فصل: تفسير الآيات (47- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآية رقم (34):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}

.شرح الكلمات:

{اسجدوا}: السجود هو وضع الجبهة والأنف على الأرض، وقد يكون بانحناء الرأس دون وضعه على الأرض لكن مع تذلل وخضوع.
{إبليس}: قيل كان اسمه الحارث ولما تكبر عن طاعة الله أبلسه الله أي أيأسه من كل خير ومسخه شيطاناً.
{أبى}: امتنع ورفض السجود لآدم.
{استكبر}: تعاظم في نفسه فمنعه الاستكبار والحسد من الطاعة بالسجود لآدم.
{الكافرين}: جمع كافر. من كذب بالله تعالى أو كذب بشيء من آياته أو بواحد من رسله أو أنكر طاعته.

.معنى الآية:

يذكّر تعالى عبادَه بعلمه وحكمته وإفضاله عليهم بقوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} سجود تحية وإكرام فسجدوا إلا إبليس تعاظم في نفسه وامتنع عن السجود الذي هو طاعة الله، وتحية آدم. تكبراً وحسداً لآدم في شرفه فكان بامتناعه عن طاعة الله من الكافرين الفاسقين عن أمر الله، الأمر الذي استوجب إبلاسه وطرده.

.من هداية الآية:

1- التذكير بإفضال الله الأمر الذي يوجب الشكر ويرغب فيه.
2- التحذير من الكبر والحسد حيث كانا سبب إبلاس الشيطان، وامتناع اليهود من قبول الإسلام.
3- تقرير عداوة إبليس، والتنبيه إلى انه عدوّ عداوته أبداً.
4- التنبيه إلى أن من المعاصي ما يكون كفراً أو يقود إلى الكفر.

.تفسير الآيات (35- 37):

{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}

.شرح الكلمات:

{رغداً}: العيش الهنيّ الواسع يقال له الرَّغَد.
{الشجرة}: شجرة من أشجار الجنة وجائز أن تكون كرماً أو تيناً أو غيرهما وما دام الله تعالى لم يعين نوعها فلا ينبغي السؤال عنها.
{الظالمين}: لأنفسهما بارتكاب ما نهى الله تعالى عنه.
{فأزلهما}: أوقعهما في الزلل، وهو مخالفتهما لنهى الله تعالى لهما عن الأكل من الشجرة.
{مستقر}: المستقر: مكان الاستقرار والإقامة.
{إلى حين}: الحين: الوقت مطلقا قد يقصر أو يطول والمراد به نهاية الحياة.
{فتلقى آدم}: أخذ آدم ما ألقى الله تعالى إليه من كلمات التوبة.
{كلمات}: هي قوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} {فتاب عليه}: وفقه للتوبة فتاب وقبل توبته، لأنه تعالى تواب رحيم.

.معنى الآيات:

في الآية الأولى يخبر تعالى عن إكرامه لآدم وزوجه حواء حيث أباح لهما جنته يسكنانها ويأكلان من نعيمها ما شاءا إلا شجرة واحدة فقد نهاهما عن قربها والأكل من ثمرها حتى لا يكونا من الظالمين.
وفى الآية الثانية اخبر تعالى أن الشيطان أوقع آدم وزوجه في الخطيئة حيث زين لهما الأكل من الشجرة فأكلا منها فبدت لهما سَوْءَاتُهُما فلم يصبحا أهلا للبقاء في الجنة فأهبطا إلى الأرض مع عدوهما إبليس ليعيشوا بها بعضهم لبعض عدو إلى نهاية الحياة.
وفي الآية الثالثة يخبر تعالى أن آدم تلقى كلمات التوبة من ربه تعالى وهي: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} فقالاها توبة فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم.

.من هداية الآية:

1- كرامة آدم وذريته على ربهم تعالى.
2- شؤم المعصية وآثارها في تحويل النعمة إلى نقمة.
3- عداوة الشيطان للإنسان ووجوب معرفة ذلك لاتقاء وسوسته.
4- وجوب التوبة من الذنب وهى الاستغفار بعد الاعتراف بالذنب وتركه والندم على فعله.

.تفسير الآيات (38- 39):

{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}

.شرح الكلمات:

{اهبطوا منها جميعا}: انزلوا من الجنة إلى الأرض لتعيشوا فيها متعادين.
{فإما يأتينكم منى هدى}: إن يجيئكم من ربكم هدًى: شرع ضمنه كِتابٌ وبينه رسولٌ.
{فمن اتبع هداي}: أخذ بشرعي فلم يخالفه ولم يحد عنه.
{فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}: جواب شرط فمن ابتع هداي، ومعناه إتباع الهدى يفضي بالعبد إلى أن لا يخاف ولا يحزن لا في الدنيا ولا في الآخرة.
{كفروا وكذبوا}: كفروا: جحدوا شرع الله، وكذبوا رسوله.
{أصحاب النار}: أهلها الذين لا يفارقونها بحيث لا يخرجون منها.

.معنى الآيتين:

يخبر تعالى أنه أمر آدم وحواء وإبليس بالهبوط إلى الأرض بعد أن وسوس الشيطان لهما فأكلا من الشجرة، وأعلمهم أنه إن أتاهم منه هدى فاتبعوه ولم يحيدوا عنه يأمنوا ويسعدوا فلن يخافوا ولن يحزنوا، وتوعد من كفر به وكذب رسوله فلم يؤمن ولم يعمل صالحاً بالخلود في النار.

.من هداية الآيتين:

1- المعصية تسبب الشقاء والحرمان.
2- العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يسبب الأمن والإسعاد، والإعراض عنهما يسبب الخوف والحزن والشقاء والحرمان.
3- الكفر والتكذيب جزاء صاحبهما الخلود في النار.

.تفسير الآيات (40- 43):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

.شرح الكلمات:

{بنو إسرائيل}: إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وبنوه هم اليهود، لأنهم يعودون في أصولهم إلى أولاد يعقوب الاثني عشر.
{النعمة}: النعمة هنا اسم جنس بمعنى النعم، ونعم الله تعالى على بني إسرائيل كثيرة ستمر أفرادها في الآيات القرآنية الآتية.
{أوفوا بعهدي}: الوفاء بالعهد إتمامه وعهد الله عليهم أن يبينّوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به.
{أوف بعهدكم}: أتم لكم عهدكم بإدخالكم الجنة بعد إكرامكم في الدنيا وعزكم فيها.
{وإياى فارهبون}: اخشوني ولا تخشوا غيري.
{آمنوا بما أنزلت}: القرآن الكريم.
{ولا تشتروا بآياتي}: لا تعتاضوا عن بيان الحق في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
{ثمناً قليلاً}: متاع الحياة الدنيا.
{وإياى فاتقون}: واتقوني وحدي في كتمانكم الحق وجحدكم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن أنزل بكم نقمتي.
{ولا تلبسوا الحق بالباطل}: أي لا تخلطوا الحق بالباطل حتى يعلم فيعمل به، وذلك قولهم: محمد نبيّ ولكن مبعوث إلى العرب لا إلى بني إسرائيل.
{واركعوا مع الراكعين}: الركوع الشرعي: انحناء الظهر في امتداد واعتدال مع وضع الكفين على الركبتين والمراد بها هنا: الخضوع لله والإسلام له عز وجل.

.مناسبة الآيات ومعناها:

لما كان السياق في الآيات السابقة في شأن آدم وتكريمه، وسجود الملائكة له وامتناع إبليس لكِبْره. وحسده وكان هذا معلوماً لليهود لأنهم أهل كتاب ناسب أن يخاطب الله تعالى بني إسرائيل مذكراً إياهم بما يجب عليهم من الإِيمان والاستقامة. فناداهم بعنوان بُنوتهم لإِسرائيل عليه السلام فأمرهم ونهاهم، أمرهم بذكر نعمته عليهم ليشكروه تعالى بطاعته فيؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى وأمرهم بالوفاء بما أخذ عليهم من عهد لينجز لهم ما وعدهم، وأمرهم أن يرهبوه ولا يرهبوا غيره من خلقه وأمرهم أن يؤمنوا بالقرآن الكريم. وان لا يكونوا أول من يكفر به. ونهاهم عن الاعتياض عن بيان الحق في أمر الإِيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ثمناً قليلا من متاع الحياة الدنيا وأمرهم بتقواه في ذلك وحذرهم إن هم كتموا الحق أن ينزل بهم عذابه. ونهاهم عن خلط الحق بالباطل دفعاً للحق وبعدا عنه حتى لا يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الإذعان لله تعالى بقبول الإسلام والدخول فيه كسائر المسلمين.

.من هداية الآيات:

1- وجوب ذكر النعم لشكر الله تعالى عليها.
2- وجوب الوفاء بالعهد لاسيما ما عاهد عليه العبد ربه تعالى.
3- وجوب بيان الحق وحُرمة كتمانه.
4- حرمة خلط الحق بالباطل تضليلا للناس وصرفهم عنه كقول اليهود: محمد نبيّ ولكن للعرب خاصة حتى لا يؤمن به يهود.

.تفسير الآيات (44- 46):

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)}

.شرح الكلمات:

{البر}: البر لفظ جامع لكل خير. والمراد هنا: الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والدخول في الإسلام.
{النسيان}: مقابل الذكر، وهو هنا الترك.
{تلاوة الكتاب}: قراءته، والكتاب هنا التوراة التي بأيدي اليهود.
{العقل}: قوة باطنية يميز بها المرء بين النافع والضار، والصالح والفاسد.
{الاستعانة}: طلب العون للقدر على القول والعمل.
{الصبر}: حبس النفس على ما تكره.
{الخشوع}: حضور القلب وسكون الجوارح، والمراد هنا الخضوع لله والطاعة لأمره ونهيه.
{يظنون}: يوقنون.
{ملاقو ربهم}: بالموت، راجعون إليه يوم القيامة.

.معنى الآيتين:

ينعى الحق تبارك وتعالى في الآية الأولى على علماء بني إسرائيل أمرهم بعض العرب بالإِيمان بالإسلام ونبيه، ويتركون أنفسهم فلا يأمرونها بذلك والحال أنهم يقرأون التوراة، وفيها بعث النبي محمد بالإِيمان به واتباعه ويقرعهم موبخاً لهم بقوله: {أفلا تعقلون}، إذ العاقل يسبق إلى الخير ثم يدعو إليه.
وفى الآيتين الثانية والثالثة يرشد الله تعالى بني إسرائيل إلى الاستعانة بالصبر والصلاة حتى يقدروا على مواجهة الحقيقة والتصريح بها وهى الإيمان بمحمد الدخول في دينه، ثم يعلمهم أن هذه المواجهة صعبه شاقة على النفس لا يقدر عليها إلا المخبتون لربهم الموقنون بلقاء الله، والرجوع إليه.

.من هداية الآيات:

1- قبح السلوك من يأمر غيره بالخير ولا يفعله.
2- السيئة قبيحة وكونها من عالم أشد قبحا.
3- مشروعية الاستعانة على صعاب الأمور وشاقها بالصبر والصلاة، إذْ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة.
4- فضلية الخشوع لله والتطامن له، وذكر الموت، والرجوع إلى الله تعالى للحساب والجزاء.

.تفسير الآيات (47- 48):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}

.شرح الكلمات:

{يا بني إسرائيل}: تقدم شرح هذه الجملة.
{فضلتكم على العالمين}: آتاهم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت غيرهم من الناس وذلك على عهد موسى عليه السلام وفى أزمنة صلاحهم واستقامتهم.
{اتقوا يوماً}: المراد باليوم يوم القيامة بدليل ما وصف به. واتقاؤه هو اتقاء ما يقع فيه من الأهوال والعذاب. وذلك بالإيمان والعمل الصالح.
{لا تجزى نفس}: لا تغنى نفس عن نس أخرى أي غنًى. ما دامت كافرة.
{ولا يقبل منها شفاعة}: هذه النفس الكافرة إذ هي التي لا تنفعها شفاعة الشافعين.
{ولا يؤخذ منها عدل}: على فرض أنها تقدَّمت بِعَدْلٍ وهو الفداء فإنه لا يؤخذ منها.
{ولا هم ينصرون}: بدفع العذاب عنهم.

.معنى الآيتين:

ينادى الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل مطالباً إياهم بذكر نعمه عليهم ليشكروها بالإِيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقبول ما جاء به من الدين الحق وهو الإسلام. محذراً إياهم من عذاب يوم القيامة، آمراً باتقائه بالايمان وصالح الأعمال. لأنه يوم عظيم لا تقبل فيه شفاعة لِكَافِرٍ، ولا يؤخذ منه عدل أي فداء، ولا ينصره بدفع العذاب عَنْهُ أحد.

.من هداية الآيتين:

1- وجوب ذكر النعم لتشكر بحمد الله وطاعته.
2- وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك والمعاصي.
3- تقرير أن الشفاعة لا تكون لنفس كافرة. وأنّ الفداء يوم القيامة لا يقبل أبداً.

.تفسير الآيات (49- 53):

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

.شرح الكلمات:

{النجاة}: الخلاص من الهلكة، كالخلاص من الغرق، والخلاص من العذاب.
{آل فرعون}: أتباع فرعون. وفرعون ملك مصر على عهد موسى عليه السلام.
{يسومونكم سوء العذاب}: يبغونك سوء العذاب وهو أشده وأفظعه ويذيقونكم إياه.
{يستحيون نساءكم}: يتركون ذبح البنات ليكبرن للخدمة، ويذبحون الأولاد خوفاً منهم إذا كبروا.
{بلاء عظيم}: ابتلاء وامتحان شديد لا يطاق.
{فرقنا بكم البحر}: صيرناه فرقتين، وما بَيْنَهُمَا يَبس لا ماء فيه لتسلكوه فتنجوا والبحر هو بحر القلزم (الأحمر).
{اتخذتم العجل}: عجل من ذهب صاغه لهم السامرى ودعاه إلى عبادته فعبدوه أكثرهم، وذلك في غيبة موسى عنهم.
{الشكر}: اظهار النعمة بالاعتراف بها وحمد الله تعالى عليها وصرفها في مضاته.
{الكتاب والفرقان}: الكتاب: التوراة، والفرقان: المعجزات التي فرق الله تعالى بها بين الحق والباطل.
{تهتدون}: إلى معرفة الحق في كل شئونكم من أمور الدين والدنيا.

.معنى الآيات:

تضمنت هذه الآيات الخمس أربع نعم عظمى انعم الله بها على بني إسرائيل وهى التي امرهم بذكرها ليشكروه عليها بالايمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلام.
فالنعمة الأولى: انجاؤهم من فرعون وآله بتخليصهم من حكمهم الظالم وما كانوا يصيبونه عليهم من ألوان العذاب. من ذلك: ذبح الذكور من أولادهم وترك البنات لاستخدامهن في المنازل كرقيقات.
والثانية: فلق البحر لهم وإغراق عدوهم بعد نجاتهم وهم ينظرون.
والثالثة: عفوه تعالى عن أكبر زلة زلوها وجريمة اقترفوها وهى اتخاذهم عجلاً صناعياً الهاً وعبادتهم له. فعفا تعالى عنه ولم يؤاخذهم بالعذاب لعلة أن يشكروه تعالى بعبادته وحده دون سواه.
والرابعة: ما أكرم به نبيهم موسى عليه السلام من التوراة التي فيها الهدى والنور والمعجزات التي أبطلت باطل فرعون، وأحقت دعوة الحق التي جاء بها موسى عليه السلام.
هذه النعم هي محتوى الآيات الخمس، ومعرفتها معرفة لمعاني الآيات في الجملة اللهم الا جملة {وفى ذلكم بلاء من بركم عظيم} في الآية الأولى فانها: اخبار بأن الذي حصل لبني إسرائيل من عذاب على أيدى فرعون وملئه انما كان امتحاناً من الله واختباراً عظيما لهم. كما أن الآية الثالثة فيها ذكر مواعدة الله تعالى لموسى بعد نجاة بني إسرائيل أربعين ليلة وهى القعدة وعشر الحجة ليعطيه التوراه يحكم بها بني إسرائيل فحدث في غيابه أن جمع السامرى حلي لنساء بني إسرائيل وصنع منه عجلاً ودعاهم إلى عبادته فعبدوه فاستوجبوا العذاب إلا أن الله منّ عليهم بالعفو ليشكروه.

.من هداية هذه الآيات:

1- ذكر النعم يحمل على شكرها، والشكر هو الغية من ذكر النعمة.
2- أن الله تعالى يبتلى عباده لحكم عالية فلا يجوز الاعتراض على الله تعالى فيما يبتلي به عباده.
3- الشرك ظلم لأنه وضع العبادة في غير موضعها.
4- إرسال وإنزال الكتب الحكمة فيهما هداية الناس إلى معرفة ربهم وطريقة التقرب إليه ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا في الحياتين.

.تفسير الآيات (54- 57):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}

.شرح الكلمات:

{ظلم النفس}: تدسيتها بسّيئة الجريمة.
{باتخاذكم العجل}: بجعلكم العلك الذي صاغه السامرى من حلّى نسائكم إلهاً عبدتموه.
{البارئ}: الخالق عز وجل.
{فاقتلوا انفسكم}: أمرهم أن يقتل من لم يعب العجل من عبدَة منهم وجعل ذلك توبتهم ففعلوا فتاب عليهم بقبول توبتهم.
{نرى الله جهرة}: نراه عياناً.
{الصاعقة}: نار محرقة كالتى تكون مع السحب والأمطار والرعود.
{بعناكم}: أحييناكم بعد موتكم.
{المن والسلوى}: المنّ: مادة لزجة حُلْوَةٌ كالعسل، والسلوى: طائر يقال له السُّماني.
{الطيبات}: الحلال.

.المناسبة ومعنى الآيات:

لما ذكّر الله تعالى اليهود بما أنعم على أسلافهم مطالباً إياهم بشكرها فيؤمنوا برسوله. ذكرهم هنا ببعض ذنوب اسلافهم ليتعظوا فيؤمنوا فذكرهم بحادثة اتخاذهم العجل إلهاً وعبادتهم له. وذلك بعد نجاتهم من آل فرعون وذهاب موسى لمناجاة الله تعالى، وتركه هارون خليفة له فيهم، فصنع السامرى لهم عجلاً من ذهب وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه فأطاعه أكثرهم وعبدوا العجل فكانا مرتدين بذلك فجعل الله توبتهم من ردتهم ان يقتل من لم يعبد العجل من عبده فقتلوا منهم سبعين ألفاً فكان ذلك توبتهم فتاب الله عليهم انه هو التواب الرحيم كما ذكرهم بحادثة أخرى وهى انه لما عبدوا العجل وكانت ردة اختار موسى بامر الله تعالى منهم سبعين رجلاً من خيارهم ممن لم يتورطوا في جريمة عبادة العجل، وذهب بهم إلى جبل الطور ليعتذروا إلى ربهم سبحانه وتعالى من عبادة إخوانهم العجل، فلما وصلوا قالوا لموسى اطلب لنا ربك أن يُسمعنا كلامه فأسمعهم قوله: إني أنا الله لا إله إلا أنا أخرجتكم من أرض مصر بيدٍ شديدة فاعبدونى ولا تعبدوا غيرى. ولما أعلمهم موسى بأن الله تعالى جعل توبتهم بقتلهم أنفسهم، قالوا: لن نؤمن لك أي لن نتابعك على قولك فيما ذكرت من توبتنا بقتل بعضنا بعضا حتى نرى الله جهرة وكان هذا منهم ذنباً عظيماً لتكذيبهم رسولهم فغضب الله عليهم فأنزل عليهم صاعقة فأهلكتهم فماتوا واحدا واحدا وهم ينظرون ثم أحياهم تعالى بعد يوم وليلة، وذلك ليشكروه بعبادته وحده دون سواه كما ذكرهم بنعمة أخرى وهى اكرامه لهم وانعامه عليهم بتظليل الغمام عليهم، وإنزال المنّ والسلوى أيام حادثة التيه في صحراء سيناء وفى قوله تعالى: {وما ظلمناهم} إشارة إلى ان محنة التيه كانت عقوبة لهم على تركهم الجهاد وجرأتهم على نبيّهم إذ قالوا له: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}. وما ظلمهم في محنة التيه، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم.

.من هداية الآيات:

1- عبادة المؤمن غير الله وهو يعلم أنها عبادة لغير الله تعتبر ردة منه وشركاً.
2- مشروعية قتال المرتدين، وفي الحديث: «من بدّل دينه فاقتلوه»، ولكن بعد استتابته.
3- علة الحياة كلها شكر الله تعالى بعبادته وحده.
4- الحلال، من المطاعم والمشارب وغيرها، ما أحله الله والحرام ما حرمه الله عز وجل.