فصل: تفسير الآيات (45- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (41- 44):

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}

.شرح الكلمات:

{أنما غنتم من شيء}: أي ما أخذتموه من مال الكافر قهراً لهم وغلبة قليلاً كان أو كثراً.
{فإن لله خمسة}: أي خمس الخمسة أقسام، يكون لله والرسول ومن ذكر بعدهما.
{ولذى القربى}: هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب {وما أنزلنا على عبدنا}: أي من الملائكة والآيات.
{يوم الفرقان}: أي يوم بدر وهو السابع عشر من رمضان، إذ فرق الله فيه بين الحق والباطل.
{التقى الجمعان}: جمع المؤمنين وجمع الكافرين ببدر.
{العدوة الدنيا}: العدوة حافة الوادي، وجانبه والدنيا أي القريبة إلى المدينة.
{وبالعدوة القصوى}: أي البعيد من المدينة إذ هي حافة الوادي من الجهة الأخرى.
{والركب أسفل منكم}: أي ركب أبي سفيان وهي العير التي خرجوا من أجلها. أسفل منكم مما يلي البحر.
{عن بيِّنة}: أي اختلفتم.
{لتنازعتم في الأمر}: أي اختلفتم.
{ويقللكم في أعينهم}: هذا قبل الالتحام أما بعد فق رأوهم مثليهم حتى تتم الهزيمة لهم.

.معنى الآيات:

هذه الآيات لا شك أنها نزلت في بيان قسمة الغنائم بعدما حصل فيها من نزاع فافتكها الله تعالى منهم ثم قسمها عليهم فقال الأنفال لله وللرسول في أول الآية ثم قال هنا {واعلموا} أيها المسلمون {أنما غنتم من شيء} حتى الخيط والمخيط، ومعنى غنمتم أخذتموه من المال من أيدي الكفار المحاربين لكم غلبة وقهراً لهم فقسمته هي أن {لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}، والأربعة أخماس الباقية هي لكم أيها المجاهدون للراجل قسمة وللفارس قسمتان لما له من تأثير في الحرب، ولأن فرسه يحتاج إلى نفقة علف. والمراد من قسمة الله أنها تنفق في المصالح العامة ولو أنفقت على بيوته لكان أولى وهي الكعبة وسائر المساجد، وما للرسول فإنه ينفقه على عائلته، وما لذي القربى فإنه ينفق على قرابة الرسول الذين يحرم عليهم أخذ الزكاة لشرفهم وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وما لليتامى ينفق على فقراء المسلمين، وما لابن السبيل ينفق على المسافرين المنقطعين عن بلادهم إذا كانوا محتاجين إلى ذلك في سفرهم وقوله تعالى: {إن كنتم آمنتم بالله} أي رباً {وما أنزلنا على عبدنا} أي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} وهو يوم بدر حيث التقى المسلمون بالمشركين فوصلت إلى أكثرهم فسببت هزيمتهم. وقوله: {والله على كل شيء قدير} أي كما قدر على نصركم على قلتكم وقدر على هزيمة عدوكم على كثرتهم هو قادر على كل شيء يريده وقوله تعالى: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم} تذكير لهم بساحة المعركة التي تجلت فيها آيات الله وظهر فيها إنعامه عليهم ليتهيئوا للشكر.
وقوله تعالى: {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي لو تواعدتم أنتم والمشركون على اللقاء في بدر للقتال لاختلفتم لأسباب تقتضي ذلك منها أنكم قلة وهم كثرة {ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} أي محكوماً به في قضاء الله وقدره، وهو نصركم وهزيمة عدوكم. وجمعكم من غير تواعد ولا اتفاق سابق. وقوله تعالى: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة} هذا تعليل لفعل الله تعالى يجمعكم في وادي بدر للقتال وهو فعل ذلك ليحيا بالإِيمان من حيى على بينة وعلم أن الله حق والإِسلم حق والرسول حق والدار الآخرة حق حيث أراهم الله الآيات الدالة على ذلك، ويهلك من هلك بالكفر على بينة إذ اتضح له أن ما عليه المشركون كفر وباطل وضلال ثم رضي به واستمر عليه. وقوله تعالى: {وان الله لسميع عليم} تقرير لما سبق وتأكيد له حيث أخبر تعالى أنه سميع لأقوال عباده عليهم بأفعالهم فما أخبر به وقرره هو كما أخبر وقرر. وقوله تعالى: {وإذ يريكهم الله في منامك قليلاً} أي فأخبرت أصحابك ففرحوا بذلك. وسُّروا ووطنوا أنفسهم للقتال، وقوله: {ولو أراكهم كثيراً} أي في منامك وأخبرك به أصحابك لفشلتم أي جبنتم عن قتالهم، ولتنازعتم في أمر قتالهم {ولكن الله سلَّم} من ذلك فلم يريكهم كثيراً إنه تعالى عليم بذات الصدور ففعل ذلك لعلمه بما يترتب عليه من خير وشر. وقوله تعالى: {وإذ يريكموهم} أي اذكروا أيها المؤمنين إذ يريكم الله الكافرين عند التقائكم بهم قليلاً في أعينكم كأنهم سبعون رجلاً أو مائة مثلاً ويقللكم سبحانه وتعالى في أنعينهم حتى لا يهابوكم. وهذا كان عند المواجهة وقبل الالتجام أما بعد الالتحام فقد أرى الله تعالى الكافرين أراهم المؤمنين ضعيفهم في الكثرة وبذلك انهزموا كما جاء ذلك في سورة آل عمران في قوله: {يرونهم مثيلهم} وقوله تعالى: {ليقضي الله أمراً كان معفولاً} تعليل لتلك التدابير الإِليهة لأوليائه لنصرتهم وإعزازهم وهزيمة أعدائهم وإذلالهم وقوله تعالى: {وإلى الله ترجع الأمور} إخبار منه تعالى بأن الأمور كلها تصير إليه فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن خبراً كان أوغيراً.

.من هداية الآيات:

1- بيان قسمة الغنائم على الوجه الذي رضيه الله تعالى.
2- التذكير بالإِيمان، إذ هو الطاقة الموجهة باعتبار أن المؤمن حي بإيمانه يقدر على الفعل والترك، والكافر ميت فلا يكلف.
3- فضيلة غزوة بدر وفضل أهلها.
4- بيان تدبير الله تعالى في نصر أوليائه وهزيمة اعدائه.
5- بيان أن مرد الأمور نجاحاً وخيبة لله تعالى ليس لأحد فيها تأثير إلا بإذنه.

.تفسير الآيات (45- 49):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}

.شرح الكلمات:

{فئة}: طائفة مقاتلة.
{فاثبتوا}: لقتالها واصمدوا.
{واذكروا الله كثيراً}: مهللين مكبرين راجين النصر طامعين فيه سائلين الله تعالى. ذلك.
{تفلحون}: تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة في الدنيا والنار في الآخرة.
{ولا تنازعوا}: أي لا تختلفوا وأنتم في مواجهة العدو أبداً.
{وتذهب ريحكم}: أي قوتكم بسبب الخلاف.
{خرجوا من ديارهم بطراً}: أي للبطر الذي هو دفع الحق ومنعه.
{وقال إني جار لكم}: أي مجير لكم ومعين على عدوكم.
{تراءت الفئتان}: أي التقتا ورأت كل منهما عدوها.
{نكص على عقبيه}: أي رجع إلى الوراء هارباً، لأنه جاءهم في صورة سراقة بن مالك.
{إنى أرى ما لا ترون}: من الملائكة.
{والذين في قلوبهم مرض}: أي ضعيف في إيمانهم وخلل في اعتقادهم.

.معنى الآيات:

هذا النداء الكريم موجه إلى المؤمنين وقد أذن لهم في قتال الكافرين، وبدأ بسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه وثنى بهذه الغزوة غزوة بدر الكبرى فلذا هم في حاجة إلى تعليم رباني وهداية إلهية يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك وينتصرون فيها وفي هذه الآيات الأربع تعليم عال جداً لخوض المعارك والانتصار فيها وهذا بيانها:
1- الثبات في وجه العدو والصمود في القتال حتى لكأن المجاهدين جبل شامخ لا يتحرك {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} أي جماعة مقاتلة {فاثتبوا}.
2- ذكر الله تعالى تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ودعاء وضراعة ووعداً ووعيداً. {واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} أي تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في الدنيا، والنار والعذاب في الآخرة.
3- طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما ومنه طاعة قائد المعركة ومديرها وهذا من أكبر عوامل النصر حسب سنة الله تعالى في الكون {واطيعوا الله ورسوله}.
4- عدم التنازع والخلاف عند التدبير للمعركة وعند دخولها وأثناء خوضها.
5- بيان نتائج التنازع والخلاف وأنها: الفشل الذريع، وذهاب القوة المعبر عنها بالريح {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
6- الصبر على مواصلة القتال والإِعداد له وتوطين النفس واعدادها لذلك. {واصبروا إن الله مع الصابرين}.
7- الإِخلاص في القتال والخروج له لله تعالى فلا ينبغي أن يكون لأي اعتبار سوى مرضاة الله تعالى {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط}.
هذه عوامل النصر وشورط الجهاد في سبيل الله. تضمنتها ثلاث آيات من هذه الآيات الخمس وقوله تعالى في الآية الرابعة (48): {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب} يذكِّر تعالى المؤمنين بحادثة حدثت يوم بدر من إغرب الحوادث لتكون عبرة وموعظة للمؤمنين فيقول عز وجل واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين الذين نهيتكم أن تتشبهوا بهم في سيرهم وقتالهم وفي كل حياتهم، فقال لهم: أقدموا على قتال محمد والمؤمنين، ولا ترهبوا ولا تخافوا إنه لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم أي مجير لكم وناصر ومعين.
وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف قبيلته يقال له سراقة بن مالك فلما تراءت الفئتان لبعضهما البعض وتقدموا للقتال رأى الشيطان جبير لفي صوف الملائكة، فنكص على عقبيه، وكان آخذاً بيد الحارث بن هاشم يحدثه يعده ويمنيه بعد ما زين لهم خوض المعركة وشجعهم على ذلك، وولى هارباً فقال له الحارث ما بك ما أصابك تعال فقال وهو هارب {إني أرى ما لا ترون} يعني الملائكة {إني أخاف الله والله شديد العقاب} وصدق وهو كذوب وقوله تعالى في نهاية الآية (49): {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم} أي واذكروا أيها المؤمنون للعبرة والاتعاظ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض أي ضعف في الإِيمان وتخلخل في العقيدة: غر هؤلاء دينهم وإلا لما خرجوا لقتال قريش وهي تفوقهم عدداً وعدة، ومثل هذا الكلام يعتبر عادياً من ضعاف الإِيمان والمنافقين المستترين بزيف إيمانهم، فاذكروا هذا، ولا يفت في اعضادكم مثل هذا الكلام، وتوكلوا على الله واثقين في نصره فإنه ينصركم لأنه عزيز لا يغالب ولا يمانع في ما يريده أبداً. حكيم يضع النصر في المتأهلين له بالإِيمان والصبر والطاعة له، ولرسوله، والإِخلاص له في العمل والطاعة.

.من هداية الآيات:

1- بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الأخذ بها في كل معركة وهي: الثبات وذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلاف والصبر والإِخلاص.
2- بيان عوامل الفشل والخيبة وهي النزاع والاختلاف والبطر والرياء والاغترار.
3- بيان عمل الشيطان في نفوس الكافرين بتزيينه لهم الحرب ووعده وتمنيته لهم.
4- بيان حال المنافقين وضعفة الإِيمان عند وجود القتال ونشوب الحروب.
5- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه مهما كانت دعاوى المبطلين والمثبطين والمنهزمين.

.تفسير الآيات (50- 54):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)}

.شرح الكلمات:

{إذ يتوفى}: أي يقبض أرواحهم لإِماتتهم.
{وجوههم وأدبارهم}: أي يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم.
{بظلام للعبيد}: أي ليس بذي ظلم للعبيد كقوله: {ولا يظلم ربك أحداً}.
{كدأب آل فرعون}: أي دأب كفار قريش كدأب آل فرعون في الكفر والتكذيب والدأب العادة.
{لم يك مغيراً نعمة}: تغيير النعمة تبديلها بنقمة بالسلب لها أو تعذيب أهلها.
{آل فرعون}: هم كل من كان على دينه من الأقباط مشاركاً له في ظلمه وكفره.

.معنى الآيات:

ما زال السياق مع كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرأ ورئاء الناس فيقول تعالى لرسوله {ولو ترى إذ يتوفى كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} وهم يقولون لهم {وذوقوا عذاب الحريق} وجواب لولا محذوف تقديره (لرأيت أمراً مظيعاً) وقوله تعالى: {ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد} هو قول الملائكة لمن يتوفونهم من الذين كفروا. أي ذلكم الضرب والتعذيب بسبب ما قدمت أيديكم من الكفر والظلم والشر والفساد وأن الله تعالى ليس بظالم لكم فإنه تعالى لا يظلم أحداً. وقوله تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم} أي دأب هؤلاء المشركين من كفار قريش في كفرهم وتكذيبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم {كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم} وكفر هؤلاء فأخذهم الله بذنوبهم، وقوله: {إن الله قوي شديد العقاب} يشهد له فعله بآل فرعون والذين من قبلهم عاد وثمود وقوم إبرتاهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات وأخيراً أخذه تعالى كفارة قريش في بدر أخذ العزيز المقتدر، وقوله تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} إشارة إلى ما أنزله من عذاب على الأمم المكذبة الكافرة الظالمة، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن يغير نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا، ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا، وعندئذ يغير تلك النعم ينقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد هذا إن لم يأخذهم بالإِبادة الشاملة والاستئصال التام. وقوله تعالى: {وأن الله سميع عليم} أي لأقول عباده وأفعالهم فلذا يتم الجزاء عادلاً لا ظلم فيه. وقوله تعالى: {كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعو وكل كانوا ظالمين} هذه الآية تشبه الآية السابقة إلا أنها تخالفها فيما يلي: في الأولى الذنب الذي أخذ به الهالكون كان الكفر، وفي هذه: كانت التكذيب، في الأولى: لم يذكر نوع العذاب، وفي الثانية أنه الإِغراق، في الأولى لم يسجل عليهم سوى الكفر فهو ذنبهم لا غير.
وفي الثانية سجل على الكفر، ذنباً آخر وهو الظلم إذ قال: {وكل كانوا ظالمين} أي بكفرهم وتكذيبهم، وصدهم عن سبيل الله وفسقهم عن طاعة الله ورسوله مع زيادة التأكيد والتقرير.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عذاب القبر بتقرير العذاب عند النزع.
2- هذه الآية نظيرها آية الانعام {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم} أي بالضرب.
3- تنزه الخالق عز وجل عن الظلم لأحد.
4- سنة الله تعالى في أخذ الظالمين وإبدال النعم بالنقم.
5- لم يكن من سنة الله تعالى في الخلق تغيير ما عليه الناس من خير أو شر حتى يكونوا هم البادئين.
6- التنديد بالظلم وأهله، وأنه الذنب الذي يطلق على سائر الذنوب.

.تفسير الآيات (55- 59):

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}

.شرح الكلمات:

{شر الدواب}: من إنسان أو حيوان الذين ذكر الله وصفهم وهم بنو قريظة.
{فهم لا يؤمنون}: لم اعلم الله تعالى من حالهم أخبر أنهم يموتون على الكفر.
{ينقضون عهدهم}: أي يحلونه ويخرجون منه فلا يلتزموا بما فيه.
{في كل مرة}: أي عاهدا فيها.
{فإما تثقفنّهم}: أي ان تجدنّهم، وما مزيدة أدغمت في إن الشرطية.
{فشرد}: أي فرق وشتت.
{يذكرون}: أي يتعظون.
{فانبذ إليهم}: أي اطرح عهدهم.
{على سواء}: أي على حال من العلم تكون أنت وإياهم فيها سواء، أي كل منكم عالم بنقض المعاهدة.
{الخائنين}: الغادرين بعهودهم.
{سبقوا}: أي فاتوا الله ولم يتمكن منهم.

.معنى الآيات:

بمناسبة ذكر خصوم الدعوة الإِسلامية والقائم عليها وهو النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تعالى خصوماً لها آخرين غير المشركين من كفار قريش وهم بنو قريظة من اليهود. فأخبر تعالى عنهم أنهم شر الدواب من الإِنسان والحيوان ووصفهم محدداً لهم ليعرفوا، وأخبر أنهم لا يؤمنون لتوغلهم في الشر والفساد، فقال: {إن شر الدواب عند الله} أي في حكمه وعلمه. {الذين كفروا فيهم لا يؤمنون} وخصصهم بوصف آخر خاص بهم فقال: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم أول مرة على أن لا يحاربوه ولا يعينوا أحداً على حربه فإذا بهم يعينون قريشاً بالسلاح، ولما انكشف أمرهم اعترفوا معترفين بخطإهم، وعاهدوا مرة أخرى على أن لا يحاربوا الرسول ولا يعينوا من يحاربه فإذا بهم ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون في حرب ضده حيث انضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق هذا ما دل عليه قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة} أي يعاهدون فيها. {وهم لا يتقون} أي لا يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعب بها حسب أهوائهم. وقوله تعالى: {فإا تثقفنّضهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعله يذكرون} يرشد رسوله آمراً إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلاء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر. بحيث لا يخرجون منه بحال من الأحوال. ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها مستسلمين كان يعرض على أحدهم الإِسلام حتى لا يقتل فيؤثر باختياره القتل على الإِسلام وماتوا كافرين وصدق الله إذ قال: {فهم لا يؤمنون} فهؤلاء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكناً منهم فاضربهم بعنف وشدة وبلا هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء الإِسلام المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فلا يفكروا في حربك وقتالك بعد، وقوله: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} هذا إرشاد آخر للرسول صلى الله عليه وسلم يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صلى الله عليه وسلم أن خاف من وقوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علاماتها فاطرح تلك المعاهدة ملغياً لها معلناً ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة، والله لا يحب الخائنين وقاتلهم مستعيناً بالله عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن، وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر لافتكاك عنصر المباغتة من يده، وهو عنصر مهم في الحروب.
وقوله تعالى: {ولا يحبسن الذين كفروا} وهم من هرب من بدر من كفار قريش {سبقوا} أي فاتوا فلم يقدر الله تعالى عليهم {إنهم لا يعجزون} أي إنهم لا يعجزون الله بحال فإنه تعالى لا يفوته هارب، ولا يغلبه غالب.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن شر الدواب هم الكفار من أهل الكتاب والمشركين بل هم شر البرية.
2- سنة الله فيمن توغل في الظلم والشر والفسد يُحرم التوبة فلا يموت إلا كافراً.
3- من السياسة الحربية النافعة أن يضرب القائد عدو بعنف وشدة ليكون نكالاً لغيره من الأعداء.
4- حرمة الغدر والخيانة.
5- جواز إعلان المعاهدة وضرب العدو فوراً إن بدرت منه بوادر واضحة بأنه عازم على نقض المعاهدة وذلك لتفويت عنصر المباغته عليه.