فصل: سورة الإنسان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.سورة القيامة:

.تفسير الآيات (1- 15):

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}

.شرح الكلمات:

{لا}: أي ليس الأمر كما يدعي المشركون من أنه لا بعث ولا جزاء.
{أقسم بيوم القيامة}: أي الذي كذب به المكذبون.
{ولا أقسم بالنفس اللوامة}: أي لتُبعثن ولتحاسبن ولتعاقبن أيها المكذبون الضالون.
{اللوامة}: أي التي إن أحسنت لامت عن عدم الزيادة وإن أساءت لامت عن عدم التقصير.
{أيحسب الإِنسان}: أي الكافر الملحد.
{أن لن نجمع عظامه}: أي ألاّ نجمع عظامه لنحييه للبعث والجزاء.
{بلى قادرين}: أي بلى نجمعها حال كوننا قادرين مع جمعها على تسوية بنانه.
{على أن نسوي بنانه}: أي نجعل أصابعه كخف البعير أو حافر الفرس فلا يقدر على العمل الذي يقدر عليه الآن مع تفرقة أصابعه. كما نحن قادرون على جمع تلك العظام الدقيقة عظام البنان وردّها كما كانت كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الأصابع والتي تختلف بين إنسان وإنسان اختلاف الوجوه والصوات واللهجات.
{بل يريد الإِنسان}: أي بإِنكار البعث والجزاء.
{ليفجر أمامه}: أي ليواصل فجوره زمانه كله ولذلك أنكر البعث.
{يسأل أيان يوم القيامة}: أي يسأل سؤال استنكار واستهزاء واستخفاف.
{فإِذا برق البصر}: أي دهش وتحير لمّا رأى ما كان به يكذب.
{وخسف القمر}: أي أظلم بذهاب ضوئه.
{وجمع الشمس والقمر}: أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية الانقلاب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة.
{أين المفر}: أي إلى اين الفرار.
{كلا}: ردع له عن طلب الفرار.
{لا وزر}: أي لا ملجأ يتحصن به.
{بل الإِنسان على نفسه بصرة}: أي هو شاهد على نفسه حيث تنطق جوارحه بعمله.
{ولو ألقى معاذيره}: أي فلابد من جزائه ولو القى معاذيره.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} أي ما الأمر كما تقولون أيها المنكرون للبعث والجزاء أقسم بيوم القيامة الذي تنكرون وبالنفس اللوامة التي ستحاسب وتجري لا محالة لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وقوله تعالى: {أيحسب الإِنسان ألنّ نجمع عظامه} أي بعد موته وفنائه وتفرق أجزائه في الأرض، والمراد من الإِنسان هنا الكافر الملحد قطعاً {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} أي بلى نجمعها حال كوننا قادرين على ذلك وعلى ما هو أعظم وهو تسوية بنانه أي أصابعه بأن نجعلها كخف البعير أو حوافر الحمير، فيصبح يتناول الطعام بفمه كالكلب والبغل والحمار. وقوله: {بل يريد الإِنسان ليفجر أمامه} أي ما يجهل الإِنسان قدرة خالقه على إعادة خلقه ولكنه يريد أن يواصل فجوره مستقبله كله فلا يتوب من ذنوبه ولا يؤوب منمعاصيه لأن شهواته مستحكمة فيه، وقوله تعالى: {يسأل أيّان يوم القيامة} يخبر تعالى عن المنكر للبعث من أجل مواصلة الفجور من زنا وشرب خمور بأنه يقول ايّان يوم القيامة استبعادا واستنكارا وتسويفا للتوبة فبيّن تعالى له وقت مجيئه بقوله: {فإِذا برق البصر} أي عند الموت بأن تحير واندهش {وخسف القمر} أي أظلم وذهب ضوءه، {وجمع الشمس والقمر} أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية الانقلاب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة {يقول الإِنسان} الكافر {يومئذ أين المفر} أي إلى أين الفرار يا ترى؟ قال تعالى: {كلا} أي لا فرار اليوم من قبضة الجبار أيها الإِنسان الكافر {لا وزر} أي لا حصن ولا ملتجأ وإنما {إلى ربك} اليوم {المستقر} أي الانتهاء والاستقرار إما إلى جنة وإما إلى نار وقوله تعالى: {يُنبأ الإِنسان يومئذ بما قدم وأخر} أي يوم تقوم الساعة يخبّر الإِنسان من قبل ربّه تعالى بما قدم من أعماله في حياته الخير والشر سواء وبما أخر بعد موته منسنة حسنة سنّها أو سيئة كذلك وقوله تعالى: {بل الإِنسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره} أي عندما يتقدم الإِنسان للاستنطاق فيخبر بما قدم وأخر هناك يحاول أن يتنصل من بعض ذنوبه فتنطق جوارحه ويختم على لسانه فيتخذ من جوارحه شهود عليه فتلك البصيرة ولو ألقى معاذيره واعتذر ولا يقبل منه ذلك لكونه شاهدا على نفسه بجوارحه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان إفضال الله على العبد في خلقه وتركيب أعضائه.
3- معجزة قرآنية اثبتها العلم الصناعي الحديث وهي عدم تسوية خطوط الأصابع.
4- فكما خالف تعالى بين الإِنسان والإِنسان وبين صوت وصوت فَرَّق بين خطوط الأصابع فلذا استعملت في الإمضاءات وقبلت في الشهادات.
5- تقرير مبدأ أن المؤمن يثاب على ما أخر من سنة حسنة يُعمل بها بعده كما يأثم بترك السنة السيئة يُعمل بها كذلك بعده.

.تفسير الآيات (16- 25):

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}

.شرح الكلمات:

{لا تحرك به لسانك}: أي لا تحرك بالقرآن لسانك قبل فراغ جبريل منه.
{لتعجل به}: أي مخافة أن يتفلت منك.
{إن علينا جمعه}: أي في صدرك.
{وقرآنه}: أي قراءتك له بحيث نُجريه على لسانك.
{فإِذا قرأناه}: أي قرأه جبريل عليك.
{فاتبع قرآنه}: أي استمع قراءته.
{ثم إن علينا بيانه}: أي لك بتفهيمك ما يشكل عليك من معانيه.
{كلا}: أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لا بعث ولا جزاء.
{يحبون العاجلة}: أي الدنيا فيعملون لها.
{ويذرون الآخرة}: أم ويتركون الآخرة فلا يعملون لها.
{ناضرة}: أي حسنة مضيئة.
{إلى ربها ناظرة}: أي إلى الله تعالى ربها ناظرة بحيث لا تحجب عنه تعالى.
{باسرة}: أي كالحة مسودة عابسة.
{تظن}: أي توقن.
{أن يفعل بها فاقرة}: أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر.

.معنى الآيات:

لما ندد تعالى بالمعرضين عن القرآن المكذبين به وبالبعث والجزاء ذكر في هذه الآيات المقبلين على القرآن المسارعين إلى تلقيه فكانت المناسبة بين هذه الآيات وسابقاتها المقابلة بالتضادّ. فقال تعالى مؤدباً رسوله محمد صلى الله عليه وسلم {لا تحرك به} أي بالقرآن {لسانك} قبل فراغ جبريل من قراءته عليك. إذ كان صلى الله عليه وسلم حريصا على القرآن يخاف أن يتفلّت منه شيء فأكرمه ربّه بالتخفيف عليه وطمأنه أن لا يفقد منه شيئا فقال له {لا تحرك به لسانك لتعجل به} مخافة أن يتفلت منك {إن علينا جمعه} أي في صدرك {وقُرآنه} على لسانك حيث نسهل ذلك ونجربه على لسانك، {فإِذا قرأناه} أي قرأه جبريل عليك {فاستمع} له ثم اقرأه كما قرأه واعمل بشرائعه وأحكامه، وقوله تعهالى {ثم إن علينا بيانه} أي إنا نبيّن لك ما يشكل عليك من معانيه حتى تعمل بكل ما طلب منك أن تعمل به. وقوله تعالى: {كلاّ بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة} عاد السياق الكريم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء والت عليها وعلى الإِيمان بالله مدار الإِصلاح والتهذيب فقال: {كلا} أي ليس كما تدعون من عدم إكان البعث والجزاء لأنكم تعلمون أن القادر على إيجادكم اليوم وإعدامكم غداً قادر على إيجادكم مرة أخرى، ولكن الذي جعلكم تكذبون بالبعث والجزاء هو حبكم للحياة للعاجلة أي للدنيا وما فيها من لذات وشهوات، وترككم للآخرة أي للحياة الآخرة لأنها تكلفكم الصلاة والصيام والجهاد، والتخلي عن كثير من اللذات والشهوات. بعد أن كشف عننفسيات المكذبين توبيخا لهم وتقريعاً عرض على أنظارهم منظراً حيا وصورة ناطقة لما يتجاهلونه من شأن الآخرة فقال: {وجوه يومئذ} أي يوم إذ تقوم القيامة {ناضرة} أي حسنة مضيئة مشرقة لأن ارواح أصحابها كانت في الدنيا مشرقة بنور الإِيمان وصالح الأعمال {إلى ربها ناظرة} سعيدة بلقاء ربها مكرمة بالنظر إليه وهي في جواره {ووجوه يومئذ باسرة} أي كالحة مسودة عابسة وذلك لأن أرواح اصحابها كانت في الدنيا تعيش على ظلمة الكفر وعفن الذنوب ودخان المعاصي فانطبعت النفس على الوجه فهي باسرة حالكة عابسة {تظن} أي توقن أي الوجوه والمراد اصحابها {أن يفعل بها فاقرة} أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر منها وهي القاؤه {في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر} فاذكروا هذا يا بشر!!

.تفسير الآيات (26- 40):

{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}

.شرح الكلمات:

{إذا بلغت}: أي النفس.
{التراقي}: جمع ترقوة أي عظام الحلق.
{وقيل من راق}: أي وقال من حوله من عواده أو ممرضيه هل هناك من يرقيه ليشقى؟
{وظن أنه الفراق}: أي أيقن أنه الفراق للدنيا لبلوغ الروح الحلقوم.
{والتفت الساق بالساق}: أي التقت احدى ساقيه بالأخرى أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة وما فيها من أهوال.
{إلى ربك يومئذ المساق}: أي إذا بلغت الروح الحلقوم تساق إلى ربها وخالقها لتلقى جزاءها.
{فلا صدق ولا صلى}: أي الإِنسان الذي يحسب أن لن يجمع الله عظامه ما صدق ولا صلى.
{ولكن كذب}: أي بالقرآن.
{وتولى}: أي عن الإِيمان.
{يتمطى}: أي يتبختر في مشيته إعجابا بنفسه.
{أول لك}: أي وليك المكروه أيها المعجب بنفسه المكذب بلقاء ربه.
{فأولى}: أي فهو أولى بك.
{ثم اولى لك فأولى}: أي وليك المكروه مرة ثانية فأولى فهو أولى بك أيضا.
{أن يترك سدى}: أي مهملا لا يكلف في الدنيا ولا يحاسب ويجزى في الآخرة.
{تمنى}: أي تصب في الرحم.
{فخلق فسوى}: أي خلق الله منها الإِنسان فسواه بتعديل أعضائه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقوله تعالى: {كلا} أي ليس الأمر كما تحسب أيها الإِنسان أن الله لا يجمع عظامك ولا يحييك ولا يجزيك انظر إليك وأنت على فراش الموت إلى أين يكون مساقك إذا بلغت روحك التراقي من عظام حلقك وقال عوادك وممرضوك هل من راق يرقيك أو طبيب يداويك وأيقنت أنه الفراق لدنياك وأهلك وذويك، والتفت ساقك اليمنى باليسرى وشدة فراقك الدنيا بشدة اقبالك على الآخرة هنا انظر إلى أين يذهب بك أما جسمك فإِلى مقره في الأرض تواريك، وأما روحك فإِلى ربك ليحكم فيك. وقد كذبت بآياته وكفرت بالآية. فلا صدقت ولا صليت، ولكن كذبت وتوليت كان هذا نصيبك من دينك، وأما دنياك، فقد كنت تتمطى استكبارا وتتبختر اعجابا. إذاً {أولى لك فأولى} أي وليك الهلاك في الدنيا {ثم أولى لك فأولى} أي وليك العذاب في الأخرى وعودة غلى تقريعك وتوبيخك يا من كفرت ربك وتنكرت لأصلك اسمع ما يُقال لك أحسبت أنك تترك سدى، تعيش سبهللا، لا تؤمر ولا تنهى، لا يؤخذ منك ولا تُعطى كلا ألم تك قبل كفرك وجحودك نطفة قطرة ماء من منيّ تمنى قل بلى أو أولى لك فأولى، ثم كنت علقة فخلقك الله جل جلاله منها فسوّى خلقك بتعديل أعضائك فجعل من نوعك الذكر والأنثى. قل لي بربك هل تنكر ذلك فإِن قلت لا. قلنا اليس الله بقادر على أن يحيى الموتى؟ سبحانك اللهم بلى.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية الرقية إذا كانت بالقرآن أو الكلم الطيب.
2- التنويه بشأن الزكاة والصلاة فرائض ونوافل.
3- تحريم العجب والكبرياء والتبختر في المشي.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
5- الإِنسان لم يخلق عبثا والكون كله كذلك.
6- مشروعية قول سبحانك اللهم بلى لمن قرأ هذه الآية أو سمعها إماماً كان أو مأموماً وهي {أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى}.

.سورة الإنسان:

.تفسير الآيات (1- 12):

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}

.شرح الكلمات:

{هل أتى}: أي قد أتى.
{على الإنسان}: أي آدم عليه السلام.
{حين من الدهر}: أي أربعون سنة.
{لم يكن شيئا مذكورا}: أي لا نباهة ولا رفعة له لأنه طين لازب وحمأ مسنون وذلك قبل أن ينفخ الله تعالى فيه الروح.
{أمشاج}: أي أخلاط من ماء المرأة وماء الرجل.
{نبتليه}: أي نختبره بالتكاليف بالأمر والنهي عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل.
{إنا هديناه السبيل}: أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب.
{إنا أعتدنا}: أي هيأنا.
{سلاسل}: أي يسحبون بها في نار جهنم.
{وأغلالا}: أي في أعناقهم.
{وسعيرا}: أي ناراً مسعرة مهيجة.
{إن الأبرار}: أي المطيعين لله ورسوله الصادقين في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم.
{مزاجها}: أي ما تمزج به وتخلط.
{يفجرونها}: أي يجرونها ويُسيلونها حيث شاءوا.
{شره مستطيرا}: أي ممتدا طويلا فاشيا منتشرا.
{عبوسا}: أي تكلح الوجوه من طوله وشدته.
{نضرة وسرورا}: أي حسنا ووضاءة في وجوههم وفرحاً في قلوبهم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {هل أتى على الإِنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} يخبر تعالى عن آدم أبي البشر عليه السلام أنه أتى عليه حين من الدهر قد يكون أربعين سنة وهو صورة من طين لازب لا روح فيها، فلم يكن في ذلك الوقت شيئا له نباهة أو رفعة فيُذكر. هذا الإِنسان الأول آدم أخبر تعالى عن بدء أمره. وقوله: {إنا خلقنا الإِنسان من نطفة أمشاج} يخبر تعالى عن الإِنسان الذي هو ابن آدم أنه خلقه من نطفة وهي ما ينطف ويقطر من ماء الرجل وماء المرأة، ومعنى أمشاج أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة فهذا مبدأ خلق الإِنسان ابن آدم. وقوله: {نبتليه} أي نختبره بالتكاليف بالأمر والنهي وذلك عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل ولذلك جعله سميعا بصيرا إذ بوجود السمع والبصر معاً أو بأحدهما يتم التكليف فإِن انعدما فلا تكليف لعدم القدرة عليه.
وقوله تعالى: {إنا هديناه السبيل} أي بيّنا له طريق الهدى ببعثه الرسل وإنزال الكتب واستبان له بذلك أيضا طريق الغيّ والردى إذ هما النجدان إن عرف أحدهما عرق الثاني وهو في ذلك إما أن يسلك سبيل الهدى فيكون شكورا، وإما أن يسلك سبيل الغي والردى فيكون كفروا، والشكور المؤمن الصادق في غيمانه المطيع لربه، والكفور المكذب بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى: {إنا اعتدنا للكافرين} الايات شروع في بيان ما أعد لكل من سالكي سبيل الرشد وسالكي سبيل الغي فقال بادئا بما أعد لسالكي سبيل الغي موجزا في بيان ما أعد لهم من عذاب بخلاف ما أعد لسالكي سبيل الرشد فإِنه نعيم تفصيله محبوب والإِطناب في بيانه مرغوب فقال: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا} يسحبون بها في النار، وأغلالا تغل بها أيديهم في أعناقهم وسعيرا متأججا وجحيما مستعرا.
هذا موجز ما أعد لسالكي سبيل الغي أما سالكي سبيل الرشد فقد بينه بقوله: {إن الأبرار} أي المؤمنين المطيعين في صدق لله والرسول {يشربون من كأس} ملأى شرابا مزاجها كافورا ومزجت بالكافور لبرودته وبياض لونه وطيب رائحته عينا يشرب بها عباد الله لعذوبة مائها وصفائه أصبحت كأنها أداة يشرب بها ولذا قال يشرب بها ولم يقل يشرب منها وقوله يفجرونها تفجيرا أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا من غرفهم وقصورهم ومجالس سعادتهم. وقوله: {يوفون بالنذر} قطع الحديث عن نعيمهم ليذكر بعض فضائلهم ترغيبا في فعلهم ونعيمهم، ثم يعود غلى عرض النعيم فقال: {يوفون بالنذر} أي كانوا في دار الدنيا يوفون بالنذر وهو ما يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلاة والصيام والحج والصدقات تقرباً إلى ربهم وتزلفا إليه ليحرزوا رضاه عنهم وتلك غاية مناهم. وقوله ويخافون يوما مان شره مستطيرا أي وكانوا في حياتهم يخافون يوم الحساب يوم العقاب يوما كان شره فاشيا منتشرا ومع ذلك يطعمون الطعام على حبه أي مع حبهم وشهوتهم له ورغبتهم فيه، يطعمونه مسكينا فقيرا مسكنه الفقر وأذلته الحاجة، ويتيما لا عائل له ولا مال عنده، وأسيرا سجينا بعيد الدار نائي المزار لا يعرف له أصل ولا فصل يطعمونهم ولسان حالهم أو قالهم يقول إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء تجازوننا به في يوم ما من الأيام ولا شكورا ينالنا منكم. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا أي كالح الوجه مسود ثقيلا طويلا لا يطاق. واستجاب الله لهم وحقق بفضله مناهم فوقاهم الله شر ذلك اليوم العبوس القمطرير، ولقاهم نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم وجزاهم بما صبروا على فعل الصالحات وعن ترك المحرمات جنّة وحريرا، وما سيذكر بعد في الايات التاليات.

.من هداية الآيات:

1- بيان نشأة الإِنسان الأب والإِنسان الأبن وما تدل عليه من إفضال الله وإكرامه لعباده.
2- حاستا السمع والبصر وجودهما معاً أو وجود إحداهما ضروري للتكليف مع ضميمة العقل.
3- بيان أن الإِنسان أمامه طريقن فلليسلك أيهما شاء وكل طريق ينتهي به إلى غاية فطريق الرشد يوصل إلى الجنة دار النعيم، وطريق الغي يوصل إلى دار الشقاء الجحيم.
4- وجوب الوفاء بالنذر فمن نذر شيئا لله وجب أن يفي بنذره إلا أن ينذر معصية فلا يجوز له الوفاء بنذره فيها فمن قال لله على أن أصوم يوم أو شهر كذا وجب عليه أن يصوم ومن قال لله علي أن لا أصل رحمي، أو أن لا أصلي ركعة مثلا فلا يجوز له الوفاء بنذره وليصل رحمه وليصل صلاته ولا كفارة عليه.
5- الترغيب في إطعام الطعام للمحتاجين إليه من فقير ويتيم وأسير.