فصل: تفسير الآيات (22- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (22- 26):

{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}

.شرح الكلمات:

{فانتبذت به}: فاعتزلت من أهلها.
{مكاناً قصياً}: أي بعيداً من أهلها.
{فأجاها المخاض}: أي ألجاها الطلق واضطرها وجع الولادة.
{إلى جذع النخلة}: لتعتمد عليها وهي تعاني من آلام الولادة.
{نسياً منسياً}: أي شيئاً متروكاً لا يعرف بعدما وضعته.
{تحتك سرياً}: أي نهراً يقال له سري.
{رطباً جنياً}: الرطب الجني: ما طاب وصلح للإجتناء.
{فكلي واشربي}: أي كل من الرطب واشربي من السري.
{وقري عيناً}: أي وطيبي نفساً وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني.
{نذرت للرحمن صوماً}: أي إمساكاً عن الكلام وصمتاً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم إنه بعد أن بشرها جبريل بالولد وقال لها وكان أمراً مقضياً ونفخ في كم درعها أو جيب قميصها فحملته فوراً {وانتبذت به مكاناً قصياً} أي فاعتزلت به في مكان بعيد {فأجاءها المخاض} أي ألجأها وجع النفاس {إلى جذع النخلة} لتعتمد عليه وهي تعاني من آلام الطلق وأوجاعه، ولما وضعته قالت متأسفة متحسرة ما أخبر تعالى به: {قالت يا ليتني مت قبل هذا} أي الوقت الذي أصبحت فيه أم ولد، {وكنت نسياً منسياً} أي شيئاً متروكاً لا يذكر ولا يعرف وهنا {فنادها} عيسى عليه السلام {من تحتها الا تحزني} يحملها على الصبر والعزاء وقوله تعالى: {قد جعل ربك تحتك سرياً} أي نهر يقال له سري، {وهزئ إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلي واشربي} أي كلي من الرطب واشربي من ماء النهر، {وقري عيناً} أي طيبي نفساً وافرحي بولدك، {فإما ترين من البشر أحداً} أي فسألك عن حالك أو عن ولدك فلا تكليمه واكتفي بقولك {إني نذرت للرحمن صوماً} أي صمتاً {فلن أكلم اليوم إنسياً} هذا كله من قول عيسى لها انطقه الله كرامة لها ليذهب عنها حزنها وألمها النفسي من جراء الولادة وهي بكر لم تتزوج.

.من هداية الآيات:

1- من مظاهر قدرة الله تعالى حملها ووضعها في خلال ساعة من نهار.
2- إثبات كرامات الله لأوليائه إذ أكرم الله تعالى مريم بنطق عيسى ساعة وضعه فأرشدها وبشرها وأذهب عنها الألم والحزن، وأثمر لها نخلة فأرطبت وأجرى لها النهر بعد يبسه.
3- تقرير نظام الأسباب التي في مكنة الإنسان القيام بها فإن الله تعالى قد أثمر لمريم النخلة إذ هذا لا يمكنها القيام به ثم أمرها أن تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب الجني إذ هذا في استطاعتها.
4- مشروعية النذر الا أنه بالامتناع عن الكلام منسوخ في الإسلام.

.تفسير الآيات (27- 33):

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}

.شرح الكلمات:

{فأتت به}: أي بولدها عيسى عليه وعليها السلام.
{جئت شيئا فريا}: أي عظيماً حيث أتيت بولد من غير أب.
{يا أخت هارون}: أي يا أخت الرجل الصالح هارون.
{امرأ سوء}: أي رجلاً يأتي الفواحش.
{فأشارت إليه}: أي إلى عيسى وهو في المهد.
{آتاني الكتاب}: أي الأنجيل باعتبار ما يكون مستقبلاً.
{مباركاً أينما كنت}: أي حيثما وجدت كانت البركة فيَّ ومعي ينتفع الناس بي.
{وبرا بوالداتي}: أي محسناً بها مطيعاً لها لا ينالها مني أدنى أذى.
{جبارا شقيا}: ظالماً متعالياً ولا عاصياً لربي خارجاً عن طاعته.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم مع قومها: إنها بعد أن تماثلت للشفاء حملت ولدها وأتت به قومها وما ان رأوهما حتى قال قائلهم: {يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً} أي أمراً عظيماً وهو إيتانك بولد من غير أب. {يا أخت هارون} نسبوها إلى عبد صالح يسمى هارون: {ما كان أبوك} عمران {أمرأ سوء} يأتي الفواحش {وما كانت أمك} حنة {بغيا} أي زانية فكيف حصل لك هذا وأنت بنت البيت الطاهر والأسرة الشريفة. وهنا أشارت إلى عيسى الرضيع في قماطته أي قالت لهم سلوه يخبركم الخبر وينبئكم بالحق، لأنها علمت أنه يتكلم لما سبق أن ناداها ساعة وضعه من تحتها وقال ما ذكر تعالى في الآيات السابقة فردوا عليها مستخفين بها منكرين عليها متعجبين منها: {كيف نكلم من كان في المهد صبياً} فأنطق الله عيسى الرضيع فأجابهم بما أخبر تعالى عنه في قوله: {قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} فأجابهم بكل ما كتب الله وأنطقه به، وكان عيسى كما أخبر عن نفسه لم ينقص من ذلك شيئاً كان عبداً الله وأنزل عليه الإنجيل ونبأه وأرسله إلى نبي إسرائيل وكان مباركاً يشفي المرضى ويحيى الموتى بإذن الله تنال البركة من صحبته وخدمته والإيمان به وبمحبته وكان مقيماً للصلاة مؤدياً للزكاة طوال حياته وما كان ظالماً ولا متكبراً عاتباً ولا جباراً عصياً. فعليه كما أخبر السلام أي الأمان التام يوم ولد فلم يقربه شيطان ويوم يموت فلا يفتن قبره ويوم يبعث حياً فلا يحزنه الفزع الأكبر، ويكون من الآمنين السعداء في دار السلام.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعبودية عيسى ونبوته عليهما السلام.
2- آية نطق عيسى في المهد وإخباره بما أولاه الله من الكمالات.
3- وجوب بر الوالدين بالاحسان بهما وطاعتهما والمعروف وكف الأذى عنهما.
4- التنديد بالتعالى والكبر والظلم والشقاوة التي هي التمرد والعصيان.

.تفسير الآيات (34- 40):

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)}

.شرح الكلمات:

{ذلك عيسى ابن مريم}: أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو عيسى بن مريم.
{قول الحق}: أي وهو قول الحق الذي أخبر تعالى به.
{يمترون}: يشكون.
{ماك لله أن يتخذ من ولد}: أي ليس من شأن الله أن يتخذ ولداً وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
{سبحانه}: أي تنزيهاً له عن الولد والشريك والشبيه والنظير.
{صراط مستقيم}: أي طريق مستقيم لا يضل سالكه.
{فاختلف الأحزاب}: أي في شأن عيسى فقال اليهود هو ساحر وابن زنا، وقالت النصارى هو الله وابن الله تعالى عما يصفون.
{من مشهد يوم عظيم}: هو يوم القيامة.
{وأنذرهم يوم الحسرة}: أي خوفهم بما يقع في يوم القيامة من الحسرة والندامة وذلك عندما يشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها وهم ورثوا منازل أهل الجنة في النار الحسرة ويشتد الندم.

.معنى الآيات:

بعد أن قص الله تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجاباً معتزلة أهلها منقطعة إلى ربها إلى أن أشرت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال: إني عبد الله، فبين تعالى أن جبريل بشرها، وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها: أن لا تحزني، وأرشدها إلى القول الذي تفول لقومها إذا سألوها عن ولادتها المولود بدون أب، وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعلاً فأجاب بأنه عبد الله وأنه آتاه الكتاب وجعله نبياً ومباركاً وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حياً وأنه بر بوالدته، ولم يكن جباراً شقياً فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الآية: {ذلك} أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو {عيسى ابن مريم}، وما أخبرتكم به هو {قول الحق الذي فيه تمترون} أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال ت النصارى هو الله وابن الله وثالث ثلاثة حسب فرقهم وطوائهم المتعددة وقوله تعالى: {ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه} ينفي تعالى عند اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه، وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلام كان بكلمة الله تعالى له كن فكان وهو معنى قوله تعالى: {إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون}. وقد نزه تعالى نفسه عن الولد والشريك والشبيه والنظير، والافتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله: {سبحانه} أي تنزيهاً له عن صفات المحدثين وقوله تعالى: {وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}. هذا من قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل أخبرهم عبد الله وليس لله ولا بإله مع الله وأخبرهم أن الله تعالى هو ربه وربهم فليعبدوه جميعاً بما شرع لهم ولا يعبدون معه غيره إذ لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، وأعلمهم أن هذا الاعتقاد الحق والعبادة بما شرع الله هو الطريق المفضي بسالكه إلى السعادة ومن تنكب عنه وسلك طريق الشرك والظلال أفضى به إلى الخسران وقوله تعالى: {فاختلف الأحزاب من بينهم} أي في شأن عيسى فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله ومن قائل هو وامه الهين من دون الله والقائلون بهذه المقالات كفروا فتوعدهم الله تعالى بالعذاب الأليم فقال: {فويل للذين كفروا} بنسبَتِهم الولد والشريك لله، والويل واد في جهنم فهم إذ داخلوها لا محالة، وقوله: {من مشهد يوم عظيم} يعني به يوم القيامة وهو يوم ذو أهوال وشدائد لا يقادر قدرها.
وقوله تعالى في الآية (38): {أسمع بهم وأبصر يأتوننا} يخبر تعالى أن هؤلاء المتعامين اليوم عن الحق لا يريدون أن يبصروا آثاره الدالة عليه فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا، والمتصاممين عن سماع الحجج والبراهين وتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك والولد هؤلاء يوم يقدمون عليه تعالى في عرصات القيامة يصبحون أقوى ما يكون أبصاراً وسمعاً، ولكن حين لا ينفعهم الشرك والكفر وهم الظالمون في ضلال مبين أي عن طريق الهدى وهو سبب عدم إبصارهم للحق وسماعهم لحججه التي جاءت بها رسل الله ونزلت بها كتبه.
وقوله تعالى في آية (39): {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهو في غفلة وهو لا يؤمنون} يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن ينذر الكفار والمشركين أي يخوفهم عاقبة شركهم وكفرهم وضلالهم يوم القيامة حيث تشتد فيه الحسرة وتعظم الندامة وذلك عندما يتوارث الموحدون مع المشركين فالموحدون يرثون منازل المشركين في الجنة، والمشركون يرثون منازل الموحدين في الناؤ، وعندما يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار، وينادي منادٍ يا أهل الجنة خلود فلا موت؟ ويا أهل النار فلا موت عندها تشتد الحسرة ويعظم الندم هذا معنى قوله تعالى: {وهم لا يؤمنون} بالبعث ولا بما يتم فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم. وقوله تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} يخبر تعالى عن نفسه بأنه الوارث للأرض ومن عليها ومعنى هذا أنه حكم بفناء، هذه المخلوقات وأن يوماً سيأتي يفنى فيه كل من عليها، والجميع سيرجعون إليه ويقفون بين يديه ويحاسبهم بكا كتبت أيديهم ويجزيهم، ولذا فلا تحزن أيها الرسول وامض في دعوتك تبلغ عن ربك ولا يضرك تكذيب المكذبين ولا شرك المشركين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير أن عيسى عبد الله ورسوله، وليس كما قال اليهود، ولا قالت النصارى.
2- استحالة اتخاذ الله الولد الذي يقول للشيء كن فيكون.
3- تقرير التوحيد على لسان عليه السلام.
4- الإخبار بما عليه النصارى من خلاف في شأن عيسى عليه السلام.
5- بيان سبب الحسرة يوم القيامة وهو الكفر بالله والشرك به.
6- تقرير فناء الدنيا، ورجوع الناس إلى ربهم بعد بعثهم وهو تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي تعالجها السور المكية في القرآن الكريم.

.تفسير الآيات (41- 45):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)}

.شرح الكلمات:

{اذكر في الكتاب}: أي في القرآن.
{إنه كان صديقاً}: أي كثير الصدق بالغ الحد الأعلى فيه.
{يا أبت}: يا أبي وهو آزر.
{صراطا سويا}: أي طريقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه يفضي بك إلى الجنة.
{لا تعبد الشيطان}: أي لا تطعه في دعوته إياك إلى عبادة ألأصنام.
{عصياً}: أي عاصياً لله تعالى فاسقاً عن أمره.
{فتكون للشيطان وليا}: أي قريباً منه قرينا له فيها أي النار.

.معنى الآيات:

هذه بداية قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع والده آزر عليه لعائن الرحمن قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {واذكر} يا نبينا {في الكتاب} أي القرآن الكريم {إبراهيم} خليلنا {إنه كان صديقا} أي صادقاً في أقواله وأعماله بالغاً مستوى عظيماً في الصدق {نبيا} من أنبيائنا فهو جدير بالذكر في القرآن ليكون قدرة صالحة للمؤمنين. واذكره {إذ قال لأبيه} آزر {يا أبت لم تعبد} أي تسأله بالدعاء والتقرب بأنواع القربات ما لا يسمع ولا يبصر من الأصنام أي لا يبصرك ولا يسمعك {ولا يغني عنك شيئا} لا يدفع عنك ضراً ولا يجلب لك نفعاً فأي حاجة لك إلى عبادته {يا أبت إني قد جاءني من العلم} أي من قبل ربي تعالى {ما لم يأتك} أنت {فاتبعني} فيما أعتقده وأعلمه وادعو إليه {أهدك صراطاً سوياً} أي مستقيماً يفضي بك إلى السعادة والنجاة، {يا أبت لا تعبد الشيطان} أي بطاعته فيما يدعوك إليه من عبادة غير الله تعالى من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعطي ولا تمنع، {إن الشيطان كان للرحمن عصياً} أي عاصياً أمره فأبى طاعته وفسق عن أمره. تتب منهما حتى مت فيمسك عذاب من الرحمن {فتكون} أي بذلك {للشيطان ولياً} أي قريباً منه قرينا له في جهنم فتهلك وتخسر.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بالدعوة إليه.
2- كمال إبراهيم بذكره في الكتاب.
3- بطلان عبادة غير الله تعالى.
4- عبادة الأوثان والأصنام وكل عبادة لغير تعتبر عبادة للشيطان لأنه الآمر بها والداعي إليها.

.تفسير الآيات (46- 50):

{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}

.شرح الكلمات:

{لئن لم تنته}: أي عن التعرض لها وعيبها.
{لأرجمنك}: بالحجارة أو القول القبيح فاحذرني.
{واهجرني مليا}: أي سليما من عقوبتي.
{سلام عليك}: أي أمنةٌ مني لك أن أعاودك فيما كرهت مني.
{إنه كان بي حفيا}: أي لطيفاً بي مكرماً لي يجيبني لما أدعوه له.
{عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا}: بل يجيب دعائي ويعطني مسألتني.
{فلما اعتزلهم}: بأن هاجر إلى أرض القدس وتركهم.
{ووهبنا لهم من رحمتنا}: خيراً المال والولد بعد النبوة والعلم.
{لسان صدق عليا}: أي رفيعاً بأن يثنى عليهم ويذكرون بأطيب الخصال.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في قصة إبراهيم مع أبيه آزر بعد تلك الدعوة الرحيمة بالألفاظ الطيبة الكريمة التي وجهها إبراهيم لأبيه آزر ليؤمن ويوحد فينجو ويسعد قال آزر رداً عليه بعبارات خالية من الرحمة والأدب بل ملؤها الغلظة والفظاظة والوعيد والتهديد وهي ما أخبر به تعالى عنه قوله في الآية (46): {قال أرأغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} أي أكاره لها تعيبها، {لئن لم تنته} أي عن التعرض لها بأي سوء {لأرجمنك} بأبشع الألفاظ وأقبحها، {واهجرني ملياً} أي وأبعد عني ما دمت معافى سليم البدن سويه قبل أن ينالك مني ما تكره. كان هذا رد آزر الكافر المشرك. فيما أجاب إبراهيم المؤمن الموحد أجاب بما أخبر تعالى به عنه في قوله في آية (47): {قال سلام عليك} أي أمان لك مني يا أبتاه فلا أعاودك فيما كرهت مني قط وسأقبل إساءتك بإحسان {سأستغفر لك ربي} أي أطلب منه أن يهديك للإيمان والتوحيد فتتوب فيغفر لك {إنه كان} سبحانه وتعالى {بي حفيا} لطيفاً بي مكرماً لي لا يخييني فيما أدعوه فيه.
وقوله تعالى حكاية عن قبل إبراهيم: {واعتزلكم وما تدعون من دون الله} أي أذهب بعيداً عنكم تاركاً لكم ولما تعبدون من دون الله من أصنام وأوثان، {وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً} أي رجائي في ربي كبير أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام. قال تعالى مخبراً عنه فلما حقق ما واعدهم به من هجرته لديارهم إلى ديار القدس تاركاً أباه وأهله وداره كافأه بأحسن حيث أعطيناه ولدين يأنس بهما في وحشته وهما إسحاق ويعقوب وكلا منهما جعلناه نبيا رسولاً. ووهبنا لجمعيهم وهم ثلاثة الوالد إبراهيم وولداه إسحاق ويعقوب بن إسحاق عليهم السلام من رحمتنا الخير العظيم من المال والولد والرزق الحسن هذا معنى قوله تعالى: {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب} وهو ابن ولده إسحاق {وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا}. وقوله تعالى عنهم: {وجعلنا لهم لسان صدق علياً} هذا إنعام آخر مقابل الهجرة في سبيل الله حيث يجعل الله تعالى لهم لسان الصدق في الآخرة فسائر أهل الإيمان الإلهية يثنون على إبراهيم وذريته بأطيب الثناء واحسنه وهو لسان الصدق العلي الرفيع الذي حظى به إبراهيم وولديه إكراماً من الله تعالى وإنعاماً عليهم جزاء صدق إبراهيم وصبره وبالتالي هجرته للأصنام وعابديها.

.من هداية الآيات:

1- بيان الفرق بين ما يخرج من فم المؤمن الموحد من طيب القول وسلامة اللفظ ولين الجانب والكلام، وبين ما يخرج من فم الكافر المشرك من سوء القول وقبح اللفظ وقسوة الجانب وفظاظة الكلام.
2- مشرعية المتاركة والموادعة وهو أن يقال للسيء من الناس سلام عليك وهو لا يريد بذلك تحيته ولكن تركه وما هو فيه.
3- مشروعية الهجرة وبيان فضلها وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة كانت في الأرض.
4- الترغيب في حسن الأحدوثة بان يكون للمرء حسن ثناء بين الناس لما يقدم من جميل وما يورث من خير وإفضال.

.تفسير الآيات (51- 53):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)}

.شرح الكلمات:

{واذكر في الكتاب}: أي في القرآن تشريفاً وتعظيماً.
{موسى}: أي ابن عمران نبي إسرائيل عليه السلام.
{مخلصاً}: أي مختارا ًمصطفى على قراءة فتح اللام: {مخلصاً} وموحداً لربه مفرداً اياه بعبادته بالغافي ذلك أعلى المقامات على قراءة كسر اللام.
{جانب الطور}: الطور جبل سيناء بين مدين ومصر.
{وقربناه نجيا}: أي أدنيناه إدناه وتكريم مناجياً لنا مكلما من قبلنا.
{أخاه هارون نبيا}: إذ سأل ربه لأخيه الرسالة فأعطاه فنباه وأرسله معه إلى فرعون.

.معنى الآيات:

هذا موجز قصة موسى عليه السلام قال تعالى في ذلك وهو يخاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {واذكر} في هذه السلسلة الذهبية من عباد الله الصالحين أهل التوحيد واليقين موسى ابن عمران انه جدير بالذكر في القرآن وعلة ذلك في قوله تعالى: {إنه كان مخلصاً} أي مختاراً مصطفى للإبلاغ عنا عبادنا ما خلقناهم لأجله وهو ذكرنا وشكرنا ذكرنا بالسنتهم وقلوبهم وشكرهم لنا بجوارحهم وذلك بعبادتنا وحدنا دون من سوانا، وكان موسى كذلك، وقوله تعالى: {وكان رسولا نبيا} أي ومن افضالنا عليه وإكرامنا له ان جعلناه نبياً رسولاً نبأناه وأرسلناه إلى فرعون وملائه، {وناديناه} وهو في طريقه من مدين إلى مصر في جانب الطور الأيمن حيث نبأناه وأرسلنا وبذلك {وقربناه نجيا} فصار يناجينا فُنسمعه كلامنا ونسمع كلامه وأعظم بهذا التكريم من تكريم، وقوله: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا} هذا إنعام آخر من الله تعالى على موسى النبي إذ سأل ربه أن يرسل مع أخاه هارون إلى فرعون فبرحمة من الله تعالى استجاب له ونبأ هارون وأرسله معه رسولاً وما كان هذا الا برحمة خاصة إذ النبوة لا تطلب ولا يتوصل اليها بالاجتهاد في العبادة ولا بالدعاء والصراعة إذ هي هبة إلهية خاصة.

.من هداية الآيات:

1- فضيلة الإخلاص، وهو إرادة الله تعالى بالعبادة ظاهراً وباطناً.
2- إثبات صفة الكلام والمناجاة الله تعالى.
3- بيان إكرام الله تعالى وإنعامه على موسى إذ أعطاه ما لم يعط أحداً من العالمين باستجابة دعائه بأن جعل أخاه هارون رسولاً نبياً.
4- تقرير أن كل رسول نبياً والعكس لا أي ليس كل نبي رسولاً.