فصل: تفسير الآيات (24- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (9- 14):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}

.شرح الكلمات:

{ولئن سألتهم}: أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من قومك يا رسولنا.
{من خلق السموات والأرض}: أي من بدأ خلقهنّ وأوجدهن ليقولن خلقهن الله ذو العزة والعلم.
{الذي جعل لكم الأرض مهاداً}: أي الله الذي جعل لكم الأرض فراشا كالمهد للصبي.
{وجعل لكم فيها سبلا}: أي طرقا.
{لعلكم تهتدون}: أي إلى مقاصدكم في اسفاركم.
{ماء بقدر}: أي على قدر الحاجة ولم يجعله طوفاناً مغرقاً ومهلكاً.
{فأنشرنا به بلدة ميتا}: أي فَأَحْيَيْنَا به بلدة ميتا أي لا نبات فيها ولا زرع.
{كذلك تخرجون}: أي مثل هذا الإِحياء للأرض الميتة بالماء تحيون أنتم وتخرجون من قبوركم.
{والذي خلق الأزواج كلها}: أي خلق كل شيء إذا الأشياء كلها زوج ولم يعرف فرد إلا الله.
{ةجعل لكم من الفلك والأنعام}: أي السفن، والإِبل.
{لتستووا على ظهوره}: أي تستقروا على ظهور ما تركبون.
{وما كنا له مقرنين}: أي مطيقين ولا ضابطين.
{وإنا إلى ربنا لمنقلبون}: أي لصائرون إليه راجعون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد بقوله تعالى: {ولئن سألتهم} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين من قومك قائلاً من خلق السموات والأرض أي من أنشأهن وأوجدهن بعد عدم لبادروك بالجواب قائلين الله ثم هم مع اعترافهم بربوبيته تعالى لكل شيء يركون في عبادته أصناماً وأوثاناً. في آيات أخرى صرحوا باسم الجلالة الله وفي هذه الآية قالوا: العزيز العليم أي الله ذو العزة التي لا ترام والعلم الذي لا يحاط به. وقوله تعالى: {الذي جعل لكم الأرض مهداً} أي فراشاً وبساطاً كمهد الطفل وهذا من كلام الله تعالى لا من كلام المشركين إذْ انتهى كلامهم عند العزيز العليم فلما وصفوه تعالى بصفتي العزة والعلم ناسب ذلك ذكر صفات جليلة أخرى تعريفاً لهم بالله سبحانه وتعالى فقال تعالى: {الذي جعل لكم الأرض مهداً} أي بساطاً وفراشاً، وجعل لكم فيها سبلاً أي طرقاً لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم لنيل حاجاتكم في البلاد هنا وهناك، والذي نزل من السماء ماء بقدر وهو المطر بقدر أي بكميات موزونة على قدر الحاجة منها فلم تكن ضحلة قليلة لا تنفع ولا طوفاناً مغرقا مهلكاً، وقوله: {فانشرنا} أي أحيينا بذلك المطر بلدة ميتا أي أرضا يابسة لأنبات فيها ولا زرع. وقوله: {كذلك تخرجون} أي مثل ذلك الأحياء للأرض الميتة يحييكم تعالى ويخرجكم من قبوركم أحياء.
وقوله: {والذي خلق الأزواج كلها} هذا وصف آخر له تعالى بأنه خلق الأزواج كلها من الذكر والأنثى، والخير والشر والصحة والمرض، والعدل والجور، إذْ لا فرد إلا هو سبحانه وتعالى وفي الحديث الصحيح: «الله وتر يحب الوتر {قل هو الله أحد}» وقوله: {جعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون} هذا وصف آخر بصفاته الفعلية الدالة على وجوده وقدرته وعلمه والموجبة لألوهيته إذ جعل للناس من الفلك أي السفن ما يركبون ومن الأنعام كالإِبل ومن البهائم كالخيل والبغال والحمير كذلك وقوله: {لتستوا على ظهوره} أي تستقروا على ظهوره أي ظهور ما تركبون، ثم تذكروا نعمة ربكم بقلوبكم إذا استويتم عليه وتقولوا بألسنتكم سبحان الذي سخر لنا هذا أي الله لنا واقدرنا على التحكم فيه، وما كنا له أي لذلك الحيوان المركوب بمقرنين أي بمطيقين ولا ضابطين لعجزنا وقوته، {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي لصائرون إليه بعد موتنا راجعون.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد يذكر صفات الربوبية المقتضية للألوهية.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- معجزة القرآن في الأخبار بالزوجية وقد قرر العلم الحديث نظام الزوجية وحتى في الذرة فهي زوج موجب وسالب.
4- مشروعية التسمية والذكر عند ركوب ما يركب فإن كان سفينة أو سيارة قال العبد بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم، وإن كان حيواناً قال عند الشروع باسم الله وإذا استوى قاعداً: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون.

.تفسير الآيات (15- 23):

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}

.شرح الكلمات:

{وجعلوا له من عباده جزءاً}: أي وجعل أولئك المشركون المقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض من عباده جزءاً إذ قالوا الملائكة بنات الله.
{إن الإِنسان لكفور مبين}: أي إن الإنسان المعترف بان الله خلق السموات وجعل من عباده جزءاً هذا الإِنسان لكفور مبين أي لكثير الكفر بينه.
{وأصفاكم بالبنين}: أي خصكم بالبنين وأخلصهم لكم.
{بما ضرب للرحمن مثلا}: أي بما جعل للرحمن شبها وهو الولد.
{ظل وجهه مسودا وهو كظيم}: أي أقام طوال نهاره مسود الوجه من الحزن وهو ممتلئ غيظاً.
{أو من يُنْشَأَ في الحلية}: أي أيجترئون على الله ويجعلون له جزءاً هو البنت التي تربي في الزينة.
{وهو في الخصام غير مبين}: أي غير مظهر للحجة لضعفه بالأنوثة.
{عباد الرحمن إناثاً}: أي لأنهم قالوا بنات الله.
{اشهدوا خلقهم}: أي أحضروا خلقهم عندما كان الرحمن يخلقهم.
{ستكتب شهادتهم}: أي سيكتب قولهم إن الملائكة إناثاً.
{ويسألون}: أي دعواهم أن الله راض عنهم بعبادة الملائكة لا دليل لهم عليه ولا علم.
{إن هم إلا يخرصون}: أي ما هم إلا يكذبون يتوارثون الجهل عن بعضهم بعضا.
{أم آتيناهم كتابا من قبله}: أي أم انزلنا عليهم كتابا قبل القرآن.
{فهم به مستمسكون}: أي متمسكون بما جاء فيه، والجواب لم يقع ذلك أبداً.
{بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة}: أي إنهم لا حجة لهم إلا التقليد الأعمى لآبائهم.
{وإنا على آثارهم مهتدون}: أي علي طريقتهم وملتهم ماشون وهي عبادة غير الله من الملائكة وغيرهم من الأصنام والأوثان.
{إلا قال مترفوها}: أي متنعموها.
{إنا وجدنا آباءنا على أمة}: أي ملة ودين.
{وإنا على آثارهم مقتدرون}: أي على طريقهم متبعون لهم فيها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد، والمكذبين إلى التصديق فقال تعالى مُنكراً عليهم باطلهم موبخاً لهم على اعتقاده والقول به، فقال: {وجعلوا له من عباده جزءاً} أي وجعل أولئك المشركون الجاهلون لله جزءاً أي نصيباً من خلقه حيث قالوا الملائكة بنات الله، وهذا من أكذب الكذب وأكفر الكفر إذ كيف عرفوا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله، وأنهم يستحقون العبادة مع الله فعبدوهم؟ حقاً إن الإنسان لكفور مبين أي كثير الكفر وبينه لا يحتاج فيه غلى دليل وقوله تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين} أي أتقولون أيها المشركون المفترون اتخذ الله مما يخلق من المخلوقات بناتٍ، وخصكم بالبنين، بمعنى أنه فضلكم على نفسه بالذكور الذين تحبون ورضي لنفسه بالإِناث اللاتى تبغضون. عجباً منكم هذا الفهم السقيم. وقوله تعالى: {وإذا بشر أحدكم بما ضرب للرحمن مثلا} أي بما جعل لله شبها وهو الولد {ظَلَّ وجهه مسودا وهو كظيم} أي إن هؤلاء الذين يجعلون الله البنات كذبا وافتراء، إذا ولد لأحدهم بنت فبشر بها أي أخبر بأن امرأته جاءت ببنت ظل وجهه طوال النهار مسوداً من الكآبة والغم وهو كظيم أي متلئ غماً وحزناً.
وقوله تعالى: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} ينكر تعالى عليه ويوبخهم على كذبهم وسوء فهمهم فيقول: ايجترئون ويبلغون الغاية في سوء الأدب ويجعلون لله من يربي في الزينة لنقصانه وهو البنات، وهو في الخصام غير مبين لخفة عقله حتى قيل ما أدلت امرأة بحجة الا كانت عليها لا لها. فقوله: {غير مبين} أي غير مظهر للحجة بالخِلقة وهي الأنثى والضمير عائد على من في قوله: {أو من ينشأ في الحلية} أي الزينة.
وقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} أي حيث قالوا الملائكة بنات الله وعبدوهم أشهدوا لذلك طلباً لشفاعتهم والانتفاع بعبادتهم. قال تعالى: موبخا لهم مقيما الحجة على كذبهم أشهدوا خلقهم أي أحضروا خلقهم عندما كان الله يخلقهم، والجواب لا، ومن أين لهم ذلك وهم ما زالوا لم يخلقوا بعد ولا آباؤهم بل ولا آدم اصلهم عليه السلام وقوله تعالى: {أي ستكتب شهادتهم} هذه وهي قولهم إن الملائكة بنات الله ويسالون عنها ويحاسبون ويعاقبون عليها بأشد أنواع العقاب، لأنها الكذب والافتراء، وعلى؟ إنه على الله، والعياذ بالله وقوله تعالى: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم}. أي قال أولئك المشركون المفترون لمن أنكر عليهم عبادة الملائكة وغيرها من الأصنام قالوا: لو شاء الرحمن منا عدم عبادتهم ما عبدناهم.
قال تعالى في الرد عليهم {ما لهم بذلك من علم} أي ليس لهم أي علم برضا الله تعالى بعبادتهم لهم، ما هم في قولهم ذلك إلا يخرصون أي يقولون بالخرص والكذب إل العلم يأتى من طريق الكتاب أو النبي ولا كتاب عندهم ولا نبي فيهم قال بقولتهم، ولذا قال تعالى منكراً عليهم قولتهم الفاجرة {أم آتيناهم كتابا فهم به مستمسكون}؟ لالا، ما آتاهم الله من كتاب ولا جاءهم قبل محمد من نذير إذا فلا حجة لهم إلا التقليد الأعمى للآباء والأجداد الجهال الضلال وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي ملة {وإنا على آثارهم مهتدون} أي ماشون مقتفون آثارهم وقوله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير} أي رسول إلا قال مترفوها أي متنعموها بنضارة العيش وغضارته {إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي ملة ودين {وإنا على آثارهم مقتدون} أي متبعون لهم فيها. فهذه سنة الأمم قبل أمتك يا رسولنا فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق بما يقولون ويعتقدون ويفعلون أيضا. وهو معنى قوله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك} إلى آخر الآية.

.من هداية الآيات:

1- تقرير صفة من صفات الإِنسان قبل شفائه بالإِيمان والعبادة وهي الكفر الواضح المبين.
2- وجوب إنكار المنكر ومحاولة تغييره في حدود ما يسمح به الشرع وتتسع له طاقة الإِنسان.
3- بيان حال المشركين العرب في الجاهلية من كراهيتهم البنات خوف العار وذلك لشدة غيرتهم.
4- بيان ضعف المرأة ونقصانها ولذا تكمل بالزينة، وان النقص فيها فطري في البدن والعقل معاً.
5- بيان أن من قال قولاً وشهد شهادة باطلة سوف يسأل عنها يوم القيامة ويعاقب عليها.
6- حرمة القول على الله بدون علم فلا يحل أن يُنسب إلى الله تعالى شيء لم ينسبه هو تعالى لنفسه.
7- حرمة التقليد للآباء وأهل البلاد والمشايخ فلا يقبل قول إلا بدليل من الشرع.

.تفسير الآيات (24- 32):

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}

.شرح الكلمات:

{قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}: قال لهم رسولهم: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بأهدى أي بخير مما وجدتم عليه آباءكم هداية إلى الحق والسعادة والكمال.
{قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون}: أي قال المشركون لرسلهم ردَّاً عليهم إنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون منكرون غير معترفين به.
{فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}: أي كانت دماراً وهلاكاً إذاً فلا تكترث بتكذيب قومك يا رسولنا.
{وإذ قال إبراهيم}: أي وأذكر إذ قال إبراهيم أبو الأنبياء خليل الرحمن.
{إنني براء مما تعبدون}: أي برئ مما تعبدون من أصنام لا أعبدها ولا أعترف بها.
{إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}: أي لكن الذي خلقني فإني أعبده وأعترف به فإنه سيهدني أي يرشدني إلى ما يكملني ويسعدني في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
{وجعلها كلمة باقية في عقبه}: أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد: لا إله إلا الله باقية دائمة في ذريته إذ وصاهم بها كما قال تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه.
{لعلهم يرجعون}: أي رجاء أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى توحيده كلما ذكروها وهى لا إله إلا الله.
{بل متعت هؤلاء وآباءكم}: أي هؤلاء المشركين وآباءهم بالحياة فلم أعاجلهم بالعقوبة.
{حتى جاءهم الحق ورسول}: أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق، {ورسول مبين} لا شك في رسالته وهو محمد صلى الله عليه وسلم يبين لهم طريق الهدى والأحكام الشرعية.
{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على}: أي وقال هؤلاء المشركون الذين متعناهم بالحياة فلم نُعاقبهم، {رجل من القريتين عظيم} هَلاَّ نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي في الطائف.
{أهم يقسمون رحمة ربك}: أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والاقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات. وليس لهم حق في تنبئة أي أحد إذ هذا من حق الله وحده.
{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدينا}: أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنغني هذا ونفقر هذا ونملك هذا ونعزل هذا، فكيف بالنبوة وهي أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن احق بها منهم فننبئ من نشاء.
{ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}: أي جعلنا هذا غنياً وذاك فقيراً ليتخذ الغنى الفقير خادما يسخره في خدمته بأجرة مقابل عمله.
{ورحمة ربك خير مما يجمعون}: أي والجنة التي أعدها الله لك ولأتباعك خير من المال الذي يجمع هؤلاء المشركون الكافرون.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} ملة {وإنا على أثارهم مقتدون} قال مخبراً عن قول الرسول لأمته المكذبة المقلدة للآباء الظالمين {قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} أي اتتبعون آباءكم ولا تتبعوني ولا جئتكم بأهدى إلى الخير والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم، وهذا إنكار من الرسول عليهم في صورة استفهام وهو توبيخ أيضا إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريباً كان أو بعيداً.
وقوله تعالى: {قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} هذا قول الأمم المكذبة المشركة لرسلهم أي كل أمة قالت هذا لرسولها: إنما بما ارسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون مكذبون غير مصدقين، قال تعالى: {فانتقمنا منهم} أي لتكذيبهم فأهلكناهم فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبتهم وهم المكذبون إنها دمار شامل وهلاك تام. وليذكر هذا قومك لعلهم يذكرون.
وقوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون} أي واذكر يا رسولنا لقومك قول إبراهيم الذي ينتسبون إليه باطلا لأبيه وقومه: إنني براء مما تعبدون أي إني برئ من آلهتكم التي تعبدونها فلا أعبدها ولا اعترف بعبادتها. وقوله: {إلا الذي فطرني} أي لكن ابعد الله الذي خلقنى فهو أحق بعبادتى مما لم يخلقني ولم يخلق شيئا وهو مخلوق أيضا. وقوله فإنه سيهدين أي يرشدنى دائما إلى ماف يه سعادتي وكما لي. وقوله تعالى: {وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} أي وجعل براءته من الشرك والمشركين، وعبادته خاصة بالله رب العالمين جعلها كلمة باقية في ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك في سورة البقرة إذ قال تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه} أي بأن لا يعبدوا إلا الله وهي إذاً كلمة لا إله إلا الله ورثها إبراهيم في بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا تركوا عبادة الله تعالى والإِنابة إليه بعوامل الشر والفساد من شياطين الإِنس والجن فيذكرون ويتوبون إلى الله تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى الله إبراهيم عن المؤمنين خيراً. وقوله تعالى: {بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين} أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملاً إذا أشرك من بنيه من اشرك ومنهم هؤلاء الشمركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم، ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذي هو هذا القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أي الموضح لكل الأحكام والمبين لكل الشرائع. ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذي هو القرآن الحامل للشرائع والأحكام والرسول المبين لذلك والموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به، وإنا به أي بالقرآن والرسول كافرون أي جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك في الشطط والغلط وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} أي هلاّ نزل هذا القرآن على رجل شريف ذي مكانه مثل الوليد بن المغيرة في مكة أو عروة بن مسعود في الطائف وهذه نظرة مادية بحتة إذ رأوا أن الشرف بالمال، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم لا مال له ولا ثراء رأوا أنه ليس أهلا للرسالة ولا للمتابعة عليها، فرد تعالى عليهم نظريتهم المادية الهابطة هذه بقوله: {أهم يقسمون رحمة ربك}؟ أما يخجلون عندما قالوا أهم يقسمون رحمة ربك فيعطون منها من شاءوا ويمنعون من شاءوا أم نحن القاسمون؟ إنا قسمنا بينهم معيشتهم: طعامهم وشرابهم وكساهم وكسنهم ومركوبهم في الحياة الدنيا فالعاجز حتى عن إطعام نفسه وسقيها وكسوتها كيف لا يستحي أن يعترض على الله في اختياره من هو أهل لنبوته ورسالته؟ وقوله تعالى: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} أي في الرزق فهذا غنى وذاك فقير من أجل أن يخدم الفقير الغنى وهو معنى قوله تعالى: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}، إذ لو كانوا كلهم أغنياء لما خدم أحد أحداً وتعطلت الحياة وقوله تعالى: {ورحمة ربك} أي الجنة دار السلام خير مما يجمعون من المال الذي فضلوا أهله وإن كانوا من أحط الناس قدرا وأدناهم شرفا.
ورأوا أنهم أولى بالنبوة منك لمرض نفوسهم بحب المال والشهوات.

.من هداية الآيات:

1- من الكمال العقلي أن يتبع المرء الهدى ولو خالفه قومه وأهل بلاده.
2- وجوب البراءة من الشرك والمشركين وهذا معنى لا إله إلا الله.
3- فضيلة من يورث أولاده هدى وصلاحاً.
4- لا يعترض على الله أحد في شرعه وتدبيره إلا كفر والعياذ بالله تعالى.
5- بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض والذكاء والغباء.

.تفسير الآيات (33- 35):

{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}

.شرح الكلمات:

{أمة واحدة}: أي على الكفر.
{ومعارج}: أي كالسلم والمصعد الحديث والمعارج جمع معرج وهو المصعد.
{عليها يظهرون}: أي يعلون عليها إلى السطوح.
{وزخرفا}: أي ذهباً أي لجعلنا لبيوتهم سقفا من فضة وذهب وكذلك الأبواب والمصاعد والسرر بعضها من فضة وبعضها من ذهب.
{وان كل ذلك}: أي وما كل ذلك المذكور.
{لما متاع الحياة الدنيا}: أي وما كل ذلك الا متاع الحياة الدنيا يتمتع به فيها ثم يزول.
{والآخرة}: أي الجنة ونعيمها خير لأهل الإِيمان والتقوى من متاع الدنيا.

.معنى الآيات:

لما فضل تعالى الجنة على المال والمتاع الدنيوى في الايات السابقة قال هنا: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة} أي على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن (يعني نفسه عز وجل) لبيوتهم سقفاً من فضة، ومعارج عليها يظهرون أي مراقى ومصاعد عليها يعلون إلى الغرف والسطوح من فضة ولجعلنا كذلك لبيوتهم ابواباً وسرراً عليها يتكئون من فضة أيضا، وزخرفاً أي وذهباً أي بعض المذكور من فضة وبعضه من ذهب ليكون أجمل وابهى من الفضة وحدها، وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يتمتع به الناس ثم يزول ويذهب بزوالهم وذهابهم. والآخرة عند ربك أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم للمتقين الذين آمنوا واتقوا الشرك والمعاصي وما عند الله خير مما عند الناس، وما يبقى خير مما يفنى، ولذا قال الحكماء لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف طين لاختار العاقل الآخرة على الدنيا، وهو اختيار ما يبقى على ما يفنى.

.من هداية الآيات:

1- الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطرى في الإِنسان فلذا لو اعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل الناس وطلبوها بالكفر.
2- هوان الدنيا على الله وعدم الاكتراث بها إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء» رواه الترمذي وصححه وفي صحيح مسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
- بيان أن الآخرة خير للمتقين.