فصل: تفسير الآيات (41- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (13- 26):

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)}

.شرح الكلمات:

{ثلة من الأولين}: أي جماعة من الأمم الماضية.
{وقليل من الآخرين}: أي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء هم السابقون.
{على سرر موضونة}: أي منسوجة مشبكة بالذهب والجواهر.
{ولدان مخلدون}: أي على شكل الأولاد لا يهرمون فيخدمونهم أبداً.
{بأكواب وأباريق}: يطوف عليهم الولدان الخدم بأكواب وهي أقداح لا عرا لها، وأباريق لها عرا وخراطيم.
{وكأس من معين}: أي وإناء لشرب الخمر ومعين بمعنى جارية من نهر لا ينقطع أبداً.
{لا يصدعون}: أي لا يحصل لهم من شربها صداع.
{ولا ينزفون}: أي ولا تذهب عقولهم يقال نزف الشارب وأنزف إذا ذهب عقله. بالسكر.
{وفاكهه مما يتخيرون}: أي يختارون منها ما يروق لهم ويعجبهم وإن كانت كلها معجبة.
{وحور عين}: أي ولهم نساء بيض عين أي واسعة الأعين وشديدات سواد العيون وبياضها.
{كامثال اللؤلؤ المكنون}: أي أولئك الحور العين هن في جمالهن وصفائهن كأمثال اللؤلؤ المصون.
{لغواً ولا تأنيما}: أي لا يسمعون في الجنة لغواً أي فاحش الكلام وما لا خير فيه ولا ما يوقع في الإِثم.
إلا قيلا سلاما سلاما: إلا قولا سلاما سلاما أي لا يسمعون الا السلام من الملائكة ومن بعضهم بعضاً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان أحوال الناس إذا قامت القيامة فذكر أنهم يصيرون أصنافاً ثلاثة أصحاب يمين وأصحاب شمال وسابقين. وهنا يقول في السابقين إنهم ثلة أي جماعة من الأولين أي من الأمم الماضية الذين أسلموا وسبقوا إلى الإِسلام مع أنبيائهم، وقليل من الآخرين أي من هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين سبقوا إلى الإِيمان والهجرة والجهاد يذكر نعيمهم فيقول وقوله تعالى: {على سرر موضونة} أي إنهم على سرر موضونة أي منسوجة ومشبكة بالذهب والجواهر، حال كونهم متكئين عليها مقابلين لا ينظر أحدهم إلى قفا الآخر بل إلى وجهه، {يطوف عليهم} أي للخدمة {ولدان} غلمان {مخلدون} لا يكبرون فيهرمون ولا يتغيرون بل يبقون كذلك أبداً يطوفون عليهم بأكواب جمع كوب وهو قدح لا عروة له، وأباريق جمع ابريق وهو إناء له عروة وخرطوم، {وكأس من معين} والكأس هنا إناء شرب الخمر والمعين ما كان جاريا لا ينضب والمراد بكأس من نهر الخمر.
وقوله تعالى: {لا يصدعون عنها} أي لا يصيبهم صداع من شربها، ولا ينزفون أي لا تذهب عقولهم بشربها بخلاف خمر الدنيا فإنها تصيب شاربها بالصداع وذهاب العقل غالباً وقوله تعالى: {وفاكهة} ويطوف عليهم الغلمان بفاكهة وهو ما يتفكه به وليس بغذاء رئيسي ومن سائر الفواكه، ما يتخيرون أي يختارون. ولحم طير مما يشتهون أي مما تشتهيه أنفسهم.
وقوله: {وحور عين} أي ولهم في الجنة حور عين يستمتعون بهن، وأحدة الحور حوراء.
وهي البيضاء وواحدة العين العيناء وهو واسعة العينين والْحَوَر في العين أن يكون بياضها أكثر من سوادها وهو ضرب من الجمال، وقوله: {كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي المصون في كِنّة أو صدفه.
يريد أنهن جميلات مصونات غير مبتذلات وقدم تقدم في الرحمن أنهن مقصورات في الخيام.
وقوله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} أي جزاهم ربهم جزاء بما كانوا يعملونه من الصالحات بعد الإيمان والتوحيد وترك المعاصي.
وقوله تعالى وهو من إتمام النعيم أنهم لا يسمعون في جنات النعيم ما يكدر صفو نعيمهم أو ينغص لذة حياتهم من قول بذيء سيّئ فلا يسمعون فيها أي في الجنة {لغواً} أي كلاماً فاحشاً ولا تأثميا وهو ما يؤثم قائله وسامعه. {إلا قيلا} أي قولا {سلاماً سلاماً} أي إلا ما كان من سلام الرب تعالى عليهم وهو أكبر نعيمهم وسلام الملائكة عليهم وسلام بعضه على بعض اللهم اجعلنا منهم قل آمين أيها القارئ واطمع فإن ربنا غفور رحيم سميع الدعاء قريب مجيب.

.من هداية الآيات:

1- تقرير البعث الجزاء بذكر أحوال الدار الآخرة.
2- بيان شيء من نعيم أهل الجنة وخاصة السابقين منهم.
3- بيان ان السابقين يكونون من سائر الأمم المسلمة.
4- بيان فضل خمر الجنة على خمر الدنيا المحرمة.
5- تقرير قاعدة أن الجزاء من جنس العمل.

.تفسير الآيات (27- 40):

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)}

.شرح الكلمات:

{وأصحاب اليمين ما أصحاب}: هذا شروع في ذكر الزوج الثاني من الأزواج الثلاثة فذكر السابقين وما أعد لهم وهذا ذِكرٌ لأصحاب اليمين وما أعد لهم من نعيم مقيم.
{في سدر مخضود}: في شجر السدر وثمرهُ النبق ومخضود لا شوك فيه.
{وطلح منضود}: أي شجر موز منضود الحمل من أعلاه إلى أسفله فليس له ساق بارزة.
{ظل ممدود}: أي دائم إذ لا شمس تنسخه وإن ظل شجرة في الجنة يسير الراكب فيه مائة سنة لا يقطعه.
{وماء مسكوب}: أي مصبوب لا يحتاج المتنعم بأن يصبه بيده بل هو سائل في غير أخدود أو أنبوب.
{لا مقطوعة ولا ممنوعة}: أي غير مقطوعة في زمن، ولا ممنوعة بثمن.
{إنا أنشأناهن انشاء}: أي الحور العين اللائي تقدم ذكرهن في قوله وحور عين.
إذْ كانت الواحدة منهن في الدنيا عجوزاً شمطاء عمشاء رمصاء فأنشأها ربها إنشاء جديداً بِكْراً تتغنج وتتعشق عرباء تتودد لزوجها وتتحبب.
{فجعلناهن أبكاراً}: الواحدة بكر وهي التي لم تفتض بكارتها بعد وتسمى العذراء.
{عُرباً}: الواحدة عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل.
{أتراباً}: أي مستويات في السن الواحدة يقال لها تِرابٌ والجمع اتراب.
{لأصحاب اليمين}: وهم الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين وهم أهل الإِيمان في الدنيا والعمل الصالح فيها.
{ثلة من الأولين}: أي من الأمم السابقة.
{وثلة من الآخرين}: أي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في عرض أحوال الآخرة وذكر ما لكل صنف من أصناف الناس الثلاثة من سابقين وأصحاب يمين وأصحاب شمال فقال تعالى: {وأصحاب اليمين} وهم الذين إذا وقفوا في عرصات القيامة أُخذ بهم ذات اليمين وهم أهل الإِيمان والتقوى في الدنيا وقوله تعالى: {ما أصحاب اليمين} تفخيم لشأنهم وإعلان عن كرامتهم ثم بيّن ذلك بقوله: {في سدر مخضود وطلح وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة} إنهم في هذا النعيم الدائم المقيم إنهم يتفكهون بالنبق الذي هو أحلى من العسل وأنعم من الزبد شجره مخضود الشوك لا شوك به، ويتفكهون بالطلح أي ثمره وهو الموز، والماء المصبوب الجارى، والفاكهة الكثيرة التي لا تقطع بالفصول الزمانية كما هي الحال في فاكهة الدنيا يوجد منها في الصيف ما لا يوجد في الشتاء مثلا ولا ممنوعة بثمن غال ولا رخيص وفي فرش مرفوعة عالية علو الدرجات التي هي فيها وقوله: {إنا أنشأناهن إنشاء} يعني الحور العين اللائي سبق في الآيات ذكرهن منهن من أنشأهن الله إنشاء لم يسبق لهن خلق ووجود، ومنهن نساء الدنيا فقد كانت فيهن السوداء والعمشاء والرمصاء والعجوز فيعيد تعالى إنشاءهن فيجعلهن من بين الحور العين كأنهن اللؤلؤ المكنون، وقوله: {فجلعناهن أبكاراً} عذارى لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان عُربا أتراباً العروب هي المتحببة إلى زوجها العاشقة له المتغنجة والأتراب المتساويات في السن، وترب الإِنسان من وُلد معه في وقت واحد فمس جلده التراب مع مس التراب جلدك وقوله لأصحاب اليمين أي أنشأ هؤلاء الحور العين لأجل أصحاب اليمين ليستمتعوا بهن.
وقوله: {ثلة من الأولين} أي من الأمم الماضية {وثلة من الآخرين} أي من هذه الأمة المسلمة اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وادخلنا الجنة معهم.

.من هداية الآيات:

1- بيان إكرام الله وإنعامه على المؤمنين المتقين.
2- بيان أن العجوز في الدنيا إذا دخلت الجنة تصير شابة حسناء حوراء عروباً.
3- تقرير أن ثمن الجنة الإِيمان والتقوى فلا دخل للحسب ولا للنسب والأول كالآخر على حد سواء فيها.

.تفسير الآيات (41- 56):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}

.شرح الكلمات:

{وأصحاب الشمال}: أي هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال في الموقف يوم القيامة وهم أهل الشرك والمعاصي في الدنيا.
{في سموم}: أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسد.
{وحميم}: أي ماء حار شديد الحرارة.
{وظل من يحموم}: أي دخان شديد السواد.
{لا بارد ولا كريم}: أي لا بارد كغيره من الظلال ولا كريم حسن المنظر.
{كانوا قبل ذلك}: أي في الدنيا.
{مترفين}: أي منعمين لا ينهضون بالتكاليف الشرعية ولا يتعبون في طاعة الله ورسوله.
{يصرون على الحنث العظيم}: أي الذنب العظيم وهو الشرك.
{وكانوا يقولون أئذا متنا الآن}: أي كانا ينكرون البعث الآخر.
{لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}: أي لوقت يوم معلوم وهو يوم القيامة.
{أيها الضالون المكذبون}: أي الضالون عن طريق الهدى المكذبون بالبعث والجزاء.
{من شجر من زقوم}: أي من أخبث الشجر المرّ في غاية الكراهة والبشاعة طعماً ولوناً.
{فشاربون شرب الهيم}: أي شاربون شرب الإِبل العطاش، إذ الهيمان العطشان والهيمى العطشى.
{هذا نزلهم يوم الدين}: أي هذا ما أعد لهم من قرًى يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في بيان أحوال الأصناف الثلاثة التي انقسمت البشرية إليها عند خروجها من قبورها فذكر حال السابقين وحال أصحاب اليمين وذكر هنا حال أصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال فقال تعالى: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} تنديد بحالهم وإعلان عن سوء عاقبتهم وما هم فيه من عذاب إنهم {في سموم} أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسم {وحميم} وهو ماء حار شديد الحرارة هذا شرابهم، {وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} إنه دخان أسود شديد السواد {لا بارد} كغيره من الظلال {ولا كريم} أي وليس بذي حسن في منظره. وقوله تعالى: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين} هذه علة جزائهم بالعذاب الأليم إنهم كانوا في الدنيا منعمين لا يصلون ولا يصومون ولا يجاهدون ولا يرابطون، {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} أي على الإِثم العظيم أي الشرك وكبائر الإِثم والفواحش.
{وكانوا يقولون} منكرين للعبث والجزاء جاحدين باليوم الآخر- {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} أي أحياء كما كنا في الدنيا {أو آباؤنا} أيضا مبعوثون كذلك والاستفهام في الموضعين للاستبعاد والإِنكار. وهنا أمر تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يرد بقوله: {قل} أي قل لهم: {إن الأولين والآخرين} أي أنتم وآباؤكم من عهد آدم والآخرين منكم ومن ذريتكم إلى نهاية حياة الإِنسان {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} أي لوقت يوم معلوم عند الله محدد باليوم والساعة والدقيقة {ثم إنكم أيها الضالون} عن سبيل الهدى المعرضون عن الحق المكذبون بالبعث لداخلون جهنم ماكثون فيها أبداً وإنكم {لآكلون من شجر من زقوم} وهو شر ثمر وأخبث ما يؤكل مرارة {فمالئون منه} بطونكم لما يصيبكم من الجوع الشديد، {فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم} أي الماء الحار الشديد الحرارة مكثرين كما تكثر الإِبل الهيم التي أصابها العطش واشتد بها داء الهيام الذي أصابها.
وقوله تعالى: {هذا نزلهم يوم الدين} أي هذا الذي ذكرنا من طعام الضالين المكذبين وشرابهم هو نزلهم الذي ننزلهم يوم الدين وأصل النزل ما يعد للضيف النازل من قرى: طعام وشراب وفراش.

.من هداية الآيات:

1- أصحب الشمال يدخل فيهم كل كافر وجد على وجه الأرض فإنهم في التقسيم ثلث الناس وفي الواقع هم أضعاف اضعاف السابقين واصحاب اليمين لأن أكثر الناس لا يؤمنون.
2- النديد بالترف والتنعم في هذه الحياة الدنيا فإنه يقود إلى ترك التكاليف الشرعية فيهلك صاحبه لذلك طعامه وافراً وافراً وشرابه لذيذاً.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بما لا مزيد عليه من العرض والوصف لحال الناس.

.تفسير الآيات (57- 74):

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}

.شرح الكلمات:

{نحن خلقناكم}: أي أوجدناكم من العدم.
{فلولا تصدقون}: أي فهلا تصدقون بالبعث إذ القادر على الإِنشاء قادر على الإِعادة بعد الفناء البلى.
{أفرأيتم ما تمنون}: أي الذي تصبونه من المنى بالجماع في أرحام نسائكم.
{أأنتم تخلقونه}: أي بشراً أم نحن الخالقون له بشراً.
{نحن قدرنا بينكم الموت}: أي قضينا به عليكم وكتبناه عليكم وجعلنا لكل واحد أجلاً معيناً لا يتعداه ولا يتأخر منه بحال من الأحوال.
{وما نحن بمسبوقين}: أي بعاجزين.
{على أن نبدل أمثالكم}: أي ما أنتم عليه من الخلق والصور.
{وننشئكم فيما لا تعلمون}: أي ونوجدكم في صور لا تعلمونها وهذا تهديد لهم بمسخهم وتحويلهم إلى أبشع حيوان وأقبحه.
{ولقد علمتم النشأة الأولى}: أي ولقد علمتم أن الذي خلقكم لكم كيف تم وكيف كان.
{أفلا تذكرون}: فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على إعادة خلقكم مرة أخرى بعد موتكم وفنائكم.
{أفرأيتم ما تحرثون}: أي من إثارة الأرض بالمحراث وإلقاء البذر فيها.
{أأنتم تزرعونه}: أي تنبتونه.
{أم نحن الزارعون}: أي نحن المنبتون له يقال زَرَعَه الله أي أنبته.
{لو نشاء لجعلناه حطاما}: أي لو نشاء لجعلنا الزرع حطاماً يابساً بعد أن أصبح سنبلاً وقارب أن يفرك فتحرمون منه.
{فظلتم تفكهون}: أي تتعجبون في مجالسكم من الجائحة التي أصابت زرعكم.
{إنا لمغرمون}: أي قائلين إنا لمغرمون أي ما أنفقناه على حرثه ورعايته بذلناه فيه ليس لنا من حظ ولا جد أي غير محظوظين ولا مجدودين.
{أفرأيتم الماء الذي تشربون}: أي أخبرونا عن الماء الذي تشربونه وحياتكم متوقفة عليه.
{أأنتم انزلتموه من المزن}: أي من السحاب في السماء إلى الأرض.
{أم نحن المنزلون}: أي له إلى الأرض.
{لو نشاء لجعلناه أجاجا}: أي ملحاً مراً لا يمكن شربه.
{فلولا تشكرون}: أي فهلا تشكرون أي الله بالإِيمان والطاعة.
{أفرأيتم النار التي تورون}: أي أخبرونا عن النار التي تخرجون من الشجر.
{أأنتم انشأتم شجرتها}: أي خلقتم شجرتها كالمرخ والعفار والكلخ.
{أم نحن المنشئون}: أي نحن المنشئون لتلك الأشجار.
{نحن جعلناها تذكرة}: أي جعلنا تلك النار تذكرة أي تذكر بنار جهنم.
{ومتاعاً للمقوين}: أي بُلغةً للمسافرين يتبلغون بها في سفرهم.
{فسبح باسم ربك العظيم}: أي نزه اسم ربك عما لا يليق به كذكره بغير احترام ولا تعظيم أو الاسم صلة والتقدير نزه ربك عن الشريك ومن ذلك قولك سبحان ربي العظيم.

.معنى الآيات:

السياق هنا في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون وذلك بذكر الأدلة العقلية الموجبة للعلم واليقين في المعلوم المطلوب تحصيله قال تعالى: {نحن خلقناكم} وأنتم معترفون بذلك إذ لمّا نسألكم من خلقكم تقولون الله. إذاً {فلولا تصدقون} أي فهلا تصدقون بالبعث والحياة الثانية إذ القادر على الخلق الأول قادر على الإعادة. وهذه أدلة قدرتنا تأملوها أولاً {أفرأيتم ما تمنون} أي أخبرونا عما تمنون أي تصبونه في أرحام نسائكم بالجماع {أأنتم تخلقونه} ولداً {أم نحن الخالقون} والجواب نحن الخالقون إذاً القادر على خلقكم بواسطة هذا الإِمناء والتكوين في الأرحام قادر على خلقكم بطريقة آخر وثانيا {نحن قدّرنا بينكم الموت} وقضينا به عليكم فلا يستطيع أحد منكم أن يمنعنا من إماتته وفي الوقت المحدد له.
بحيث لو طلب التقديم أو التأخير لما قدر على ذلك أليس القادر على خلقكم وإماتتكم قادر على بعثكم بلى وثالثاً {وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشأكم فيما لا تعلمون} بحيث نخلقكم في صور وأشكال غير ما أنتم عليه فنخلقكم خلقاً ذميما وقبيحاً كالقردة والخنازير، وما نحن بعاجزين عن ذلك فهل نعجز إذاً عن بعثكم بعد موتكم أحياء لنحاسبكم ونجازيكم {ولقد علمتم النشأة الأولى} كيف تمت لكم بما لا تنكرونه.
إذاً {أفلا تذكرون} فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على خلقكم ثانية مع العلم أن الإِعادة ليست بأصعب من الإِنشاء من عدم لا من وجود. ورابعاً {أفرأيتم ما تحرثون} من إثارة الأرض وإلقاء البذر فيها أخبرونا أأنتم تنبتون الزرع {أم نحن الزارعون} له أي المنبتون والجواب معروفوهو أننا نحن الزارعون لا أنتم. إذاً فالقادر على إنبات الزرع قادر على إنباتكم في قبوركم على نحو إنبات الزرع وعجب الذنب هو النواة التي تنبتون منها وخامسا هو أن ذلك الزرع الذي أنبتناه لو نشاء لجعلناه بعد نضرته وقرب حصاده حطاما يابساً لا تنتفعون منه بشيء فظلتم تفكهون متعجبين من حرمانكم من زرعكم تقولون {إنا لمغرمون} أي ما أنفقناه على حرثه ورعايته معذبون به ثم تضربون عن قولكم ذلك إلى قول آخر وهو قولكم {بل نحن محرومون} ما لنا من حظ ولا جد فيه أي لسنا محظوظين ولا مجدودين. إن إنبات الزرع ثم حرمانكم منه بعد طمعكم من الانتفاع به مظهر من مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وتدبيره وكلها دالة على قدرته على بعثكم لمحاسبتكم ومجازاتكم على عملكم في هذه الحياة الدنيا. وسادسا الماء الذي تشربون وحياتكم متوقفة عليه أخبروني {أأنتم أنزلتموه} من السحاب {أم نحن المنزلون} والجواب نحن المنزلون لا أنتم هذا أولاً وثانياً لو نشاء لجعلنا الماء ملحاً مرّاً لا تنتفعون منه بشيء وإنا لقادرون فهلا تشكرون هذا الإِحسان منا إليكم بالإِيمان بنا والطاعة لنا. وسابعا النار التي تورون وتشعلونها أخبروني {أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون} والجواب نحن لا أنتم فالذي يوجد النار في الشجر قادر على أن يبعثكم أحياء من قبوركم ليحاسبكم على سلوككم ويجازيكم به. وقوله تعالى: {نحن جعلناها} أي النار {تذكرة} لكم تذكركم بنار الآخرة فالذي أوجد هذه النار قادر على إيجاد نار أخرى لو كنتم تذكرون وجعلناها أيضاً متاعاً أي بلغة للقوين المسافرين يتبلغون بها في سفرهم حتى يعودوا إلى ديارهم.
فالقادر على الخلق والإِيجاد والتدبير لمصالح عباده قادر على إيجاد حياة أخرى يجزي فيها المحسنين اليوم والمسيئين إذ الحكمة تقتضي هذا وتأمر به.
وقوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} بعد إقامة الحجة على منكرى البعث بالادلة العقلية امر تعالى رسوله أن سبح ربه أن ينزهه عن اللعب والعبث اللازم لخلق الحياة الدنيا على هذا النظام الدقيق ثم إفنائها ولا شيء وراء ذلك. إذ البعث والحياة الآخرة هي الغاية من هذه الحياة الدنيا فالناس يعملون ليحاسبوا ويجزوا فلابد من حياة أكمل وأتم من هذه الحياة يتم فيها الجزاء وقد بينها تعالى وفصلها في كتبه وعلى ألسنة رسله، وضرب لها الأمثال فلا ينكرها الا سفيه هالك.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- إقامة الأدلة والبراهين العديدة على صحة البعث وإمكانه عقلا.
3- بيان منن الله تعالى على عباده في طعامهم وشرابهم.
4- وجوب شكر الله تعالى على إفضاله وإنعامه.
5- في النار التي توقدها عبرة، وعظة للمتقين.
6- وجوب تسبيح الله وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وكماله من العبث والشريك.