فصل: سورة الطور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (38- 46):

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}

.شرح الكلمات:

{وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون}: أي فكذبه وكفر، فأغرقناه ومن معه آية كآية سدوم.
{بسلطان مبين}: أي بحجة ظاهرة قوية وهي اليد والعصا.
{فتولى بركنه}: أي أعرض عن الإِيمان مع رجال قومه.
{وقال ساحر أو مجنون}: أي وقال فرعون في شأن موسى ساحر أو مجنون.
{فنبذناه في اليم}: أي طرحناهم في البحر فغرقوا أجميعن.
{وهو مليم}: أي آتٍ بما يُلام عليه إذ هو الذي عرض جيشاً كاملاً للهلاك زيادة على ادعائه الربوبية وتكذيبه لموسى وهرون وهما رسولان.
{وفي عاد}: أي وفي إهلاك عاد آية أي علامة على قدرتنا وتدبيرنا.
{الريح العقيم}: أي التي لا خير فيها لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهى الدبور، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وهى الريح الشرقية وأهلكت عاد بالدبور وهى الريح الغربية في الحجاز.
{ما تذر من شيء أتت عليه}: من نفس أو مال.
{إلا جعلته كالرميم}: أي البالى المتفتت.
{وفي ثمود}: أي وفي إهلاك ثمود آية دالة على قدرة الله وكرهه تعالى للكفر والإِجرام.
{إذ قيل لهم}: أي بعد عقر الناقة تمتعوا إلى انقضاء آجالكم بعد ثلاثة أيام.
{فأخذتهم الصاعقة}: أي بعد ثلاثة أيام من عقر الناقة.
{فما استطاعوا من قيام}: أي ما قدروا على النهوض عند نزول العذاب بهم.
{وقوم نوح من قبل}: أي وفي إهلاك قوم نوح بالطوفان آية وأعظم آية.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وفى موسى} الآية إنه تعالى لما ذكر إهلاك قوم لوط وجعل في ذلك آية دالةً على قدرته وعلامةً تدل العاقل على نقمة تعالى ممن كفر به وعصاه ذكر هنا في هذه الآية التسع من هذا السياق أربع آيات أخرى، يهتدى بها أهل الإِيمان الذين يخافون يوم الحساب فقال عز من قائل: وفي موسى بن عمران نبى بني إسرائيل إذ أرسلناه إلى فرعون ملك القبط بمصر {بسطان مبين} أب بحجة قوية ظاهرة قوة السلطان وظهوره وهى العصا فلم يستجب لدعوة الحق فتولى بركنه أي بجنده الذي يركن إليه ويعتمد عليه، وقال في موسى رسول الله إليه: هو ساحر أو مجنون فانتقمنا منه بعد الإِصرار على الكفر والظلم فنبذناهم أي طرحناهم في اليم البحر فهلكوا بالغرق. في هذا الصنيع الذي صنعناه بفرعون لما كذب آيةٌ من أظهر الآيات.
وقوله تعالى: {وفي عاد} حيث أرسلنا إليه أخاهم هوداً فدعاه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} التي لا تحمل مطرباً ولا تلقح شجراً ما تذر من شيء أتت عليه أي مرت به من أنفس أو أموال الا جعلته كالرميم البالى المتفتت في هذه الإهلاك آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث الجزاء يوم القيامة.
وقوله تعالى: {وفي ثمود} إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحاً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه فأعطاهم الله الناقة آية فعقروها استخفافاً منهم وتكذيباً {إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} أي إلى إنقضاء الأجل الذي حدد لهلاكهم. فبدل أن يؤمنوا ويسلموا فيعبدوا الله ويوحدوه عتوا عن أمر ربهم وترفعوا متكبيرين {فأخذتهم الصاعقة} صاعقة العذاب وهم ينظرون بأعينهم الموت يتخطفهم {فما استطاعوا من قيام} من مجالسهم وهم جاثمون على الركب {وما كانوا منتصرين} في إهلاك ثمود أصحاب الحجر آية للذين يخافون العذاب الأليم فلا يفعلون فعلهم حتى لا يهلكوا هلاكهم.
وقوله تعالى: {وقوم نوح من قبل إنهم كانا قوماً فاسقين} أي وفي إرسالنا نوحاً إلى قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب ثم إهلاكنا لهم بالطوفان وانجائنا المؤمنين آية من أعظم الآيات الدالة على وجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته للعالمين، والمستلزمة لقدرته على البعث والجزاء الذي يصر الملاحدة على أنكاره ليواصلوا فسقهم وفجورهم بلا تأنيب ضمير ولا حياء ولا خوف أو وجل.

.من هداية الآيات:

1- تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2- قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3- اتهام المبطلين لأهل الحق دفعاً للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4- من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإِذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.

.تفسير الآيات (47- 51):

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)}

.شرح الكلمات:

{والسماء بنيناها بأيدٍ}: أي وبنينا السماء بقوة ظاهرة في رفع السماء وإحكام البناء.
{وإنا لموسعون}: أي لقادرون على البناء والتوسعة.
{والأرض فرشناها}: أي مهّدناها فجعلناها كالمهاد أي الفراش الذي يوضع على المهد.
{فنعم الماهدون}: أي نحن أثنى الله تعالى على نفسه بفعله الخيريّ الحسن الكبير.
{ومن كل شيء خلقنا زوجين}: أي وخلقنا من كل شيء صنفين أي ذكراً وأنثى، خيراً وشراً، علوّاً وسفلاً.
{لعلكم تذكرون}: أي تذكرون أن خالق الأزواج كلها هو إله فرد فلا يعبد معه غيره.
{ففروا إلى الله}: أي إلى التوبة بطاعته وعدم معصيته.
{إني لكم منه نذير مبين}: أي إني وأنا رسول الله إليكم منه تعالى نذير مبين بين النذارة أي أخوفكم عذابه.
{ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر}: أي لا تعبدوا مع الله إلهاً أي معوداً آخر إذ لا معبود بحق إله هو.
{إني لكم منه نذير مبين}: إني لكم منه تعالى نذير بين النذارة أُخوفكم عذابه إن عبدتم معه غيره.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في عرض مظاهر القدرة الإِلهية الموجبة له تعالى الربوبية لكل شيء والألوهية على كل عباده. فقال تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} فهذا أكبر مظهر من مظاهر القدرة الإِلهية إنه بناء السماء وإحكام ذلك البناء وارتفاعه وما تعلق به من كواكب ونجوم وشمس وقمر تمَّ هذا الخلق بقوة الله التي لا توازيها قوة. وقوله: {وإنا لموسعون} أي لقادرون على توسعته أكثر مما هو عليه، وذلك لسعة قدرتنا.
ومظهر ثانٍ هو في قوله: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون} والأرض فرشها بساطاً ومهدها مهاداً فنعم الماهدون نحن نعم الماهد الله تعالى لها إذ غيره لا يقدر على ذلك ولا يتأتى له، وثالث مظاهر القدرة في قوله: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} فهذا لفظ عام يعم سائر المخلوقات وأنها كلها أزواج وليس فيها فرد قط. والذوات كالصفات فالسماء يقابلها الأرض، والحر يقابله البرد، والذكر يقابله الأنثى، والبر يقابله البحر، والخير يقابله الشر، والمعروف يقابله المنكر، فهي أزواج بمعنى أصناف كما أن سائر الحيوانات هي أزواج من ذكر وأنثى. وقوله: {لعلكم تذكرون} أي خلقنا من كل شيء زوجين رجاء أن تذكروا فتعلموا أن خالق هذه الأزواج هو الله الفرد الصمد الواحد الأحد لا إله غيره ولا رب سواه فتعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه من سائر خلقه.
وقوله تعالى: {ففربوا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} أي بعد أن تبين لكم أيها الناس أنه لا إله غير الله ففروا إليه تعالى إي بالإِيمان به وبطاعته وبفعل فرائضه وترك نواهيه اهبروا إلى الله يا عباد الله بالإِسلام إليه والانقياد لطاعته إني لكم منه تعالى نذير من عقاب شديد، ونذارتي بينة لا شك فيها وأنصح لكم أن لا تجعلوا مع الله إلهاً آخر أي معبوداً غيره تعالى تعبدونه إن الشرك به يحبط أعمالكم ويحرم عليكم الجنة فلا تدخلوها أبداً واعلموا أني لكم منه عز جل نذير مبين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة الإِلهية التي لا يعجزها شيء ومظاهر العلم والحكمة المتجلية في كل شيء.
2- ظاهرة الزوجية في الكون في الذرة انهبر لها العقل الإِنساني وهي مما سبق إليه القرآن الكريم وقرره في غير موضع منه: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسه ومما لا يعلمون. فدل هذا قطعاً أن القرآن وحي الله وأن من أوحى به إليه وهو محمد بن عبد الله لن يكون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- التحذير من الشرك فإنه ذنب عظيم لا يغفر إلا بالتوبة الصحيحة النصوح.

.تفسير الآيات (52- 60):

{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}

.شرح الكلمات:

{كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول}: أي الأمر كذلك ما أتى الذين من قبل قومك يا محمد من رسول.
{إلا قالوا ساحر أو مجنون}: أي اتواصت الأمم كل أمة توصى التي بعدها بقولهم للرسول هو ساحر أو مجنون، والجواب، لا أي لم يتواصوا بل هم قوم طاغون يجمعهم على قولهم هذا الطغيان.
{فتول عنهم فما أنت بملوم}: أي اعرض عنهم يا رسولنا فما أنت بملوم لأنك بلغتهم فأبرأت ذمتك.
{وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين}: أي عظ بالقرآن يا رسولنا فإن الذكرى بمعنى التذكير ينفع المؤمنين أي من علم الله أنه يؤمن.
{وما خلقت الجن والإِنس}: أي خلقتهم لأجل أن يعبدوني فمن عبدني أكرمته ومن ترك عبادتي أهنته.
{وما أريد منهم من رزق}: أي لا لي ولا لأنفسهم ولا لغيرهم.
{وما أريد أن يطعمون}: أي لا أريد منهم ما يريد أربابُ العبيد من عبيدهم هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام، فالله هو الذي يرزقهم.
{ذو القوة المتين}: أي صاحب القوة المتين الشديد الذي لا يعجزه شيء.
{ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم}: أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذي ماتوا على الكفر.
{فلا يستعجلون}: أي فلا يطالبوني بالعذاب فإن له موعداً لا يُخْلَفونه.
{من يومهم الذي يوعدون}: أي يوم القيامة.

.معنى الآيات:

بعد عرض تلك الأدلة المقررة للتوحيد والبعث والمسلتزمة للرسالة المحمدية والمشركون ما زالوا في إصرارهم على الكفر والتكذيب قال تعالى مسلياً رسوله مخففاً عنه ما يجده من إعراضٍ، وتكذيب: {كذلك} أي الأمر والشأن كذلك وهو أنه ما أتى الذين من قبلهم أي من قبل قومك من رسول الا قالوا فيه هو ساحر أو مجنون كما قال قومك لك اليوم. ثم قال تعال: {اتواصوا به} أي بهذا القول كل أمة توصى التي بعدها بأن تقول لرسولها: ساحر أو مجنون. بل هم قوم طاغون أي لم يتواصوا به وإنما جمعهم على هذا القول الطغيان الذي هو وصف عام لهم فإن الطاغي من شأنه ان ينكر ويكذب ويتهم بأبعد أنواع التهم والحامل له على ذلك طغيانه. وما دام الأمر هكذا فتول عنهم يا رسولنا أي أعرض عنهم ولا تلتفت إلى أقوالهم وأعمالهم فما أنت بملوم في هذا القول لأنك قد بلغت رسالتك وأديت أمانتك ولا يمنعك هذا التولى عنهم أن تذكر أي عِظْ بالقرآن بل وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين الذي علم الله تعالى أنهم يؤمنون ممن هم غير مؤمنين الآن كما تنفع المؤمنين حالياً بزيادة إيمانهم وصبرهم على طاعة الله ربهم.
وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} أي لم يخلقهما للهو ولا للعب ولا لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالإِذعان والتسليم لأمر ونهيه.
وقوله تعالى: {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} أي إن شأني معهم ليس كشأن السادة مالكي العبيد الذين يتعبدونهم بالقيام بحاجاتهم. هذا يجمع الماء وهذا يُعِدَ الطعام بل خلقتهم ليعبدوني أي يوحدوني في عبادتي، إذ عبادتهم لي مع عبادة غيري لا أقبلها منهم ولا إثيبهم عليها بل أعذبهم على الطاعة حيث عبدوا من لا يستحق أن يعبد من سائر المخلوقات.
وقوله تعالى: {إن الله هو الرازق ذو القوة المتين} قرر به غناه عن خلقه، وأعلم أنه ليس في حاجة إلى أحدٍ وذلك لغناه المطلق، وقدرته التي لا يعجزها في الأرض ولا في السماء شيء.
وقوله فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم فإن لهؤلاء المشركين ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم أي نصيباً من العذاب وعبر بالذنوب التي هي الدلو الملأى بالماء عن العذاب لأن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولأن الدلاء تأتى واحداً بعد واحد فكذلك. الهلاك يتم لأمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مرّ العذاب، وقوله: {ولا يستعجلون} أي ما هناك حاجة بهم إلى استعجال العذاب فإنه آت في إبّانه ووقته المحدد له لا محالة. وقوله تعالى: {فويل للذين كفروا} أي بالله ولقائه والنبي وما جاء به ويل لهم من يومهم الذي يوعدون أي العذاب الشديد له من يومهم الذي أوعدهم الله تعالى به وهو يوم القيامة والويل وادٍ في جهنم يسي بصديد أهل النار والعياذ بالله.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة بشرية وهي التكذيب والاتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى خلاف مألوفيهم وما اعتادوه من باطلٍ وشرٍ فيدفعون بالقول فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهى الحرب والقتال.
2- بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بالله.
3- مشروعية التذكير، وانه ينتفع به مَنْ أراد الله إيمانه ممن لم يؤمن، ويزداد به إيمان المؤمنين الحاليين.
4- بيان علة خلق الإِنس والجن وهي عبادة الله وحده.
5- بيان غنى الله تعالى عن خلقه، وعدم احتياجه اليهم بحال من الأحوال.
6- توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم لا محالة.

.سورة الطور:

.تفسير الآيات (1- 16):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}

.شرح الكلمات:

{والطور}: أي والجبل الذي كلم الله عز وجل عليه موسى عليه السلام.
{وكتاب مسطور}: أي وقرآن مكتوب.
{في رق منشور}: أي في جلد رقيق أو ورق منشور.
{والبيت المعمور}: أي بالملائكة يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون أبداً.
{والسقف المرفوع}: أي السماء التي هي كالسقف المرفوع للأرض.
{والبحر المسجور}: أي المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض.
{يوم تمور السماء موراً}: أي تتحرك وتدور.
{في خوض يلعبون}: أي في باطل يلعبون أي يتشاغلون بكفرهم.
{يدعون إلى نار جهنم دعا}: أي يدفعون بعنف دفعاً.
{افسحر هذا}: أي العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في القرآن.
{أم أنتم لا تبصرون}: أي أم عدمتم الأبصار فأنتم لا تبصرون.
{اصلوها}: أي اصطلوا بحرها.
{فاصبروا أو لا تصبروا}: أي صبركم وعدمه عليكم سواء.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور} هذه خمسة أشياء عظام أقسم الله تعالى بها، وبالتتبع لما يقسم الله تعالى به يُرى أنه إذا أقسم بشيء إنما يقسم به إما لكونه مظهراً من مظاهر القدرة الإِلهية، كالسماء مثلا، وإما لكونه معظما نحو لعمرك إِذْ هو إقسام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم. وإما لكونه ذا فائدة للإِنسان ونفع خاص به كالتين والزيتون وقوله تعالى: {والطور} وهو جيل الطور الذي كلم تعالى عليه موسى وهو مكان مقدس، وقوله: {وكتاب مسطور في رق منشور} أي منشور في ورق أو جلد رقيق وهو التوراة أو القرآن والإِقسام به لما فيه من حرمة وقدسية عند الله تعالى، والبيت المعمور وهو بيت في السماء تغشاه الملائكة كل يوم وتعمره بالعبادة وهو بحيال الكعبة بحيث لو وقع لوقع فوقها والسقف المرفوع وهو السماء وهي كالسقف للأرض وهي مظهر من مظاهر قدرة ا لله تعالى وعلمه ومثلها البحر والمسجور أي المملوء بكميات المياه الهائلة فإنه مظهر من مظاهر القدرة والعلم والحكمة الإِلهية هذا القسم الضخم جوابه أو المقسم عليه هو قوله إِن عذاب ربك يا رسولنا لواقع ماله من دافع ليس له من دافع يدفعه أبداً، وإن له وقتاً محدداً يقع فيه، وعلامات تدل عليه وهي قوله تعالى: {يوم تمور السماء موراً} أي تتحرك بشدة وتدور وتسير الجبال سيراً فتكون كالهباء المنبث هنا وهناك فويل يومئذ للمكذبين والويل واد في جهنم مملوء بقيح وصديد أهل النار، والمكذبون هم الكافرون بالله وبما جاءت به رسله عنه من أركان الإِيمان وقواعد الإِسلام وقوله: {الذين هم في خوص يلعبون} أي في باطلهم وكفرهم يتشاغلون به عن الإِيمان الحق العمل الصالح المزكى للنفس المطهر لها. وقوله: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً} أي يوم يدفعون بشدة وعنف إلى جهنم ويقال لهم توبيخاً وتقريعاً لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون. أخبرونا: أفسحر هذا أي العذاب الذي أنتم فيه الآن تعذبون أم أنتم لا تبصرون فلا تعاينونه. ويُقال لهم أيضا تبكيتاً وتقريعاً فاصبروا على عذاب النار أو لا تصبر سواء عليكم أي صبركم وعدمه عليكم سواء. إنما تجزون ما كنتم تعلمون أي في الدنيا من الشرك والمعاصي.

.من هداية الآيات:

1- تقرير البعث والجزاء.
2- لله تعالى ان يقسم بما يشاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير الله تعالى.
3- عرض سريع لأهوال القيامة وأحوال المكذبين فيها.
4- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل.

.تفسير الآيات (17- 20):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}

.شرح الكلمات:

{إن المتقين}: أي الذين اتقوا ربهم فعبدوه وحده بما شرع لهم فأدوا الفرائض.
واجتنبوا النواهي.
{فاكهين}: أي متلذذين بأكل الفاكهة الكثيرة التي آتاهم ربهم.
{ووقاهم عذاب الجحيم}: أي وحفظهم من عذاب الجحيم عذاب النار.
{على سرر مصفوفة}: أي بعضها إلى جنب بعض.
{وزوجناهم بحور عين}: أي قرناهم بنساء عظام الأعين حِسانها.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى حال أهل النار ذَكر حال أهل الجنة وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي أمتاز به القرآن الكريم فقال تعالى مخبراً عن حال أهل الجنة: {إن المتقين} أي الذين اتقوا في الدنيا الشرك والمعاصي {في جناتٍ} أي بساتين ونعيم مقيم يحوى كل ما لذّ وطاب مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين. فاكهين بما آتاهم ربُّهم أي متلذذين بأكل الفواكه الكثيرة الموصوفة بقول الله تعالى: لا معطوعة ولا ممنوعة. {ووقاهم عذاب الجحيم} أي حفظهم من عذاب النار.
ويقال لهم: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون} أي بسبب ما كُنتم تعملونه من أعمال البر والإِصلاح بعد الفرائض واجتناب الشرك والمعاصي. وقوله: {متكئين} أي حال كونهم وهم في نعيمهم متكئين على سرر مصفوفة قد صُف بعضها إلى جنب بعض. وقوله تعالى: {وزوجناهم بحور عين} أي قرناه بزوجات من الحور العين والحور جمع حوراء وهي التي يغلب بياض عينها على سوادها والْعِين جمع عَينْاء وهى الواسعة العينين. جعلنا الله ممن يُزوجّون بهن إنه كريم.

.من هداية الآيات:

1- فضل التقوى وكرام أهلها.
2- بيان منة الله وفضله على أهل الإِيمان والتقوى وهم أولياء الله تعالى.
3- مشروعية الدعاء بكلمة هنيئا لمن أكل أو شرب ائتساء بأهل الجنة.
4- الإِيمان والأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة وليست ثمنا لها لأن الجنة أغلى من عمل الإنسان، وانما العمل الصالح يزكى النفس فيؤهل صاحبها لدخول الجنة فالباء في قوله: {بما كنتم تعملون} سببية وليست للعوض كما في قولك بعتك الدار بألف مثلا.