فصل: تفسير الآيات (47- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (27- 31):

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}

.شرح الكلمات:

{واتل ما أوحي إليك من الكتاب}: أي أقرأ تعبداً ودعوة وتعليماً.
{لا مبدل لكلماته}: أي لا مغير لكلمات الله في ألفاظها ولا معانيها وأحكامها.
{ملتحداً}: أي إحبسها.
{يريدون وجهه}: أي طاعته ورضاه، لا عرضاً من عرض الدنيا.
{ولا تعد عيناك عنهم}: أي لا تتجاوزهم بنظرك إلى غيرهم من أبناء الدنيا.
{تريد زيمة الحياة الدنيا}: أي بمجالستك الأغنياء تريد الشرف والفخر.
{من أغفلنا قبله}: أي جعلناه غافلاً عما يجب عليه من ذكرنا وعبادتنا.
{وكان أمره فرطاً}: أي ضياعاً وهلاكاً.
{أحاط بهم سرادقها}: حائط من نار أحيط بهؤلاء المعذبين في النار.
{بماء كالمهل}: أي كعكعر الزيت أي الدردي وهو ما يبقى في أسفل الإناء ثخناً رديئاً.
{من سندس واستبرق}: أي مارق من الديباج، والاستبرق ما غلظ منه أي من الديباج.

.معنى الآيات:

بعد نهاية الحديث عن أصحاب الكهف أمر تعالى رسوله بتلاوة كتابه فقال: {واتل} أي وأقرأ {ما أوحي إليك من كتاب ربك} تعبداً ودعوة للناس إلى ربهم به وتعليماً للمؤمنين بما جاء فيه من الهدى.
وقوله: {لا مبدل لكلماته} أي لا تتركن تلاوته والعمل به والدعوة إليه فتكون من الهالكين فإن ما وعد ربك به المعرضين عنه المكذبين به كائن حقاً وواقع صدقاً فإن ربك {لا مبدل لكلماته} الشتملة على وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه ممن كفورا به وكذبوا بكتابه فلم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه.
وقوله تعالى: {ولن تجد من دون ملتحداً} أي انك إن لم تتل كتابه الذي أوحاه إليك وتعمل بما فيه فنالك ما أوعد به الكافرين المعرضين عن ذكره. {لن تجد من دون الله ملتحداً} أي موئلالاً تميل إليه وملجأ تحتمي به وإذا كان مثل هذا الوعيد الشديد يوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم فغيره ممن تركوا تلاوة القرآن والعمل به فلا أقاموا حدوده ولا أحلوا حلاله ولا حرموا حرامه أولى بهذا الوعيد وهو حائق بهم لا محالة إن لم يتوبوا قبل موتهم وقوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه} نزل هذا التوجيه للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلال وصهيب وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء المؤمنين {الذين يدعون} ربهم في صلاتهم في الصباح والمساء لا يريدون بصلاتهم وتسبيحهم ودعائهم عرضاً من اعراض الدينا وإنما يريدون رضا الله ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم.
وقوله تعالى: {ولا تعد عيناك عنهم} أي لا تتجاوز ببصرك هؤلاء المؤمنين الفقراء إلى أولئك الأغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} فجعلناه غافلاً عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه ظلمه.
{وكان أمره فرطاً} أي ضياعاً وهلاكاً، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أي هذا الذي جئت به وأدعوا إليه من الايمان والتوحيد والطاعة لله بالعمل الصالح هو {الحق من ربكم} أيها الناس. {فمن شاء} الله هدايته فآمن وعمل صالحاً فقد نجاه ومن لم يشأ الله هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر.
وقوله: {إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها} أي جدرانها النارية، {وإن يستغيثوا} من شدة العطش {يغاثوا بماء كالمهل} ردئياً ثخيناً {يشوي الوجوه} إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له. {بئس الشراب وساءت} أي جهنم {مرتفقاً} في منزلها وطعامها وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على الإيمان وأما وعد من آمن وعمل صالحاً وقد تضمنته الآيتان (31- 32) إذ قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} هذا حكمنا الذي لا تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان اعمالهم فقال: {أولئك لهم جنات عدن} أي إقامة دائمة {تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق متكئين فيها على الآرائك} وهي الأسرة بالحجلة. ثم أثنى الله تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقولهم: {نعم الثواب} الذي أثيبوا {وحسنت} الجنة في حيلها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان الله فيها {حسنت مرتفقاً} يرتفقون فيه وبه، جعلنا الله من أهلها.

.من هداية الآيات:

1- بيان خيبة وخسران المعرضين عن كتاب الله فلم يتلوه ولم يعملوا بما جاء فيه من شرائع وأحكام.
2- الترغيب في مجالسة أبناء الآخرة الفقراء الصابرون وترك أبناء الدنيا والإعراض عما هم فيه.
3- على الداعي إلى الله تعالى أن يبين الحق، والناس بعد بحسب ما كتب لهم أو عليهم.
4- الترغيب والترهيب بذكر جزاء الفريقين الؤمنين والكافرين.
5- عذاب النار شر عذاب، ونعيم الجنة، نعم النعيم ولا يهلك على الله إلا هالك.

.تفسير الآيات (32- 38):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)}

.شرح الكلمات:

{وأضرب بهم مثلاً}: أي أجعل لهم مثلاً هو رجلين... إلخ.
{جنتين}: أي بستانين.
{وحففناهما بنخل}: أي أحطناهما بخل.
{آتت أكلها}: أي أعطت ثمارها وهو ما يؤكل.
{ولم تظلم منهم شيئاً}: أي ولم تنقص منه شيئاً بل أتت به كاملاً ووافياً.
{خلالهما نهراً}: أي خلال الأشجار والنخيل نهراً جارياً.
{وهو يحاوره}: أي يحادثه ويتكلم معه.
{وأعز نفراً}: أي عشيرة ورهطاً.
{تبيد}: أي تفنى وتذهب.
{خيراً منها منقلباً}: أي مرجعاً في الآخرة.
{أكفرت بالذي خلقك من تراب}: الأستفهام للتوبيخ والخلق من تراب باعتبار الأصل هو آدم.
{من نطفة}: أي مني.
{ثم سواك}: أي عدلك وصيرك رجلاً.
{لكنا}: أي لكن أنا، حذفت الألف وأدغمت النون في النون فصارت لكنا.
{هو الله ربي}: أي أنا أقول الله ربي.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم واضرب لأولئك المشركين المتكبرين الذين اقترحوا عليك أن تطرد الفقراء المؤمنين من حولك حتى يجلسوا إليك ويسمعوا منك {اضرب لهم} أي اجعل لهم مثلا: {رجلين} مؤمناً وكافرا {جعلنا لأحدكما} وهو الكافر {جنتين من أعناب وحففناهما بنخل} أي أحطناهما بنخل، {وجعلنا بينهما} أي بين الكروم والنخيل {زرعاً} {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً} أي لم تنقص منه شيئاً {وفجرنا خلالهما نهراً} ليسقيهما. {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره} أي في الكلام يراجعه، ويفاخره: {أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً} أي عشيرة ورهطاً، قال هذا فخراً وتعاظماً. {ودخل جنته} والحال أنه {ظالم نفسه} بالكفر والكبر وقال: {ما أظن أن تبيد هذه} يشير إلى جنته {أبداً} أي لا تفنى. {وما أظن الساعة قائمة ولئن ردت إلى ربي} كما تقول أنت {لأجدن خيراً منها} أي من جنتي {منقلباً} أي مرجعاً إن قامت الساعة وبعث الناس معهم. هذا القول من هذا الرجل هو ما يسمى بالغرور النفسي الذي يصاب به أهل الشرك والكبر. وهنا قال له صاحبه المسلم {وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب} وهو الله عز وجل حيث خلق أباك آدم من {تراب ثم من نطفة} أي ثم خلقك أنت من نطفة أي من مني {ثم سواك رجلاً} وهذا توبيخ من المؤمن للكافر المغرور ثم قال له: {لكنا هو الله ربي} أي لكن أنا أقول هو الله ربي، {ولا أشرك بربي أحداً} من خلقه في عبادته.

.من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال للوصول بالمعاني الخفية إلى الاذهان.
2- بيان صورة مثالية لغرس بساتين النخل والكروم.
3- تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء.
4- التنديد بالكبر والغرور حيث يفيضان بصاحبهما إلى الشرك الكفر.

.تفسير الآيات (39- 44):

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}

.شرح الكلمات:

{ما شاء الله}: أي يكون وما لم يشأ لم يكن.
{حسبانا من السماء}: أي عذاباً ترمى به فتؤول إلى أرض ملساء دحضاً لا يثبت عليها قدم.
{او يصبح ماؤها غوراً}: أي غائراً في اعماق الأرض فلا يقدر عل ى استنباطه وإخراجه.
{واحيط بثمره}: أي هلكت ثماره، فلم يبقى منها شيء.
{يقلب كفيه}: ندماً وحسرة على ما أنفق من جهد كبير ومال طائل.
{وهي خاوية على عروشها}: أي ساقطة على أعمدتها التي كان يعرش بها للكرم، وعلى جدران مبانيها.
{فئة}: جماعة من الناس قوية كعشيرته من قومه.
{هنالك}: أي حين حل العذاب بصاحب الجنتين أي يوم القيامة.
{االولاية}: أي الملك والسلطان لله تعالى.
{خير ثواباً وخير عقباً}: أي الله تعالى خير من يثبت وخير من يعقب أي يخزي بخير.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في المثل المضرورب للمؤمن الفقير والكافر الغني فقد قال المؤمن للكافر ما أخبر تعالى به في قوله: {ولولا إذ دخلت جنتك} أي هلا إذ دخلت بستانك قلت عند تعجبك من حسنه وكماله {ما شاء الله} أي كان {لا قوة إلا بالله} أي لا قوة لأحد على فعل شيء أو تركه بإقدار الله تعالى له وإعانته عليه قلل هذا المؤمن نصحاً للكافر وتوبيخاً له. ثم قال له {إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً} اليوم {فعسى ربي} أي فرجائي في الله {أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها} أي على جنة الكافر {حسباناً من السماء} أي عذاباً ترمى به. {فتصبح صعيداً زلقاً}: أي تراباً أملس لا ينبت زرعاً ولا يثبت عليه قدم. {أو يصبح ماؤها غوراً} الذي تسقى به غائراً في أعماق الأرض فلن تقدر على إستخراجه مرة أخرى، وهو معنى {فلن تستطيع له طلباً}.
وقوله تعالى في الآيات (40)، (41)، (42) يخبر تعالى أن رجاء المؤمن قد تحقق إذ قد احيط فعلاً ببستان الكافر فهلك ما فيه من ثمر {فأصبح يقلب كفيه} ندماً وتحسراً {على ما أنفق فيها} من جهد ومال في جنته {وهي خاوية على عروشها} أي ساقطة على أعمدة الكرم التي كان يعرشها للكرم أي يحمله عليها كما سقطت جدران مبانيها على سقوفها وهو يتحسر ويتندم ويقول: {يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ولم تكن له} جماعة قوية تنصره {من دون الله وما كان} المنهزم {هنالك} أي يوم القيامة {الولاية} أي القوة والملك والسلطان {لله} أي المعبود {الحق} لا لغيره من الأصنام والأحجار {هو} تعالى {خير ثواباُ} أي خير من يثبت على الإيمان والعمل الصالح. {وخير عقباً} أي خير يعقب أي يجزي بحسن العواقب.

.من هداية الآيات:

1- بيان مآل المؤمنين كصهيب وسلمان وبلال، وهو الجنة ومآل الكافرين كأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وهو النار.
2- استحباب قول من أعجبه شيء: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} لا يرى فيه مكروهاً إن شاء الله.
3- استجابة الله تعالى لعباده المؤمنين وتحقيق رجائهم فيه سبحانه وتعالى.
4- المخذول من خذله الله تعالى فإنه لا ينصر أبداً.
5- الولاية بمعنى الموالاة النافعة للعبد هي موالاة الله تعالى لا موالاة غيره.
6- الولاية بمعنى الملك والسلطان لله يوم القيامة ليست لغيره إذ الملك والأمر كلاهما لله تعالى.

.تفسير الآيات (45- 46):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}

.شرح الكلمات:

{المثل}: الصفة المعجبة.
{تذروه الرياح}: أي تنثره وتفرقه لخفته ويبوسته.
{مقتدراً}: أي كامل القدرة لا يعجزه شيء.
{زينة الحياة الدنيا}: أي يتجمل بما فيها.
{والباقيات الصالحات}: هي الأعمال الصالحة من سائر العبادات والقربات.
{وخير أملاً}: أي ما يأمله الإنسان وينتظره من الخير.

.معنى الآيات:

هذا مثل آخر مضروب أي مجعول للحياة الدنيا اغتر بها الناس وخدعتهم فصرفتهم عن الله تعالى ربهم فلم يذكروه ولم يشكروه فاستوجبوا غصبه وعقابه.
قال تعالى: في خطاب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {واضرب لهم} أي لأولئك المغرورين بالمال والسلطان {مثل الحياة الدنيا} أي صفتها الحقيقية التي لا تختلف عنها بحال {كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض} فزها وازدهر واخضر وأنظر، فأعجب أصحابه، وأفرحهم وسرهم ما يأملون منه. وفجأة أتاه أمر الله برياح لاحقة، محرقة، {فأصبح هشيماً} أي يابساً متهشماً متكسراً {تذروه الرياح} هنا وهناك {وكان الله على كل شيء مقتدراً} أي قادراً كامل القدرة، فأصبح أهل الدنيا مبلسين أيسين من كل خير.
وقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} انه بعد أن ضرب المثل للحياة الدنيا التي غرت ابناءها فأوردتهم موارد الهلاك أخبر بحقيقة أخرى، يعلم فيها عباده لينتفعوا بها، وهي أن {المال والبنون} أو الأولاد {زينة الحياة الدنيا} لا غير أن يتجمل بهما ساعة ثم يبيدان ويذهبان، فلا يجوز الأغترار بهما، بحيث يصبحان هم الإنسان في هذه الحياة فيصرفانه عن طلب سعادة الآخرة بالإيمان وصالح الأعمال، هذا جزء الحقيقة في هذه الآية، والجزء الثاني هو أن {الباقيات الصالحات} المراد بها أفعال البر وضروب العبادات ومنا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة الا بالله، أي هذه {خير ثواباً} أي جزاءً وثماراً، يجنبه العبد من الكدح المتواصل في طلب الدنيا مع الإعراض عن طلب الآخرة، {وخيراً أملاً} يأمله الإنسان من الخير ويرجوه ويرغب في تحصيله.

.من هداية الآيات:

1- بيان حقارة الدنيا وسوء عاقبتها.
2- تقرير أن المال والبنين لا يعدوان كونهما زينة، والزينة سريعة الزوال وهما كذلك فلا يجوز الاغترار بهما، وعلى العبد ان يطلب ما يبقى على ما ينفى وهو الباقيات الصالحات من أنواع البر والعبادات من صلاة وذكر وتسبيح وجهاد. ورباط، وصيام وزكاة.

.تفسير الآيات (47- 49):

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}

.شرح الكلمات:

{نُسير الجيال}: أي تقتلع من أصولها وتصير هباءً منبثاً.
{بارزة}: ظاهرة إذ فنى كل ما كان عليها من عمران.
{فلم نغادر}: لم نترك منهم أحداً.
{موعداً}: أي ميعاداً لبعثكم أحياء للحساب والجزاء.
{ووضع الكتاب}: كتاب الحسنات وكتاب السئيات فيؤتاه بيمينه والكافر بشماله..
{مشفقين}: خائفين.
{يا ويلتنا}: أي يا هلكنا احضري هذا أوان حضورك.
{لا يغادر صغيرة}: أي لا يترك صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة الا جمعها عداً.
{ما عملوا حاضراً}: مثبتاً في كتابهم، مسجلاً فيها.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى مآل الحياة الدنيا وأنه الفناء والزوال ورغب في الصالحات وثوابها المرجوا يوم القيامة، ناسب ذكر نبذة عن يوم القيامة، وهو يوم الجزاء على الكسب في الحياة الدنيا قال تعالى: {ويوم نسير الجبال} أي اذكر {يوم نسير} أي تقتلع من أصولها وتصير هباءً منبثاً، {وترى الأرض بارزة} ظاهرة ليس عليها شيء، فهي قاع صفصف {وحشرناهم} أي جمعناهم من قبورهم للموقف {فلم نغادر منه احداً} أي لم نترك منهم أحداً كائناً من كان، {وعرضوا على ربك} أيها الرسول صفاً وقوناً اذلاء، وقيل لهم توبيخاً وتقريعا {لقد جئتمنونا كما خلقناكم أول مرة} لا مال معكم ولا سلطان لكم بل حفاة عراة غرلاً، جمع اغرل، وهو الذي لم يختتن.
وقوله تعالى: {بل زعمتم} أي ادعيتم كذباً أنا لا نجمعكم ليوم القيامة، ولن نجعل لكم موعداً فها أنتم مجموعون لدينا تنتظرون الحساب والجزاء، وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما فيه، وقوله تعالى في الآية: {ووضع الكتاب} يخبر تعالى عن حال العرض عليه فقال: {ووضع الكتاب} أي كتاب الحسنات والسيئات واعطى كل واحد كتابه فالمؤمن يأخذه بيمينه والكافر بشماله، {فترى المجرمين} في تلك الساعة {مشفقين} أي خائفين {مما فيه} أي في الكتاب من السيآت {ويقولون يا وليتنا} ندماً وتحسراً ينادون يا ويلتهم وهي هلاكهم قائلين: {مال لهذا الكتاب لا يغادر لا صغيرة ولا كبيرة} من ذنوبنا {إلا أحصاها} أي أثبتها عداً.
وقوله تعالى في آخر العرض: {ووجدوا ما عملوا حاضراً} أي من خير وشر مثبتاً في كتابهم وحوسبوا به، وجوزوا عليه {ولا يظلم ربك أبداً} بزيادة سيئة على سيئاته أو بنقص حسنة من حسناته، ودخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرضها على مسامع المنكرين لها.
2- يبعث الأنسان كما خلقه الله ليس معه شيء، حافياً عارياً لم يقطع منه غفلة الذكر.
3- تقرير عقيدة كتب الأعمال في الدنيا وإعطائها أصحابها في الآخرة تحقيقاً للعدالة الإلهية.
4- نفي الظلم عن الله تعالى وهو غير جائز عليه لغناه المطلق وعدم حاجته إلى شيء.