فصل: تفسير الآيات (7- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.سورة الكهف:

.تفسير الآيات (1- 6):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}

.شرح الكلمات:

{الحمد لله}: الحمد الوصف بالجميل، والله علم على ذات الرب تعالى.
{الكتاب}: القرآن الكريم.
{ولم يجعل لع عوجاً}: أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه.
{قيما}: أي ذا اعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة والآداب والشرائع والأحكام.
{بأساً شديداً}: عذاباً ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الآخرة.
{من لدنه}: من عنده سبحانه وتعالى.
{أجرأ حسناً}: أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات.
{غن يقولون الا كذباً}: أي ما يقولون الا كذباً بحتاً لا واقع له من الخارج.
{باخع نفسك}: قاتل نفسك كالمنتحر.
{بهذا الحديث أسفاً}: أي بالقرآن من أجل الأسف الذي هو الحزن الشديد.

.معنى الآيات:

أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف بانه المستحق للحمد، وأن الحمد لله وذكر موجب ذلك، وهو إنزاله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم الكريم فقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} وقوله تعالى، {ولم يجعل له عوجاً} أي ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجاً أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانية فهو كلام مستقيم محقق للآخذ به كل الكتب السابقة مهيمناً عليها الحق فيها ما احقه والباطل وما أبطله.
وقوله: {لينذر بأساً شديداً من لدنه} أي انزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر الظالمين من اهل الشرك والمعاصي عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ينزل بهم عن ربهم الذين كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه. ومن أجل ان يبشر بواسطته أيضاً {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وقوله تعالى: {لينذر} بصورة خاصة أولئك المتقولين على الله المفترين عليه بنستهم الولد اليه فقالوا: {اتخذ الله ولداً} وهو اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب الذين قالوا ان الملائكة بنات الله! هذا ما دل عليه قوله تعالى: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً} وهو قول توارثوه لا علم لأحد منهم، وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه بينهم لذا قبح الله قولهم هذا وعجب نته القعلاء، فقال: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي عظم قولهم {اتخذ الله ولداً} كلمة قالوها تخرج من أفواههم لا غير إذ لا واقع لها أبداً، وقرر الانكار عليهم فقال: {إن يقولون الا كذباً} أي ما يقولون الا الكذب البحت الذي لا يعتمد على شيء من الصحة البتة. وقوله: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفاً} يعاتب الله تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمانه قومه واشتدادهم ي الكفر والتكذيب وما يقترحونه عليه من الآيات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر تفعل واصبر لحكم ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك.

.من هداية الآيات:

1- وجوب حمد الله تعالى على آلائه وعظيم نعمه.
2- لا يحمد إلا من له يقتضي حمده، وإلا كان المدح كذباً وزوراً.
3- عظيم شأن القرآن الكريم وسلامته من الافراط والتفريط والانحراف في كل ما جاء به.
4- بيان مهمة القرآن وهي البشارة لأهل الإيمان والإنذار لأهل الشرك والكفران.
5- التنديد بالكذب على الله ونسبة ما لا يليق بجلاله وكماله إليه كالولد ونحوه.
6- تحريم الانتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان.

.تفسير الآيات (7- 12):

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}

.شرح الكلمات:

{صعيداً جزراً}: أي تراباً لا نبات فيه، فالصعيد هو التراب والجزر الذي لا نبات فيه.
{الكهف}: النقب الواسع في الجبل والضيق منه يقال له غار.
{والرقيم}: لوح حجري رقمت فيه أسماء أصحاب الكهف.
{أوى الفتية إلى الكهف}: اتخذوه مأوى لهم ومنزلاً نزلوا فيه.
{الفتية}: جمع فتى وهم شبان مؤمنون.
{هيئ لنا من أمرنا رشداً}: أي ييسر لنا طريق رشد وهدايته.
{فضربنا على آذانهم}: أي ضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات.
{سنين عدداً}: أي اعواماً عدة.
{ثم بعثناهم}: أي من نومهم بمعنى أيقظناهم.
{أحصى لما لبثوا}: أي أضبط لأوقات بعثهم في الكهف.
{أمداً}: أي مدة محدودية معلومة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إنا جعلنا ما على الارض زينة لها} من حيوان وأشجار ونبات وأنهار وبحار، وقوله: {لنبلوهم} أي لنختبرهم {أيهم أحين عملاً} أي أيهم اترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا وقوله: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً} أي وإنا لمخربوها في يوم، من الأيام بعد عمارتها ونضارتها وزينتها نجعلها {صعيداً جرزاً} أي تراباً لا نبات فيه، إذا فلا تحزن با رسولنا ولا تغتم مما تلاقيه من قومك فإن مآل الحياة من أجلها عادوك وعصوننا إلى أن تصبح صعيداً جزراً. وقوله تعالى: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي كتبت عليه ورقم أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم {كانوا من آياتنا عجباً} أي كان أعجب من آياتنا في خلق المخلوقات، السموات والأرض بل من مخلوقات الله ما هو أعجب بكثير. وقوله: {إذ أوى الفتية إلى الكهف} هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة، أي اذكر للسائلين لك عن قصة هؤلاء الفتية، إذا أووا إلى الغار في الكهف فنزلوا فيه، واتخذوه مأوى لهم ومنزلاً هروباً من قومهم الكفار أن يفتوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم: {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا} أي أعطنا من عندك رحمة تصبحنا في هجرتنا هذه للشرك والمشركين {وهيء لنا من أمرنا رشدا} أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من ديار المشركين خوفاً على ديننا {رشداً} أي سداداً وصلاحاً ونجاة من أهل الكفر والباطل، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف الذي ذكر الله في كتابه فقال بعضهم: كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم إلى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف وقوله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً} أي فضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة أي ثلاثمائة وتسع سنين، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره هم من جنب إلى جنب حتى بعثهم من نومهم وهذا استجابة الله تعالى لهم إذ دعوه قائلين: {رنبا آتنا من لدنك رحمة} وقوله تعالى: {ثم بعثناهم} أي من نومهم ورقادهم {لنعلم أي الحزبين احصى لما لبثوا} أي في الكهف {أمداً} أي لنعلم علم مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف كانت أحصى لمدة لبثهم إلى مدى أي غاية كذا من السنين.

.من هداية الآيات:

1- بيان العلة في وجود الزينة على هذه الأرض، وهي الابتلاء والاختبار للناس ليظهر الزاهد فيها، العارف بتفاهتها وسرعة زوالها، وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى الله من اجلها.
2- تقرير فناء كل ما على الأرض حتى تبقى صعيداً جرزاً وقاعاً صفصفاً لا يرى فيها عوج ولا أمت.
3- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بإجابة السائلين عن أصحاب الكهف بالايجاز والتفصيل.
4- تقرير التوحيد ضمن قصة أصحاب الكهف إذ فروا بدينهم خوفاً من الشرك الأصغر.
5- استجابة الله دعاء عباده المؤمنين الموحدين حيث استجاب للفتية فآواهم الغار ورعاهم حتى بعثهم بعد تغير الأحوال وتبدل العباد والبلاد.

.تفسير الآيات (13- 16):

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}

.شرح الكلمات:

{نبأهم بالحق}: أي خبرهم العجيب بالصدق واليقين.
{وزنادهم هدى}: أي إيماناً وبصيرة في دينهم ومعرفة ربهم حتى صبروا على الهجرة. {وربطنا على قلوبهم}: أي شددنا عليها فقويت عزائمهم حتى قالوا كلمة الحق عند سلطان جائر.
{لن ندعوا من دونه إلها}: لن نعبد من دونه إلهاً آخر.
{لولا يأتون عليهم بسلطان}: أي هلا يأتون بحجة قوية تثبت صحة عبادتهم.
{على الله كذباً}: أي باتخاذ آلهة من دونه تعالى يدعوها ويعبدها.
{فأووا إلى الكهف}: أي انزلوا في الكهف تسترون به على أعين أعدائكم المشركين.
{ينشر لكم ربكم من رحمته}: أي يبسط من رحمته عليكم بنجاتكم مما فررتم منه.
{ويهيء لكم من أمركم}: وييسر لكم من أموالكم الذي أنتم فيه من الغم والكرب.
{مرفقا}: أي ما ترتفقون به وتنتفعون من طعام وشراب وإواء.

.معنى الآيات:

بعد أن ذكر تعالى موجز قصة أصحاب الكهف أخذ في تفصيلها {نحن نقص عليكم نبأهم بالحق} أي نحن رب العزة والجلال نقص عليك أيها الرسول خبر أصحاب الكهف بالحق الثابت الذي لا شك فيه {إنهم فتية}، جمع فتى {آمنوا بربهم} أي صدقوا بوجوده ومكارهه.
وقوله تعالى: {وربطنا على قلوبهم} أي قوينا عزائمهم بما شددنا على قلوبهم حتى قاموا وقالوا على رؤوس الملأ وأمام ملك كافر {ربنا رب السموات والأرض} أي ليس لنا رب سواء، لن ندعو من دونه إلهاً مهما كان شأنه، إذ لو اعترفنا بعبادة غيره لكنا قد قلنا إذا شططاً من القول وهو الكذب والغلو فيه وقوله تعالى: {هؤلاء قومنا اتخذوا دونه آلهة} يخبر تعالى عن قبل الفتية لما ربط الله على قلوبهم إذ قاموا في وجه المشركين الظلمة وقولوا: {هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين} أي هلا يأتون عليهم بسلطان بين أي بحجة واضحة تثبت عبادة هؤلاء الأصنام من دون الله؟ ومن أين ذلك الحال أنه لا إله إلا الله؟!
وقوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى} ينفي الله عز وجل أن يكون هناك أظلم ممن افترى على الله كذباً باتخاذ آلهة يعبدها معه باسم التوسل بها وشعار التشفع والتقرب إلى الله زلفى بواسطتها!! وقوله تعالى عن قيل أصحاب الكهف لبعضهم: {وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} من الأصنام والأوثان {فأووا إلى الكهف} أي فيصروا إلى غار الكهف المسمى بنجلوس {ينشر لكم ربكم من رحمته} أي يبسط لكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي رميتم به من الكفار دقينوس {ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} أي ما ترتفقون به من طعام وشراب وأمن في مأواكم الجديد الذي أويتم إليه فراراً بدينكم واستخفائكم من طالبكم المتعقب لكم ليفتنكم في دينكم أو يقتلكم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بذكر قصة أصحاب الكهف.
2- تقرير زيادة الإيمان ونقصانه.
3- فضيلة الجرأة في الحق والتصريح به ولو أدى إلى القتل أو الضرب أو السجن.
4- تقرير التوحيد وأنه لا إلا الله على لسان أصحاب الكهف.
5- بطلان عبادة غير الله لعدم وجود دليل عقلي أو نقلي عليها.
6- الشرك ظلم وكذب والمشرك ظالم مفتر كاذب.
7- تقرير فرض الهجرة في سبيل الله.
8- فضيلة الألتجاء إلى الله تعالى وطلب حمايته لعبده وكفاية الله من لجأ إليه في صدق.

.تفسير الآيات (17- 18):

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}

.شرح الكلمات:

{تزاور}: أي تميل.
{تقرضهم}: تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم.
{في فجوة منه}: متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها.
{من آيات الله}: أي دلائل قدرته.
{أيقاظاً}: جمع يقظ أي منتبهن لأن أعينهم منفتحة.
{بالوصيد}: فناء الكهف.
{رُعباً}: منعهم الله بسببه من الدخول عليهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم غي عرض قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم {وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم} أي تميل عنه ذات اليمين {وإذا غربت تقرضهم} أي تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم ذات الشمال. وقوله تعالى: {وهم في فجوة منه} أي متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها، وقوله: {ذلك من آيات الله} أي وذلك المذكور من ميلان الشمس عنهم إذا طلعت وقرضاً لهم إذا غربت من دلائل قدرة الله تعالى ورحمته بأوليائه ولطفه بهم، وقوله تعالى: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} يخبر تعالى ان الهداية بيده وكذلك الإضلال فليطلب العبد من ربه الهداية إلى صراطه المستقيم، وليستعذ من الضلال المبين، إذ من يضله الله لن يوجد له ولي يرشده بحال من الأحوال، وقوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود} أي أنك إذا نظرت إليهم تظنهم أيقاظاً أي منتبهين لأن أعينهم متفتحة وهم رقود نائمون لا يحسون بأحد ولا يشعرون، وقوله تعالى: {ونقلبهم ذات اليمين} أي جهة اليمين {وذات الشمال} أي جهة الشمال حتى لا تعدو التربة على أجسادهم فتبليها. وقوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أي: وكلبهم الذي خرج معهم، وهو كلب صيد {باسط ذراعيه بالوصيد} أي: بفناء الكهف. وقوله تعالى: {لو اطلعت عليهم} أي لو شاهدتهم وهم رقود أعينهم مفتحة {لوليت منهم فراراً} لرجعت فاراً منهم {ولملئت منهم رعباً} أي خوفاً وفزعاً، ذلك ان الله ألقى عليهم من الهيبة والوقار حتى لا يدنومنهم أحد ويسمهم بسوء إلى أن يوقظهم عند نهاية الأجل الذي ضرب لهم، ليكون أمرهم آية من آيات الله الدالة على قدرته وعظيم سلطانه وعجيب تدبيره في خلقه.

.من هداية الآيات:

1- بيان لطف الله تعالى بأوليائه بإكرامهم في هجرتهم إليه.
2- تقرير أن الهداية بيد الله فالمهتدي من هداه الله والضال من أضله الله ولازم ذلك طلب الهداية من الله، والتعوذ به من الضلال لأنه مالك ذلك.
3- بيان عجيب تدبير الله تعالى وتصرفه في مخلوقاته فسبحانه من إله عظيم عليم حكيم.

.تفسير الآيات (19- 21):

{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}

.شرح الكلمات:

{كذلك بعثناهم}: أي كما أنمناهم تلك النومة الطويلة الخارقة للعادة بعثناهم من رقادهم بعثاً خارقاً للعادة أيضاً فكان في منامهم آية وفي إقافتهم آية.
{كم لبثتم}: أي في الكهف نائمين.
{يوماً أو بعض يوم}: لأنهم دخلوا الكهف صباحاً واستيقظوا عشية.
{بورقكم}: بدراهم الفضة التي عندكم.
{الى المدينة}: أي المدينة التي كانت تسمى افسوس وهي طرسوس اليوم.
{أزكى طعاماً}: أي أيُّ أطعمة المدينة أحلُ أي أكثر حلية.
{وليتلطف}: أي يذهب يشتري الطعام ويعود في لطف وخفاء.
{يرجموكم}: أي يقتلوكم رمياً بالحجارة.
{أعثرنا عليهم}: أطلعنا عليهم أهل بلدهم.
{ليعلموا}: أي قومهم أن البعث حق للأجساد والأرواح معاً.
{إذ يتنازعون}: أي الكفار قالوا ابنوا عليهم أي حولهم بناء يسترهم.
{فقالوا}: أي المؤمنون والكافرون في شأن البناء عليهم.
{وقال الذين غلبوا على امرهم}: وهو المؤمنون لنتخذن حولهم مسجداً يصلى فيه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن أصحاب الكهف فقوله: {وكذلك بعثناهم ليتسألوا بينهم} أي كما أنمناهم ثلاثمائة سنة وتسعاً وحفظنا أجسادهم وثيابهم من البلى ومنعناهم من وصول أحد إليهم، وهذا من مظاهر قدرتنا وعظيم سلطاننا بعثناهم من نومهم الطويل ليتساءلوا بينهم فقال قائل منهم مستفهماً كم لبثتم يا إخواننا فأجاب بعضهم قائلاً {لبثنا يوماً أو بعض يوم} لأنهم آووا إلى الكهف في الصباح وبعثوا من رقادهم في المساء وأجاب بعض آخر بقول مرض للجميع وهو قوله: {ربكم أعلم بما لبثتم} فسلموا الأمر إليه، وكانوا جياعاً فقالوا لبعضهم {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه} يشيرون إلى عملة من فضة كانت معهم {الى المدينة} وهي أفسوس التي خرجوا منها هاربين بدينهم، وقوله: {فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه} أي فلينظر الذي تبعثونه لشراء الطعام أي أنواع الأطعمة أزكى أي أطهر من الحرام والاستقذار {فليأتكم برزق منه} لتأكلوا سداً لجوعكم وليتلطف في شرائه وذهابه وإيابه حتى لا يشعر بكم أحد وعلل لقوله هذا بقوله: {إنهم سداً أن يظهروا عليكم} أي يطلعوا {يرجموكم} أو يقتلوكم رجماً بالحجارة {أو يعيدوكم في ملتهم} ملة الشرك بالقسر والقوة. {ولن تفلحوا إذاً أبداً} أي ولن تفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة إذا أنتم عدتم للكفر والشرك.. فكفرتم وأشركتم بربكم.
وقوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم} أي وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة وبعثناهم ليتساءلوا بينهم فيزدادوا إيماناً ومعرفة بولاية الله تعالى وحمايته لأوليائه {أعثرنا عليهم} أهل مدينتهم الذين انقسموا إلى فريقين فريق يعتمد ان البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح، وفريق يقول البعث الآخر للأرواح دون الأجسام كما هي عقيدة النصارى إلى اليوم، فأنام الله الفتية وبعثهم وأعثر عليهم هؤلاء القوم المختلفين فاتضح لهم أن الله قادر على بعث الناس أحياء أجساماً وأرواحاً كما بعث أصحاب الكهف وهو معنى قوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا} أي أولئك المختلفون في شأن البعث أن وعد الله حق وهو ما وعد به الناس من أنه سيبعثهم بعد موتهم يوم القيامة ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم.
{وأن الساعة لا ريب فيها} وقوله تعالى: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} أي أعثرناهم عليهم في وقت كان اهل البلد يتنازعون في شأن البعث والحياة الآخرة هل هي بالأجسام والأرواح أو بألأرواح دون الأجسام. فتبين لهم بهذه الحادثة أن البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح معاً. وقوله تعالى: {فقالوا ابنوا عليهم بنياناً} واتركوهم في الكهف أي سدوا عليهم باب الكهف واتركوهم فيه لأنهم بعد أن عثروا عليهم ماتوا {ربهم أعلم بهم} وبحالهم.
وقوله تعالى: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} أي قال الذين غلبوا على أمر الفتية لكون الملك كان مسلماً معهم {لنتخذن عليهم مسجداً} أي للصلاة فيه وفعلاً بنوة على مقربة من فم الغار بالكهف.

.من هداية الآيات:

1- مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته.
2- وحوب طلب الحلال في الطعام والشراب وغيرهما.
3- الموت على الشرك والكفر مانع من الفلاح يوم القيامة أبداً.
4- تقرير معتقد البعث والجزاء الذي ينكره أهل مكة.
5- مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وقوله: «إن أولئك إذ كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصورواً فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق الخلق يوم القيامة» في الصحيحين.
6- مصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً وذراعاً بذراع». إذ قد بنى المسلمون على قبور الأولياء والصالحين المساجد. بعد القرون المفضلة حتى أصبح يندر وجود مسجد عتيق خال من قبر أو قبور.