فصل: سورة النازعات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (17- 30):

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)}

.شرح الكلمات:

{إن يوم الفصل}: أي الفصل بين الخلائق ليجزي كل امرئ بما كسب.
{كان ميقاتا}: أي ذا وقت محدد معين لدى الله عز وجل فلا يتقدم ولا يتأخر.
{يوم ينفخ في الصور}: أي يوم ينفخ إسرافيل في الصور.
{فتأتون أفواجا}: أي تأتون أيها الناس جماعات جماعات إلى ساحة فصل القضاء.
{وفتحت السماء}: أي لنزول الملائكة.
{وسيرت الجبال}: أي ذُهب بها من أماكنها.
{فكانت سرابا}: أي مثل السراب فيتراءى ماء وهو ليس بماء فكذلك الجبال.
{إن كهنم كانت مرصادا}: أي راصدة لهم مرصدة للظالمين مرجعا يرجعون إليها.
{لابثين فيها أحقابا}: أي دهورا لا نهاية لها.
{لا يذوقون فيها بردا}: أي نوما ولا شرابا مما يشرب تلذذا به إذ شرابهم الحميم.
{وغساقا}: أي ما يسيل من صديد أهل النار، جوزوا به عقوبة لهم.
{جزاء وفاقا}: إذ لا ذنب أعظم من الكفر، ولا عذاب أعظم من النار.
{كذابا}: أي تكذيبا.
{فلن نزيدكم إلا عذابا}: أي فوق عذابكم الذي أنتم فيه.

.معنى الآيات:

بعد أن ذكر تعالى آيات قدرته على البعث والجزاء الذي أنكره المشركون واختلفوا فيه ذكر في هذه الآيات عرضا وافيا للبعث الآخر وما يجري فيه، وبدأ بذكر الأحداث للانقلاب الكوني، ثم ذكر جزاء الطاغين تفصيلا فقال عز وجل: {إن يوم الفصل} أي بين الخلائق كان ميقاتا لما أعد الله للمكذبين بلقائه الكافرين بتوحيده المنكرين لرسالة نبيه فيه، يجزيهم الجزاء الأوفى، ثم ذكر تعالى أحداثا تسبقه فقال: {يوم ينفخ في الصور} أي يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث وهي الثانية فتأتون أيها الناس أفواجا أي جماعات. {وفتحت السماء} أي انشقت {فكانت أبوابا} لنزول الملائكة منها {وسيرت الجبال فكانت سرابا} هباء منبثا كالسراب في نظر الرائي. وقوله تعالى: {إن جهنم كانت مرصادا} أي إنه بعد الحساب يأتي الجزاء وها هي ذي جهنم قد أرصدت واعدت فهي مرصاد، مرصاد لمن؟ للطاغين المتجاوزين الحد الذي حدد لهم وهو أن يؤمنوا بربهم ويعبدوه وحده ويتقربوا إليه بفعل محابه وترك مكارهه فتجاوزوا ذلك إلى الكفر بربهم والإِشراك به وتكذيب رسوله وفعل مكارهه وترك محابه هؤلاء هم الطاغون الذي ارصدت لهم جهنم فكانت لهم مرصادا ومرجعا ومآبا {لابثين فيها أحقابا} أي دهورا، {لا يذوقون فيها بردا} أي نوما لأن النوم يسمى البرد في لغة بعض العرب، {ولا شرابا} ذا لذة {إلا حميما} وهو الماء الحار {وغساقا} وهو ما يسيل من صديد أهل النار {جزاء وفاقا} أي موافقا لذنوبهم لأنه لا أعظم من الكفر ذنبا ولا من النار عذابا ثم ذكر تعالى مقتضى هذا العذاب فقال: {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} أي ما كانوا يؤمنون بالحساب ولا بالجزاء ولا يخافون من ذلك {وكذبوا بآياتنا كذّابا} أي بآياته وحججه تكذيبا زائدا. وقوله تعالى: {وكل شيء احصيناه كتابا} إذ كانت الملائكة تكتب أعمالهم وتحصيها عليهم فهم يتلقون جزاءهم العادل ويقال لهم توبيخا وتبكيتا وهم في أشد العذاب وأمرّه {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} فيعظم عندهم الكرب ويستحكم من نفوسهم اليأس. وهذا جزاء من تنكر لعقله فكفر بربه وآمن بالشيطان وعبد الهوى. والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالطغيان وبيان جزاء الظالمين.
2- التنديد بالتكذيب بالبعث والمكذبين به.
3- أعمال العباد مؤمنهم وكافرهم كلها محصاة عليها ويجزون بها.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر آثارها.
5- أبديّة العذاب في الدار الاخرة وعدم امكان نهايته.

.تفسير الآيات (31- 40):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)}

.شرح الكلمات:

{إن للمتقين}: أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي خوفا من ربهم وعذابه.
{مفازا}: أي مكان فوز ونجاة وهو الجنة.
{حدائق وأعنابا}: أي بساتين وأعنابا.
{وكواعب}: أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب.
{أترابا}: أي في سن واحدة وأتراب جمع واحدة تِرب.
{وكأسا دهاقا}: أي خمرا كأسها ملأى بها.
{لا يسمعون فيها}: أي في الجنة لغوا أي باطلا ولا كذبا من القول.
{عطاء حسابا}: أي عطاء كثيرا كافيا يقال أعطاني فأحسبني.
{يوم يقوم الروح}: ملك عظيم يقوم وحده صفا والملائكة صفا وحدهم.
{مآبا}: أي مرجعا سليما وذلك بالإِيمان والقتوى إذ بهما تكون النجاة.
{ما قدمت يداه}: أي ما أسلفه في الدنيا من خير وشر.
{يا ليتني كنت ترابا}: أي حتى لا أعذب وذلك يوم يقول الله تعالى للبهائم كوني ترابا وذلك بعد الاقتصاص لها من بعضها بعضا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء المستلزمة لعقيدة التوحيد والنبوة بعد أن ذكر تعالى حال الطغاة الفجار وبين مصيرهم غاية البيان ثنّى بذكر المتقين الأبرار وبين مصيرهم وأنه جنات تجري من تحتها الأنهار فقال وقوله الحق وخبره الصدق {إن للمتقين مفازا} أي مكان فوز ونجاح وبيّنه بقوله حدائق أي بساتين وأعنابا وكواعب جمع الفتاة ينكعب ذديها أي يستدير ويرتفع كالكعب وذلك عند بلوغها وقوله في وصفهن {أترابا} جمع ترب أي في سن واحدة دون الثلاثين سنة {وكأسا دهاقا} أي كأس خمر ملأى {لا يسمعون} أي في الجنة {لغوا ولا كذابا} لا قولا باطلا ولا كذابا. وقوله تعالى: {جزاء من ربك عطاء حسابا} أي جزاهم ربهم بذلك فجعله عطاء كافيا ووصف الجبار نفسه تعليما وتذكيرا فأبدل من قوله منربك: قوله: {رب السموات والأرض وما بينهما} أي مالكهما والمتصرف فيهما {الرحمن} رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها {لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح} ملك عظيم لا يقادر قدره وحده صفا {والملائكة صفا} هنا لا يملك أحد من الخلق {من الرحمن خطابا} وقوله: {لا يتكلمون} بيد يديه {إلا من أذن له الرحمن وقال} قولا {صوابا} وفي الصحيح أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول من يكلم الله عز وجل في الموقف حيث يأتي تحت العرش فيخر ساجدا فلا يزال ساجدا يحمد الله تعالى. بمحامد يلهما ساعتئذ فيقول له الرب تعالى ارفع راسك وسل تعط واشفع تشفع وقوله تعالى: {ذلك اليوم الحق} الذي لا مرية فيه ولا شك وهو يوم الفصل وبناء عليه فمن شاء اتخذ غلى ربه مآبا أي مرجعا إليه بالإِيمان والطاعة. وقوله تعالى: {إنا أنذرناكم عذابا قريبا} أي خوفناكم عذابا قريبا جدا يبتدئ بالموت ولا ينتهي ابدا، وذلك {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} من خير أو شر أي يرى جزاء عمله عيانا إن كان عمله خيراً جزي بمثله وإن كان شرا جزي بمثله. {ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} إنه لما يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا يتمنى الكافر وهو في عذابه أن لو كان ترابا مثل البهائم ولولا العذاب وشدته ودوامه لما تمنى أن يكون ترابا ابدا.

.من هداية الآيات:

1- بيان كرامة المتقين وفضل التقوى.
2- وصف جميل لنعيم الجنة.
3- ذم الكذب واللغو وأهلهما.
4- بيان شدة الموقف وصعوبة المقام فيه.
5- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
6- الترغيب في العمل الصالح واجتناب العمل السيء الفاسد.

.سورة النازعات:

.تفسير الآيات (1- 14):

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}

.شرح الكلمات:

{والنازعات غرقا}: أي الملائكة تنزع أرواح الفجار والكفار عند الموت بشدة.
{والناشطات نشطا}: أي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين الصالحين نشطا أي تسلها برفق.
{والسابحات سبحا}: أي الملائكة تسبح من السماء بأمر الله أي تنزل به إلى الأرض.
{فالسابقات سبقا}: أي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
{فالمدبرات أمرا}: أي الملائكة تدبر أمر الدنيا أي تنزل بتدبيره من لدن الله المدبر الحكيم.
{يوم ترجف الراجفة}: أي النفخة الأولى نفخة الفناء التي يتزلزل كل شيء معها.
{تتبعها الرادفة}: أي النفخة الثانية.
{واجفة}: أي خائفة قلقة.
{أئنا لمردودون في الحافرة}: أي أنرد بعد الموت غلى الحياة إذ الحافرة اسم لأول الأمر.
{تلك إذا كرة خاسرة}: أي رجعة إلى الحياة خاسرة.
{فإنما هي زجرة واحدة}: أي نفخة واحدة.
{فإِذا هم بالساهرة}: أي بوجه الأرض أحياء سميت ساهرة لأن من عليها بها يسهر ولا ينام.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والنازعات غرقا} الآيات هذا قسم عظيم أقسم تعالى به على أنه لابد من البعث والجزاء حيث كان المشركون ينكرون ذلك حتى لا يقفوا عند حد في سلوكهم فيواصلوا كفرهم وفسادهم جريا وراء شهواتهم كل أيامهم وطيلة حياتهم كما قال تعالى بل يريد الإِنسان ليفجر أمامه فأقسم تعالى بخمسة اشياء وهي النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات، ورجح أنهم أصناف من الملائكة وجائز أن يكون غير ذلك ولا حرج إذ العبرة بكونه تعالى قد اقسم ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ثابت وواقع لا محالة، وتقدير جواب القسم بلتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم إذ هو معهود في كثير من الإِقسام في القرآن كقوله تعالى من سورة التغابن زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير وسيتم ذل البعث والجزاء يوم ترجف الراجفة التي هي النفخة الأولى التي ترجف فيها العوالم كلها ويفنى فيها كل شيء، ثم تتبعها الرادفة وهي النفهخة الثانية وهي نفخة البعث من القبور أحياء وأن بين النفختين أربعين سنة كما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وقوله تعالى: {قلوب يومئذ واجفة} أي خائفة قلقة {أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحاب تلك القلوب خاشعة أي ذليلة خائفة. وقوله تعالى: {يقولون} أي منكرو البعث {أئنا لمردودون في الحافرة} أي أنرد بعد الموت إلى الحياة من جديد كما كنا أول مرة، {أئذا كنا عظاما نخرة} أي بالية مفتتة وقولهم هذا استبعاد منهم للبعث وانكار له، و{قالوا تلك إذاً كرة خاسرة} يعنون أنهم إذا عادوا إلى الحياة مرة أخرى فإِن هذه العودة تكون خاسرة وهي بالنسبة إليهم كذلك إذ سيخسرون فيها كل شيء حتى أنفسهم كما قال تعالى: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}.
وقوله تعالى: {فإِنما هي زجرة واحدة} أي صيحة واحدة هي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث {فإذا هم} أولئك المكذبون وغيرهم من سائر الخلق {بالساهرة} أي وجه الأرض وقيل فيها الساهرة لأن من عليها يومئذ لا ينامون بل يسهرون أبدا فرد تعالى بهذا على منكري البعث الآخر وقرره عز وجل بما لا مزيد عليه إعذارا وإنذارا ولا يهلك على الله إلا هالك.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن الله تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته بخلاف العبد لا يجوز له أن يقسم بغير ربه تعالى.
2- بيان أن روح المؤمن تنزع عند الموت نزعاً سريعاً لا يجد من الألم ما يجده الكافر.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بالإِقسام عليها وذكر كيفية وقوعها.

.تفسير الآيات (15- 26):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

.شرح الكلمات:

{موسى}: أي موسى بن عمران عليه السلام.
{بالواد المقدس طوى}: أي بالواد الطاهر المبارك بطوى.
{اذهب إلى فرعون}: أي بأن اذهب إلى فرعون.
{إنه طغى}: أي تجاوز حده كعبد إلى ادعاء الربوبية والألوهية.
{إلى أن تزكى}: أي تسلم فتطهر من رجس الشرك والكفر بالإِسلام لله تعالى.
{وأهديك إلى ربك}: أي أرشدك إلى معرفة ربك الحق فتخشاه وتطيعه فتنجو من عذابه.
{فأراه الآية الكبرى}: أي العصا واليد إذ هي من اكبر الآيات الدالة على صدق موسى.
{ثم أدبر يسعى}: أي بعد ما كذب وعصى رجع يجمع جموعه ويحشر جنوده لحرب موسى وقال كلمة الكفر أنا ربكم الأعلى فلا طاعة إلاّ لي.
{فأخذه الله نكال الآخرة والأولى}: أي عذبه تعالى عذاب الآخرة وهو قوله أنا ربكم الأعلى وعذاب الأولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {هل أتاك حديث موسى} الآيات. المقصود من هذه الآيات تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعاني من تكذيب قومه له ولما جاء به من التوحيد والشرع فقص تعالى عليه طرفا من قصة موسى مع فرعون تخفيفا عليه، وتهديداً لقومه بعقوبة تنزل بهم كعقوبة فرعون الذي كان أشد منهم بطشاً وقد أهلكه الله فأغرقه وجنده.. فقال تعالى: {هل أتاك} يا رسولنا {حديث موسى} بن عمران، {إذ ناداه ربّه بالواد المقدس طوى} أي بالواد المطهر المبارك المسمى طوى ناده فأعلمه أولاً أنه لا إله إلا هو وأمره بعبادته، ثم أمره بأ، يذهب إلى فرعون الوليد بن الريان ملك القبط بمصر فقال له اذهب إلى فرعون إنه طغة أي عتا وتكبر وظلم فأفحش في الظلم والفساد. وعلمه ما يقول له إذا انتهى إله فقل {هل لك إلى أن تزكى} أي إلى أن تسلم فتزكو روحك وتطهر بالإِسلام وأهديك إلى ربك فتخشى أي وارشدك إلى ربك وأعرفك به فتخشى أي عقابه فتترك الظلم والطغيان قال تعالى فأراه الآية الكبرى والتي هي اليد والعصا، فكذب فرعون موسى في دعوته وعصى ربّه فلم يستجب له ولم يطعه فيما أمره به ودعاه إليه من الإِيمان برسالة موسى وإِرسال بني إسرائيل معه بعد الإِسلام لله ظاهرا وباطنا. ثم أدبر فرعون أي عن دعوة الحق رافضا لها يسعى في الباطل والشر {فحشر} رجال وجنده {فنادى} أي ناداهم ليعدهم إلى حرب موسى {فقال أنا ربكم الأعلى} يعني أنه لا ربّ فوقه، {فأخذه الله} أي عذبه {نكال} أي عذاب {الآخرة} أي الكلمة وهي قوله: {أنا ربكم الأعلى} ونكال الأولى وهي قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} وبين الكلمتين الخبيثتين أربعون سنة فالأولى قالها في بداية الدعوة حيث ادّعى أنه يحث واستقصى في البحث واجتهدوا أنه كل ذلك الاجتهاد لم يعلم أن للناس من قومه من إله سواه.
وقوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} أي فيما قص تعالى من خبر موسى وفرعون {لعبرة} أي عظة لمن يخشى الله وعذاب الدار الآخرة فيؤمن ويتقي أي فيزداد إيماناً وتقوى.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الداعي إلى الله تعالى وحمله على الصبر في دعوته حتى ينتهي بها إلى غاياتها.
2- اثبات مناجاة موسى لربّه تعالى وأنه كلمه ربّه كفاحاً بلا واسطة.
3- تقرير أن لا تزكية للنفس البشرية إلا بالإِسلام أي بالعمل بشرائعه.
4- لا تحصل الخشية من الله للعبد إلا بعد معرفة الله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
5- وجود المعجزات لا يستلزم الإِيمان فقد رأى فرعون أعظم الآيات كالعصا واليد وما آمن.
6- التنديد والوعيد الشديد لمن يدعي الربوبية والألوهية فيأمر الناس بعبادته.

.تفسير الآيات (27- 33):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}

.شرح الكلمات:

{أأنتم أشد خلقا أم السماء}: أي أشد خلقا.
{رفع سمكها}: أي غلظها وارتفاعها.
{فسواها}: أي جعلها مستوية سطحا واحدا ما فيها نتوء ولا انخفاض.
{وأغطش ليلها}: أي أظلمه جعله مظلما.
{وأخرج ضحاها}: أي ضوءها ونهارها.
{والأرض بعد ذلك دحاها}: أي بعد أن خلق الرض خلق السماء ثم دحا الأرض أي بسطها.
وأخرج منها ماءها ومرعاها.
{والجبال أرساها}: أي أثبتها على سطح الأرض لتثبت ولا تميد بأهلها.
{متاعا لكم ولأنعامكم}: أي اخرج من الأرض ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاععا لكم ولأنعامكم وهي المواشي من الحيوان.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {أأنتم اشد خلقا} الآيات.. سيقت هذه الآيات الكريمة لتقرير عقيدة البعث والجزاء بايراد أكبر دليل عقلي لا يرده العاقل ابدا وهو أن السماء في خلقها وما خلق الله فيها، وأن الأرض في خلقها وما خلق الله فيها أشد خلقا وأقوى وأعظم من خلق الإِنسان بعد موته فالبشرية كلها لا يساوي حجمها حجم كوكب واحد من كواكب السماء ولا سلسلة واحدة من سلاسل الجبال في الرض فضلا عن السماء والأرض. إذاً فالذي قدر على خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها قادر قطعا ومن باب أولى على خلق الإِنسان مرة أخرى وقد خلقه أولاً فإِعادة خلقه بإِحيائه بعد موته أيسر وأسهل وأمكن من خلقه أولاً على غير مثال سبق، ولا صورة تقدمت، ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأنهم لا يفكرون وهذا عرض الآيات قوله تعالى: {أأنتم اشد خلقا} أيها المنكرون للبعث المكذبون به {أم السماء} والجواب الذي لا شك فيه هو أن السماء أشد خلقاً منهم وبيان ذلك فيما يلي:
1- بناها فهي سقف للأرض مرفوعة فوقها مسوّاة فلا انفطار فيها ولا ارتفاع لبعض وانخفاضاً لبعض آخر بل هي كالزجاجة في سمتها واعتدالها في خلقها.
2- رفع سمكها فإِن غلظها مقدر بمسيرة خمسمائة عام.
3- أغطش ليلها فجعله مظلما.
4- وأخرج ضحاها فجعل نهارها مضيئا. هذه هي السماء. والأرض بعد ذلك أي بعد أن خلقها أولا وقبل السماء عاد إليها فدحاها بأن بسطها للأنام وأخرج منها ماءها ففجر فيها عيونها وأخرج منها مرعى وهو ما يرعى من سائر الحبوب والثمار والنبات والأشجار منفعة للإِنسان ولحيوانه المفتقر إليه في ركوبه وطعامه وشرابه وما ذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة في الأرض لا يقل عما ذكر في السماء إن لم يكن أعظم فكيف إذاً ينكر الإِنسان على ربّه أن يعيده حيّاً بعد إماتته له ليحاسبه وليجزيه إنه بدل أن ينكر يجب عليه أن يشكر، ولكن الإِنسان ظلوم كفار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان إفضال الله تعالى على الإِنسان وإنعامه عليه.
3- مشروعية الاستدلال بالكبير على الصغير وبالكثير على القليل وهو مما يعلم بداهة وبالضرورة إلا أن الغفلة أكبر صارف وأقوى حايل فلابد من إزالتها أولا.