فصل: تفسير الآيات (64- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (53- 55):

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}

.شرح الكلمات:

{طوعاً أو كرهاً}: أي وأنتم طائعون أو أنتم مكرهون على الانفاق.
{إنكم كنتم قوماً فاسقين}: الجملة علة لعدم قبول نفقاتهم.
{كسالى}: متثاقلون لعدم إيمانهم في الباطن بفائدة الصلاة.
{فلا تعجبك أموالهم}: أي لا تستحسنوا أيها المسلمون ما عند المنافقين من مال وولد.
{وتزهق أنفسهم}: أي تفيض وتخرج من أجسامهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تعليم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم كيف يرد على المنافقين فقال له قل لهم أيها الرسول {انفقوا} حال كونكم طائعين أو مكرهين {لن يتقبل منكم}، أي أخبرهم أن ما ينفقونه في هذا الخروج إلى تبوك وفي غيره سواء أنفقوه باختيارهم أو كانوا مكرهين عليه لن يتقبله الله منهم لأنهم كانوا قوماً فاسقين بكفرهم بالله وبرسوله وخروجهم عن طاعتهما هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) أما الآية الثانية (54) فقد أخبرتعالى عن الأسباب الرئيسية التي حالت دون قبول نفقاتهم وهي أولاً الكفر بالله وبرسوله، وثانياً اتيانهم الصلاة وهم كسالى كارهون، وثالثاً كراهيتهم الشديدة لما ينفقونه قال تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسارى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (55) فإن الله تعالى ينهى رسوله والمؤمنين عن أن تعجبهم أموالهم وأولادهم مهما بلغت في الكثرة والحسن فيقول {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} أي لا تستحسنوها ولا تخبروهم بذلك. وبين تعالى لرسوله علة اعطائهم ذلك وتكثيره لهم فقال: {إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} ووجه تعذيبه بها في الحياة الحياة الدنيا أن ما ينفقونه من المال في الزكاة والجهاد يشعرون معه بألم لا نظير له لأنه إنفاق يعبرونه ضدهم وليس في صالحهم، إذ لا يريدون نصر الإِسلام ولا ظهوره، وأما أولادهم فالتعذيب بهم هو أنهم يشاهدونهم يدخلون في الإِسلام ويعملون به ولا يستطيعون أن يردوهم عن ذلك، أي ألَمٌ نفسي أكبر من أن يكفر ولد الرجل بدينه ويدين بآخر من شروطه أن يبغض الكافر به ولو كان أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو أقرب قريب؟ وزيادة على هذا يموتون وهم كافرون فينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد، وبهذا سلى الرب تعالى رسوله والمؤمنين بيان علة ما أعطى المنافقين من مال وولد ليعذبهم بذلك لا ليسعدهم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ أن الرياء مبطلة للعمل كالشرك محبط للعمل.
2- إطلاق الفسق على الكفر فكل كافر فاسق على الإِطلاق.
3- حرم التكاسل في الصلاة وأن ذلك من صفات المنافقين.
4- وجوب رضا النفس بما ينفق العبد في سبيل الله زكاة أو غيرها.
5- كراهية استحسان المسلم لِمَا عند أهل الفسق والنفاق من مال ومتاع.

.تفسير الآيات (56- 59):

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}

.شرح الكلمات:

{وما هم منكم}: أي في باطن الأمر لأنهم كافرون ووجوههم وقلوبهم مع الكافرين.
{يفرقون}: أي يخافون خوفاً شديداً منكم.
{ملجأ}: أي مكاناً حصيناً يلجأون إليه.
{أو مغارات}: جمع مغارة وهي الغار في الجبل.
{أو مدخلاً}: أي سرباً في الأرض يستتر فيه الخائف الهارب.
{يجمحون}: يسرعون سرعة تتعذر مقاومتها وإيقافها.
{يلمزك}: أي يعيبك في شأن توزيعها ويطعن فيك.
{إذا هم يسخطون}: أي كافينا الله كل ما يهمنا.
{إلى الله راغبون}: إلى الله وحده راغبون أي طامعون راجون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وإظهار عيوبهم وكشف عوارتهم ليتوب منهم من أكرمه الله بالتوبة فقال تعالى عنهم {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} أي من أهل ملتكم ودينكم، {وما هم منكم} أي في واقع الأمر إذ هم كفار منافقون {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون منكم خوفاً شديداً فلذا يحلفون لكم إنهم منكم لتؤمنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبيان شدة فرقهم منكم وخوفهم من سيوفكم قال تعالى: {لو يجدون ملجأ} أي حصناً {أو مغارات} أي غيراناً في جبال {أو مدخلاً} أي سرباً في الأرض {لولوا} أي أدبروا اليها {وهم يجمحون} أي مسرعين ليتمنعوا منكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى والثانية أما الآية الثالثة والرابعة (58- 59) فقد أخبر تعالى أن من المنافقين من يلمز الرسول الله صلى الله عليه وسلم أي يطعن فيه ويعيبه في شأن قسمة الصادقات وتوزيعها فيتهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعدل في القسمة فقال تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطو منها رضوا} أي عن الرسول وقمسته {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} هذا ما تضمنته الآية (58) وأما الآية الأخيرة (95) فقد أرشدهم الله تعالى إلى ما كان ينبغي أن يكونوا عليه فقال عز وجل: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله}، أي من الصدقات {وقالوا حسبنا الله} أي كافينا الله {سيؤتينا الله من فضله} الواسع العظيم ورسوله بما يقسم علينا ويوزعه بيننا {إنا إلى الله} وحده {راغبون} طامعون راجعون أي لكان خيراً لهم وأدْرَكَ لحاجتهم.

.من هداية الآيات:

1- الأَيمان الكاذب شعار المنافقين وفي الحديث: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان».
2- الجبن والخور والضعف والخوف من لوازم الكفر والنفاق.
3- عيب الصالحين والطعن فيهم ظاهرة دالة على فساد قلوب ونيات من يفعل ذلك.
4- مظاهر الرحمة الإِلهية تتجلى في إرشاد المنافقين إلى أحسن ما يكونوا عليه ليكملوا ويسعدوا في الدارين.
5- لا كافي إلا الله، ووجوب انحصار الرغبة فيه تعالى وحده دون سواه.

.تفسير الآية رقم (60):

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}

.شرح الكلمات:

{الصدقات}: جمع صدقة وهي هنا الزكاة المفروضة في الأموال.
{للفقراء}: جمع فقير وهو من ليس له ما يكفيه من القوت ولا يسأل الناس.
{والمساكين}: جمع مسكين وهو فقير ليس له ما يكفيه ويسأل الناس ويذل نفسه بالسؤال.
{والعاملين عليها}: أي على جمعها وجبابتها وهم الموظفون لها.
{والمؤلفة قلوبهم}: هم أناس يرجى إسلامهم أو بقاؤهم عليه إن كانوا قد أسلموا وهم ذوو شأن وخطر ينفع الله بهم إن أسلموا وحسن إسلامهم.
{وفي الرقاب}: أي في فك الرقاب أي تحريرها من الرق، فيعطى المكاتبون ما يسدون به نجوم أو أقساط كتابتهم.
{وفي سبيل الله}: أي الجهاد لإِعداد العدة وتزويد المجاهدين بما يلزمهم من نفقة.
{وابن سبيل الله}: أي المسافر المنقطع عن بلاده ولو كان غنياً ببلاده.
{فريضة من الله}: أي فرضها الله تعالى فريضة على عباده المؤمنين.

.معنى الآية الكريمة:

بمناسبة لمز المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن في قسمته الصدقات بين تعالى في هذه الآية الكريمة أهل الصدقات المختصين بها. والمراد بالصدقات الزكوات وصدقة التطوع فقال عز وجل: {إنما الصدقات} محصورة في الأصناف الثمانية التي تذكر وهم:
(1) الفقراء وهم المؤمنون الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية من طعام وشراب وكساء ومأوى.
(2) المساكين وهم الفقراء الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم ولم يتعففوا فكانوا يسألون الناس ويظهرون المسكنة لهم والحاجة.
(3) الموظفين فيها من سعاة جباة وأمناء وكتاب وموزعين يعطون على عملهم فيها أجرة أمثالهم في العمل الحكومي.
(4) المؤلفة قلوبهم وهم من يرجى نفعهم للإِسلام والمسلمين لمناصبهم وشوكتهم في أقوامهم، فيعطون من الزكاة تأليفاً أي جمعاً لقلوبهم على الإِسلام ومحبته ونصرته ونصرة أهله، وقد يكون أحدهم لم يسلم بعد فيعطى ترغيباً له في الإِسلام، وقد يكون مسلماً لكنه ضعيف الإِسلام فيعطى تثبيتاً وتقوية على الإِسلام.
(5) في الرقاب وهو مساعدة المكاتبين على تسديد أقساطهم ليتحرروا أما شراء عبد بالزكاة وتحريره فلا يجوز لأنه يعود بالنفع على دافع الزكاة لأن ولاء المعتوق له.
(6) الغارمين جمع غارم وهو من ترتبت عليه ديون بسبب ما أنفقه في طاعة الله تعالى على نفسه وعائلته، ولم يكن لديه مال لا نقد ولا عرض يسدد به ديونه.
(7) في سبيلالله وهو تجهيز الغزاة والإِنفاق عليهم تسليحاً وإركاباً وطعاماً ولباساً.
(8) ابن السبيل وهم المسافرون ينزلون ببلد وتنتهي نفقتهم فيحتاجون فيعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء ببلادهم.
وقوله تعالى: {فريضة من الله} أي هذه الصدقات وقسمتها على هذا النحو جعله الله تعالى فريضة لازمة على عباده المؤمنين. وقوله: {والله عليم} أي بخلقه وأحوالهم {حكيم} في شرعه وقسمته، فلذا لا يجوز أبداً مخالفة هذه القسمة فلا يدخل أحد فيعطى من الزكاة وهو غير مذكور في هذه الآية وليس شرطاً أن يعطى كل الأصناف فقد يعطى المرء زكاته كلها في الجهاد أو في الفقراء والمساكين، أو في الغارمين أو المكاتبين وتجزئة وإن كان الأولى أن يقسمها بين الأصناف المذكورة من وجد منها، إذ قد لا توجد كلها في وقت واحد.

.من هداية الآية:

1- تقرير فرضية الزكاة.
2- بيان مصارف الزكاة.
3- وجوب التسليم لله تعالى في قسمته بعدم محاولة الخروج عنها.
4- إثبات صفات الله تعالى وهي هنا: العلم والحكمة، ومتى كان الله تعالى عليماً بخلقه.
وحاجاتهم حكيماً في تصرفه وشرعه وجب التسليم لأمره والخضوع له بالطاعة والانقياد.

.تفسير الآيات (61- 63):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}

.شرح الكلمات:

{يؤذون النبي}: أي الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، والأذى المكروه يصيب الإِنسان كثيراً أو يسيراً.
{هو أذن}: أي يسمع من كل من يقول له ويحدثه وهذا من الأذى.
{قل أذن خير لكم}: أي هو يسمع من كل من يقول له لا يتكبر ولكن لا يقر إلا الحق ولا يقبل إلا الخير والمعروف فهو أُذن خيرٍ لكم لا أُذن شر مثلكم أيها المنافقون.
{ويؤمن للمؤمنين}: أي يصدق المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار أما غيرهم فإنه وإن يسمع منهم لا يصدقهم لأنهم كذبة فجرة.
{والله}: أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
{من يُحادد الله ورسوله}: أي يعاديهما، ويقف دائماً في حدّ وهما في حد فلا ولاء ولا موالاة أي لا محبة ولا نصرة.

.معنى الآيات:

ما زال السيقا الكريم في هتك أستار المنافقين وبيان فضائحهم قال تعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبي} أي من المنافقين أفراد يؤذو النبي بالطعن فيه وعيبه بما هو براء منه، ويبين تعالى بعض ذلك الأذى فقال: {ويقولون هو أذن} أي يسمع كل ما يقال له، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقر سماع الباطل أو الشر أو الفساد، وإنما يسمع ما كان خيراً ولو من منافق يكذب ويحسن القول. وأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: {قل أذن خير لكم} يسمع ما فيه خير لكم، ولا يسمع ما هو شر لكم. إنه لما كان لا يواجههم بسوء صنيعهم. وقبح أعمالهم حمله هذا الجميل والإِحسان على أن قالوا: {هو أذن} طعناً فيه صلى الله عليه وسلم وعيباً له. وقوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} هذا من جملة ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول للمنافقين رداً على باطلهم. أنه صلى الله عليه وسلم يؤمن بالله رباً وإلهاً، {ويؤمن للمؤمنين} أي بصدقهم فيما يقولون وهذا من خيريّته صلى الله عليه وسلم وقوله: {ورحمة للذين آمنوا منكم} أيضاً من خيريّته فهو صلى الله عليه وسلم رحمة لمن آمن به واتبع النور الذي جاء به فكمل عليه وسعد به في حياتيه. وقوله تعالى: {والذين يؤذون رسول الله} أي بأي نوع من الأذى قل أو كثر توعدهم الله تعالى بقوله: {لهم عذاب أليم} وهو لا محالة نازل بهم وهم ذائقوه حتماً هذا ما دلت عليه الآية الأولى (61) أما الآية الثانية (62) فقد أخبر تعالى عن المنافقين أنهم يحلفون للمؤمنين بأنهم ما طعنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً يريدون بذلك إرضاء المؤمنين حتى لا يبطشوا بهم انتقاماً لكرامة نبيهم قال تعالى: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} أي فبدل أن يرضوا المؤمنين كان الواجب أن يرضوا الله تعالى بالتوبة إليه ويرضوا الرسول بالإِيمان ومتابعته إن كانوا كما يزعمون أنهم مؤمنون.
وقوله في الآية الثالثة (63): {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله} أي يشاقهما ويعاديهما فإن له جزاء عدائة ومحاربته نار جهنم خالداً فيها {ذلك الخزي العظيم} أي كونه في نار جهنم خالداً فيها لا يخرج منها هو الخزي العظيم.

.من هداية الآيات:

1- حرمة أذية رسول الله بأي وجه من الوجوه.
2- كون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين دعوة للإِيمان والإِسلام.
3- توعد الله تعالى من يؤذى رسوله بالعذاب الأليم دليل على كفر من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- بيان كذب المنافقين وجبنهم حيث يحلفون للمؤمنين أنهم ما طعنوا في الرسول وقد طعنوا بالفعل، وإنما حلفهم الكاذب يدفعون به غضب المؤمنين والانتقام منهم.
5- وجوب طلب رضا الله تعالى بفعل محابه وترك مساخطه.
6- توعد من يحادد الله ورسوله بالعذاب الأليم.

.تفسير الآيات (64- 66):

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}

.شرح الكلمات:

{يحذر المنافقون}: أي يخافون ويحترسون.
{تنزَّل عليهم سورة}: أي في شأنهم فتفضحهم بإظهار عيبهم.
{تنبّئهم بما في قلوبهم}: أي تخبرهم بما يضمرونه في نفوسهم.
{قل استهزئوا}: الأمر هنا للتهديد.
{مخرج ما تحذرون}: أي مخرجه من نفوسكم مظهره للناس أجمعين.
{نخوض ونلعب}: أي نخوض في الحديث على عادتنا ونلعب لا نريد سباً ولا طعناً.
{تستهزئون}: أي تسخرون وتحتقرون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المنافقين لكشف الستار عنه وإظهارهم على حقيقتهم ليتوب منهم من تاب الله عليه قال تعالى مخبراً عنهم {يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم} أي يخشى المنافقون أن تنزل في شأنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم {سورة تنبئههم} أي تخبرهم بما في قلوبهم فتفضحهم، ولذا سميت هذه السورة بالفاضحة وقوله تعالى لرسوله: {قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} يهددهم تعالى بأن الله مخرج ما يحذرون إخراجه وظهوره مما يقولونه في خلواتهم في الطعن في الإِسلام وأهله. وقوله تعالى: {ولئن سألتهم} أي عما قالوا من الباطل. لقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب} لا غير. قل لهم يا رسولنا {أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وذلك أن نفراً من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس لهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب وجاءوا ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء!. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية: وجاءوا يعتذرون لرسوله الله فأنزل الله: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} أي الذي كنتم تدعونه، لأن الاستهزاء بالله والرسول والكتاب كفر مخرج من الملة، وقوله تعالى: {إن نعف عن طائفة منكم} لأنهم يتوبون كمخشي بن حمير، {نعذب طائفة} أخرى لأنهم لا يتوبون وقوله تعالى: {بأنهم كانوا مجرمين} علة للحكم بعذابهم وهو أجرامهم بالكفر والاستهزاء بالمؤمنين إذ من جملة ما قالوا: قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم يظن هذا يشيرون إلى النبي وهم سائرون- يفتح قصور الشام وحصونها فأطلع الله نبيه عليهم فدعاهم فجاءوا واعتذروا بقولهم إنا كنا نخوض أي في الحديث ونلعب تقصيراً للوقت، ودفعاً للملل عنا والسآمة فأنزل تعالى: {قل أبالله} الآية.

.من هداية الآيات:

1- الكشف عن مدى ما كان يعيش عليه المنافقون من الحذر والخوف.
2- كفر من استهزاء بالله أو آياته أو رسوله.
3- لا يقبل اعتذار من كفر بأي وجه وإنما التوبة أو السيف فيقتل كفراً.
4- مصداق ما أخبر به تعالى من أنه سيعذب طائفة فقد هلك عشرة بداء الدبيلة (خراج يخرج من الظهر وينفذ ألمه إلى الصدر فيهلك صاحبه حتماً).

.تفسير الآيات (67- 70):

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}

.شرح الكلمات:

{المنافقون}: أي الذين يظهرون للمؤمنين الإِيمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.
{بعضهم من بعض}: أي متاشبهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.
{بالمنكر}: أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بالله ورسوله.
{عن المعروف}: أي ما عرفه الشرع نافعاً فأمر به من الإِيمان والعمل الصالح.
{يقبضون أيديهم}: أي يمسكونها عن الإِنفاق في سبيل الله.
{نسوا الله فنسيهم}: أي تركوا الله فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.
{عذاب مقيم}: أي دائم لا يزول ولا يبيد.
{بخلاقهم}: أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا.
{وخضتم}: أي في الكذب والباطل.
{والمؤتفكات}: أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلاث مدن.
{بالبينات}: الآيات الدالة على صدقهم في رسالاتهم إليهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائهم لعلهم يتوبون. قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لأن أمرهم واحد لا يختلف بعضهم عن بعض في المعتقد والقول العمل بيّن تعالى حالهم بقوله: {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم، إذ هذا عكس ما يأمر به العقلاء، والمراد من المنكفر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان، والمعروف الذي ينهون عنه هو الإِيمان بالله ورسوله وطاعتهما. وقوله تعالى: {ويقبضون أيديهم} كناية عن الإِمساك وعدم البذل في الإِنفاق في سبيل الله. وقوله: {نسوا الله} فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا الله ورسوله {فنسيهم} الله بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف. وقوله: {إن المنافقين هم الفاسقون} تقرير لمعنى {نسوا الله فنسيهم}، إذ كفرهم بالله وبرسوله هو الذي حرمهم هداية الله تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل فيه. وقوله تعالى في الآية (68): {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم} أي كافيهم {ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} أي دائم لا يزول ولا يبيد ولا يفنى فقد حملت هذه الآية أشد وعيد لأهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها وبالعذاب المقيم الذي لا يبارحهم ولا يتركهم لحظة أبد الأبد وذلك بعد أن لعنهم فأبعدهم وأسحقهم من كل رحمة وخير. وفي الآية الثالثة (69) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله: أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسوله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا {فأستمتعتم بخلاقكم} أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا {كما استمتع الذي من قبلكم} أي سواء بسواء {وخضتم} في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب {كالذي خاضوا} أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون {حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء، {وأولئك هم الخاسرون}.
وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر والتكذيب والاغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين. وقوله تعالى في الآية الرابعة (70): {ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات} أي الآيات الدالة على توحيد الله وصدق رسوله وسلامة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالبينات فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب الله فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية، وثمود بالصاعقة، وقوم إبراهيم بسلب النعم وحلول النقم، وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب الظلمة، والمؤتفكات بالمطر والإِئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلاث أسافلها، وأسافلها أعاليها، وما ظلمهم الله تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وأنتم أيها المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لأنكم لم تعتبروا بما سبق.

.من هداية الآيات:

1- إن المنافقين لما كان مرضهم واحد وهو الكفر الباطني كان سلوكهم متشابها.
2- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف علامة النفاق وظاهرة الكفر وانتكاس الفطرة.
3- الاغترار بالمال والولد من عوامل عدم قبول الحق والإِذعان له والتسليم به.
4- تشابه حال البشر واتباع بعضهم لبعض في الباطل والفساد والشر.
5- حبوط الأعمال بالباطل وهلاك أهلها أمر مقضى به لا يتخلف.
6- وجوب الاعتبار بأحوال السابقين والاتعاظ بما لاقاه أهل الكفر منهم من عذاب.