فصل: تفسير الآيات (52- 57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (38- 41):

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}

.شرح الكلمات:

{يدافع}: قرئ يدفع أي غوائل المشركين وما يكيدون به المؤمنين.
{خوان}: كثير الخيانة لأمانته وعهوده.
{كفور}: أي جحود لربه وكتابه ورسوله ونعمه عليه.
{بأنهم ظلموا}: أي بسبب ظلم المشركين لهم.
{بغير حق}: أي بسبب ظلم المشركين لهم.
{إلا أن يقولوا ربنا الله}: أي الا قولهم: ربنا الله والله احق، وهل قول الحق يُسَرغ إخراج قائله؟
{صوامع وبيع}: معابد الرهبان وكنائس النصارى.
{وصلوات}: معابد اليهود، باللغة العبرية مفردها صلوثا.
{ومساجد}: أي بيوت الصلاة للمسلمين.
{من ينصره}: أي ينصر دينه وعباده المؤمنين.
{قوي عزيز}: قادر على ما يريد عزيز لا يمانع فيما يريد.
{إن مكناهم في الأرض}: أي نصرناهم على عدوهم ومكنا لهم في البلاد بأن جعلنا السلطة بأيديهم.
{ولله عاقبة الأمور}: أي آخر أمور الخلق مردها إلى الله تعالى الذي يثيب ويُعاقب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم. وقوله: {إن الله لا يجب كل خوَّان كفور} تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول الله والمؤمنين وبما جاء به، ولما كان لا يحبهم فهو عليهم، وليس لهم، ومقابلة أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع لربه، ومن أحبَّهُ دافع عنه وحماه من أعدائه.
وقوله تعالى: {أُذن للذين يقاتلون} باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول وهما قراءاتان أي قاتلهم المشركون هؤلاء أذِ الله تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعدما كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم، وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالإِذن فيه للمؤمنين، وقوله: {وإن الله على نصرهم لقدير} طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو القدير على ذلك وقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} أي بدون موجب إخراجهم اللهم إلا قولهم: ربنا الله وهذا حق وليس بموجب لإِخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم وبلادهم هذه الجملة بيان لمقتضى الإذن لهم بالقتال، ونصرة الله تعالى لهم. وقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لولا هذا لتغلب أهل الباطل و{لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} وهذا تعليل أيضاً وبيان لحكمة الأمر بالقتال أي لولا أن الله تعالى يدفع بأهل الإيمان أهل الكفر لتغلب أهل الكفر وهدموا المعابد ولم يسمحوا للمؤمنين أن يعبدوا الله- وفي شرح الكلمات بيان للمعابد المذكورة فليرجع اليها.
وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي} أي قدير {عزيز} غالب فمن أراد نصرته نَصَرهُ ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، والذي يريد الله نصرته هو الذي يقاتل من أجل الله بأن يُعبد في الأرض ولا يُعبد معه سواه فذلك وجه نصر الله فليعلم وقوله: {الذين إن مكناهم} أي وطأنا لهم في الأرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلاة على الوجه الملطوب منهم، وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم، وأمروا بالمعروف أي بالإسلام والدخول فيها وإقامته، ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصي الله ورسوله هؤلاء الأحقون بنصر الله تعالى لهم لأنهم يقاتلون لنصرة الله عز وجل، وقوله تعالى: {ولله عاقبة الأمور} يخبر تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح ويعاقب على العمل الفاسد، وذلك يوم القيامة، وعليه فليراقب الله وليُتق في السر والعلن وليُتوكل عليه، وليُنب إليه، فإن مرد كل أمر إليه.

.من هداية الآيات:

1- وعد الله الصادق بالدفاع عن المؤمنين الصادقين في إيمانهم.
2- كره الله تعالى لأهل الكفر والخيانة.
3- مشروعية القتال لإعلاء كلمة الله بأن يعبد وحده ولا يضطهد أولياؤه.
4- بيان سر الإذن بالجهاد ونصرة الله لأوليائه الذين يقاتلون من أجله.
5- بيان أسس الدولة التي ورثَ الله أهلها البلاد وملكهم فيها وهي:
إقام الصلاة- إتياء الزكاة- الأمر بالمعروف- النهي عن المنكر.

.تفسير الآيات (42- 46):

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

.شرح الكلمات:

{وإن يكذبوك}: أي إن يكذبك قومك فقد كذبت قبلهم قوم نوح إذاً فلا تأس إذا لست وحدك المكذب.
{وأصحاب مدين}: هم قوم شعيب لعيه السلام.
{وكذب موسى}: أي كذبة فرعون وآله الأقباط.
{فأمليت للكافرين}: أي أملهتهم فلم أُعجل العقوبة لهم.
{ثم أخذتهم}: أي بالعذاب المستأصل لهم.
{فكيف كان نكير}: أي كيف كان إنكاري عليهم تكذيبهم وكفرهم أكان واقعاً موقعه؟ نعم إذ الإستفهام للتقرير.
{فهي خاوية على عروشها}: أي ساقطة على سقوفها.
{بئر معطلة}: أي متروكة لا يستخر منها ماء لموت أهلها.
{وقصر مشيد}: مرتفع مجصص بالجص.
{فإنها لا تعمى}: أي فانها أي القصة لا تعمى الأبصار فإن الخلل ليس في {الأبصار}: أبصارهم ولكن في قلوبهم حيث أعماها الهوى وأفسدتها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضلال.

.معنى الآيات:

مازال السياق الكريم في دعوة قريش إلى الإيمان والتوحيد وإن تخللته إرشادات للمؤمنين فإنه لما أَذِن للمؤمنين بقتال المشركين بين مقتضيات هذا الإذن وضمن النصرة لهم وأعلم أن عاقبة الأمور إليه لا إلى غيره وسوف يقضي بالحق والعدل بين عباده يوم يلقونه. قال لرسوله صلى الله عيله وسلم مسلياً عن تكذيب المشركين له: {وإن يكذبوك} أيها الرسول فيما جئت به نم التويحد والرسالة والبعث والجزاء يوم القيامة فلا تأس ولا تحزن {فقد كذبت قبلهم} أي قبل مُكذِّبيك من قريش والعرب واليهود {قوم نوح وعاد} قوم هود {وثمود} قوم صالح {وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكُذِّب موسى} أيضاً مع ما آتيناه من الآيات البينات، وكانت سنتي فيهم أني أمليت ألهم أي مددت لهم في الزمن وأرخيت لهم الرسن حتى إذا بلغوا غاية الكفر والعناد والظلم والاستبداد وحقت عليهم كلمة العذاب أخذتهم أخذ العزيز المقتدر {فكيف كان نكير}، أي انكاري عليهم؟ كان وربّك واقعاً موقعه، وليس المذكورون أخذت فقط.. {فكأين من قرية} عظيمة غانية برجالها ومالها وسلطانها {أهلكناها وهي ظالمة} أي ضالغة في الظلم أي الشرك والتكذيب {فهي خاوية على عروشها} أي ساقطة على سقوفها، وكم من بئر ماء عذب كانت سقيا لهم في الآن معطلة، وكم من قصر مشيد أي رفيع مشيد بِالجص إذ مات أهله وتركوه هذا ما تضمنته الآيات الأربع (42، 43، 44، 45) أما الآية الأخيرة من هذا السياق فالحق عز وجل يقول {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} حاثاً المكذبين من كفار قريش ولاعرب على السير في البلاد ليقفوا على آثار الهالكين فلعل ذلك يكسبهم حياة جديدة في تفكيرهم ونظرهم فتكون له قلوب حية واعية يعقلون بها خطابنا إليهم نحن ندعوهم إلى نجاتهم وسعادتهم أو تكون لهم آذان يسمعون بها نداء النصح ولاخير الذي نوجهه إليهم بواسطة كتابنا ورسولنا، وما لهم من عيون مبصرة بدون قلوب واعية وآذان صاغية فإن ذلك غير نافع {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} وهذا حاصل القول ألا فليسيروا لعلهم يسكبون عبراً وعظات تحيي قلوبهم وسائر حواسهم المتبلدة.

.من هدابة الآيات:

1- تكذيب الرسل والدعاة إلى الحق والخير سنة مطردة في البشر لها عواملها من أبرزها التقليد والمحافظة على المنافع المادية، وظلمات القلب النائشة عن الشرك والمعاصي.
2- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك الأمم والشعوب الظالمة بعد الإِمهال والإعذار.
3- مشروعية طلب العبر وتصيدها من ثار الهالكين.
4- العبرة بالبصيرة القلبية لا بالبصر فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي بصر حاد حديد. ومن هنا كان المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة على عبينيه، وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات، والكبر والعجب والحب والبغض في غير الله.

.تفسير الآيات (47- 51):

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}

.شرح الكلمات:

{يستعجلونك بالعذاب}: أي يطالبونك مستعجلينك بما حذّرتهم منه من عذاب الله.
{كألف سنة مما تعدون}: أي من أيام الدنيا ذات الأرشع والعشرين ساعة.
{وكأين من قرية}: أي وكثير من القرى أي العواصم والحواضر الجاخعة لكل أسباب الحضارة.
{أمليت لها}: أي أملهتها فمدَّدت أيام حياتها ولم استعجلها بالعذاب.
{نذير مبين}: منذر أي مخوِّف عاقبة الكفر والظلم بيَّنُ النذارة.
{لهم مغفرة ورزق كريم}: أي ستر لذنوبهم ورزق حسن في الجنة.
{سمعوا في آياتنا معاجزين}: أي عملوا بجد واجتهاد في شأن إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا وما تحمله من دعوة إلى التوحيد وترك الشرك والمعاصي.

.معنى الآيات:

مازال السياق الكريم في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه في دعوته إلى الصبر والتحمل فيقول له: {ويستعجلونك بالعذاب} أي يستعجلك المشركون من قومك بالعذاب الذي خوفتهم به وحذرتهم منه، {ولن يخلف الله وعده} وقد وعدهم فهو واقع بهم لابد وقد تم ذلك في بدر وقوله تعالى: {وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} فلذا تعالى لا يستعجل وهم يستعجلون فيوم الله بألف سنة، وأيامهم بأربع وعشرين ساعة فإذا حدد تعالى لعذابهم يوماً معناه أن العذاب لا ينزل بهم إلا بعد ألف سنة، ونصف يوم بخمسمائة سنة، وربع يوم بمائتين وخمسين سنة وهكذا فلذا يستعجل الإنسان ويستبطئ، والله عز وجل ينجز وعده يف الوقت الذي حدده فلا يستخفه استعجال المجرمين العذاب ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب} من سورة العنكبوت هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47) وقوله تعالى: {وكأين من قرية} أي مدينة كبرى {أمليت لها} أي أملهتها وزدت لها في أيام بقائها والحال أنها ظالمة بالشرك والمعاصي ثم بعد ذلك الإملاء والإِمهال وأخذتها {وإليّ المصير} أي مصير كل شيء ومرده إلي فلا إله غيري ولا رب سواي فلا معنى لإِستعجال هؤلاء المشركين العذاب فإنهم عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا فإن مصيرهم إلى الله تعالى وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون الجزاء العادل في دار الشقاء والعذاب الأبدي وقوله تعالى: {قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين}، فلست بإله ولا رب بيدي عذابكم إن عصيتموني وإنعامكم إن أطعتموني، وإنما أنا عبد مأمور بأن أنذر عصاة الرب بعذابه، وابشر أهل طاعته برحمته، وهو معنى الآية: (50) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازِمه أنهم تركوا الشرك والمعاصي لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم عند ربهم وهو الجنة دار النعيم {والذين سعوا ي آياتنا معاجزين} أي عملوا جادين مسرعين في صرف الناس عن آيات الله حتى لا يؤمنوا بها ويعملوا بما فيها من هدى ونور معاجزين لله يظنون أنهم يعجزونه والله غالب على أمره ناصر دينه وأوليائه، أولئك البعداء في الشر والشرك أصحاب الجحيم الملازمون لها أبد الآبدين.

.من هداية الآيات:

1- العجلة من طبع الإِنسان ولكن استعجال الله ورسوله بالعذاب حمق وطيش وضلال وكفر.
2- ما عند الله في الملكوت الأعلى يختلف تماماً عما في هذا الملكوت السفلي.
3- عاقبة الظلم وخيمة وفي الخبر الظلم يترك الديار بلاقع أي خراباً خالية.
4- بيان مهمة الرسل وهي البلاغ مع الإِنذار والتبشير ليس غير.
5- بيان مصير المؤمنين والكافرين يوم القيامة.

.تفسير الآيات (52- 57):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}

.شرح الكلمات:

{من رسول ولا نبي}: ألرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلاغه والنبي مقرر لشرع من قبله.
{تمنى في أمنيته}: أي قرأ في أمنيته، أي في قراءته.
{ثم يًحكم الله آياته}: أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم الله آياته أي يثبتها.
{فتنة الذين في قلوبهم مرض}: أي اختباراً للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك.
{والقاسية قلوبهم}: هم المشركون.
{فتخبت له قلوبهم}: أي تتطامن وتخشع له قلوبهم.
{في مرية منه}: أي في شك منه وريب من القرآن.
{عذاب يوم عقيم}: هو عذاب يوم بدر إذ كان يوماً عقيماً لا خير فيه.
{في جنات النعيم}: أي جنات ذات نعيم لا يبلغ الوصف مداه.
{فلهم عذاب مهين}: أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني.

.معنى الآيات:

بعد التسلية الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنها قوله تعالى: {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح...} إلخ ذكر تعالى تسلية ثانية وهي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ حول الكعبة في صلاته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية: «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهم لترتجى» ففرج المشركون بما سمعوا ظناً منهم أن يقدر على السجود فأخذ حيثة من تراب وسجد عليها وشاع أن محمداً قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من الحبشة فكرب لذلك رسول الله وحزن فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له فقال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول} ذي رسالة يبلغها ولا نبيّ مقرر لرسالة نبي قلبه {إلا إذا تمنى} أي قرأ {ألقى للشيطان في أمنيته} أي في قراءته {فينسخ الله} أي يزيل ويبطل {ما يلقي الشيطان} من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه {ثم يُحكم الله آياته} بعد إزالة ما قاله الشيطان فيثبتها فلا تقبل زيادة ولا نقصانا، والله عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم لا يخفى عليه شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه، فلا تأس يا رسول الله ولا تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقالك: {ليجعل ما يلقى للشياطين} أي من كلمات في قراءة النبي أو الرسول {فتنة للذين في قلوبهم مرض} الشك والنفاق {والقاسية قلوبهم} وهم المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضلالاً على ضلالهم وبُعداً عن الحق فوق بعدهم إذ ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إلا للفتنة أي زيادة في الكفر والضلال. وقوله تعالى: {وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلاف لله ورسوله، بعيدون فميا يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه، وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر تعالى به ويدعوهم إليه من الاعتقاد والقول والعمل والتصور والإدراك.
وقوله تعالى: {وليعلم الذين أُوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} هذا جزء العلة التي تضمنتها سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الأول تضمنه قوله تعالى: {ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} وهذا هو الجزء الثاني أي {وليعلم الذين أوتوا العلم} بالله وآياته وتدبيره {أنه الحق من ربك} أي ذلك الإلقاء والنسخ وإحكام الآيات بعده {فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى. وقوله تعالى: {وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هعاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي بهم إلى رضاه وجنته، وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} أي من القرآن هل هو كلام الله هل هو حق هل اتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي فجأة وهي القيامة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} أي لا خير فيه لهم وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث لا ينفع العلم.
وقوله تعالى: {الملك يومئذ لله} أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك لله وحده فلا يملك معه أحد فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الآية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والعاصي يدخلهم جنات النعيم، والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به، وكذبوا بآيات الله المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهون السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لأنفسهم.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة.
2- بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها، ويخرج منها المؤمنون أكثر يقيناً وأعظم هدًى.
3- بيان حكم الله تعالى بين عباده يوم القيامة بإكرام أهل الإيمان والتقوى وإهانة أهل الشرك والمعاصي.
4- ظهور مصداق ما أخبر به تعالى عن مجرمي قريش فقد استمروا على ريبهم حتى هلكوا في بدر.

.تفسير الآيات (58- 62):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}

.شرح الكلمات:

{والذين هاجروا}: أي هجروا ديار الكفر وذهبوا إلى دار الإيمان المدينة المنورة.
{في سبيل الله}: أي هجروا ديارهم لا لدنيا ولكن ليعبدوا الله وينصروا دينه وأولياءه.
{ليرزقهم رزقاً حسناً}: أي في الجنة إذ أرواحهم ي حواصل طير خضر ترعى في الجنة.
{ليدخلنهم مدخلا يرضونه}: أي الجنة يوم القيامة.
{ذلك}: أي الأمر ذلك المذكور فاذكروه ولا تنسوه.
{ثم بغى عليه}: أي ظُلم بعد أن عاقب عدوه بمثل ما ظلم به.
{يولج الليل في النهار}: أي يدخل جزءاً من الليل في النهار والعكس بحسب فصول السنة كما أنه يومياً يدخل الليل في النهار إذا جاء النهار ويدخل النهار في الليل إذا جاء الليل.
{بأن الله هو الحق}: أي الإله الحق الذي تجب عبادته دون سواه.
{من دونه}: أي من أصنام وأوثان وغيرها هو الباطل بعينه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في بيان حكم الله تعالى بين عباده فذكر تعالى ما حكم به لأهل الإيمان والعمل الصالح وما حكم به لأهل الكفر والتكذيب، وذكر هنا ما حكم به لأهل الهجرة والجهاد فقال عز وجل: {والذين هاجروا في سبيل الله} أي خرجوا من ديارهم لأجل طاعة الله ونصرة دينه {ثم قتلوا} من قِبلِ أعداء الله المشركين {أو ماتوا} حتف أنوفهم بدون قتل {ليرزقنهم الله رزقاً حسناً} في الجنة إذا أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش {ليدخلنهم} يوم القيامة {مدخلاً يرضونه} وهو الجنة، وقوله تعالى: {وإن الله لهو خير الرازقين} أي لخير من يرزق فما رزقهم به هو خير زرق وأطيبه وأوسعه. وقوله: {وإن الله لعليم حليم} عليم بعباده وبأعمالهم الظاهرة والباطنة حليم يعفو ويصفح عن بعض زلات عباده المؤمنين فيغفرها ويسترها عليهم إذ لا يخلو العبد من ذنب الا من عصمهم الله من أنبيائه ورسله.
وقوله تعالى: {ذلك ومن عاقب} أي الأمر ذلك الذي بينت لكم، {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} أي ومن أخذ من ظالمه بقدرما أخذ منه قصاصاً، ثم المعاقب ظلم بعد ذلك من عاقبة فإن المظلوم أولاَ وآخراً تعهد الله تعالى بنصره، وقوله: {إن الله لعفو غفور} فيه إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظلمه فإن العفو خير من المعاقبة وهذا كقوله تعالى: {وجزاء سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلهم} وقوله: {ذلك بأن الله يولج الليل والنهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير} أي أن القادر على ادخال الليل في النهار والنهار في الليل بحيث إذ جاء أحدهما غاب الآخر، وإذا قصر أحدهما طال الآخر والسميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم قادر على نصرة من بُغي عليه من أوليائه، وقوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} أي المعبود الحق المستحق للعبادة، وإن ما يدعون من دونه من أصنام وأوثان هو الباطل أي ذلك المذكور من قدرة الله وعلمه ونصرة أوليائه كان لأن الله هو الإِله الحق وأن ما يعبدون من دونه من آلهة هو الباطل، وأن الله هو العلى على خلقه القاهر لهم عليهم الكبير العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.

.من هداية الآيات:

1- بيان فضل الهجرة في سبيل الله حتى إنها تعدل الجهاد في سبيل الله.
2- جواز المعاقبة بشرط المماثلة، والعفو أولى من المعاقبة.
3- بيان مظاهر الربوبية من العلم والقدرة الموجبة لعبادة الله تعالى وحده وبطلان عبادة غيره.
4- إثبات صفات الله تعالى: العلم والحلم والمغفرة والسمع والبصر والعفو والعلو على الخلق والعظمة الموجبة لعبادته وترك عباده من سواه.