فصل: تفسير الآيات (23- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآية رقم (14):

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)}

.شرح الكلمات:

{زيّن للناس حب الشهوات}: جعل حبها مستحسناً في نفوسهم لا يرون فيه قبحا ولا دمامة.
{الشهوات}: جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعاً وغريزة كالطعام والشراب اللذيذين.
{القناطير المقنطرة}: القنطار الف ومائة أوقية فضة والمقنطرة الكثيرة بعضها فوق بعض.
{الخيل المسومة}: ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد.
{الانعام}: الابل والبقرة والغنم وهى الماشية.
{الحرث}: أي ذلك المذكور من النساء والبنين الخ متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع به فيها ويموت صاحبها ويتركها.

.معنى الآية الكريمة:

لما ذكر تعالى من كفر من النصارى، واليهود، والمشركين، وجحودهم، وكفرهم، ذكر علة الكفر وبيّن سببه ألا وهو ما زينه تعالى لبنى البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب الشهوات أي المشتهيات بالطبع البشرى من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وهو كلما يحرث من سائر الحبوب والنباتات الغذائية والعطرية وغيرها. هذا الذي جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه لأنه يحول بينهم وبين هذه المشتهيات غالباً فلا يحصلون عليها، ولم يعلوا انها مجرد متاع زائل فلا يبيعوا بها لجنة دار الخلد والسلام ولذا قال تعالى ذلك أي ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا لا غير اما الآخرة فلا ينفع فيها شيء من ذلك بل لا ينفع فيها الا الزهد فيه والإِعراض عنه إلا ما لابد منه لِلْبُلْغَةِ بهِ إلى عمل الدار الآخرة وهو الإِيمان وصالح الأعمال، والتخلى عن الكفر والشرك وسائر الذنوب والمعاصي.
وختم تعالى الآية بقوله مرغبا في العمل للدار الآخرة داعيا عباده إلى الزهد في المتاع الفانى للتعلق قلوبهم بالنعيم الباقى فقال: {والله عنده حسن المآب}، أي المرجع الحسن، والنزل الكريم والجوار الطيب السعيد.

.هداية الآية:

1- يزين الله تعالى بمعنى يجعل الشيء زَيْناً محبوباً للناس للابتلاء والاختبار قال تعالى: {انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} ويزين الشيطان للاضلال والاغواء، فالله يزين الزين ويقبح القبيح، والشيطان يزين القبيح، ويقبح الزين. فانظر الفرق وتأمل.
2- المزنات في هذه الآية من تزيين الله تعالى للابتلاء، وكلها زينة في الواقع وليس فيها قبيح إلا إذا طلبت من غير حلِّها وأخذت بِشَرة ونهم فأفسدت أخلاق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته لقاء الله وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين.
3- كل ما في الدنيا مجرد متاع والمتاع دائما قليل وزائل فعلى العاقل ان ينظر اليه كما هو فلا يطلبه بما يَحْرِمُه حسن المآب عند الله. اللهم لا تحرمنا حسن مآبك يا الله يا رحمن يا رحيم.

.تفسير الآيات (15- 17):

{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}

.شرح الكلمات:

{أؤنبئكُم}: أخبركم بنبأ عظيم لأن النبأ لا يكون إلا بالأمر العظيم.
{بخير من ذلكم}: أي المذكور في الآية السابقة من النساء والبنين إلخ.
{اتقوا}: خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله.
{من تحتها الأنهار}: من خلال قصورها وأشجارها أنهار الماء، وأنهار اللبن وأنهار العسل وأنهار الخمر.
{خالدين فيها أبدا}: مقيمين فيها إقامة لا يرحلون بعدها أبدا.
{أزواج مطهرة}: زوجات هي الحور العين نقيات من دم الحيض والبول وكلِّ أذى وقدر.
{الصابرين}: على الطاعات لا يفارقونها وعلى المكروه لا يتسخطون، وعن المعاصي لا يقارفونها.
{الصادقين}: في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.
{القانتين}: العابدين المحسنين الداعين الضارعين.
{والمنفقين}: المؤدين الزكاة والمتصدقين بفضول أموالهم.
{المستغفرين بالأسحار}: السائلين ربهم المغفرة في آخر الليل وقت السحور.

.معنى الآيات:

لما بيّن تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى، وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فلْيُطْلَبْ منه بالايمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة اؤنبئكم بخير من ذلكم المذكور لكم. وبينه بقوله: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطرة ورضوان من الله...} وهو رضاه عز وجل عنهم وهو أكبر من النعيم المذكور قبله قال تعالى في آية أخرى: {ورضوان من الله أكبر..}.
ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب، والعامل المحسن والعامل المسيء وسيجزى كلا بعدله وفضله، ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم فقال: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} فذكر صفة الايمان والخشية والضراعة والدعاء لهم ذم ذكر باقى الصفات الكمالية فقال: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}، يهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الاستغفار وهو طلب المغفرة.

.من هداية الآيات:

1- نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان.
2- نعيم الآخرة خاصّ بالمتقين الأبرار، ونعيم الدنيا غالباً ما يكون للفجَّار.
3- التقوى وهى ترك الشرك والمعاصي هي العالم الوراثي لدار السلام.
4- استحباب الضراعة والدعاء والاستغفار في آخر الليل.
5- الصفات المذكورة لأهل التقوى هنا كلها واجبة في الجملة لا يحِلُّ ان لا يتصف بها مؤمن ولا مؤمنة في الحياة.

.تفسير الآيات (18- 20):

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}

.شرح الكلمات:

{شهد}: أخبر عن علم بحضوره الأمر المشهو به.
{لا إله إلا هو}: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله تبارك وتعالى.
{أولو العلم}: أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم الأنبياء والعلماء.
{القسط}: العدل في الحكم والقول والعمل.
{العزيز الحكيم}: الغالب ذو العزة التي لا تغلب، الحكيم في خلقه وفعله وسائر تصرفاته.
{الدين}: ما يدان لله تعالى به أي يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات.
{الإِسلام}: الإِنقياد لله بالطاعة والخلوص من الشرك والمراد به هنا ملة الإِسلام.
{بغياً}: ظلما وحسداً.
{حاجوك}: جادلوك وخاصموك بحجج باطلة واهية.
{أسلمت وجهي لله}: أخلصت كل أعمالي القلبية والبدنية لله وحده لا شريك له.
{ومن اتبعن}: كذلك اخلصوا لله كل أعمالهم له وحده لا شريك له.
{أوتوا الكتاب}: اليهود والنصارى.
{الأميين}: العرب المشركين سُمُّوا بالأميين لِقِلة مَنْ يقرأ ويكتب فيهم.
{أأسلمتم}: الهمزة الأولى للإستفهام والمراد به الأمر أي أسلموا خيراً لكم لظهور الحق وانبلاج نوره بينكم بواسطة كتب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{فإن أسلموا}: فإن أجابوك وأسلموا فقد اهتدوا إلى سبيل النجاة.
{وإن تولوا}: أدبروا عن الحق بعد رؤيته وأعرضوا عنه بعد معرفته فلا يضرك أمرهم إذ ما عليك الا البلاغ وقد بلّغت.

.معنى الآيات:

يخبر الجبار عز وجل أنه شهد أنه لا إله إلا هو وأن الملائكة وأولى العلم يشهدون كذلك شهادة علم وحق قامت على مبدأ الحضور الذاتى والفعلى وأنه تعالى قائم في الملكوت كله، علويّه وسفليّه، بالعدل، فلا رب غيره ولا إله سواه، العزيز في ملكه وخلقه الحكيم في تدبيره وتصريفه فلا يضع شيئاً في غير موضعه اللائق به. فرد بهذه الشهادة على باطل نصارى نجران، ومكر اليهود، وشرك العرب، وأبطل كلّ باطلهم سبحانه وتعالى، ثم أخبر أيضاً أن الدين الحق الذي لا يقبل تعالى ديناً سواه، هو الإسلام، القائم على مبدأ الانقياد الكامل لله تعالى بالطاعة، والخلوص التامّ من سائر أنواع الشرك فقال: {إن الدين عند الله} في حكمه وقضائه الإسلام، وما عداه فلا يقبله ولا يرضاه. ثم أخبر تعالى عن حال نصارى نجران، المجادلين لرسوله، في شأن تأليه عيسى بالباطل فقال: {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم} يريد أن خلاف أهل الكتاب لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ولكن كان عن علم حقيقى وإنما حملهم على الخلاف المسبب للفتن. والحروب وضياع الدين البغير والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية الدنيوية لها دون غيرها، وبذلك يفسد أمر الدين الدنيا، وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون بعد القرون المفضلة أيضاً، والتاريخ شاهد. ثم قال تعال {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي عليه ذنوب كفره وسيآت عصيانه ويحاسبه ويجزيه وإنه لسريع الحساب لأنه لا يشغله شيء عن آخر ولا يعييه إحصاء ولا عدد ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلا له فإن حاجوك يريد وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعياً إياهم إلى الإِسلام الذي عرفوه وأنكروه حفاظاً على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم: {أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} أيضاً أسلم وجهه لله فليس فينا شيء لغير الله وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها لله فلا يضرك إعراضهم، إذ ما كلفت إلا البلاغ وقد بلغت، أما الحساب والجزاء فهو إلى الله تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم وسوف يجزيهم بعلمه ويقضى بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.

.من هداية الآيات:

1- اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً.
2- شهادة الله أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم.
3- بطلان كل دين بعد الإِسلام وكل ملة غير ملته لشهادة الله تعالى بذلك وقوله: {... ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} الآية (85) من هذه السورة والآتي تفسيرها إن شاء الله تعالى.
4- الخلاف بين أهل العلم والدين يتم ندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسى والمناصب، ويرغبون في الشرف يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً.
5- من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام.
6- من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه.

.تفسير الآيات (21- 22):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}

.شرح الكلمات:

{يكفرون}: يجحدون يوكذِّّبون.
{النبيين}: جمع نبي وهو ذكر من بني آدم أوحيى إليه الله تعالى.
{القسط}: العدل والحق والخير والمعروف.
{بشرهم بعذاب أليم}: أخبرهم إخباراً يظهر أثره على بشرة وجوههم ألماً وحسرة.
{حبِطت أعمالهم}: بَطَلت وذهبت لم يجنوا منها شيئاً ينفعهم، ويهلكون بذلك ويعدمون الناصر لهم لأن الله خذلهم وأراد إهلاكم وعذابه في جهنم.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق هَتْك أستار الكفرة من أهل الكتابين اليهود والنصارى فذكر تعالى هنا ان الذين يكفرون بآيات الله وهي حججه وأعلام دينه، وما بعث بها رسله، ويقتلون مع ذلك النبيين بغير حق ولا موجب للقتل، ويقتلون الذين يأمرونهم بالعدل من أتباع الأنبياء المؤمنين الصالحين، هذه جرائم بعض أهل الكتاب فبشرهم بعذاب أليم، ثم أخبر أن أولئك البعداء في مهاوي الشر والفساد والظلم والعناد حبطت أعمالهم في الدنيا فلا يجنون منها عاقبة حسنة ولا مدحاً ولا ثناءً بل سُجلت لهم بها عليهم لعنات في الحياة والممات، والآخرة كذلك وليس لم فيها من ناصرين ينصرونهم فيخلصونهم من عذاب الله وهيهات هيهات أن يوجد من دون الله ولي أو نصير.

.من هدية الآيتين:

1- الكفر والظلم من موجبات هلاك الدنيا ولزوم عذاب الآخرة.
2- قتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كقتل الأنبياء في عِظَم الجُرْم.
3- الشرك محبط للأعمال مفسد لها في الدنيا والآخرة.
4- من خذله الله تعالى لا ينصره أحد، ومن ينصره الله لا يغلبه أحد.

.تفسير الآيات (23- 25):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}

.شرح الكلمات:

{أوتوا نصيباً من الكتاب}: اعطا حظا وقِسْطا من التوراة.
{يدعون}: يُطْلب إليهم أن يتحاكموا فيما اختلفوا فيه من الحق إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو التوراة فيأبون ويعرضون.
{يتولى}: يرجع وهو مصمم على عدم العودة إلى الحق.
{ياما معدودات}: هذا قول اليهود ويعنون بالأيام الأربعين يوماً تلك التي عبدوا فيها العجل بعد غياب موسى عليه السلام عنه.
{يفترون}: يكذبون.
{ليوم لا ريب فيه}: هو يوم القيامة.
{ما كسبت}: ما عملت من خير أو شر.
{لا يظلمون}: بأن يعذبوا بدون المقتضي لعذابهم من الشرك والكفر ولمعاصي.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في فضح أهل الكتاب بذكر ذنوبهم وجرائمهم فيقول تعالى لرسوله حاملاً له على التعجب من حال اليهود ألم تر يا رسولنا إلى الذين أوتوا نصباً من الكتاب أي ألم ينته إلى علمك أمرهم حيث يدعو إلى التحاكم إلى كتاب الله تعالى فيما انكروه واختلفوا فيه من صفاتك وشأن نبُوَّتك ورسالتك، ثم يتولى عدد منهم وهم مصممون على عدم العودة وطلب الحق والإِقرار به. إنها حال تدعو إلى التعجب حقاً، وصارفهم عن قبول الحق. ومراجعته هو اعتقادهم الفاسد بأن النار لا تمسهم إذا ألقوا فيها إلا مدة أربعين يوما وهي المدة التي عبد فيها أسلافهم العجل يوم غاب موسى عنهم لمناجاته ربه تعالى في جبل الطور. وهذه الدعوى باطلة لا أساس لها من الصحة بل يُخلدون في النار لا بعبادة أسلافهم العجل أربعين يوماً بل بكفرهم وظلمهم وجحودهم وعنادهم. ويبين تعالى الحقيقة لرسوله والمؤمنين وهي أن هذه الدعوى اليهودية ما هي إلا فرية افتراها علماؤهم ليهونّوا عليهم ارتكاب الجرائم وغشيان عظائم الذنوب، كما حصل للمسلمين في القرون المظلمة من تاريخ الإِسلام حيث أصبح مشايخ التصوف يُدَجِّلون على المريدين بأنهم سيستغفرون لهم ويغفر لهم. ثم قال تعالى مستعظماً حالهم مهوِّلاً موقفهم: فكيف أي حالهم. إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم القيامة كيف تكون حالهم انها حال يعجز الوصف عنها، {ووفيت كل نفس ما كسبت} من خير أو شر وهم لا يظلمون بنقص حسناتهم إن كانت لهم حسنات، ولا بالزيادة في سيئآتهم وما لهم إلا السَّيئات.

.من هداية الآيات:

1- من الإعراض عن الدين والكفر به رفض التحاكم إليه قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} سورة النساء/ 65.
2- أفسد شيء للأديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها الافتراء فيها والإبتداع عليها والقول فيها بغير علم.
3- مضرّة الإِغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحشين على الكتب الدينية من الحكايان الأباطيل بحجة الترغيب أو الترهيب فيغتر بها لناس فيضلوا ويهلكوا.
4- فضيلة ذكر أهول يوم القيامة وما يلاقى فيها أهل الظلم والشر والفساد وفي القرآن {إنا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} سورة ص/ 46.

.تفسير الآيات (26- 27):

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}

.شرح الكلمات:

{اللهم}: يا الله حذف حرف الناء يا وعوِّض عنه الميم المشدَّدة وهو خاصّ بنداء الله تعالى.
{مالك}: المالك: الحاكم المتصِّرف يفعل في الملك ما يشاء ويحكم ما يريد لعظم سلطانه وقوة إرادته.
{الملك}: المملوك: والمقصو به ما سوى المالك عز وجل، من سائر الكائنات.
{تؤتي الملك}: السلطان والتصرف في بعض الملكوت.
{تولج الليل في النهار}: تدخل الليل في النهار فلا يبقى ليل، وتولج النهار في الليل فلا يبقى نهار.
{تخرج الي من الميت}: أي تخرج جسماً حياً من جسم ميت في المحسوسات كالدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، ومن المعنويات تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
{بغير حساب}: بغير عدد ولا لواسع فضله وغناه عما سواه.

.معنى الآيتين:

من المناسبات التي قيلت في نزول هاتين الآيتين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر أصحابه أن ملك أمته سيبلغ كذا وكذا في أحايث صحاح سخر اليهود والمنافقون من إخبار الرسول بذلك مستبدعين له غاية البعد لجهلهم وكفرهم فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين ضمن الرد على نصارى نجران فأمره أن يوقل: {الله مالك الملك تؤت الملك من تشاء..} إلخ.. أمره أن يقول ذلك ليعطيه ما وعده به من إتساع ملك أمته حتى يشمل ملك فارس والروم، وليرد على ضلال النصارى في تأليه عيسى عليه السلام، إذ المعبود بحق المستق للعبادة والتأليه دون سواه مَنْ هو مالك الملك كله، ويتصرف فيه وحده يؤتي منه ما يشاء لمن يشاء، ينزع ممن أعطاهم ما شاء ومتى شاء لا يحول دون تصرفه حائل، ولا يقف دون إعطائه أو نزعه واقف. يعز الذليل متى شاء ويذل العزيز متى شاء. بيده الخير لا بيد غيره يُفِيضه على من يشاء، ويمنعه عمنّ يشاء وهو على كل شيء قدير. يولج النهار في الليل فلا يبقى نهار، ويولج الليل في النهار فلا يبقى ليل، مظهر من مظاهر القدرة الموجبة لألوهيته وطاعته ومحبته، ويدخل ساعات من الليل في النهار فيقصر الليل ويطول النهار، ويدخل ساعات من النهار في الليل فيطونل، مظهر من مظاهر الحكمة والقدرة والرحمة، يخرج الحي من الميت الإنسان من النطفة والنبتة من الحبة ويخرج الميت من الحي النطفة من الإِنسان الحي، والبيضة من الدجاجة، والكافر الميت من المؤمن الحي، والعكس كذلك، هذه مظاهر ربوبيته المستلزمة لألوهيته فتقرر أنه الإِله الحق، لا رب غيره ولا إله سواه، وبذلك تأكد أمران: الأول: أن الله قادر على اعطاء رسوله ما وعده لأمته، وقد فعل، والثاني: أن عيسى لم يكن إلا عبدا مربوباً لله بالعبودية وشرفه بالرسالة وأيده بالمعجزات.

.من هداية الآيات:

1- فضل الدعاء بهاتين الآيتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء اقض عنى ديني، فإنه يقضي بإذن الله تعالى ويعطى إن سأل حاجة له من حوائج الدنيا والآخرة.
2- استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وإنجازه ما وعده في أمته.
3- بطلان ألوهية عيسى عليه السلام وثبوت عبوديته ورسالته وكرامته.