ظلال أشجار الجنة وعيونها من ماء ولبن وخمر وعسل وفواكه كثيرة منوعة مما يشتهون على خلاف الدنيا إذ الناس يأكلون مما يجدون فلوا اشتهوا شيئا ولم يجدوه ما أكلوه وأما دار النعيم فإِن المرء ما اشتهى شيئا إلا وجده وأكله وهذا هو السر في التعبير في غير موضع بكلمة مما يشتهون. ومن إتمام النعيم أن يقال لهم تطييبا لخواطرهم كلوا واشربوا هنيئا أي متهنئين بما كنتم تعملون من الصالحات وتركون من السيئات. وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي كهذا الجزاء الذي جزينا به المتقين نجزي به المحسنين.
{ويل يومئذ للمكذبين} أي بهذا الوعد الكريم. قوله تعالى: {كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون}.
هذا قول الله تعالى لمشركي قيرش وكفارها يهددهم الرب تبارك وتعالى ناعيا عليهم إجرامهم حتى يحين وقتهم وقد حان حيث أعلمهم أنهم لا يتمتعون إلا قليلا وقد أهلكوا في بدر. وقوله: {ويل يومئذ للمكذبين} هو توعد بالعذاب الليم لمن يكذب بوعيد الله هذا ووعده ذاك. وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا} أي صلوا {لا يركعون} أي لا يصلون ولا يخشعون ولا يتواضعون فيقبلون الحق ويؤمنون به، ويل يومئذ للمكذبين بشرائع الله وهداه التاركين للصلاة وقوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} أي فبأي كتاب يؤمن هؤلاء المكذبون إذا لم يؤمنوا بالقرآن وذلك لما فيه من الخير والهدى ولما يدعو إليه من السعادة والكمال كما أنه معجز بألفاظه ومعانيه بخلاف الكتب غيره فمن لم يؤمن به لا يرجى له أن يؤمن بغيره بحال من الأحوال.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما أعد الله تعالى لأوليائه المؤمنين المتقين المحسنين.
2- بيان نعيم أهل التقوى والاحسان وفضلهما أي فضل التقوى والإِحسان.
3- صدق القرآن في أخباره إذ وعيد الله لأكابر مجرمي مكة نفذ بعد اقل من خمس سنوات.
4- من دخل مسجدا وأهله يصلون فليدخل معهم في صلاتهم وإن كان قد صلى حتى لا يكون غيره راكعا وهو غير راكع وقد جاء في الصحيح هذا المعنى.