فصل: سورة إبراهيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (30- 32):

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}

.شرح الكلمات:

{كذلك أرسلناك}: أي مثل ذلك الإرسال الذي أرسلنا أرسلناك.
{لتتلو عليهم}: أي لتقرأ عليهم القرأن تذكيراً وتعليماً ونذارة وبشارة.
{وهو يكفرون بالرحمن}: إذا قالوا وما الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة.
{سيرت به الجبال}: أي نقلت من اماكنها.
{او قطعت به الارض}: أي شققت فجعلت انهاراً وعيوناً.
{أو كلم به الموتى}: أي احيوا وتكلموا.
{أفلم ييأس}: أي يعلم.
{قارعة}: أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والحزن وتهلكهم وتستأصلهم.
{او تحل قريباً من دارهم}: أي القارعة أو الجيش الإسلامي.
{فأمليت}: أي امهلت وأخرت مدة طويلة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير أصول العقائد: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء الآخر ففي الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله تعالى: {كذلك أرسلناك} فقرر نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كذلك أي الارسال الذي أرسلنا من قبلك انت إلى امة قد خلت من قبلها امم، وبين فائدة الارسال فقال: {لتتلو عليهم الذي أوحينا اليك} وهو رحمة والهدى والشفاء {وهو يكفرون بالرحمن} الرحمن الذي ارسلك لهم بالهدى ودين الحق لإكمالهم وإسعادهم يكفرون به، إذا فقل انت أيها الرسول هو ربي لا الله الا هو أي لا معبود بحق الا هو عليه توكلت واليه متاب أي توبتي ورجوعي فقرر بذلك مبدأ التوحيد بأصدق عبارة وقوله تعالى في الآية الثانية (31): {ولو أن قرآناً} الخ: لا شك ان مشركي مكة كانوا بما ذكره في هذه الآية إذا قالوا ان كنت رسولاً فادع لنا ربك فيسر عنا هذه الجبال التي تكتنف وادينا فتتسع ارضنا للزراعة والحراثة وقطع ارضنا فاخرج لنا منها العيون والانهار واحيي لنا فلان وفلاناً حتى نكملهم ونسألهم عن صحة ما تقول وتدعي بأنك نبي فقال تعال: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} أي لكان هذا القرأن، ولكن ليست الآيات هي التي تهدي بل الله الامر جميعاً يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولما صرفهم الله تعالى عن الآيات الكونية لعلمه تعالى أنهم لو اعطاهم اياها لما آمنوا عليها فيحق عليهم عذاب الإبادة كالأمم السابقة، وكان من المؤمنين من يود الآيات الكونية ظناً منه ان المشركين لو شاهدوا أمنوا وانتهت المعركة الدائرة بين الشرك والتوحيد قال تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا} أي يعملوا {أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} بالآيات وبدونها فليترك الأمر له سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا} أي من الشرك والمعاصي {قارعة} أي داهية تفرع قلوبهم بالخوف والفزع ونفوسهم بالهم والحزن وذلك كالجدب والمرض والقتل والأسر {أو تحل قريباً من دارهم} أي يحل الرسول بجيشه الإسلامي ليفتح مكة حتى يأتي وعد الله بنصرك أيها الرسول عليهم والآية عامة فيمن بعد قريش ويكون الوعيد متناولاً امم الكفر عامة وها هي ذي الحروب تقرعهم كل قرن مرة ومرتين والحرب الذرية على أبوابهم ولا يزال أمرهم كذلك حتى يحل الجيش الإسلامي قريباً من دارهم ليدخلوا في دين الله أو يهلكوا، {ان الله لا يخلف المعياد} وقد أنجز ما وعد قريشاً، وفي الآية الأخيرة (32) يخبر تعالى رسوله مسلياً إياه عما يجد من تعب وألم من صلف المشركين وعنادهم فيقول له: {ولقد استهزئ برسل من قبلك} أي كما استهزئ بك فصبروا فاصبر أنت، {فأمليت للذين كفروا} أي امهلتهم وأنظرتهم حتى قامت الحجة عليهم ثم أخذتهم فلم أبق منهم احداً {فكيف كان عقاب} أي كان شديداً عاماً واقعاً موقعه، فكذلك أفعل بمن استهزا بك يا رسولنا إذا لم يتوبوا ويسلموا.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد.
2- لا توكل الا على الله، ولا توبة لأحد إليه.
3- عظمة القرآن الكريم وبيان فضله.
4- إطلاق لفظ اليأس والمراد به العلم.
5- توعد الرب تعالى الكافرين بالقوارع في الدنيا إلى يوم القيامة.
6- الله جل جلالة يملي ويمهل ولكن لا يهمل بل يؤاخذ ويعاقب.

.تفسير الآيات (33- 35):

{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}

.شرح الكلمات:

{أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}: أي حافظها ورازقها وعالم بها وبما كسبت ويجازيها بعملها.
{قل سموهم}: أي صفوهم له من هم؟
{أم تنبونه بما لا يعلم}: أي اتخبرونه بما لا يعمله؟
{بظاهر من القول}: أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع.
{أشق}: أي أشد.
{واق}: أي مانع يمنعهم من العذاب.
{مثل الجنة}: أي صفتها التي نقصها عليك.
{أكلها دائم وظلها}: أي ما يؤكل فيها دائم لا يفنى وظلها دائم لا ينسخ.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد بقوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} أي حافظها ورازفها وعالم بها وبما كسبت من خير وشر ومجازيها كمن لا يحفظ ولا يرزق ولا يعلم ولا يجزي وهو الاصنام، إذا فبطل تأليهها ولم يبق الا الاله الحق الله الذي لا الله الا هو ولا رب سواه، وقوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء} أي يعبدونهم معه {قل سموهم} أي قل لهم يا رسولنا سموا لنا تلك الشركاء صفوهم بينوا من هم؟ {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} أي أتنبئون الله بما لا يعلم في الأرض؟ {أم بظاهر من القول} أي بل بظاهر من القول أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع.
وقوله تعالى: {بل زين للذين كفروا مكرهم} أي قولهم الكاذب وافتراؤهم الماكر فبذلك صدوا عن السبيل سبيل الحق وصرفوا عنه فلم يهتدوا اليه، {ومن يضلل الله فما له من هاد} وقوله تعالى: {لهم عذاب في الحياة الدنيا} بالقتل والأسر، و{العذاب الآخرة أشق} أي أشد من عذاب الدنيا مهما كان {وما لهم من الله من واق} أي وليس لهم من دون الله من يقيهم فيصرفه عنهم ويدفعه حتى لا يذوقوه، وقوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} أي لما ذكر عذاب الآخرة لأهل الكفر والفجور ذكر نعيم الاخرة لأهل الإيمان والتقوى، فقال: {مثل الجنة التي وعد المتقون} أي صفة الجنة ووصفها بقوله: {تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظللها} دائم كذلك فطعامها لا ينفذ، وظلها لا يزول ولا ينسخ بشمس كظل الدنيا، وقوله: {تلك} أي الجنة {عقبى الذين اتقوا} أي ربهم فآمنوا به وعبدوه ووحدوه واطاعوه في أمر ونهيه، {وعقبى الكافرين النار} والعقبى بمعنى العاقبة في الخير والشر.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد إذ الاصنام لا تحفظ ولا ترزق ولا تحاسب ولا تجزي، والله هو القائم على كل نفس فهو الاله الحق وما عداه فآلهة باطلة لا حقيقة لها الا مجرد أسماء.
2- استمرار الكفار على كفرهم هو نتيجة تزيين الشيطان لهم ذلك فصدهم عن السبيل.
3- ميزة القرآن الكريم في الجمع بين الوعد والوعيد إذ بهما تمكن هداية الناس.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}

.شرح الكلمات:

{والذين آتيناهم الكتاب}: أي كعبد بن سلام ومن أمن من اليهود.
{يقفرحون بما انزل اليك}: أي يسرون به لأنهم مؤمنون صادقون ولأنه موافق لما عندهم.
{ومن الأحزاب}: أي من اليهود والمشركين.
{من ينكر بعضه}: أي بعض القرآن فالمشركون أنكروا لفظ الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب.
{وكذلك أنزلناه حكماً عربياً}: أي بلسان العرب لتحكم به بينهم.
{لكل أجل كتاب}: أي لكل مدة كتاب كتبت فيه المدة المحددة.
{يمحو الله ما يشاء}: أي يمحو من الاحكام وغيرها ويثبت ما يشاء فما محاه هو المنسوخ وما أبقاه هو المحكم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، فقوله تعالى: {والذين آتيناهم الكتاب} كعبدالله بن سلام يفرحون بما انزل اليك وهو القرآن وفي هذا تقرير للوحي وإثبات له، وقوله: {ومن الأحزاب} ككفار اهل الكتاب والمشركين {من ينكر بعضه} فاليهود انكروا اغلب ما في القرآن من الاحكام ولم يصدقوا الا بالقصص، والمشركون انكروا {الرحمن} وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب عليه لعائن الله، وقوله تعالى: {قل إنما أمرت ان أعبد الله ولا أشرك به} أي امرني ربي أن اعبد ولا اشرك به، اليه تعالى ادعو الناس أي إلى الايمان به والى توحيده وطاعته، {وإليه مآب} أي رجوعي وإيابي وفي هذا تقرير للتوحيد، وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً} أي وكهذا الانزال للقرآن أنزلناه بلسان العرب لتحكم بينهم به، وفي هذا تقرير للوحي الالهي والنبوة المحمدية، وقوله: {ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم} بان وافقتهم على مللهم وباطلهم في اعتقادهم، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يفعل وإنما الخطاب من باب... إياك اعني واسمعي يا جارة... {ما لك من الله من ولي ولا واق} أي ليس لك من دون الله من ولي يتولى امر نصرك وحفظك، ولا واق يقيك عذاب الله إذا اراده بك لأتباعك اهل الباطل وتركك الحق واهله، وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم ازواجاً وذرية} فلا معنى لما يقوله المبطلون: لم يتخذ محمد أزواجاً ولم تكون له ذرية؟ وهو يقول انه نبي الله ورسوله، فان الرسل قبلك من نوح وإبراهيم إلى موسى وداوود وسليمان الكل كان لهم ازواج وذربة، ولما قالوا {لولا أنزل عليه آية} رد الله تعالى عليهم بقوله: {وما كان لرسول ان يأتي بآية الا باذن الله} فالرسل كلهم مربوبون لله مقهرون لا يملكون مع الله شيئاًَ فهو المالك المتصرف ان شاء اعطاهم وان شاء منعهم، وقوله: {لكل أجل كتاب} أي لكل وقت محدد يعطي الله تعالى فيه أو يمنع كتاب كتب فيه ذلك الأجل وعين فلا فوضى ولا انف، وقوله: {يمحمو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} رد على قولهم لم يثبت الشيء ثم يبطله كاستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وكالعدة من الحول إلى اربعة أشهر وعشرة فاعلهم ان الله تعالى يمحو ما يشاء من الشرائع والاحكام بحسب حاجة عباده ويثبت كذلك ما هو صالح لهم نافع، {وعنده أم الكتاب} أي الذي حوى كل المقادير فلا يدخله تبديل ولا تغيير كالموت والحياة والسعادة والشقاء، وفي الحديث: «رفعت الأقلام وجفت الصحف». رواه مسلم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة الوحي والنبوة.
2- تقرير عقيدة التوحيد.
3- تقرير ان القضاء والحكم في الإسلام مصدره الأول القرآن الكريم ثم السنة لبيانها للقرآن، ثم القياس المأذون فيه بإجماع الامة لاستحالة اجتماعها على غير ما يحب الله تعالى ويرضى به.
4- التحذير من اتباع أصحاب البدع والأهواء والملل والنحل الباطلة.
5- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
6- بيان النسخ في الاحكام بالكتاب والسنة.

.تفسير الآيات (40- 43):

{وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}

.شرح الكلمات:

{نعدهم}: أي من العذاب.
{أو نتوفينك}: أي قبل ذلك.
{ننقصها من اطرافها}: أي بلداً بعد بلد بالفتح ودخول الإسلام فيها وانتهاء الشرك منها.
{لا معقب لحكمه}: أي لا راد له بحيث لا يتعقب حكمه فيبطل.
{ومن عنده علم الكتاب}: من مؤمني اليهود والنصارى.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {واما نرينك الذي نعدهم أو نتوفينك} أي ان أريتك بعض الذي نعد قومك من العذاب فذاك، وان نتوفينك قبل ذلك فليس عليك الا البلاغ فقد بلغت وعلينا الحساب فسوف نجزيهم بما كانوا يكسبون، فلا تأس أيها الرسول ولا تضق ذرعاً بما يمكرون، وقوله: {أو لم يروا} أي المشركون الجاحدون الماكرون المطالبون بالآيات على صدق نبوة نبينا {أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} أي نفتحها للاسلام بلداً بعد بلد أليس ذلك آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دعوته، وقوله: {الله يحكم ولا معقب لحكمه} أي والله جل جلاله يحكم في خلقه بما يشاء فيعز ويذل ويعطي ويمنع وينصر ويهزم، ولا معقب لحكمه أي ليس هناك من يعقب على حكمه فيبطله فإذا حكم بظهور الإسلام وإدبار الكفر فمن يرد ذلك على الله، وقوله: {وهو سريع الحساب} إذا حاسب على كسب فحسابه سريع يجزي الكاسب بما يستحق دون بطء ولا تراخ وقوله تعالى: {وقد مكر الذين من قبلهم} أي وقد مكرت اقوام قبل قريش وكفار مكة فكيف كان عاقبة مكرهم؟ وقوله: {فلله المكر جميعاً} أي إذا فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له فلا يرهب ولا يلتفت اليه وقوله: {يعلم ما تكسب كل نفس} من خير وشر فأين مكر من لا يعلم من مكر كل شيء فسوف يصل بالممكور به إلى حافة الهلاك وهو لا يشعر، أفلا يعني هذا كفار قريش فيكفوا عن مكرهم برسول الله ودعوته، وقوله تعالى: {وسيعلم الكفار لمن عقيى الدار} أي سيعلم المشركون خصوم الوحيد يوم القيامة لمن عقبى الدار أي العاقبة الحميدة لمن دخل الجنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه أو لمن دخل النار وهم دعاة الشرك والكفر واتباعهم، وقوله تعالى: {ويقول الذين كفروا لست مرسلاً} أي يواجهونك بالانكار عليك والجحود لنبوتك ورسالتك قل لهم يا رسولنا الله شهيد بيني وبينكم وقد شهد لي بالرسالة وأقسم لي عليها مرات في كلامه مثل {يسَ والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين} وكفى بشهادة الله شهادة، {ومن عنده علم الكتاب} الأول التوارة والانجيل وهم مؤمنوا اهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبدالله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي وتميم الداري وغيرهم.

.من هداية الآيات:

1- انتصار الإسلام وانتشاره في ظرف ربع قرن أكبر دليل على أنه حق.
2- احكام الله تعالى لا ترد، ولا يجوز طلب الاستئناف على حكم من احكام الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- شهادة الله أعظم شهادة، فلا تطلب بعدها شهادة إذا كان الخصام بين مؤمنين.
4- فضل العالم على الجاهل، إذ شهادة مؤمني أهل الكتاب تقوم بها الحجة على من لا علم لهم من المشركين.

.سورة إبراهيم:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}

.شرح الكلمات:

{آلر}: هذا احد الحروف المقطعة تكتب آلر وتقرأ ألف لام رَا والتفويض فيها أسلم وهو قول الله أعلم بمراده بذلك.
{كتاب}: أي هذا كتاب عظيم.
{أنزلناه إليك}: يا محمد صلى الله عليه وسلم.
{من الظلمات}: أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
{العزيز الحميد}: أي المحمود بالآئه.
{عن سبيل الله}: أي الإسلام.
{عوجاً}: أي معوجة.
{بآياتنا}: أي المعجزات التسع: العصا، اليد، الطوفان، الجراد، القمل، الضفادع، الدم، والطمس والسنين ونقص الثمرات.
{وذكرهم بأيام الله}: أي ببلائه ونعمائه.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الر} الله اعلم بمراده وقوله: {كتاب أنزلناه} أي هذا كتاب عظيم القدر انزلناه إليك يا رسولنا لتخرج الناس من الظلمات أي من الظلمات الكفر والجهل إلى نور الايمان والعلم لاشرعي، وذلك {بإذن ربهم} أي بتوقيفه ومعونته {الى صراط العزيز الحميد} أي إلى طريق العزيز الغالب الحميد أي المحمود بآلائه وافضلاته على عباده وسائر مخلوقاته {الله الذي له ما في السموات وما في الأرض} خلقاً وملكاً وتصريفاً وتدبيراً، هذا هو الله صاحب الموصل إلى الاسعاد والاكمال البشري، والكافرون معرضون بل ويصدون عنه فويل لهم من عذاب شديد، الكافورن {الذين يستحبون الحياة الدنيا} أي يفضلون الحياة الدنيا فيعلمون للدنيا ويتركون العمل للاخرة لعدم إيمانهم بها {ويصدون} أنفسهم وغيرهم أيضا {عن سبيل الله} أي الإسلام {ويبغونها عوجاً} أي معوجة انهم يريدون من الإسلام ان يوافقهم في اهوائهم وما يشتهون حتى يقبلوه ويرضوا به دنيا قال تعالى: {أولئك في ضلال بعيد} إنهم بهذا السلوك المتثمل في ايثار الدنيا على الاخرة والصد على الإسلام، ومحاولة تسخير الإسلام لتحقيق اطماعهم وشهواتهم في ضلال بعيد لا يمكن لصاحبه ان يرجع منه إلى الهدى، وقوله تعالى في الآية (4) من هذا السياق {وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه} أي بلغتهم التي يتخاطبون بها ويتفاهمون لحمكة ان يبين لهم، والله بعد ذلك يضل من يشاء إضلاله حسب سنته في الاضلال ويهدي من يشاء كذلك {وهو العزيز} الغالب الذي لا يمانع في شي، اراده {الحكيم} الذي يضع مل شيء في موضعه فلذا هو لا يضل الا من رغب في الاضلال وتكلف له وأحبه وآثره، وتنكر للهدى وحارب المهتدين والداعين إلى الهدى، وليس من حكمته تعالى ان يضل من يطلب الهدى ويسعى اليه ويلتزم طريقه ويحبه ويحب اهله، وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى} أي موسى نبي بني إسرائيل {بآياتنا} أي بحججنا وادلتنا الدالة على رسالته والهادية إلى ما يدعو اليه وهي تسع آيات منها اليد والعصى {ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور} أي اخرج قومك من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، {وذكرهم بأيام الله} أي وقلنا له: ذكرهم بأيام الله وهي بلاؤه ونعمه إذا انجاهم من عذاب آل فرعون وأنعم عليهم بمثل المن والسلوى، وذلك ليحملهم على الشكر لله بطاعته وطاعة رسوله، وقوله تعالى: {ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور} أي إن في ذلك التذكير بالبلاء والنعماء لدلالات في التذكير هم أهل الصبر والشكر بل هم الكثيروا الصبر والشكر، ون غيرهم فلا يرى في ذلك دلالة ولا علامة.

.من هداية الآيات:

1- إقامة الحجة على المكذبين بالقرآن الكريم، إذ هو مؤلف من الحروف المقطعة مثل آلر وطسم وآلم وحم، ولم يستطيعوا بمثله بل بسورة مثله.
2- بيان ان الكفر ظلام، والايمان نور.
3- بيان الحكمة في ارسال الله تعالى الرسل بلغات اقوامهم.
4- تقرير ان الذي يخلق الهداية هو الله واما العبد فليس له اكثر من الكسب.
5- فضيلة التذكير بالخير والشكر ليشكر الله ويتقى.
6- فضيلة الصبر والشكر.