فصل: تفسير الآيات (19- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (14- 17):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}

.شرح الكلمات:

{وعملوا الصالحات}: أي الفرائض والنوافل وأفعال الخير.
{يفعل ما يريد}: من إكرام المطيع وإهانة العاصي وغير ذلك ممن رحمة المؤمن وعذاب الكافر.
{أن لن ينصره الله}: أي محمداً صلى الله عليه وسلم.
{فليمدد بسبب}: أي بحبل.
{إلى السماء}: أي سقف بينه وليختنق غيظاً.
{هل يذهبن كيده}: أي في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يغيظه.
{وكذلك أنزلناه}: أي ومثل إنزالنا تلك الآيات السابقة أنزلنا القرآن.
{هادوا}: أي اليهود.
{والصابئين}: فرقة من النصارى.
{والمجوس}: عبدة النار والكواكب.
{على كل شيء شهيد}: أي عالم به حافظ له.

.معنى الآيات:

بعدما ذكر تعال جزاء الكافرين والمترددين بين الكفر والإيمان أخبر أنه تعالى يدخل الذين آمنوا به وبرسوله ولقاء ربهم ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض التي افترضها الله عليهم والنوافل التي رغبهم فيها يدخلهم جزاء لهم على إيمانهم وصالح أعمالهم جنات تجري من تحتها الأنهار وقوله تعالى: {إن الله يفعل ما يريد} ومن ذلك تعذيبه من كفر به وعصاه ورحمة من آمن به وأطاعةه وقوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله} أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله ودينه وعباده المؤمنين فلذا هو يتردد ولم يؤمن ولم ينخرط في سلك المسلمين كبني أسد وغطفان فإنا نرشده إلى ما يذهب عنه غيظه حيث يسوءه نصر الله تعالى لرسوله وكتابه ودينه وعباده المؤمنين وهو أن يأتي بحبل وليربطه بخشبة في سقف بيته ويشده على عنقه ثم ليقطع الحبلن وينظر بعد هذه العملية الانتحارية هل كيده هذا يذهب عنه الذي يغيظه؟
وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه آيات بينات} أي ومثل ذلك الإنزال للآيات التي تقدمت في بيان قدرة الله وعلمه في الخلق وإحياء الأرض وإعادة الحياة بعد الفناء أنزلنا القرآن آيات واضحات تحمل الهدى والخير لمن آمن بها وعمل بما فيها من شرائع وأحكام وقوله تعالى: {وإن الله يهدي من يريد} أي هدايته بأن يوفقه للنظر والتفكر فيعرف الحق فيطلبه ويأخذ به عقيدة وقولاَ وعملاً.
وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا} وهم المسلمون {والذين هادوا} وهم اليهود {والصابئين} وهم فرقة من النصارى يقرأون الزبور ويعبدون الكواكب {والنصارى} وهم عبدة الصليب {والمجوس} وهم عبدة النار والكواكب {والذين أشركوا} وهم عبدة الأوثان هؤلاء جميعا سيحكم الله بينهم يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار هذا هو الفصل الحق فالأديان ستة دين واحد للرحمن وخمسة للشيطان فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته، وأهل دين الشيطان يدخلهم النار مع الشيطان وقوله: {إن الله على كل شيء شهيد} أي علامل بكل شيء لا يخفى عليه شيء وسيجزى كل عامل بما عمل، ولا يهلك على الله إلا هالك فقد أنزل كتابه وبعث رسوله ورغب ورهب وواعد وأوعد والناس يختارون ما قدر لهم أو عليهم وسبحان الله العظيم.

.من هداية الآيات:

1- كل الأديان هي من وحي الشيطان وأهلها خاسرون إلا الإسلام فهو دين الله الحق وأهله هم الفائزون، أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكماً وقضاء.
2- ان الله ناصر دينه، ومكرم أهله، ومن غاظه ذلك ولم يرضه فليختنق.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
4- تقرير إرادة الله ومشيئته فهو تعالى يفعل ما يشاء ويهدي من يريد.

.تفسير الآية رقم (18):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}

.شرح الكلمات:

{ألم تر}: أي ألم تر بقلبك فتعلم.
{يسجد له}: أي يخضع ويذل له بوضع وجهه على الأرض بين يدي الرب تعالى.
{من في السموات}: من الملائكة.
{والدواب}: من سائر الحيوانات التي تدب على الأرض.
{حق عليه العذاب}: وجب عليه العذاب فلابد هو واقع به.
{ومن يهن الله}: أي يُشقِه في عذاب مهين.
{فماله من مكرم}: أي ليس له من مركم أي مسعد ليسعده، وقد أشقاه الله.

.معنى الآية الكريمة:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {ألم تر} أيها الرسول بقلبك فتلعم {أن الله يسجد له من في السموات} من الملائكة {ومن في الأرض} من الجن والدواب {والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} وهم المؤمنون المطيعون وكثير أي من الناس حق عليهم العذاب أي وجب لهم العذاب وثبت، فهو لا يسجد سجوده عبادة وقربة لنا أما سجود الخضوع فظلالهم تسجِد لنا بالصباح والمساء، وقوله تعالى: {ومن يهن الله فماله من مكرم} أي ومن أراد الله إشقاءه وعذابه فما له من مركم يكرمه بِرَفْع العذاب عنه واسعاده في دار السعادة وقوله: {إن الله يفعل ما يشاء} فمن شاء أهانه ومن شاء أكرمه فالخق خلقه وهو المتصرف فيهم مطلق التصرف فمن شاء أعزه، ومن شاء أذله فعلى عباده أن يرجعوا إليه بالتوبة بائلين رحمته مشفقين من عذابه فهذا أنجى لهم من عذابه وأقرب إلى رحمته.

.من هداية الآية الكريمة:

1- تقرير ربوبية الله وألوهيته.
2- سجود المخلوقات بحسب ذواتها، وما أراد الله تعالى منها.
3- كل شيء خاضع لله إلا الإِنسان فاكثر افراده عصاة له متمردون عليه وبذلك استوجبوا العذاب المهين.
4- التالي لهذه الآية والمستمع لتلاوته يسن لهم أن يسجدوا لله تعالى إذا بلغوا قوله تعالى: {إن الله يفعل ما يشاء}.

.تفسير الآيات (19- 24):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}

.شرح الكلمات:

{خصمان}: خصم مؤمن وخصم كافر كل واحد يريد أن يخصم صاحبه.
{اختصموا في ربهم}: أي في دينه.
{قطعت لهم ثياب}: أي فصلت لهم ثياب على قدر أجسامهم.
{يصهر به ما في بطونهم}: أي يذاب بالحميم وهوالماء الحار من شحوم وغيرها.
{مقامع من حديد}: جمع مقمعة وهى آلة من حديد كالمجن.
{وذوقوا عذاب الحريق}: أي يقال لهم توبيخاً وتقريعاً: ذوقوا عذاب النار.
{ولؤلؤا}: أي أساروا من لؤلؤ محلاة بالذهب.
{إلى الطيب من القول}: هو الإشهاد أن لا إله إلا الله.
{إلى صراط الحميد}: أي إلى الإسلام إذ هو طريق الله الموصل إلى رضاه وجنته.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {هذان خصمان} الخصم الأول المسلمون والثاني أهل الشرك والكفر {اختصموا في ربهم} أي في دينه تعالى كل خصم يدعي أنه على الدين الحق، وماتوا على ذلك وفصل الله تعالى بينهم يوم القيامة {فالذين كفروا} وهم أهل الدين الباطل ادخلوا النار وفصلت لهم ثياب من نار {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} أي الماء الحار المنتهي في الحراة، {يصهر به ما في بطونهم والجلود} من لحم وشحم، {ولهم مقامع من حديد} يضربون بها و{كلما أرادوا أن يخرجوا منها} أي من النار بسبب ما ينالهم من غم عظيم {أعيدوها فيها} أي تجبرهم الزبانية على العودة إليها ولم تمكنهم من الخروج منها، ويقولون لهم: {وذوقوا عذاب الحريق} أي لا تخرجوا منها وذوقوا عذاب الحريق. فهذا جزاء الخصم الكافر، وأما الخصم المؤمن فهذا جزاؤه وهو في قوله تعالى: {إن الله أساور من ذهب ولؤلؤا} أي أٍاور من لؤلؤ محلاة بالذهب {ولباسهم فيه} أي في الجنة {حرير} وقوله تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول} في الدنيا وهو لا إله إلا الله وسائر الأذكار والتسابيح وكل كلام طيب، {وهدوا إلى صراط الحميد} وهذا الطريق الموصل إلى رضا ربهم وهو الإسلام، وكل ذلك بتوفيق ربهم الذي آمنوا له وبرسوله وأطاعوه بفعل محابه وترك مساخطه.

.من هداية الآيات:

1- إثبات حقيقة هي أن المؤمن خصم الكافر والكافر خصم المؤمن في كل زمان ومكان حيث إنّ الآية نزلت في على وحمزة وعبيدة بن الحارث هذا الخصم المؤمن، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهذا الخصم الكافر وذلك أنهم تقاتلوا يوم بدر بالمبارزة ونصر الله الخصم المؤمن على الكافر.
2- بيان جزاء كل من الكافرين والمؤمنين في الدار الآخرة.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الآخرة وما للناس فيها.
4- بيان الطيب من القول وهو كلمة التوحيد وذكر الله تعالى.
5- بيان صراط الحميد وهو الإسلام جعلنا الله من أهله.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}

.شرح الكلمات:

{كفروا}: جحدوا توحيد الله وكذَّبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم.
{ويصدون عن سبيل الله}: يمنعون الناس من الإسلام، ويصرفونهم عنه.
{والمسجد الحرام}: مكة المكرمة والمسجد الحرام ضمنها.
{العاكف}: المقيم بمكة للتعبد في المسجد الحرام.
{والباد}: الطارئ عن مكة النازح إليها.
{بإلحاد بظلم}: أي إلحاداً أي ميلاً عن الحق مُلتبساً بظلم لنفسه أو لغيره.

.معنى الآية الكريمة:

قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله} هذه الآية الكريمة تحمل تهديداً ووعيداً شديداً لكل م نكفر بتوحيد الله وكذب رسوله وما جاء به من الهدى والدين الحق وصدَّ عن سبيل الله أي صرف الناس عن الدخول في الإسلام، وعن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت والإقامة بمكة للتعبد في المسجد الحرام والآية وإن تناولت المشركين الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة عام الحديبية فإنها عامة في كل من كفر وصدَّ إلى يوم القيامة وقوله تعالى: {الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادِ} هو وصف للمسجد الحرام إذ جعله الله تعالى موضع تنسُّك لكل من أتاه وأقام به أو يأتيه للعبادة ثم يخرج منه، فالعاكف أي المقيم فيه كالبادي الطارئ القدوم إليه هم سواء في حق الإقامة في مكة والمسجد الحرام للتعبد.
وقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} أي يرد بمعنى يعتزم الميل عن الحق فيه بظلم يرتكبه كالشرك وسائر الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره. وقوله تعالى: {نذقه من عذاب أليم} هذا جزاء من كفر وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام ومن أراد فيه إلحاداً بظلم لنفسه أو لغيره.

.من هداية الآية الكريمة:

1- التنديد بالكفر والصدَّ عن سبيل الله والمسجد الحرام والظلم فيه والوعيد الشديد لفاعل ذلك.
2- مكة بلد الله وحرمه من حق كل مسلم أن يقيم بها للتعبد والتنسك ما لم يظلم وينتهك حرمة الحرم بالذنوب والمعاصي، وخاصة الشرك والظلم والضلال.
3- عظيم شأن الحرم حيث يؤاخذ فيه على مجرد العزم على الفعل ولو لم يفعل.

.تفسير الآيات (26- 29):

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}

.شرح الكلمات:

{وإذ بوأنا لإبراهيم}: أي أذكر يا رسولنا إذ بوأنا: أي أنزلنا إبراهيم بمكة مبينين له مكان البيت.
{أن لا تشرك بي شيئاً}: أي ووصيناه بأن لا تشرك بي شيئاً من الشرك والشركاء.
{وطهر بيتي}: ونظف بيتي من أقذار الشرك وأنجاس المشركين.
{وأذن في الناس بالحج}: أعلن في الناس بأعلى صوتك.
{رجالاً وعلى كل ضامر}: مشاة وركباناً على ضوامر الإبل.
{فج عميق}: طريق واسع بعيد الغور في قارات الأرض.
{في أيام معلومات}: هي أيام التشريق.
{بهيمة الأنعام}: أي الإبل والبقر والغنم إذ لا يصح الهدى إلا منها.
{البائس الفقير}: أي الشديد الفقر.
{ليقضوا تفثهم}: أي ليزيلوا أوساخهم المترتبة على مدة الإحرام.
{وليوفوا نذورهم}: أي بأن يذبحوا وينحروا ما نذروه لله من هدايا وضحايا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم} أي اذكر يا رسولنا لقومك المنتسبين إلى إبراهيم باطلاً وزوراً حيث كان موحداً وهم مشركون اذكر لهم كيف بوأه ربُّه مكان اليبت لِيَبْنِيه ويرفع بناءه وكيف عهد الله إليه ووصاه بأن يطهره من الأقذار الحسية كالنجاسات من دماء وأوساخ والمعنوية كالشرك والمعاصي وسائر الذنوب وذلك من أجل الطائفين به والقائمين في الصلاة والراكعين والساجدين فيه إذ الرُّكع جمع راكع والسجد جمع ساجد حتى لا يتأذوا بأي أذى معنوي أو حسيّ وهم حول بيت ربهم وفي بلده وحرمه، ليذكر قومك هذا وهم قد نصبوا حول البيت التماثيل والأصنام، ويحاربون كل من يقول لا إله إلا الله وقد صدوك وأصحابك في المسجد الحرام ومنعوك من الطواف بالبيت العتيق، فأين يذهب بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل. هذا ما دل عليه قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإِبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}.
وقوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج} أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي معلنا معلماً: أيها الناس إن ربك قد بنى لكم بيتاً فحجوه ففعل ذلك فأسمع الله صوته من شاء ن عباده ممن كتب لهم أزلا أن يحُجوا وسهل طريقهم حجوا فعلاً ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: {يأتوك رجالاً} أي عليك النداء وعلينا البلاغ فنادِ {يأتوك رجالاً} أي مشاة {وعلى كل ضامر} من النوق المهازيل {يأتين من كل فج عميق} أي طريق بعيد في أغوار الأرض وأبعادها كالأندلس غرباً وأندونيسيا شرقاً. وقوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم} أي يأتوك ليشهدوا منافع لهم دينيَّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وتعلم دينهم من علمائهم، ودينويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات، وقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله} شاكرين لله تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الأول من ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق بالصلاة والذكر والدعاء، كما يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر وقوله تعالى: {فكلوا منها} أي من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع، {واطعموا البائس الفقير} وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} بإزالة التسعث والوسخ الذي لازمهم طيلة مدة الإِحرام.
وقوله: {وليوفوا نذورهم} أن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه بالحرم. وقوله: {وليطوفوا بالبيت العتيق} أي وليطوفوا طواف الإفاضة وهو ركن الحج ولا يصح الا بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة صباح العيد عيد الأضحى.

.من هداية الآيات:

1- وجوب بناء البيت وإعلائه كلما سقط وتهدم ووجوب تطهيره من كل ما يؤذي الطائفين والعاكفين في المسجد الحرام من الشرك والمعاصي وسائر الذنوب ومن الأقذار كالأبوال والدماء ونحوها.
2- مشروعية فتح مكاتب للدعاية للحج.
3- جواز الاتجار أثناء إقامته في الحج.
4- وجوب شكر الله تعالى ذكره.
5- جواز الأكل من الهدي ومن ذبائح التطوع بل استحبابه.
6- وجوب الحلق أو التقصير بعد رمي حمة العقبة.
7- وجوب الوفاء بالنذور الشرعية أما النذور للأولياء فهي شرك ولايجوز الوفاء بها.
8- تقرير طواف الإفاضة وبيان زمنه وهو بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة.

.تفسير الآيات (30- 33):

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}

.شرح الكلمات:

{ذلك}: أي ألمر هذا مثل قول المتكلم هذا أي ما ذكرت.. وكذا وكذا..
{حرمات الله}: جمع حرمة ما حرَّم الله إنتهاكه من قول أو فعل.
{فهو خير له عند ربه}: أي خير في الآخرة لمن يعظم حرمات الله فلا ينتهكها.
{إلا ما يتلى عليكم}: أي تحريمه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلِ لغير الله به.
{فاجتنبوا الرجس}: أي اجتنبوا عبادة الأوثان.
{واجتنبوا قول الزور}: وهو الكذب وأعظم الكذب ما كان على الله تعالى والشرك وشهادة الزور.
{حنفاء لله}: موحدين له مائلين عن كل دين إلى الإسلام.
{خرَّ من السماء}: أي سقط.
{فتخطفه الطير}: أي تأخذه بسرعة.
{شعائر الله}: أعلام دينه وهي هنا البُدْن بأن تختار الحسنة السمينة منها.
{فإنها منت تقوى القلوب}: أي تعظيمها ناشيء من تقوى قلوبهم.
{لكم فيها منافع}: منها ركوبها والحمل عليها بما لا يضرها وشرب لبنها.
{إلى أجل مسمى}: أي وقت معين وهو نحرها بالحرم أيام التشريق.
{ثم محلها إلى البيت}: أي عند البيت العتيق وهو مكة والحرم العتيق.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في مناسك الحج قوله تعالى: {ذلك} أي لمر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث أي إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الأظافر ولباس الثياب ونحر وذبح الهدايا والضحايا، {ومن يعظم} منكم {حرمات الله} فلا ينهكها {فهو خير له} أي ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها خير له عند ربّه يوم يلقاه وقوله تعالى: {وأحلت لكم الأنعام} أي الإبل والقر والغعنم أحل الله تعالى لكم أكلها والانتفاع بها وقوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم} تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام، ومن ذلك قوله تعلى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيَّتُمْ وما ذبح على النصب} وقوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} أي اجتنبوا عبادة الأوثان فإناه رجس فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها غضبا لله وعدم رضاً بها وبعبادتها، وقوله: {{} واجتنبوا قول الزور} وهو الكذب مطلقاً وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص وقوله، {حنفاء لله غير مشرِكين} أي موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإسلام، غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله تعالى: {ومن يشرك بالله} إلهاً آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خرَّ من السماء أي سقط منها بعدما رفع إليها فتخطفه الطير أي تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور، وتهوى به الريح في مكان سحيق بعيد فلا يعثر عليه أبداً فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو خاسر هالك هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله وقوله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} أي الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر المناسك وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشيء عن تقوى القلوب فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقرباً إليه دل ذلك على تقوى قلبه لربه تعالى والرسول يشير إلى صدره ويقول التقوى ها هنا التقوى ها هنا ثلاث مرات وقوله تعالى: {لكم فهيا منافع إلى أجل مسمى} أي أذن الله تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا بالهدايا وهم سائيقوها إلى الحرم بأن يركبوها ويحملوا عليها ما لا يضرها ويشربوا من ألبانها وقوله تعالى: {ثم محلها إلى البيت العتيق} أي محلها عند البيت العتيق وهو الحرم حيث تنحر إن كان مما ينحر أو تذبح إن كان مما يذبح.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تعظيم حرمات الله لما فيها من الخير العظيم.
2- تقرير حلِّيَّة بهيمة الأنعام بشرط ذكر اسم الله عند ذبحها أو نحرها.
3- حرمة قول الزور وشهادة الزور وفي الأثر عدلت شهادة الزور الشرك بالله.
4- وجوب ترك عبادة الأوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة.
5- بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك.
6- تعظيم شعائر الله وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها.
7- جواز الانتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم.