فصل: تفسير الآيات (38- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (31- 32):

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}

.شرح الكلمات:

{تحبون الله}: لكمال ذاته وإنعامه عليكم.
{يحببكم الله}: لطاعتكم إيّاه وطهارة أرواحكم بتقواه.
{يغفر لكم ذنوبكم}: يسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها.
{فإن تولوا}: أعرضوا عن الإِيمان والطاعة.

.معنى الآيتين:

لما ادعى وفد نصارى نجران أن تعظيمهم المسيح وتقديسهم له ولأمه إنما هو من باب طلب حب الله تعالى بحب ما يحب وتعظيم ما يعظم أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقول لهم: {إن كنتم تحبون الله} تعالى ليحبكم {فاتبعوني} على ما جئت به من التوحيد والعبادة {يحببكم الله} تعالى {ويغفر لكم ذنوبكم} أيضاً وهو الغفور الرحيم. وبهذا أبطل دعواهم في أنهم ما ألّهوا المسيح عليه السلام الا طلباص لحب الله تعالى والحصول عليه. وأرشدهم إلى أمثل طريق للحصول على حب الله تعالى وهو متابعة الرسول على ما جاء به من الإِيمان والتوحيد والعبادة المزكية للروح المورثة لحب الله تعالى وهذا ما تضمنته الآية الأولى (31). وأما الآية الثانية (32) فقد أمر تعالى رسوله أن يأمر وفد نصارى نجران وغيرهم من إهل الكتاب والمشركين بطاعته وطاعة رسوله إذ هما طريق الكمال والإِسعاد في الدنيا والآخرة. فإن أبوا وأعرضوا تولوا فقد باءوا بغضب الله وسخطه عليهم لأنهم كافرون والله لا يحب الكافرين هذا معنى قوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}.

.من هداية الآيتين:

1- محبة العبد للرب تعالى واجب وإيمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أحبوا لله تعالى لما يغذوكم به، من النعم وأحبونى بحب الله تعالى». وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».
- محبة الله تعالى للعبد هي غاية ما يسعى إليه أولوا العلم في الحياة.
3- طريق الحصول على محبّة الله تعالى للعبد هو اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإِيمان بما جاء به واتباع شرعه وطاعته في المَنْشَط والمكره، للآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} إذ ليس الشأن أن يُحبَّ العبد، وإنما الشأن أن يُحبّ!
4- دعوى محبة الله ورسوله مع مخالفة أمرهما ونهيهما دعوى باطلة وصاحبها خاسر لا محالة.

.تفسير الآيات (33- 37):

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}

.شرح الكلمات:

{اصطفى آدم}: اختار، وآدم هو أبو البشر عليه السلام.
{آل إبراهيم}: آل الرجل أهله وأتباعه على دينه الحق.
{عمران}: حنّة وأبو مريم عليهم السلام.
{العالمين}: هم الناس المعاصرون لهم.
{إمرأة عمران}: حَنّة.
{نذرت لك ما في بطني}: ألزمت نفسها أن تجعله لله يعبده ويخدم بيته الذي هو بيت المقدس.
{محرّراً}: خالصاً لا شركة فيه لأحد غير الله بحيث لا تنتفع به أبداً.
{مريم}: خادمة الرب تعالى.
{أعيذها بك}: احصّنها واحفظها بجانبك من الشيطان.
{وكفلها زكريا}: زكريا أبو يحيى عليهما السلام وكانت امرأته أختاً لحنّة.
{المحراب}: مقصورة ملاصقة للمسجد.
{أنّى لك هذا}؟: من أين لك هذا، أي من أين جاءك.

.معنى الآيات:

لما ادعى نصارى وفد نجران ما ادعوه في المسيح عليه السلام من تأليهه وتأليه أمّّه أنزل الله تعالى هذه الآيات يبينّ فيها مبدأ أمر عيسى وأمه وحقيقة أمرهما فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران اصطفاهم لدينه واختارهم لعبادته ففضلهم بذلك على الناس وأخبر أنهم ذريّة بعضهم نم بعض لم تختلف عقائدهم، ولم تتباين فضائلهم وكمالاتهم الروحيّة وذلك لحفظ الله تعالى لهم وعنايته بهم. وأخبر تعالى أنه سميع عليم أي سميع لقول إمرأة عمران عليم بحالها لما قالت: {.. رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً..} وذلك أنها كانت لا تلد فرأت في حديقة منزلها طائراً يطعم أفراخه فحنّت إلى الولد وسألت ربها أن يرزقها ولداً وتجلعه له يعبده ويخدم بيته فاستجاب الله تعالى لها فحملت ومات زوجها وهى حبلى وقالت ما قص الله تعالى عنها في قولها: {إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل منى إنك أنت السميع العليم} وحان وقت الولاد فولدت ولكن انثى لا ذكراً فتحسرت لذلك، وقالت: {رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت} وكيف لا يعلم وهو الخلاق العليم. وقالت: {وليس الذكر كالأنثى} في باب الخدمة في بيت المقدس فلذا هي آسفة جداً، وأسمت مولدتها مريم أي خادمة الله، وسألت ربها أن يحفظها السلام فلم يقربه شيطان قط. وتقبل الله تعالى ما نذرته له وهو مريم فأنبتها نباتاً حسناً فكانت تنموا نماء عجيباً على خلاف المواليد، وكفلها زكريا فتربت في بيت خالتها وذلك أن حنة لما وضعتها أرضعتها ولفّتها في قِمَاطها وبعثت بها إلى صلحاء بني إسرائيل يسندونها إلى من يرون تربيتها في بيته، لأن أمها نذرتها لله تعالى فلا يصح منها أن تبقيها في بيتها ووالدها مات أيضا، فأحب كل واحد أن يكفلها فكفلها زكريا وأصبحت في بيت خالتها بتدبير الله تعالى لها، ولما كبرت أدخلها المحراب لتتعبد فيه، وكان يأتيها بطعامها، فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب لذلك ويسألها قائلا: {يا مريم أنى لك هذا} فتجيبه قائلة {هو من عند الله} وتعلل لذلك فتقول: {إ‘ن الله يرزق من يشاء بغير حساب}.

.من هداية الآيات:

1- بيان إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء.
2- بيان أن عيسى عليه السلام ليس بابن الله ولا هو الله، ولا ثالث ثلاثة بل هو عبد الله ورسوله أمه مريم، وجدته جنّة، وجده عمران من بيت شرف وصلاح في بني إسرائيل.
3- استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب لحنّة ورزقها الولد وأعاذ بنتها وولدها من الشيطان الرجيم.
4- مشروعية النذر لله تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقربا إلى الله تعالى.
5- بيان فضل الذَّكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والواجبات.
6- جواز التحسّر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله.
7- ثبوت كرامات الأولياء كما تم في محرابها.
8- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذه القصص لا يتأتَّى لأُميّ أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه. ولهذا ختمه بقوله: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك.}

.تفسير الآيات (38- 41):

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}

.شرح الكلمات:

{هنالك}: ثَمَّ عندما رأى كرامة الله لمريم عليها السلام.
{زكريا}: أحد أنبياء بني إسرائيل ورسلهم.
{هب لي}: أعطني.
{من لدنك}: من عندك.
{ذريّة طيبة}: أولاداً أطهاراً صالحين.
{بكلمة من الله}: هي عيسى عليه السلام، لأنه كان بكلمة الله تعالى كُن.
{وسيداً وحصوراً}: شريفاً ذا عِلْم وحلم، ولا رغبة له في النساء لقلة مائه.
{غلام}: ولد ذكر.
{عاقر}: عقيم لا تلد لعُقْمها وعُقْرها.
{آية}: علامة استدل بها على بداية الحمل لأشكر نعمتك.
{إلا رمزاً}: إلا إشارة بالرأس أو باليد يفهم منا ما يفهم من الكلام.
{الإبكار}: أول النهار، والعشي آخره.

.معنى الآيات:

لما شاهد زكريا من كرامات الله لمريم أنها تُؤْتَى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ذكر أن الله تعالى قد يعطي ما شاء لمن يشاء على غير نظام السنن الكونيّة فكبر سِنّه وعُقم امرأته لا يمنعان أن يعْطه الله تعالى ولداً، فسأل ربّه الولد فاستجاب له ربّه فبشرته الملائكة بالولد وهو قائم يصلى في محرابه قائلة إن الله يبشرك بولد اسمه يحيى مصدّقاً بكلمة من الله يريد أن يصدق بعيسى بن مريم ويكون على نهجه، لأن عيسى هو الكلمة إذ كان بقول الله تعالى له كُن فكان، ووصفه بأنّه سيد ذو علمي وحِلم وتقًى وحصور لا يأتي النساء، ونبيُّ من الصالحين. فلما سمع البشارة من الملائكة جاءه الشيطان وقال له: إن الذي سمعته من البشى هو من الشيطان ولو كان من الرحمن لأوحاه إليك وحياً، وهنا أراد زكريا أن يثبت من الخبر فقال: {ربّ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر} فأوحى إليه: أن هذا فعل الله والله يفعل ما يشاء. وهنا قال زكريا رب اجعل لي آية يريد علامة يستدل بها على وجود الحمل ليستقبل النعمة بالشكر فأجابه ربه قائلا: {آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام} يريد أنك تصبح وأنت عاجزع عن الكلام لمدة ثلاثة أيام، فلا تقدر أن تخاطب أحداً إلا بالإشارة وهي الرمز فيفهم عنك، وأمره تعالى أن يقابل هذا الإِنعام بالشرك التام فقال له {واذكر ربك كثيرا وسبّح} يريد صلِّ بالعشي آخر النهار والإِبكار أوله.

.من هداية الآيات:

1- الاعتبار بالغير، إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة الله تعالى لمريم.
2- مشروعية الدعاء وكونه سراً أقرب إلى الإِجابة، وكونه في الصلاة كذلك.
3- جواز تلبيس إبليس على المؤمن، ولكن الله تعالى يذهب كيده ووسوسته.
4- جواز سؤال الولد الصالح.
5- كرامات الله تعالى لأوليائه- باستجابة دعاءهم.
6- فضل الإِكثار من الذكر، وفضيلة صلاتى الصبح والعصر وفي الحديث: «من صلى البردين دخل الجنة».

.تفسير الآيات (42- 44):

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}

.شرح الكلمات:

{واذا قالت الملائكة}: أذكر لوفد نصارى نران ما قالت الملائكة فإن ذلك دليل على صحة نبوّتك، وصدقك في أمر التوحيد، وعدم ألوهية عيسى.
{اصطفاك}: اختارك لعبادته وحسن طاعته.
{وطهّرك}: من اذنوب وسائر النقائص المخلة بالولاية لله تعالى.
{واصطفاك على نساء العالمين}: أي فضلك على نساء العالمين بما أهّلك له من كرامة ولادة عيسى من غير أب.
{اقنتي}: أطيعي ربك واقتنتي له واخشعي.
{واركعى مع الركعين}: اشهدى صلاة الجماعة في بيت المقدس.
{ذلك من انباء الغيب}: أي ما ذكرت من قصة مريم وزكريا من أخبار الغيب.
{لديهم}: عندهم وبينهم.
{إذ يُلْقُون أقلامهم}: جمع قلم وهو ما يكتب به وإلقاؤها لأجل الاقتراع بها على كفالة مريم.
{يختصمون}: في شأن كفالة مريم عليها وعليهم السلام.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لنبيه اذكر لوفد نجران الذين يحاجونك في ألوهية المسيح إذ قالت الملائكة مخاطبة مريم أم المسيح أهلَّها الله تعالى له وأكرمها به من اصطفاء الله تعالى لها لتكون من صاحلى عباده، وتطهيره إياها من سائر الذنوب النقائص والعيوب مفضلا لها على نساء عالمها حيث برأها وأكرمها وأظهر آية قدرته فيها فولدت عيسى بكلمة الله وليس على سنته تعالى في تناسل البشر من ذكر وأنثى، وأمرها بمواصلة الطاعة والخبات والخشوع لله تعالى فقال: {يا مريم الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}، وخص الصلاة بالذكر لأهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو السجود والركوع وفى بيت المقدسر مع الراكعين.
هذا معنى الآيتين الأولى (42) والثانية (43) أما الآية الثالثة (44) فقد خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُشِيراً إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة ومريم وزكريا ويحيى ومريم أخيراً بأنه كله من انباء الغيب واخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك نبيّه ورسوله، وما جاء به من الدين هو الحق، وما عداه فهو باطل، وبذلك تقرر مبدأ التوحيد، وأنه لا إله إلا الله وإنما هو عبد الله ورسول الله. ثم تقريراً لمبدأ الوحي وتأكيداً له قال تعالى لرسوله أيضاً، وما كنت لديهم أي عند علماء بني إسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم، وهم يقترعون على النذيرة مريم من يكفلها فرموا بأقلامهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن الله فألقا أقلامهم تلك الأقلام التي كانت تكتب الحق والهدى لا الباطل والضلال كما هي أغلب أقلام أرباب الصحف والمجلات اليوم فوقف قلم زكريا ففاز الكتاب وغيرهم بأنه إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدين الحق هو الإسلام.
وما عداه فباطل وضلال!.

.من هداية الآيات:

1- فلض مريم عليها السلام وأنها وليّة صديقة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمّل النساء ففي الصحيح: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية إمرأة فرعون، ومريم بنت عمرا، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
- أهل القرب من الله هم أهل طاعته القانتون له.
3- الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى.
4- ثبوت الوحي المحمدي وتقريره.
5- مشروعية الاقتراع عند الاختلاف وهذه وإن كانت في شرع من قبلنا إلا أنها مقررة في شرعنا والحمد الله.

.تفسير الآيات (45- 47):

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}

.شرح الكلمات:

{يبشرك}: يخبرك بخبر سار مفرح لك.
{بكلمة منه}: هو المسيح عليه السلام وسمي كلمة لأنه كان بكلمة الله تعالى {كن}.
{المسيح}: لقب عيسى عليه السلام ومن معانيه الصديق.
{الوجيه}: ذو الجاه والقدر والشرف بين الناس.
{في المهد}: المهد مضجع الصبي وهو رضيع.
{وكهلاً}: الكهولة سنّ ما بين الشباب والشيخوخة.
{ولم يمسسنى بشر}: تريد لم يقربها ذكر لا للوقاع ولا لغيره، وذلك لعقمها وبعدها عن الرجال الأجانب.
{قضى أمراً}: أراده وحكم بوجوده.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حِجَاج وفد نصارى نجران إذ قال الله تعالى لرسوله واذكر لم إذ قالت الملائكة يا مريم {إن الله يبشرك بكلمة منه} الآية، حيث أخبرتها الملائكة أي جبريل عليه السلام بأن الله تعالى يبشرها بولد يكون بكلمة الله تعالى اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وأنه ذو جاه وشرف في الدنيا وفي الآخر ومن المقربين، وأنه يكلم الناس وهو في مهده وقت رضاعه، كما يكلمهم في شبابه وكهولته، وأنه من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله تعالى وحقوق عباده وافية غير منقوصة فردت مريم قائلة: {رب أنَّى يكون لي ولد} أي كيف يكون لي ولد ولم يَغْشَنى بشر بجماع وسنة الله فيخلق الولد الغشيان فأجابها جبريل قائلا: الأم رهكذا سيخلق الله منك ولداً من غير أب، وهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء وإذا حكم بوجود شيء من غير ذوات الأسباب فإنما يقول له كن فهو يكون كما قضى الله تعالى وأراد.

.من هداية الآيات:

1- بيان شرف مريم وكرامتها على ربها إذ كلمها جبريل وبشرها بعد أن تمثل لها بشراً.
2- بيان شرف عيسى عليه السلام ووجاهته في الدنيا والآخرة وأنه من القربين والصالحين.
3- تكلم عيسى في المهد من آيات الله تعالى حيث لم تجر العادة أن الرضيع يتكلم في زمانه رضاعه.
4- جواز طلب الإِستفسار عما يكون مخالفاً للعادة لمعرفة سرّ ذلك أو علته أو حكمته.

.تفسير الآيات (48- 51):

{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}

.شرح الكلمات:

{الكتاب}: الخط والكتابة.
{الحكمة}: العلم الصحيح والإِصابة في الأمور وفهم أسرار التشريع الإِلهي.
{ورسولاً}: أي وابعثه رسولاً.
{آية}: علامة دالة على رسالته وصدق نبوته.
{أخلق لكم}: أي أصور لكم، لا الخلق الذي هو الإِنشاء والاختراع إذ ذاك لله تعالى.
{كهيئة الطير}: كصورة الطير.
{الأكمه}: الذي ولد أعمى.
{الأبرص}: ذو البرص وهو مرض عَياء عجز عنه الطب القديم والحديث، والبرص بياض يصيب الجلد البشري.
{تدّخرون}: تحبسونه وتخفونه عن أطفالكم من الطعام وغيره.
{لما بين يدي}: من قبلي.
{إن الله ربي وربكم}: إلهي وإلهكم فاعبدوه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان حقيقة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله وليس بابن الله ولا بإله مع الله فأخبر تعالى أنه يخلقه بكلمة كن ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإِنجيل وقد فعل، وأنه يبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل وقد فعل فأخبرهم عيسى أنه قد جاءهم بآية من ربهم تدل على صدق رسالته وهذه الآية هي أنه يخلق لهم من الطين على صورة الطير وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله وفعلاً كان يمسح على ذي العاهة المستعصاة كالبرص فيبرأ صاحبها فوراً، وطلبوا منه أن يحي لهم سام بن نوح فأحياه بإذن الله، وأنه يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم، وما يدخرون فما يخطئ أبداً، ثم قال لهم: إن في ذلك المذكور لآية لكم دالة على صدقي إن كنتم مؤمنين فآمنوا بي ولا تكذبوني وقد جئتكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وفي ذلكم خير لكم ورحمة فآمنوا بي، فكذبوه فقال لهم: اتقوا الله واطيعوني تنجوا وتسعدوا وأعلمهم أخيراً أن الله تعالى هو ربّه وربهم وأن عليهم أن يعبدون ليكملوا ويسعدوا وأن عبادة الله تعالى وحده وبما شرع هي الصراط المستقيم المفضي بالسالكين إلى الكمال والإِسعاد في الحياتين.

.من هداية الآيات:

1- شرف الكتابة وفضلها.
2- فضل الحكمة وهي الفقه في أسرار الشرع والإِصابة في الأمور.
3- الغيب لله، ويعلم أنبياءه منه ما يشاء.
4- ثبوت معجزات عيسى عليه السلام.
5- لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله، وعيسى كلمة الله وروح منه ورسول إلى بني إسرائيل.
6- الأمر بالتقوى وطاعة الرسول لتوقف السعادة والكمال عليهما.