فصل: تفسير الآيات (46- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (41- 45):

{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}

.شرح الكلمات:

{فإما نذهبن بك}: أي فإن نذهبن بك أي نميتك قبل تعذيبهم، وما زائد ادغمت فيها إن الشرطية فصارت إمَّا.
{فإنا منهم منتقمون}: أي معذبوهم في الدنيا وفي الآخرة.
{وإما نرينك الذي وعدناهم}: أي وإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب.
{فإنا عليهم مقتدرون}: أي لا يعوقنا لأنا عليهم قادرون.
{فاستمسك بالذى أوحي إليك}: أي دم على استمساكك بالقرآن سواء عجلنا لك بالموعود به أو أخرناه.
{وإنه لذكر لك ولقومك}: أي وإن القرآن لشرف لك وشرف لقومك.
{وسوف تسألون}: أي عن القرآن أي عن العمل به بتطبيق شرائعه وإبلاغه لغيركم.
{وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا}: أس اسأل مؤمنى أهل الكتابين التوارة والانجيل.
{اجعلنا من دون الرحمن آلهة}: أي هل جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون والجواب لم نجعل أبداً فليفهم هذا مشركو مكة.

.معنى الآيات:

مازال السياق الكريم في دعوة كفار قريش إلى الإيمان والتوحيد فقوله تعالى: {فإما نذهبن بك} أي إن نذهب بك أي نخرجك من بين أظهرهم فإنا أظهرهم منهم منتقمون أي فنعذبهم كما عذبنا الأمم من قبلهم عندما يخرجون رسولهم أو نريك الذي وعدناهم من نصرك عليهم وغلبتك لهم فإنا عليهم مقتدرون أي قادرون على أن نفعل بهم ذلك.
وقوله تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} أي فتمسك يا رسولنا بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك إنك صراط مستقيم وهو الإسلام الذي لا يشفى من تمسك به فعاش عليه ومات عليه. وقوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} أي وان القرآن الذي أوحى إليك وأمرت بالتمسك به هو ذكر لك أي شرف وأى شرف ولقومك من قريش كذلك إذا آمنوا به وعملوا بما جاء وسوف تسألون عن العمل به وتطبيق أحكامه والإلتزام بشرائعه.
وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}؟ أي وأسأل يا رسولنا مؤمني أهل الكتابين التوارة والانجيل إذ سؤالهما سؤال رسلهم الذين ماتوا من قبلك هل جعل الله تعالى من دونه آلهة يعبدون؟ وسوف يجيبونك بقولهم حاشا لله أن يأذن بعبادة غيره من خلقه وهو الله لا إله إلا هو، وهذا من أجل تنبيه أذهان قريش إلى خطأها الفاحش في اصرارها على عبادة الأصنام إن القرآن نزل لهدايتهم وهداية غيرهم من بنى آدم على الإطلاق إلا أنهم هو أولا وغيرهم ثانيا.

.من هداية الآيات:

1- من سنة الله في الأمم إذا أخرج الرسول قومه مكرها الله تعالى له منهم فأهلكهم.
2- صدق وعد الله تعالى لرسوله فإنه ما توفاه حتى أقر عينه بنصره على أعدائه.
3- وجوب التمسك بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً.
4- شرف هذه الأمة بالقرآن فإن أضاعته أضاعها الله وأذلها وقد فعل.

.تفسير الآيات (46- 50):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}

.شرح الكلمات:

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا}: أي أرسلنا بالمعجزات الدالة على صدق رسالته.
{إلى فرعون وملإه}: أي وقومه من القبط.
{إذ هم منها يضحكون}: أي سخرية وإستهزاء.
{وما نريهم من آية}: أي من آيات العذاب كالطوفان.
{إلا هي أكبر من أختها}: أي من قرينتها التي قبلها من الآيات.
{وقالوا يا أيها الساحر}: أي أيها العالم بالسحر المتبحر فيه.
{بما عهد عندك}: أي من كشف العذاب عنا إن آمنا.
{إنا لمهتدون}: أي إن كشف عنا العذاب إنا مؤمنون.
{إذا هم ينكثون}: أي ينقضون عهدهم فلم يؤمنوا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا} أيراد هذا القصص هنا كان لمشابهة حال قريش بحال فرعون من جهة إذ قال رجال قريش لم لا يكون من ذوى المال والجاه كالوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود وقال فرعون: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين أي حقير يعنى موسى عليه السلام.
ومن جهة أخرى كان لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر كما صبر موسى وهو أحد أولى العزم الخمسة فقال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} أي بحججنا الدالة على صدق موسى في رسالته إلى فرعون وقومه بأن يعبدوا الله ويتركوا عبادة غيره، وان يرسلوا مع موسى بني إسرائيل ليذهب بهم إلى أرض المعاد (فلسطين) فلما جاءهم قال إني رسول رب العالمين جئتكم لآمركم بعبادة الله وحدة وترك عبادة من سواه، إذ لا يستحق العبادة إلا الله. فطالبوه بالآيات على صدق دعواه فلما جاءهم بالآيات العظام فأجأوه بالضحك منها والسخرية والاستهزاء بها وهو معنى قوله تعالى: {فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون}.
وقوله تعالى: {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} أي وما نرى فرعون وملأه من آية إلا هب أكبر دلالة على صدق موسى من الآية التي سبقتها. قال تعالى وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون إلى الحق فيؤمنون ويوحدون. وقالوا لموسى يا أيها الساحر أي العليم بالسحر المتبحر فيه ظنا منهم أن المعجزات كانت عمل ساحر. أدع لنا ربك بما عهد عندك إنا لمهتدون أي سل ربك يرفع عنها هذا العذاب كالطوفان والجراد والقمل والضفادع إنا مؤمنون وكانوا كلما نزل بهم العذاب سألوا موسى ووعده بالإيمان به إن رفع الله عنهم العذاب وفى كل مرة ينكثون عهدهم وهو قوله تعالى: {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي ينقضون العهد ولا يؤمنون كما واعدوا.

.من هداية الآيات:

1- الايات دليل على صدق من جاء بها، ولكن لا تستلزم الإيمان ممن شاهدها.
2- قد يؤاخذ الله الأفراد أو الجماعات بالذنب المرة بعد المرة لعلهم يتوبون إليه.
3- حرمة خلف الوعد ونكث العهد، وأنهما من آيات النفاق وعلاماته.

.تفسير الآيات (51- 56):

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}

.شرح الكلمات:

{ونادى فرعون في قومه}: أي نادى فيهم افتخاراً وتبجحاً بما عنده.
{وهذه الأنهار تجرى من تحتى}: أي من النيل تجرى من تحت قصورى.
{أفلا تبصرون}: أي عظمتى وما أنا عليه من الجلال والكمال.
{أم أنا خير}: أي من موسى الذي هو مهين ولا يكاد يبين أي يفصح للثغة التي في لسانه.
{فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب}: أي هَلا ألقي عليه أسورة من ذهب من قِبل الذي أرسله.
{أو جاء معه الملائكة مقترنين}: أي أو جاءت الملائكة يتبع بعضها بعضاً تشهد له بالرسالة.
{إنهم كانوا قوماً فاسقين}: أي أطاعوه لكونهم قوماً فاسقين ففسقهم هو علة طاعتهم.
{فلما آسفونا انتقمنا منهم}: أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم.
{فجعلناهم سلفا}: أي فرعون وقومه سلفاً أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم.
{ومثلا للآخرين}: أي يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل فعلهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة موسى مع فرعون قال تعالى: {ونادى فرعون في قومه} لأجل الافتخار والتطاول إرهاباً للناس قال يا قوم أليس لى ملك مصر، وهذه الأنهار أي أنهار النيل تجرى من تحتى أي من تحت قصوره، أفلا تبصرون فإذا أبصرتم فقولوا أنا خير من هذا الذي وهو مهين أي حقير يتولى الخدمة بنفسه، ولا يكاد يبين أي يفصح بلسانه لعلة به وهي اللثغة أم هو؟.
فلولا ألقى عليه أساوره من ذهب أي هلا ألقى عليه من أرسله أساورة من ذهب أو بعث معه الملائكة مقترنين يشهدون له بالرسالة. قال تعالى: {فاستخف قومه} أي استفزهم بقوله هذا وحركهم فاطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين، والفاسق جبان يستجيب بسرعة للباطل ان كان ممن يخاف عادة كالحاكم الظالم.
وقوله تعالى: {فلما آسفونا} أي أغضبونا بنكثهم وكفرهم وكبريائهم وظلمهم أغرقناهم أجمعين أي فلم نبق منهم أحداً والمراد فرعون وجنوده. وقوله تعالى: {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين} أي جعلنا فرعون، ومن أغرقنا معه من ملائه وجيوشيه سلفا أي سابقين ليكنوا عبرة لمن بعدهم، ومثلا يتمثل به من بعدهم فلا يقدمون على ما أقدموا عليه من الكفر والظلم والعلو والفساد، وأولى من يعتبر بهذا قريش التي نزل لينبهها ويحرك كامن نفسها لتنتبه من غفلتها وتوحد فتنجو وتكمل وتسعد.

.من هداية الآيات:

1- ذم الفخر والمباهة إذ هما من صفات المتكبرين والظالمين.
2- الاحتقار للفقراء والازدراء بهم من صفات الجبارين الظلمة المتكبرين.
3- الفسق يجعل صاحبه مطية لكل ظالم أداة يسخره كما يشاء.
4- التحذير من غضب الرب تبارك وتعالى فإنه متى غضب انتفم فبطش.

.تفسير الآيات (57- 62):

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)}

.شرح الكلمات:

{ولما ضرب ابن مريم مثلا}: أي ولما جعل عيسى بن مريم مثلا، والضارب ابن الزبعرى.
{إذا قومك منه يصدون}: أي إذ المشركون من قومك يصدون أي يضحكون فرحاً بما سمعوا.
{وقالوا ألهتنا خير أم هو}: أي ألهتنا التي نعبدها خير أم هو أي عيسى بن مريم فنرضى أن تكون آلهتنا معه.
{ما ضربوه لك إلا جدلاً}: أي ما جعلوه أي المثل لك إلا خصومة بالباطل لعلمهم أن ما لغير العاقل فلا يتناول اللفظ عيسى عليه السلام.
{بل هم قوم خصمون}: أي ما هو أي عيسى إلا عبد انعمنا عليه البنوة.
{وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}: أي لوجود من غير أب كان مثلا لبني إسرائيل لغرابته يستدل به على قدرة الله على ما يشاء.
{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة}: أي ولو شاء لأهلكناهم وجعلنا بدلكم وملائكة.
{في الأرض يخلفون}: أي يعمرون الأرض ويعبدون الله فيها يخلفونكم فيها بعد إهلاككم.
{وإنه لعلم للساعة}: أي وإن عيسى عليه السلام لعلهم للساعة تعلم بنزوله إذا نزل.
{فلا تمترون بها}: أي لا تشكن فيها أي إثباتها ولا في قربها.
{واتبعون هذا صراط مستقيم}: أي وقل لهم اتبعون على التوحيد هذا صراط مستقيم وهو الإسلام.
{ولا يصدنكم الشيطان}: أي ولا يصرفنكم الشيطان عن الإسلام.
{إنه لكم عدو مبين}: أي إن الشيطان لكم عدو بيّن العداوة فلا تتبعوه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون} روى أن ابن الزبعرى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لما نزلت آية الأنبياء إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون قال: أهذا لنا ولألهتنا أم جميع الأمم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم» فقال ابن الزبعرى خصمتك ورب الكعبة، أليست النصارى يعبدون المسيح واليهود يعبدون العزير وبنو مليح يعبدون الملائكة فإن هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرح بها المشركون وضحكوا وضجوا بالضحك مرتفعة أصواتهم بذلك ونزلت في هذا الحادثة الآية: {ولما ضرب بن مريم مثلا} أي ولما جعل ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلا إذ جعله مشابها للأصنام من حيث أن النصارى اتخذوه إلهاً وعبدوه من دون الله، وقال فإذا كان عيسى والعزير والملائكة في النار فقد رضينا أن نكون وآلهتنا معهم ففرح بها المشركون وصدوا وضجوا بالضحك. وقالوا آلهتنا خير أم هو أي المسيح؟ قال تعالى لرسوله: ما ضربوه لك إلا جدلاً أي ما ضرب لك ابن الزبعرى هذا المثل طلبا للحق وبحثا عنه وأنما ضربه لك لأجل الجدل والخصومة بل هم قوم خصمون مجبولون هلى الجدل والخصام.
وقوله أن هو أي عيسى إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة والرسالة، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل يستدلون به على قدة الله وإنه عز وجل على كل ما يشاء قدير إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من تراب قم قال له كن فكان.
وقوله تعالى: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} أي ولو نشاء لأهلكناكم يا بنى آدم ولم نبق منك أحداً. وجعلنا بدلكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها فيعمرونها ويعبدون الله تعالى فيها ويوحدونه ولا يشركون به سواء.
وقوله: {وإنه لعلم للساعة} أي وإن عيسى عليه السلام لعلامة للساعة أي نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان علامة على قرب الساعة. فلا تمترن بها أي فلا تشكن في إيتانها فانها آتية وقريبة. وقوله واتبعون أي وقل لهم يا رسولنا واتبعون على التوحيد وما جئتكم به من الهدى هذا صراط مستقيم أي الإسلام بوساوسه وإغوائه فيصرفكم عن التوحيد والإسلام إنه لكم عدو مبين وليس أدل على عداوته من أنه اخرج آدم بإغوائه من الجنة حسداً له وبغياً عليه. فمثل هذا العدو لا يصح ابداً الإستماع إليه والمشي وراءه واتباع خطواته. ومن يتبع خطواته يهلك.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن قريشاً أوتيت الجدل والقوة في الخصومة.
2- ذم الجدل لغير إحقاق حق وإبطال باطل وفي الحديث: «ما ضل قوم هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل».
3- شرف عيسى وعلو مكانته وأن نزوله إلى الأرض علامة كبرى من علامات قرب الساعة.
4- تقرير البعث والجزاء.
5- حرمة إتباع الشيطان لأنه يضل ولا يهدى.

.تفسير الآيات (63- 66):

{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)}

.شرح الكلمات:

{ولما جاء عيسى بالبينات}: أي ولما جاء عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل بالمعجزات والشرائع.
{قال قد جئتكم بالحكمة}: أي قال لبني إسرائيل قد جئتكم بالنبوة وشرائع الإنجيل.
{ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه}: أي وجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أحكام التوارة من أمر الدين وغيره.
{فاتقوا الله وأطيعون}: أي خافوا الله وأطيعون فيما أبلغكموه عن الله من الأمر النهى.
{إن الله ربى وربكم فاعبدوه}: أي إن الله إلهي وإلهكم فاعبدوه بحبه وتعظيمه والذلة له.
{هذا صراط مستقيم}: أي تقوى الله وطاعة الرسول وعبادة الله بما شرع هو الإسلام المعبر عنه بالصراط المستقيم.
{فاختلف الأحزاب من بينهم}: أي في شأن عيسى أهو الله: أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.
{فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم}: أي فويل للذين كفروا بما قالوا في عيسى من الكذب والباطل.
{هل ينظرون إلا ساعة أن تاتيهم بغتة وهم لا يشعرون}: أي ما ينتظر هؤلاء الأحزاب مع إصرارهم على ما قالوه في عيسى إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهو لا يشعرون.

.معنى الآيات:

بعد أن ذكر تعالى جدل المشركين في مكة وفرحهم بالباطل الذي قاله ابن الزبعرى في شأن الملائكة والعزير وعيسى عليهم السلام من أنهم في النار مع من عبدوهم، وبرأ تعالى الملائكة والعزيز وعيسى لأنهم ما أمروا الناس بعبادتهم حتى يؤاخذوا بها، وانما امر بعبادتهم الشيطان فالشيطان ومن عبدوهم الذين في النار، وذكر تعالى شرف عيسى ومكانته وانه عبد أنعم عليه بالنبوة وجعله مثلا لبني إسرائيل يستدلون به على قدرة الله تعالى إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم وإنما خلقه من تراب ذكر رسالة عليه السلام إلى بني إسرائيل ليكون ذلك موعظة لكفار مكة فقال تعالى ولما جاء عيسى بالبينات أي جاء بني إسرائيل مصحوبا بالبينات هي الإنجيل والمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وما إلى ذلك، قال لهم قد جئتكم بالحكمة أي النبوة من عند الله، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوارة وأمور إذا فاتقوا الله يا بني إسرائيل أي خافوا عقابه المترتب على معاصيه وأطيعون فيما أبلغكموه من أمر ونهى عن الله تعالى، إن الله ربى وربكم أي إلهى وآلهكم لا إله إلا هو فاعبدوه بفعل محابه وترك مساخطه حباص وتعظيماً له ورهبة ورغبة. وقوله: {هذا صراط مستقيم} أي هذا الذي دعوتكم إليه من اتقاء الله، وطاعة رسوله وعبادته وحده هو الطريق المستقيم الذي يفضى بسالكه إلى سعادة الدارين. قال تعالى: فاختلف الأحزاب من بينهم أي من بين بني إسرائيل من يهود إفتراء أن عيسى ابن مريم ابن زنا وأمه بغي وقالوا ساحر.
وقال النصارى: هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.
قال تعالى: {فويل للذين ظلموا من عذاب أليم} أي مؤلم فتوعدهم الرب تعالى بالويل الذي هو وادٍ يسيل في جهنم بما يتجمع من صديد فروج أهل الناس وأبدانهم من دماء وقروح وأوساخ هو عذاب يوم القيامة الأليم توعد هؤلاء الظالمين بما قالوا في عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام وقال تعالى: {هل ينظرون إلا الساعة} أي ما ينظرون إلا الساعة لأنهم ما تابوا إلى الله ولا راجعوا الحق فيما قالوه في عيسى بل أصروا: اليهود يصفونه بأخس الصفات والنصارى يصفونه بالألوهية التي هي حق الله رب عيسى ورب العالمين أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون لأنهم مشغولون بالذرة والهيدروجين والاستعمار والتجارة والانغماس في الشهوات كما هو واقع ومشاهد اليوم. وصدق الله العظيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان رسالة عيسى إلى بني إسرائيل.
2- وجوب التقوى لله وطاعة الرسول، وتوحيد الله في عبادته.
3- بيان شؤم الخلاف، وما يجره من التوغل في الكفر والفساد.
4- وعيد الله لليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام بالويل وهو عذاب يوم أليم.

.تفسير الآيات (67- 73):

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}

.شرح الكلمات:

{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو}: أي الأحياء يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة.
{إلا المتقين}: فإن محبتهم تدوم لهم لأنها كانت في الله وطاعته.
{يا عباد لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}: أي ينادون فيقال لهم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون بل تحبرون أي تسرون وتكرمون.
{يطاف عليهم بصحاف من ذهب}: أي يطوف عليهم الملائكة بقصاع من ذهب وفيها الطعام وأكواب من ذهب فيها الشراب اللذيذ.
{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ}: أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس تلذذاً به وتلذه الأعين نظراً إليه.
{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}: أي يقال لهم وهذه هي الجنة التي أورثكموها الله بأعمالكم الصالحة التي هي ثمرة إيمانكم الصادق وإخلاصكم الكامل.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر أحداث الساعة قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} أي إذا جاءت الساعة الأخلاء أي الأحباء في الدنيا يوم إذ تأتى الساعة بعضهم لبعض عدو فتنقطع تلك الخلة والمودة وتصبح عداء لأنها كانت على معصية الله تعالى وقوله إلا المتقين أي الله عز وجل بفعل أوامره وترك نواهيه فإن مودتهم وخلتهم لا تنقطع لأنها كانت محبة في الله وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل يناديهم ربهم بقوله يا عبادى لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، ويصفهم بقوله: {الذين آمنوا بآياتنا} أي القرآن وكانوا مسلمين أي منقادين لله ظاهراً وباطناً، ويقول لهم {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} أي أنتم وزوجاتكم المؤمنات تفرحون وتسرون وقوله تعالى: {يطاف عليهم} بيان لنعيم الجنة الذي ينعمون به وهو انه يطاف عليهم بصحاف من ذهب وهي قصاع، فيها ألذ الطعام وأشهاه، وأكواب من ذهب أيضاً فيها ألذ الشراب والأكواب جمع كوب وهو إناء لا عروة ولا خرطوم- حتى يمكن الشرب منه من أي جهة من جهاته وفيها أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس من سائر المستلذات، وتلذ الأعين من سائر المرئيات ويقال لهم لكم ما تشتهون وأنتم فيها خالدون لا تخرجون منها ولا تموتمون فيها.
وقوله تعالى: {وتلك الجنة} أي وهذه هي الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعلمون من الصالحات والخيرات، ووجه الوراثة أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلين أحدهما في الجنة والثاني في النار فكل من دخل الجنة ورث منزل أحد دخل النار فهذا أوجه التوارث والباء في بما كنتم تعملون سببة أي بسبب أعمالكم الصالحة التي زكت نفوسكم وطهرت أرواحكم فاستوجبتم دخول الجنة وأرث منازلها.
وقوله تعالى: {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} أي يقال لهم هذا إكراماً لهم وإسعاداً.

.من هداية الآيات:

1- كل خلة يوم القيامة تنقطع إلا خلة كانت في الله ولله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي أن يكون المودة في الدنيا لله لا لغيره تعالى.
2- بيان فضل التقوى وشرف المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
3- بيان أن الرجل يجمع الله بينه وبين زوجته المسلمة في الجنة.
4- بيان نعيم أهل الجنة من طعام وشراب وسائر المستلذات.
5- الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة كما أن الشرك والمعاصي سبب في دخول النار.