فصل: تفسير الآيات (96- 98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (96- 98):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}

.شرح الكلمات:

{وداً}: أي حبا فيعيشون متحابين فيما بينهم ويحبهم ربهم تعالى.
{فإنما يسرناه بلسانك}: أي يسرنا القرآن أي قراءته وفهمه بلغتك العربية.
{قوماً لداً}: أي ألداء شديدوا الخصومة والجدل بالباطل وهم كفار قريش.
{وكم اهكنا}: أي كثيراً من اهل القرون من قبلهم اهلكناهم.
{أو تسمع لهم ركزا}: أي صوتا خفياً والجواب لا لأن الاستفهام إنكاري.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى أن الذين بالله وبرسوله وبوعد الله ووعيده فتخلوا عن الشرك والكفر وعملوا الصالحات وهي أداء الفرائض وكثير من النوافل هؤلاء يخبر تعالى أنه سيجعل لهم في قلوب عباده المؤمنين محبة ووداً وقد فعل سبحانه وتعالى فأهل الإيمان والعمل الصالح متحابون متوادون، وهذا التوادد بينهم ثمرة لحب الله تعالى لهم. وقوله تعالى: {فإنما يسرناه} أي هذا القرآن الذي كذب به المشركون سهلنا قراءته عليك إذا أنزلناه بلسانك {لتبشر به المتقين} من عبادنا المؤمنين وهم الذين اتقوا عذاب الله بالايمان وصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي، {وتنذر به قوماً لداً} وهم كفار قريش وكانوا ألداء اشداء في الجدل والخصومة، وقوله تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} أي وكثيراً من أهل القرون السابقة لقومك أهلكناهم لما كذبوا رسلنا وحاربوا دعوتنا {فهل تحس منهم من أحد} فتراه بعينك أو تمسه بيدك، {أو تسمع لهم ركزاً} أي صوتاً خفياً اللهم لا فهلا يذكر هذا قومك فيتعظوا فيتوبوا إلى ربهم بالايمان به وبرسوله ولقائه ويتركوا الشرك والمعاصي.

.من هداية الآيات:

1- أعظم بشرى تحملها الآية الأولى وهي حب الله وأوليائه لمن آمن وعمل صالحاً.
2- بيان كون القرآن ميسراً أن نزل بلغة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل البشارة لأهل الإيمان والعمل الصالح والنذارة لأهل الشرك والمعاصي.
3- إنذار العتاة والطغاة من الناس ان يحل بهم ما حل بمن قبلهم من هلاك ودمار والواقع شاهد أين أهل القرون الأولى؟

.سورة طه:

.تفسير الآيات (1- 8):

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}

.شرح الكلمات:

{طه}: أي يا رجل.
{إلا تذكرة}: أي يتذكر بالقرآن من يخشى عقاب الله عز وجل.
{على العرش استوى}: أي ارتفع عليه وعلا.
{وما تحت الثرى}: الثرى التراب الندي ما هو أسفل الأرضين السبع.
{وأخفى}: أي من السر، وهو ما علمه الله وقدر وجوده وهو كائن ولكن لم يكن بعد.
{الحسنى}: الحسنى مؤنث الأحسن المفضل على الحسن.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {طه} لفظ طه جائز أن يكون من الحروف المقطعة، وجائز أن يكون معناه يا رجل ورجح الأمر ابن جرير لوجوده في لغة العرب طه بمعنى يا رجل وعلى هذا فمعنى الكلام يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى رداً على النضر بن الحارث الذي قال إن محمداً شقي بهذا القران الذي أنزل عليه لما فيه من التكاليف فنفى الحق عز وجل ذلك وقال: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى} وإنما انزلناه ليكون تذكرة ذكرى يذكر بها من يخشى ربه فيقبل على طاعته متحملاً في سبيل ذلك كل ما قد يلاقي في طريقه من أذى قومه المشركين بالله الكافرين بكتابه والمكذبين لرسوله، وقوله: {تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى} أي هذا القرآن الذي ما أنزلناه لتشقى به ولكن تذكرة لمن يخشى نُزل تنزيلاً من الله الذي خلق الأرض والسموات العلى: {الرحمن على العرش استوى} أي رحمن الدنيا والأخرة ورحيمهما الذي استوى على عرشه استواءٌ يليق بد يدبر أمر مخلوقاته، الذي {له في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى} من الأرضين السبع. وقوله: {وإن تجهر بالقول} أيها الرسول أو تُسِر {فإنه يعلم السر وأخفى} من السر، وهو ما قدره الله وهو واقع في وقته المحدد له فعلمه تعالى ولم يعلمه الإنسان بعد. وقوله: {الله لا إله إلا هو} أي الله المعبود بحق الذي لا معبود بحق سواه {له الأسماء الحسنى} التي لا تكون إلا له، ولا تكون لغيره من مخلوقاته. وهكذا عرف تعالى عباده به ليعرفوه فيخافونه ويحبونه فيؤمنون به ويطيعونه فيكملون على ذلك ويسعدون فلله الحمد وله المنة.

.من هداية الآيات:

1- إبطال نظرية أن التكاليف الشرعية شاقة ومرهقة للعبد.
2- تقرير عقيدة الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
3- تقرير الصفات الإلهية كالاستواء ووجوب الإيمان بها بدون تأويل أو تعطيل أو تشبيه بل اثباتها على الوجه الذي يليق بصاحبها عز وجل.
4- تقرير ربوبية الله لكل شيء.
5- تقرير التوحيد وإثبات أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى.

.تفسير الآيات (9- 16):

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}

.شرح الكلمات:

{هل أتاك}: قد أتاك فالاستفهام للتحقيق.
{حديث موسى}: أي خبره وموسى هو ابن عمران نبي بني إسرائيل.
{إذ رأى ناراً}: أي حين رؤيته ناراً.
{لأهله}: زوجته بنت شعيب ومن معها من خادم أو ولد.
{آنست ناراً}: أي ابصرتها من بعد.
{بقبس}: القبس عود في رأسه نار.
{على النار هدى}: أي ما يهديني الطريق وقد ضل الطريق إلى مصر.
{فلما أتاها}: أي النار وكانت في شجرة من العوسج ونحوه تتلألؤ نوراً لا ناراً.
{نودي يا موسى}: أي ناداه ربه قائلاً له يا موسى....!
{المقدس طوى}: طوى اسم للوادي المقدس المطهر.
{اخترتك}: من قومك لحمل رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل.
{فاستمع لما يوحى}: أي إليك وهو قوله تعالى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا}.
{لذكري}: أي لأجل أن تذكرني فيها.
{أكاد أخفيها}: أي أبالغ في إخفائها حتى لا يعلم وقت مجيئها أحد.
{بما تسعى}: أي سعيها في الخير أو في الشر.
{فتردى}: أي تهلك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ففي نهاية الآية السابقة (8) كان قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} تقريراً للتوحيد وإثباتاً له وفي هذه الآية (9) يقرره تعالى عن طريق الإخبار عن موسى، وأن أول ما أوحاه إليه من كلامه كان أخباره بأنه لا إله إلا هو أي لا معبود غيره وأمره بعبادته. فقال تعالى: {وهل أتاك} أي يا نبينا {حديث موسى إذ رأى ناراً}، وكان في ليلة مظلمة شاتية وزنده الذي معه لم يقدح له ناراً {فقال لأهله} أي زوجته ومن معها وقد أضلوا طريقهم لظلمة الليل، {امكثوا} أي ابقوا فقد آنست ناراً أي أبصرتها لعلي آتيكم منها بقبس فنوقد به ناراً تصطلون بها أي تستدفئون بها، {أو أجد على النار هدى} أي أجد حولها ما يهدينا طريقنا الذي ظللناه.
وقوله تعالى: {فلما أتاها} أي أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة تتلألؤ نوراً {نودي يا موسى} أي ناداه ربه تعالى قائلاً يا موسى {إني أنا ربك} أي خالقك ورازقك ومدبر أمرك {فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} وذلك من أجل أن يتبرك بملامسة الوادي المقدس بقدميه. وقوله تعالى: {وأنا أخترتك} أي لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم. {فاستمع لما يوحى} أي إليك وهو: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا} أي أنا الله المعبود بحق ولا معبود بحق غيري وعليه فاعبدني وحدي، {وأقم الصلاة لذكري}، أي لأجل أن تذكرني فيها وبسببها. فلذا من لم يصل لم يذكر الله تعالى وكان بذلك كافراً لربه تعالى. وقوله: {إن الساعة آتية} أي أن الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء من قبروهم للحساب والجزاء آتية لا محالة.
من أجل مجازاة العباد على أعمالهم وسعيهم طوال أعمارهم من خير وشر، وقوله: {أكاد أخفيها} أي أبالغ في إخفائها حتى أكاد أخفيها عن نفسي. وذلك لحكمة أن يعمل الناس ما يعلمون وهو لا يدرون متى يموتون ولا متى يبعثون فتكون أعمالهم بإراداتهم لا إكراه عليهم فيها فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً، وقوله: {فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها فتردى} ينهى تعال موسى ان يقبل صد صاد من المنكرين للبعث متعبي الهوى عن الإيمان بالبعث والجزاء والتزود بالأعمال الصالحة لذلك اليوم العظيم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهو لا يظلمون، فإن من لا يؤمن بها ولا يتزود لها يردى أي يهلك.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
2- تقرير التوحيد وإثباته، وأن الدعوة إلى لا إله إلا الله دعوة كافة الرسل.
3- إثبات صفة الكلام لله تعالى.
4- مشروعية التبرك بما جلعه الله تعالى مباركاً، والتبرك التماس البركة حسب بيان الرسول وتعليمه.
5- وجوب إقام الصلاة وبيان علة ذلك وهو ذكر الله تعالى.
6- بيان الحكمة في إخفاء الساعة مع وجوب اتيانها وحتميته.

.تفسير الآيات (17- 24):

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)}

.شرح الكلمات:

{وما تلك بيمينك يا موسى}: الاستفهام للتقرير به ليرتب عليه المعجزة وهي انقلابها حية.
{أتوكأ عليها}: أي أعتمد عليها.
{وأهش بها على غنمي}: أخبط بها ورق الشجر فيتساقط فتأكله الغنم.
{ولي فيها مآرب أخرى}: أي حاجات أخرى كحمل الزاد بتعلقيه فيها ثم حمله على عاتقه، وقتل الهوام.
{حية تسعى}: أي ثعبان عظيم، تمشي على بطنها بسرعة كالثعبان الصغير المسمى بالجان.
{سيرتها الأولى}: أي إلى حالتها الأولى قبل أن تنقلب حية.
{إلى جناحك}: أي إلى جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط.
{بيضاء من غير سوء}: أي من غير برص تضيء كشعاع الشمس.
{إذهب إلى فرعون}: أي رسولاً إليه.
{انه طغى}: تجاوز الحد في الكفر حتى ادعى الألوهية.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم مع موسى وربه تعالى إذ سأله الرب تعالى وهو أعلم به وبما عنده قائلا: {وما تلك بيمينك يا موسى} يسأله ليقرر بأن ما بيده عصا من خشب يابسة، فإذا تحولت إلى حية تسعى علم أنها آية له أعطاه إياها ربه ذو القدرة الباهرة ليرسله إلى فرعون وملائه. وأجاب موسى ربه قائلا: {هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي} يريد يخبط بها الشجر اليابس فيتساقط الورق فتأكله الغنم {ولي فيها مآرب} أي حاجات {أخرى} كحمل الزاد والماء بها ويضعه على عاتقه كعادة الرعاة وقد يقتل بها الهوام الضارة كالعقرب والحية. فقال له ربه عز وجل: {ألقها يا موسى فألقاها} من يده {فإذا هي حية تسعى} أي ثعبان عظيم تمشي على بطنها كالثعبان الصغير المسمى بالجان فخاف موسى منها وولى هارباً فقال له الرب تعالى: {خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} أي نعيدها عصا كما كانت قبل تحولها إلى حية وفعلاً أخذها فإذا هي عصاه التي كانت بيمينه. ثم أمره عصا كما كانت قبل تحولها إلى حية وفعلاً أخذها فإذا هي عصاه التي كانت بيمينه. ثم أمره تعالى بقوله: {واضم يدك} أي اليمنى {الى جناحك} الأيسر {تخرج بيضاء من غير سوء} أي برص وفعل فضم تحت عضده إلى ابطه ثم استخرجها فإذا هي تتلألؤ كأنها فلقة قمر، أو كأنها الثلج بياضاً أو أشد، وقوله تعالى: {آية أخرى} أي آية لك دالة على رسالتك أخرى إذ الأولى هي انقلاب العصا إلى حية تسعى كأنها جان. وقوله تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى} أي حولنا له العصا حية وجعلنا يدك تخرج بيضاء من أجل أن نريك من دلائل قدرتنا وعظيم سلطاننا. وقوله تعالى: {اذهب إلى فرعون أنه طغى} لما اراه من عجائب قدرته أمره ان يذهب إلى فرعون رسولاً إليه يأمره بعبادة الله حده وأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرج بهم إلى أرض المعاد بالشام وقوله: {إنه طغى} أي تجاوز قدره، وتعدى حده كبشر إذ أصبح يدعى الربوبية والألوهية إذ فقال: {أنا ربكم الأعلى} وقال: {ما علمت لكم من إله غيري}، فأي طغيان أكبر من هذا الطغيان.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذه الأخبار لا تصح إلا ممن يوحى إليه.
2- استحباب تناول الأشياء غير المستقذرة باليمين.
3- مشروعية حمل العصا.
4- سنة رعي الغنم للأنبياء.
5- مشروعية التدريب على السلاح قبل استعماله في المعارك.
6- آية موسى في انقلاب العصا حية وخروج اليد البيضاء كأنها الثلج أو شعاع شمس.
7- بيان الطغيان: وهو ادعاء العبد ما ليس له كالألوهية ونحوها.

.تفسير الآيات (25- 35):

{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}

.شرح الكلمات:

{اشرح لي صدري}: أي وسعه لأتحمل الرسالة.
{ويسر لي أمري}: أي سهله حتى أقوى على القيام به.
{واحلل عقدة من لساني}: أي حبسة حتى أفهم من أخاطب.
{أشدد بها أزري}: أي قوي به ظهري.
{وأشركه في أمري}: أي اجعله نبياً كما نبأتني.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حديث موسى عليه السلام مع ربه سبحانه وتعالى بعد أن أمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة الله وحده وارسال بني إسرائيل مع موسى ليذهب به إلى أرض القدس عليه السلام لربه تعالى {اشرح لي صدري} لأتحمل أعباء الرسالة {ويسر لي أمري} أي سهل مهمتي عليَّ وارزقني العون عليها فإنها صعبة شاقة. {واحلل عقدة من لساني} تلك العقدة التي نشأت بسبب الجمرة التي ألقاها في فمه بتدبير الله عز وجل حيت عزم فرعون على قتله لما وضعه في حجره يلاعبه فأخذ موسى بلحية فرعون ونتفها فغضب فقالت له آسية إنه لا يعقل لصغر سنه وقالت له تختبره بوضع جواهر في طبق وجمر في طست فإن أخذ الجواهر فهو عاقل ودونك افعل ما شئت، وإن أخذ الجمر فهو عاقل فلا تحفل به ولا تغتم لفعله، وقدم لموسى الطبق والطست فمد يده إلى الطست بتدبير الله فأخذ جمرة فكانت سبب هذه العقدة فسأل موسى ربه أن يحلها من لسانه فيصفح إذا خاطب فرعون وبين فيفُهم قوله، وبذلك يؤدي رسالته. هذا معنى قوله: {واحلل عقدة من لسان يفقهوا قولي}.
وقوله تعالى فيما أخبر عن موسى {واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي} أي طلب من الله تعالى أن يجعل له من أخيه هارون معيناً على تبيلغ الرسالة وتحمل أعبائها. وقوله: {اشدد به أزري} أي قو به ظهري. وقوله: {أشركه في أمري} وذلك بتنبئته وإرساله ليكون هارون نبياً رسولاً. وعلل موسى عليه الصلاة والسلام لطلبه هذا بقوله: {كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً}، وقوله: {إنك كنت بنا نصيرا} أي أنك كنت ذا بصر منا من ربه توسل إليه بعمله تعالى به وبأخيه وبحالهما.

.من هداية الآيات:

1- وجوب اللجأ إلى الله تعالى في كل ما يهم العبد.
2- مشروعية الأخذ بالأهبة والاستعداد لما يعتزم العبد القيام به.
3- فضيلة التسبيح والذكر، والتوسل بأسماء الله وصفاته.

.تفسير الآيات (36- 41):

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)}

.شرح الكلمات:

{قد أوتيت سؤلك}: أس مسؤولك من انشراح صدرك وتيسير أمرك وانحلال عقدة لسانك، وتنبئة أخيك.
{ولقد مننا عليك مرة أخرى}: أي أنعمنا علية مرة أخرى قبل هذه.
{ما يوحى}: أي في شأنك وهو قوله: {أن اقذفيه} إلخ.
{في التابوت}: أي الصندوق.
{فاقذفيه في اليم}: أي في نهر النيل.
{ولتصنع على عيني}: تربى بمرأى مني ومحبة وإرادة.
{على من يكلفه}: ليكمل له رضاعه.
{وقتلت نفساً}: هو القبطي الذي قتلته بمصر وهو بيت فرعون.
{فنجيناك من الغم}: إذا استغفرنا فغفرنا لك وأئتمر بك ليقتلوك فنجيناك منهم.
{وفتناك فتونا}: أي اختبرناك اختبارا وابتليناك ابتلاء عظيما.
{جئت على قدر}: أي جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون.
{واصطفيناك لنفسي}: أي أنعمت عليك بتلك النعم اجتباءً منا لك لتحمل رسالتنا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في حديث موسى مع ربه تعالى فقد تقدم أن موسى عليه السلام سأل ربه أموراً لتكون عوناً له على حمل رسالته فأجابه تعالى بقوله في هذه الآية (36): {قال قد أوتيت سؤلك يا موسى} أي قد أعطيت ما طلبت، {ولقد مننا عليك مرة أخرى} أي قبل هذه الطلبات وهي أنه لما أمر فرعون بذبح أبناء بني إسرائيل {إذ أوحينا إلى أمك أن اقذفيه في التابوت} أي في الصندوق {فاقذفيه في اليم} أي نهر النيل {فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له} فهذه النجاة نعمة، ونعمة أخرى تضمنها قوله تعالى: {ألقيت عليك محبة مني} أي أضفيت عليك محبتي فأصبح من يراك يحبك، ونعمة أخرى وهي: من أجل أن تُربى وتغذى على مرأى مني وإرادة لي أرجعتك بتدبيري إلى أمك لترضعك وتقر عينها ولا تحزن على فراقك، وهو ما تضمنه قوله تعالى: {إذ تمشي أختك} فتقول: {هل أدلكم على من يكفله} لكم أي لارضاعه وتربيته. {فرجعناك إلى إمك كي تقر عينها ولا تحزن}، ونعمة أخرى وهي أعظم إنجاؤنا لك من الغم الكبير بعد قتلك النفس وائتمار آل فرعون على قتلك {فنجيناك من الغم} من القتل وغفرنا لك خطيئة القتل. وقوله تعالى: {وفتناك فتوناً} أي ابتليناك ابتلاءً عظيما وها هي خلاصته في الأرقام التالية:
1- حمل أمك بك في السنة التي يقتل فيها أطفال بني إسرائيل.
2- إلقاء أمك بك في اليم.
3- تحريم المراضع عليك حتى رجعت إلى أمك.
4- أخذك بلحية فرعون وهمه بقتلك.
5- قتلك القبطي وائتمار آل فرعون بقتلك.
6- إقامتك في مدين وما عانيت من آلام الغربة.
7- ضلالك الطريق بأهلك وما أصابك من الخوف والتعب.
هذه بعض ما يدخل تحت قوله تعالى: {وفتناك فتوناً فلبث سنين في أهل مدين} ترعى غنم شعيب عشراً من السنين {ثم جئت} من مدين إلى طور سينا {على قدر} منا مقدر ووعيد محدد ما كنت تعمله حتى لاقيته.
واصطنعتك لنفسي أي خلقتك وربيتك وإبتليتك واتيت بك على موعد قدرته لأحملك عبء الرسالة إلى فرعون وبني إسرائيل: إلى فرعون لتدعوه إلى عبادتنا وإرسال بني إسرائيل معك إلى أرض المعاد. والى بني إسرائيل لهدايتهم وإصلاحهم وإعدادهم للإسعاد والإكمال في الدارين إن هم آمنوا واستقاموا.

.من هداية الآيات:

1- مظاهر لطف الله تعالى وحسن تدبيره في خلقه.
2- مظاهر اكرام الله تعالى ولطفه بعبده ورسوله موسى عليه السلام.
3- آية حب الله تعالى لموسى، وأثر ذلك في حب الناس له.
4- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره في كتابه بمثل هذه الأحداث في قصص موسى عليه السلام.