فصل: تفسير الآيات (53- 57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (35- 38):

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}

.شرح الكلمات:

{ثم بدا لهم}: أي ظهر لهم.
{الآيات}: أي الدلائل على براءة يوسف.
{أعصر خمرا}: أي أعصر عنباً ليكون خمرا.
{واتبعت ملة}: أي دين.
{ما كان لنا}: أي ما انبغى لنا ولا صح منّا.
{أن نشرك بالله من شيء}: أي أن أشرك بالله شيئا من الشرك وإن قل ولا من الشركاء وإن عظموا أو حقروا.
{ذلك من فضل الله علينا}: أي ذلك التوحيد والدين الحق.
{وعلى الناس}: إذ جاءتهم الرسل به ولكنهم ما شكروا فلم يتبعوا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن يوسف عليه السلام وما حدث له بعد ظهور براءتة من تهمة امرأة العزيز قال تعالى: {ثم بدا لهم نم بعد ما رأوا الآية ليسجننه حتى حين} أي ثم ظهر للعزيز ومن معه من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف وذلك كقدّ القميص من دُبر ونطق الطفل وحكمه في القضية بقوله: {إن كان قميصه} الخ وهي أدلة كافية في براءة يوسف إلا أنهم رأوا سجنه إلى حين ما، أي ريثما تسكن النفوس وتنسى الحادثة ولم يبق لها ذكر بين الناس. وقوله تعالى: {ودخل معه السجن فتيان} أي فقرروا سجنه وادخلوه لاسجن ودخل معه فتيان أي خادمان كانا يخدمان ملك البلاد بتهمة وجهت إليهما. وقوله تعالى: {قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} وكان هذا الطلب منهما بعد أن أعجبا بسلوكه مع أهل السجن وحسن معاملته وسألاه عن معارفه فأجابهم بأنه يعرف تعبير الرؤيا فعندئذ قالا هيا نجربه فندعي أنا رأينا كذا وكذا وسألاه فأجابهما بما أخبر تعالى به في هذه الآيات: {قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} ولالفظ محتمل لما يأتيهما في المنام أو اليقظة وهو لما علمه الله تعالى يخبرها به قبل وصوله إليهما وبما يؤول إليه، وعلل لهما مبيّناً سبب علمه هذا بقوله: {ذلكما مما علّمني ربّي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون} وهم الكنعانيون والمصريون إذ كانوا مشركين يعبدون الشمس ويعقوب، ثم واصل حديثه معهما دعوة لهما إلى الإِيمان بالله والدخول في الإِسلام فقال: {ما كان لنا} أي ما ينبغي لنا أن نشرك بالله من شيء فنؤمن به ونَعْبُدُه معه، ثم أخبرهما أن هذا لم يكن باجتهاد منهم ولا باحتيال، وإنما هو من فضل الله تعالى عليهم، فقال ذلك من فضل الله علينا، وعلى الناس إذ خلقهم ورزقهم وكلأهم ودعاهم إلى الهدى وبيذنه لهم ولكن أكثر الناس لا يشركون فيهم لا يؤمنون ولا يعبدون.

.من هداية الآيات:

1- دخل يوسف السجن بداية أحداث ظاهرها محرق وباطنها مشرق.
2- دخول السجن ليس دائما دليلا على أنه بيت المجرمين والمنحرفين إذ دخله صفيٌ لله تعالى يوسف عليه السلام.
3- تعبير الرؤى تابع لصفاء الروح وقوة الفراسة وهي في يوسف علم لدني خاص.
4- استغلال المناسبات للدعوة إلى الله تعالى كما استغلها يوسف عليه السلام.
5- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
6- اطلاق لفظ الآباء على الجدود إذ كل واحد هو أب لمن بعده.

.تفسير الآيات (39- 42):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}

.شرح الكلمات:

{يا صاحبي السجن}: أي يا صاحبي في السجن وهما الفتيان صاحب طعام الملك وصاحب شرابه.
{أأرباب متفرقون}: أي آلهة متفرقون هنا وهناك أي في ذواتهم وصفاتهم وأماكنهم.
{من دونه}: أي من دون الله سبحانه وتعالى.
{إلا أسماء}: أي مجرد اسم إله، وإلا في الحقيقة هو ليس بإِله إنما هو صنم.
{ما أنزل الله بها من سلطان}: أي لم يأمر الله تعالى بعبادتها بأي نوع من أنواع العبادة.
{فيسقي ربه خمرا}: أي يسقي سيده الذي هو ملك البلاد شراب الخمر.
{فيصلب}: يقتل مصلوباً على خشبة كما هي عادة القتل عندهم.
{قضي الأمر}: أي فرغ منه وبتّ فيه.
{ظن انه ناج منهما}: أي أيقن إنه محكوم ببراءته.
{أذكرني عند ربك}: أي أذكرني عند الملك بأني مسجون ظلما بدون جريمة.
{فأنساه الشيطان ذكر ربه}: أي أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه تعالى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وهو في السجن لقد سبق أن استعبر الفتيان يوسف رؤياهما أي طلبا منه أن يعبرها لما علما منه أنه يعبر الرؤى غير أن يوسف استغل الفرصة وأخذ يحدثهما عن أسباب علمه بتعبير الرؤى وأنه تركه لملّة الكفر وإيمانه بالله تعالى وحده وأنه في ذلك متّبع ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وانه لا ينبغي لهم أن يشركوا بالله وفي هذا تعريض بما عليه أهل السجن من الشرك بالله تعالى بعبادة الأصنام، وواصل حديثه داعياً إلى الله تعالى فقال ما أخبر به تعالى في هذا السياق {يا صاحبي السجن آرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} فخاطب صاحبيه يا صاحبي السجن أخبراني واصدقاني: آرباب أي آلهة متفرقون هنا وهناك، هذا صنم وهذا كوكب، وهذا إنسان، وهذا حيوان، وهذا لونه كذا وهذا لونه كذا خير أم الله الواحد في ذاته وصفاته القهار لكل ما عداه من عداه من سائر المخلوقات، ولم يكن لهم من جواب سوى {الله الواحد القهار} إن العقل يقضي بهذا. ثم خاطب أهل السجن كافة فقال: {ما تعبدون من دونه} أي من دون الله الواحد القهار {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} إنها مجرد أسماء لا غير إذ كونكم تطلقون لفظ إله أو رب على صنم أو كوكب مرسوم لهصورة لا يكون بذلك ربّاً وإلهاً إن الرب هو الخالق الرازق المدبر أما المخلوق المرزوق الذي لا يملك نفعا ولا ضراً لنفسه فضلا غن غيره فإِطلاق الربّ والإِله عليه كذب وزور، إنّها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان حجة ولا برهاناً فتعبد لذلك بحكم أن الله أمر بعبادتها. ثم قال لهم {إن الحكم إلا الله} أي ما الحكم إلا الله، وقد حكم بأن لا يعبد إلا هو، إذاً فكل عبادة لغيره هي باطلة يجب تركها والتخلي عنها، ذلك الدين القيم أخبرهم أن عبادة الله وحده وترك عبادة غيره هي الدين القويم والصراط المستقيم إلا أن أكثر الناس لا يعلمون فجهلهم بمعرفة ربهم الحق الذي خلقهم ورزقهم ويدبر حياتهم وإليه مرجعهم هو الذي جعلهم يعبدون ما ينحتون ويؤلهون ما يصنعون.
ولما فرغ من دعوته إلى ربّه التفت إلى من طلبا منه تعبير رؤياهما فقال: ما أخبر تعالى به عنه {يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربّه خمرا} أي سيطلق سراحه ويعود إلى عمله عند الملك فيسقيه الخمر كما كان يسقيه من قبل، وأما الآخر وهو طباخ الملك المتهم بأنه أراد أن يضع في طعام الملك السم ليقتله، فيصلب فتأكل الطير من رأسه بعد صلبه. وهنا قالا: إننا لم نر شيئا وإنما سألناك لنجربك لا غير فرد عليهما قائلا {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} أي فرغ منه وبُت فيه رأيتما أم لم تريا. ثم قال للذي ظن أنّه ناج منهما ما أخبر تعالى به عنه {اذكرني عند ربك} أي عند سيدك وكانوا يطلقون على السيد المالك لفظ الربّ. فأنساه الشيطان ذكر ربّه أي أنسى الشيطان يوسف عليه السلام ذكر ربّه تعالى حيث التفت بقلبه إلى الخادم والملك ونسى الله تعالى فعاقبه ربّه الحق فلبث في السجن بضع سنين أي سبع سنوات عداً،

.من هداية الآيات:

1- وجوب اغتنام الفرص للدعوة إلى الله تعالى.
2- تقرير التوحيد عن طريق أحاديث السابقين.
3- لا حكم في شيء إلا بحكم الله تعالى فالحق ما أحقه الله والباطل ما أبطله والدين ما شرعه.
4- مشروعية الاستفتاء في كل مشكل من الأمور.
5- غفلة يوسف عليه السلام بإِقباله على الفتى وقوله له اذكرني عند ربك ناسياً مولاه الحق ووليه الذي أنجاه من القتل وغيابة الجب، وفتنة النساء جعلته يحبس في السجن سبع سنين.

.تفسير الآيات (43- 46):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}

.شرح الكلمات:

{الملك}: ملك مصر الذي العزيز وزير من وزرائه واسمه الريان بن الوليد.
{سبع عجاف}: هزال غير سمان.
{يا أيها الملأ}: أيها الأشراف والأعيان من رجال الدولة.
{أفتوني في رؤياي}: أي عبروها لي.
{أضغاث أحلام}: أي أخلاط أحلام كاذبة لا تعبير لها إلا ذاك.
{وادّكر بعد امة}: أي وتذكر بعد حين من الزمن أي قرابة سبع سنين.
{يوسف أيها الصديق}: أي يا سوسف أيها الصديق أي يا كثير الصدق علم ذلك منه في السجن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وهو في محنته إنه لما قارب الفرج أوانه رأى ملك مصر رؤيا أهالته وطلب من رجال دولته تعبيرها، وهو ما أخبر تعالى به في هذه الآيات إذ قال عز وجل: {وقال الملك أي ملك البلاد أني أرى أي في منامي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف} أي مهازيل في غاية الهزال. {وسبع سنبلات خضر وأخر} أي سنبلات {يابسات}. ثم واجه رجال العلم والدولة حوله وقد جمعهم لذلك فقال: {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} أي تؤولون. فأجابوه بما أخبر تعالى عنهم بقوله: {قالوا أضغاث أحلام} أي رؤياك هذه هي من أضغاث الأحلام التي لا تعبر، إذ قالوا {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} والمراد من الأضغاث الأخلاط وفي الحديث الصحيح: «الرؤيا من الرحمن والحلم من الشيطان» وقوله تعالى: {وقال الذي نجا منهما} أي من صاحبي السجن، {وادّكر بعد أمة} أي وتذكر ما أوصاه به يوسف وهو يودعه عند باب السجن إذ قال له {اذكرني عند ربك} بعد حين من الزمن قرابة سبع سنوات. قال ما أخبر تعالى به عنه {أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} أي إلى يوسف في السجن فإِنه أحسن من يعبر الرؤى فأرسوله فدخل عليه وقال ما أخبر به تعالى عنه في قوله: {يوسف} أي يا يوسف {أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} وقوله: {لعلي أرجع إلى الناس} أي الملك ورجاله {لعلهم يعلمون} أي ما تعبرها به أنت فينتفعون بذلك.

.من هداية الآيات:

1- جواز الرؤيا الصالحة يراها الكافر والفاسق.
2- الرؤى نوعان حلم من الشيطان، ورؤيا من الرحمن.
3- النسيان من صفات البشر.
4- جواز وصف الإِنسان بما فيه من غير إطراء كقوله أيها الصديق.
5- لعل تكون بمعنى كي التعليلية.

.تفسير الآيات (47- 49):

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}

.شرح الكلمات:

{دأبا}: أي متتابعة على عادتكم.
{فذروه في سنبله}: أي اتركوه في سنبله لا تدرسوه.
{سبع شداد}: أي صعاب قاسية لما فيها من الجدب.
{بما تحصنون}: أي تحفظونه وتدخرونه للبذر والحاجة.
{يغاث الناس}: أي يُغيثهم ربهم بالأمطار وجريان النيل.
{وفيه يعصرون}: أي ما من شأنه أن يعصر كالزيتون والعنب وقصب السكر.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قال تزرعون} إلى آخره هو جواب يوسف للذي استفتاه أي طلب منه تعبير رؤيا الملك قال له في بيان تأويل الرؤيا تزرعون بمعنى ارزعوا سبع سنين دأبا أي متتالية كعادتكم في الزرع كل سنة وهي تأويل السبع البقرات السمان، فما تحصدتم من رزوع فذروه في سنبله أي اتركوه بدون درس حتى لا يفسد إلا قليلا مما تأكلون أي فادرسوه لذلك. ثم يأتي بعد ذلك أي من بعد المخصبات سبع شداد أي مجدبات صعاب وهي تأويل السبع البقرات العجاف يأكلن ما قدمتم لهن ما قدمتم لهن أي من الحبوب التي احتفظتم بها من السبع المخصبات يريد تأكلونه فيهن إلا قليلا مما تحصنون أي تدخرونه للبذور ونحوه. ثم يأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون أي يأتي من بعد السبع النسين المجدبات عام فيه يغاث الناس بالمطر وفيه يعصرون العنب والزيت وكل ما يعصر لوجود الخصب فيه. وقوله ثم يأتي من بعذ ذلك عام إلخ. هذا لم تدل عليه الرؤيا وإنما هو مما علّمه الله تعالى يوسف فأفادهم به من غير ما سألوه ذلك إحساناً ذلك إحساناً منه ولحكمة عالية أرادها الله تعالى. وهو الحكيم العليم.

.من هداية الآيات:

1- أرض مصر أرض فلاحة وزراعة من عهدها الأول.
2- الاحتفاظ بالفائض في الصوامع وغيرها مبدأ اقتصادي هام ومفيد.
3- كمال يوسف في حسن تعبير الرؤى شيء عظيم.
4- فضل يوسف عليه السلام على أهل مصر حيث أفادهم بأكثر مما سألوا.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}

.شرح الكلمات:

{وقال الملك ائتوني به}: أي بيوسف.
{فلما جاءه الرسول}: أي مبعوث الملك.
{ارجع إلى ربّك}: أي سيدك.
{ما بال النسوة}: ما حالهن.
{ما خطبكن}: ما شأنكن.
{حاش لله}: أي تنزيهاً لله تعالى عن العجز أن يخلق بشراً عفيفا.
{حصص الحق}: وضح وظهر الحق.

.معنى الآيات:

إن رؤيا كانت تدبيرا من الله تعالى لإِخراج يوسف من السجن إنه بعد أن رآى الملك الرؤيا وعجز رجاله عن تعبيرها وتذكّر أحد صاحبي السجن وما وصّاه به يوسف، وطلب من الملك أن يرسله إلى يوسف في السجن ليستفتيه في الرؤيا وأرسوله واستفتاه فأفتاه وذهب به إلى الملك فأعجبه التعبير وعرف مدلوله أمر بإِحضار يوسف لإِكرامه لما ظهر له من العلم والكمال وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {وقال الملك ائتوني به} أي يوسف {فلما جاءه الرسول} أي جاء يوسف رسول الملك وهو صاحبه الذي كان معه في السجن ونجا من العقوبة وعاد إلى خدمة الملك فقال له إن الملك يدعوك فقال له عد إليه وأسأله {ما بال النسوة التي قطّعن أيديهن} أي قل له يسأل عن حال النسوة اللائي قطعن أيديهن والمرأة التي اتهمتني فجمع الملك النسوة وسألهن قائلا ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ فأجبن قائلات حاش لله ما علمنا عليه من سوء أي نُنَزِهُ الله تعالى أن يعجز أن يخلق بشرا عفيفا مثل هذا. ما علمنا عليه من سوء. وهنا قالت امرأة العزيز زليخا ما اخر تعالى به عنها {الآن حصص الحق} أي وضح وبان وظهر {أنا راودته عن نفسه} وليس هو الذي راودني، {وإنه لمن الصادقين} وقوله تعالى: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} هذا إخبار عن يوسف عليه السلام فإِنه قال ذلك أي امتناعي من الخروج من السجن وعدم إجابتي الملك وطلب إليه أن يسأل عن حال النسوة حتى تم الذي تم من براءتي على لسان النسوة عامة، وامرأة العزيز خاصة حيث اعترفت قطعياً ببراءتي وقررت أنها هي التي راودتني عن نفس فأبيت ورفضت فعلت هذا ليعلم زوجها العزيز أني لم أخنه في أهله في غيبته وأن عرضه مصان وشرفه لم يدنس لأنه ربي أحسن مثواي. وإن الله لا يهدي كيد الخائنين فلو كنت خائنا ما هداني لمثل هذا الموقف المشرف والذي أصبحت به مبرأ الساحة سليم العرض طاهر الثوب والساحة.

.من هداية الآيات:

1- فضل العلم وشرفه إذ به رفع الملك يوسف إلى حضرته وهو رفيع.
2- فضيلة الحلم والأناة وعدم التسرع في الأمور.
3- فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.
4- شرف زليخا بإِقرارها بذنبها رفعها مقاما ساميا وأنزلها درجة عالية فقد تصبح بعد قليل زوجة لصفي الله يوسف الصديق بن الصديق زوجة له في الدنيا وزوجة له في الآخرة وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

.تفسير الآيات (53- 57):

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}

.شرح الكلمات:

{لأمارة بالسوء}: أي كثيرة الأمر والسوء هو ما يُسيء إلى النفس البشرية مثل الذنوب.
{إلا ما رحم ربي}: أي إلا من رحمه الله فإِن نفسه لا تأمر بالسوء لطيبها وطهارتها.
{استخلصه لنفسي}: أجعله من خلصائي من أهل مشورتي وأسراري.
{مكين أمين}: أي ذو مكانة تتمكن بها من فعل ما تشاء، أمين مؤتمن على كل شيء عندنا.
{خزائن الأرض}: أي خزائن الدولة في أرض مصر.
{إني حفيظ عليم}: أي أحافظ على ما تسنده إليّ واحفظه، عليم بتدبيره.
{يتبوأ}: أي ينزل ويحل حيث يشاء بعد ما كان في غيابة الجُب وضيف السجن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث على يوسف عليه السلام فقوله تعالى: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} هذا من قول يوسف عليه السلام، إذ قال لما طلب إلى الملك أن يحقق في قضية النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز وتم التحقيق بالإِعلان عن براءة يوسف مما اتهم به قال ذلك، أي فعلت ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وهضماً لنفسه من جهة ومن جهة أخرى فقد همَّ بضرب زليخا كما تقدم، قال: {وما أبرّئ نفسي} وعلل لذلك فقال: {إن النفس} أي البشرية {لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} إلا نفساً رحمها ربي بتوفيقها إلى تزكيتها وتطهيرها بالإِيمان وصالح الأعمال فإنها تصبح نفساً مطمئنة تأمر بالخير وتنهى عن الشر، وقوله: {إن ربي غفور رحيم} ذكر هذه الجمرة تعليلاً لقوله: {وما أبرئ نفسي} فذكر وإن حصل منيّ هم بضرب وهو سوء فإني تبت إلى الله، والله غفور أي يعفو ويصفح فلا يؤاخذ من تاب إليه ويرحمه فإنه رحيم بالمؤمنين من عباده. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) أما الآية الثانية (54) والثالثة (55) فقد تضمنت استدعاء الملك ليوسف وما دار من حديث بينهما إذ قال تعالى: {وقال الملك} الريان بن الوليد {إئتوني به} أي بيوسف بعد أن ظهر له علمه وكماله الروحي {أستخلصه لنفسي} أي أجعله خالصاً لي استشيره في أمري واستعين به على مهام ملكي وجاء يوسف من السجن وجلس إلى الملك وتحدث معه وسأله عن موضوع سني الخصب والجدب فأجابه بما أثلج صدره من التدابير الحكيمة السديدة وهنا قال له ما أَخْبَر تعالى به قال له: {إنَّك اليوم لدين مكين أمين} أي ذو مكانة عندنا تمكنك من التصرف في البلاد كيف تشاء أمين على كل شيء عندنا فأجابه يوسف بما أخبر به تعالى بقوله: {قال اجعلني على خزائن الأرض} أي أرض مصر ومعنى هذا أنه حل محل العزيز الذي قد مات في تلك الأيام.
وعلل لطلبه وزارة المال والاقتصاد بقوله: {إنّي حفيظ عليم} أي حفيظ على ما أتولى تدبيره عليم بكيفية الإِدارة وتدبير الشؤون. وقوله تعالى في الآية الرابعة (56): {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء} أي بمثل هذه الأسباب والتدابير مكنا ليوسف في أرض مصر يتبوأ منها أي ينزل حيث يشاء يتقلب فيها أخذاً وعطاء وإنشاء وتعميراً لأنه أصبح وزيراً مطلق التصرف. وقوله تعالى: {نصيب برحمتنا من نشاء} أي رحمته من عبادنا ولا نضيع أجر المحسنين، وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإِحسان بتوفيتهم أجورهم، ويوسف عليه السلام من شاء الله رحمتهم كما هو من أهل الإِحسان الذين يوفيهم الله تعالى أجورهم في الدنيا والآخرة، وأخبر تعالى أن أجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون، ترغيباً في الإِيمان والتقوى إذ بهما تنال ولاية الله تعالى عز وجل إذ أولياؤه هم المؤمنون والمتقون.

.من هداية الآيات:

1- فضيلة هضم النفس باتهامها بالنقص والتقصير.
2- تحقيق الحكمة القائلة: المرءُ مخبوء تحت لسانه.
3- جواز ذكْرِ المُرشَّح للعمل كحذق الصنعة ونحوه ولا يعد تزكية للنفس.
4- فضيلة الإِحسان في المعتقد والقول والعمل.
5- فضل الإِيمان والتقوى.