فصل: تفسير الآيات (47- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (43- 46):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}

.شرح الكلمات:

{يزجي سحاباً}: أي يسوق برفق ويسر.
{ثم يؤلف بينه}: أي يجمع بين أجزائه وقطعه.
{ثم يجعله ركاماً}: أي متراكماً بعضه فوق بعض.
{الودق}: أي المطر.
{يخرج من خلاله}: أي من فرجه ومخارجه.
{من جبال فيها من برد}: أي من جبال من برد في السماء والبرد حجارة بيضاء كالثلج.
{فيصيب به من يشاء}: أي فيصيب بالبرد من يشاء.
{سنا برقه}: أي لمعانه.
{يذهب بالأبصار}: أي الناظرة إلَيْهَ.
{لعبرة}: أي داللة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه ووجوب توحيده.
{كل دابة من ماء}: أي حيوان من نطفة.
{على بطنه}: كالحيات والهوام.
{على رجلين}: كالإنسان والطير.
{على أربع}: أي كالأنعام والبهائم.
{إلى صراط مستقيم}: أي إلى الإسلام.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في عرض مظاهر القدرة والعلم والحكمة الإلهية وهي الموجبة لله تعالى العبادة دون سواه فقال تعالى: {ألم تر أن الله يزجي سحاباً} أي ألم ينته إلى علمك يا رسولنا أن الله يزجي سحاباً أي يسوقه برفق وسهولة {ثم يؤلف} أي يجمع بين أجزائه فيجعله ركاماً أي متراكماً بعضه على بعض {فترى الودق} أي المطر {يخرج من خلاله} أي من فتوقه وشقوقه. والخلال جمع خلل كجبال جمع جبل وهو الفتوق بين أجزاء السحاب وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم. وقوله: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} أي ينزل برداً من جبال البرد المتراكمة في السماء فيصيب بذلك البرد من يشاء فيهلك به زرعه أو ماشيته، ويصرفه عمن يشاء عن عباده فلا يصيبه شيء من ذلك وهذا مظهر آخر من مظاهر القدرة واللطف الإِلهي وقوله: {يكاد سنا برقه} أي يقرب لمعان البرق الذي هو سناه يذهب بالأبصار التي تنظر إليه أي يخطفها بشدة لمعانه.
وقوله تعالى: {يقلب الله الليل والنهار} بأن يظهر هذا ويخفي هذا فإذا ظهر النهار اختفى الليل، وإذا ظهر الليل اختفى النهار فيقلب أحدهما على الآخر فيخفيه ويستره به وقوله: {إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار} أي إن في إنزال البرد ولمعان البرق وتقليب الليل والنهار لعظة عظيمة لأولى البصائر تهديهم إلى الإيمان بالله وجلاله وكما فيعبدونه ويوحدونه مُحِبين له معظمين راجعين خائفين إن هذه ثمرة الهداية هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (43) والثانية (44) أما الآية (45) فقد اشتملت على أعظم مظهر من مظاهر القدرة الإلهية فقال تعالى: {والله خالق كل دابة} أي من إنسان وحيوان {من ماء} أي نطفة من نطف الإنسان والحيوان، {فمنهم من يمشي على بطنه} كالحيات والثعابين والأسماك، {ومنهم من يمشي على رجلين} كالإنسان والطير، {ومنهم من يمشي على أربع} كالأنعام والبهائم، وقوله: {يخلق الله ما يشاء} إذْ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع وقوله: {إن الله على كل شيء قدير} أي على فعل وإيجاد ما يريده قدير لا يعجزه شيء فأين الله الخالق العليم الحكيم من تلك الأصنام والأوثان التي يؤلهها الجاهلون من أهل الشرك والكفر؟
وقوله تعالى: {لقد أنزلنا آيات مبينات} أي واضحات لأجل هداية العباد إلى طريق سعادتهم وكمالهم وهي هذه الآيات التي اشتملت عليها سورة النور وغيرها من آيات القرآن الكريم فمن آمن بها ونظر فيها وأخذ بما تدعو إليه من الهدى اهتدى، ومن أعرض عنها فضل وشقى فلا يلومن إلا نفسه، {والله يهدي من يشاء} هدايته ممن رغب في الهداية وطلبها وسلك لها مسالكها {إلى صراط مستقيم} ألا وهو الإسلام طريق الكمال والسعادة في الحياتين الله اجعلنا من أهله إنك قدير.

.من هداية الآيات:

1- مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وهي موجبات الإيمان والتقوى.
2- بيان كيفية نزول المطر والبرد.
3- مظاهر لطف الله بعباده في صرف البرد عن الزرع والماشية وبعض عباده.
4- مظاهر القدرة والعلم في تقليب الليل والنهار على بعضهما بعضاً.
5- بيان أصناف المخلوقات في مشيها على الأرض بعد خلقها من ماء وهو مظهر العلم والقدرة.
6- امتنان الله تعالى على العباد بإنزاله الآيات المبينات للهدى وطريق السعادة والكمال.

.تفسير الآيات (47- 52):

{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}

.شرح الكلمات:

{ويقولون}: أي المنافقون.
{آمنا بالله وبالرسول}: أي صدقنا بتوحيد الله وبنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
{ثم يتول فريق منهم}: أي يعرض.
{إذا فريق منهم معرضون}: أي عن المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
{مذعنين}: أي مسرعين منقادين مطيعين.
{في قلوبهم مرض}: أي كفر ونفاق وشرك.
{أم ارتابوا}: أي بل شكوا في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
{أن يحيف الله عليهم ورسوله}: أي في الحكم فيظلموا فيه.
{إنما كان قول المؤمنين}: هو قولهم سمعنا وأطعنا أي سمعاً وطاعة.
{المفلحون}: أي الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.

.معنى الآيات:

بعد عرض تلك المظاهر لقدرة الله وعلمه وحكمته والموجبة للإيمان بالله ورسوله، وما عند الله من نعيم مقيم، وما لديه من عذاب مهين فاهتدى عليها من شاء الله هدايته وأعرض عنها من كتب الله شقاؤته من المنافقين بالله ربَّاً وإلهاً وبمحمد نبياً ورسولاً، وأطعناهما {ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك} أي من بعد تصريحهم بالإيمان والطاعة يقولون معرضين بقلوبهم عن الإيمان بالله وآياته ورسوله، {وما أولئك بالمؤمنين} فأكذبهم الله في دعوة إيمانهم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47) وقوله تعالى: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} أي في قضية من قضايا دنياهم، {إذا فريق منهم معرضون} أي فاجأك فريق منهم بالإعراض عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: {وإن يكن لهم الحق} أي وإن يكن لهم في الخصومة التي بينهم وبين غيرهم {يأتوا إليه} أي إلى رسول الله {مذعنين} أي منقادين طائعين أي لعلمهم أن الرسول يقضي بينهم بالحق وسوف يأخذون حقهم وافياً وقوله تعالى: {أفي قلوبهم مرض} أي بل في قلوبهم مرض الكفر والنفاق {أم ارتابوا} أي بل ارتابوا أي شكوا في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله} لا، لا، {بل أولئك هم الظالمون}، ولما كانوا ظالمين يخافون حكم الله ورسوله فيهم لأنه عادل فيأخذ منهم ما ليس لهم ويعطيه لمن هو لهم من خصومهم وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين} أي الصادقين في إيمانهم {إذا دعوا الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} أي لم يكن للمؤمنين الصادقين من قول يقولونه إذا دعوا إلى كتاب الله ورسوله ليحكم يبنهم إلا قولهم: سمعنا وأطعنا فيجيبون الدعوة ويسلمون بالحق قال تعالى في الثناء عليهم {وأولئك هم المفلحون} أي الناجحون في دنياهم وآخرتهم دون غيرهم من أهل النفاق. وقوله تعالى في الآية الكريمة الأخيرة (52): {ومن يطع الله ورسوله} أي فيما يأمران به وينهيان عنه، {ويخش الله} أي يخافه في السر والعلن، {ويتقه} أي يتق مخالفته فلا يقصر في واجب ولا يَغْشَى محرماً، {فأولئك هم الفائزون} فقصر الفوز عليهم أي هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة المنعمون في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم إنك ربنا وربهم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة.
2- من دُعِيَ إلى الكتاب والسنة فأعرض فهو منافق معلوم النفاق.
3- اتخاذ قوانين وضعية للتحاكم إليها دون كتاب الله وسنة رسوله آية الكفر والنفاق.
4- فضل طاعة الله ورسوله وتقوى الله عز وجل وأن أهلها هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنان.

.تفسير الآيات (53- 55):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}

.شرح الكلمات:

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم}: أي حلفوا بالله بالغين غاية الجهد في حلفهم.
{لئن أمرتهم}: أي بالخروج إلى الجهاد.
{طاعة معروفة}: أي طاعة معروفة للنبي فيما يأمركم وينهاكم خير من إقسامكم بالله.
{فإن تولوا}: أي فإن تتولوا أي تعرضوا عن الطاعة.
{عليه ما حمل}: أي من ابلاغ الرسالة وبيانها بالقول والعمل.
{وعليكم ما حملتم}: أي من وجوب قبول الشرع والعمل به عقيدة وعبادة وحكما.
{وإن تطيعوه تهتدوا}: أي وإن تطيعوا الرسول في أمره ونهيه وإرشاده تهتدوا إلى خيركم.
{ليستخلفنهم}: أي يجعلهم خلفاء لغيرهم فيها بأن يُدِيلَ لهم من أهلها فيسودون فيها ويحكمون.
{وليمكنن لهم دينهم}: أي بأن يظهر الإسلام على سائر الأديان ويحفظه من الزوال.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر أحوال المنافقين فأخبر تعالى عنهم بقوله: {وأقسموا الله جهد أيمانهم} أي أقسموا للرسول صلى الله عليه وسلم مبالغين في ذلك حتى بلغوا غاية الجهد قائلين لئن أمرتنا بالخروج إلى الجهاد لنخرجن معكم. وهان أمر تعالى رسوله أن يقول لهم: {لاتقسموا} أي ما هناك حاجة إلى الحلف وتأكيده، وإنما هي طاعة منكم معروفة لنا تغنيكم عن الأيمان وقوله تعلى: {إن الله خبير بما تعملون} تأنيب لهم وتأديب حيث أخبرهم تعالى بأنه مطلع على أسرارهم وما يقولونه ويعملونه في الخفاء ضد الرسول والمؤمنين ثم أمر تعالى رسوله أن يقول لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في كل ما يأمران به وينهيان عنه، {فإن تولوا} أي تعرضوا عن الطاعة وترفضوها، فإنما على الرسول ما حمل من البلاغ والبيان، وعليكم ما حملتم من وجوب الانقياد والطاعة، ومن أخل بواجبه الذي أنيط به فسوف يلقى جزءاه وافياً عند ربه وقوله تعالى: {وإن تطيعوه تهتدوا} هذه الجملة عظيمة الشأن جليلة القدر للمؤمن أن يحلف بالله ولا يحنث على أن من أطاع رسول الله في أمره ونهيه لن يضل أبداً ولن يشقى فالهداية إلى كل خير كامنة في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} أي ليس على الرسول هداية القلوب، وإنما عليه البلاغ المبين لا غير فلا تلحق الرسول تبعة من عصى فَضَلَّ وهَلَك.
وقوله تعالى في الآية (55): {وعد الله الذين آمنوا منكم} أي صدقوا الله والرسول {وعملوا الصالحات} فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وعدهم بأن يستخلفهم في الأرض أي يجعلهم خلفاء حاكيمن في أهلها سائدين سكانها استخلافاً كاستخلاف الذين من قبلهم من بني إسرائيل حيث أجلى الكنعانيين والعمالقة من أرض القدس وورثها بني إسرائيل وقول: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} وهو الإسلام فيظهره على الدين كله ويحفظه من التغيير والتبديل والزوال إلى قرب الساعة وقوله تعالى: {وليبدلهم من بعد خوفهم أمناً} إذا نزلت هذه الآية والمسلمون خائفون بالمدينة لا يقدر أحدهم أن ينام وسيفه بعيد عنه من شدة الخوف من الكافرين والمنافقين وتألب الأحزاب عليهم ولقد أنجز تعالى لهم ما وعدهم فاستخلفهم وأمكن لهم وبدلهم بعد خوفهم أمناً فلله الحمد والمنة.
وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} هذا ثناء عليهم، وتعليل لما وهبهم وأعطاهم يعبدونه لا يشركون به شيئاً وقد فعلوا وما زال بقاياهم من الصالحين إلى اليوم يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئاً اللهم اجعلنا منهم، وقوله تعالى: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} وعيد وتهديد لمن كفر بعد ذلك الإنعام العظيم والعطاء الجزيل فأولئك هم الفاسقون عن أمر الله الخارجون عن طاعته المتسوجبون لعذاب الله ونقمته. عياذا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية الإقسام بالله تعالى وحرمه الحلف بغيره تعالى.
2- عدم الثقة في المنافقين لخلوهم من موجب الصدق في القول والعمل وهو الإيمان.
3- طاعة رسول الله موجبة للهداية لما فيه من سعادة الدارين ومعصيته موجبة للضلال والخسران.
4- صدق وعد الله تعالى لأهل الإيمان وصالح الأعمال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- وجوب الشكر على النعم بعبادة الله تعالى وحده بما شرع من أنواع العبادات.
6- الوعيد الشديد لمن أنعم الله عليه بنعمة أمن ورخاء وسيادة وكرامة فكفر تلك النعم ولم يشكرها فَعَّرضها للزوال.

.تفسير الآيات (56- 57):

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}

.شرح الكلمات:

{وأقيموا الصلااة}: أي أدوها أداءاً كاملاً تامأً مراعين فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها حتى تثمر الزكاة والطهر في نفوسكم.
{وآتوا الزكاة}: أي المفروضة من المال الصامت كالذهب والفضة والحرث والناطق كالأنعام من إبل وبقر وغنم.
{وأطيعوا الرسول}: أي محمداً صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه والأخذ بإرشاده وتوجيهه.
{لعلكم ترحمون}: أي رجاء أن يرحمكم ربكم في دنياكم وآخرتكم فلا يعذبكم فيهما.
{معجزين في الأرض}: أي معجزين الله تعالى بحيث لا يدركهم ولا ينزل بهم نقمته وعذابه.
{ولبئس المصير}: أي النار إذا هي المأوى الذي يأوون إليه ويصيرون إليه.

.معنى الآيتين:

يأمر تعالى عباده المؤمنين من أصحاب الرسول الكريم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الزكاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وإرشاده وتوجيهه وذلك رجاء أن يرحموا في الدارين، ولا يعذبوا فيهما، وهذا وإن كان موجهاً ابتداءً إلى أصحاب الرسول فإنه عام بعد ذلك فيشمل كل مؤمن ومؤمنة في الحياة وقوله: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ينهاه ربه تعالى أن يظن أن الذين كفروا مهما كانت قوتهم سيفوتون الله تعالى ويهربون مما أراد بهم من خزي وعذاب، لا، لا بل سيخزيهم ويذلهم ويسلط عليهم، وقد فعل {ومأواهم النار} يوم القيامة {ولبئس المصير} نار جهنم يصيرون إليها.

.من هداية الآيتين:

1- وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة في الدنيا بالنصر والتمكين والأمن والسيادة وفي الآخرة بدخول الجنة.
2- تقرير عجز الكافرين وأنهم لن يفوتوا الله تعالى مهما كانت قوتهم وسينزل بهم نقمته ويحل عليهم عذابه.
3- بيان مصير أهل الكفر وأنه النار والعياذ بالله تعالى.

.تفسير الآيات (58- 60):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}

.شرح الكلمات:

{ليسأذنكم}: أي ليطلب الاذن منكم في الدخول عليكم.
{ملكت أيمانكم}: من عبيد وإماء.
{لم يبلغوا الحلم منكم}: أي سن التكليف وهو وقت الاحتلام خمسة عشر سنة فما فوق.
{تضعون ثيابكم}: أي وقت القيلولة للإِستراحة والنوم.
{ثلاث عورات لكم}: العورة ما يتسحي من كشفه، وهذه الأوقات الثلاثة ينكشف فيها الإنسان في فراشه فكانت بذلك ثلاث عورات.
{بعدهن}: أي بعد الأوقات الثلاثة المذكورة.
{طوافون عليكم}: أي للخدمة.
{بعضكم على بعض}: أي بعضكم طائف على بعض.
{فليسنأذنوا}: أي في جميع الأوقات لأنهم أصبحوا رجالاً مكلفين.
{والقواعد من النساء}: أي اللاتي قعدن عن الحيض والولادة لكبر سنهن.
{أن يضعن ثيابهن}: كالجلباب والعباءة والقناع والخمار.
{غير متبرجات بزينة}: أي يغر مظهرات زينة خفية كقلادة وسوار وخلخال.
{وأن يستعففن خير لهن}: بأن لا يضعن ثيابهن خير لهم من الأخذ بالرخصة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} روى في نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائماً في وقت الظهيرة فدق الباب ودخل فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء فقال عندما عمر وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعة إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت فخر ساجداً شكراً لله تعالى.
فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} هو نداء لكل المؤمنين في كل عصورهم وديارهم. وقوله: {ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم} أي علموا أطفالكم وخدمكم الاستئذان عليكم في هذه الأوقات الثلاثة وأمروهم بذلك. وقوله: {ثلاث مرات} هي المبينة في قوله: {من قبل صلاة الفجر} وهي ساعات النوم من الليل، {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} ويه القيلولة، {ومن بعد صلاة العشاء} وهي بداية نوم الليل. وقوله: {ثلاث عورات لكم} أي هي منطقة انكشاف العورة فيها فاطلق عليها اسم العورة والعورة ما يستحي من كشفه وقوله: {ليس عليكم ولا عليهم} أي ولا على الأطفال والخدم {جناح بعدهن} أي بعد المرات الثلاث وقوله: {طوافون عليكم} أي يدخلون ويخرجون عليكم للخدمة. {بعضكم على بعض} أي بعضكم يدخل على بعض للخدمة فلا غنى عنه فلذا فلا حرج عليكم في غير الأوقات الثلاثة.
وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات} أي كهذا التبيين الذي بين لكم حكم الاستئذان يبين الله لكم الآيات المتضمنة للشرائع والأحكام والآداب فله الحمد وله المنة وقوله: {والله عليم} أي بخلقه وما يحتاجون إليه في إكمالهم وإسعادهم {حكيم} فيما يشرع لهم ويفرض عليهم.
وقوله تعالى في الآية الثانية (59): {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي إذا بلغ الطفل سن الاحتلام وهو البلوغ واحتلم فعليه أن لا يدخل على غيرمحارمه إلا بعد الإستئذان كما يفعل ذلك الرجال من قبله إذ قد أصبح بالبلوغ الذي علامته الإحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة فأكثر أصبح رجلاً تماماً فعليه أن لا يدخل بيت أحد إلا بعد أن يستأذن هذا معنى قوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} وهم الرجال وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته} أي المتضمنة لأحكامه وشرائعه {والله عليم} بخلقه وما يصلح لهم {حكيم} في شرعه وهذه حال توجب طاعته تعالى فيما يأمر به وينهى عنه وقوله تعالى: {والقواعد من النساءاللاتي لا يرجون نكاحاً} أي والتي قعدت عن الحيض والولادة لكبر سنها بحيث أصبحت لا ترجو نكاحاً ولا يرجى منها ذلك فهذه ليس عليها إثم ولا حرج في أن تضع خمارها من فوق رأسها، أو عباءتها من فوق ثيابها التي على جسمها حال كونها غير متبرجة آي مظهرة زينة لها كخضاب اليدين والأساور في المعصمين والخلاخل في الرجلين، أو أحمر الشفتين، وما إلى ذلك مما هو زينة يجب ستره وقوله تعالى: {وأن يستعففن خير لهن} أي ومن لازمت خمارها وعجارها ولم تظهر للأجانب كاشفة وجهها ومحاسنها خير هلا حالاً ومآلاً، وحسبها ان يختار الله لها فما اختاره لها لن يكون إلا خيراً في الدنيا والآخرة فعلى المؤمنات أن يختار الله لها فما اختاره لها لن يكون إلا خيراً في الدنيا والآخرة فعلى المؤمنات أن يخترن ما اختار الله لهن.
وقوله: {والله سميع عليم} أي سميع لأقوال عباده عليم بأعمالهم وأحوالهم فَليتق فيطاع ولا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تعليم الآباء والسادة والأطفال ولاخدم الإستئذان عليهم في الأوقات الثلاثة المذكورة والمعبر عنها بالعوراة.
2- وجوب استئذان الأولاد إذا احتلموا الاستئذان على من يريدون الدخول عليه في بيته لأنهم أصبحوا رجالاً مكلفين.
3- بيان رخصة كشف الوجه لمن بلغت سناً لا تحيض فيها ولا تلد للرجال الأجانب ولو أبقت على سترها واحتجابها لكان خيراً لها كما قال تعالى: {وأن يستعففن خير لهن}.