فصل: سورة سبأ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (60- 62):

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}

.شرح الكلمات:

{لئن لم ينته المنافقون}: أي عن نفاقهم وهو إظهار الإِيمان واخفاء الكفر.
{والذين في قلوبهم مرض}: أي مرض حب الفجور وشهوة الزنا.
{والمرجفون في المدينة}: أي الذين يأتون بالأخبار الكاذبة لتحريك النفوس وزعزعتها كقولهم العدو على مقربة من المدينة أو السرية الفلانية قتل أفرادها وما إلى ذلك.
{لنغرينك بهم}: أي لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم.
{ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلا}: أي في المدينة الا قليلا من الأيام ثم يخرجوا منها أو يهلكوا.
{ملعونين}: أي مبعدين عن الرحمة.
{اينما ثقفوا أخذوا}: أينما وجدوا أخذوا أسرى وقتلوا تقتيلاً.
{سنة الله في الذين خَلَوْا من قبل}: أي سن الله هذا سنة في الأمم الماضية أينما ثقف المنافقون والمرجفون أخذوا وقتلوا تقتيلاً.
{ولن تجد لسنة الله تبديلا}: أي منه تعالى إذ هي ليست أحكاماً يطرأ عليها التبديل والتغيير بل هي سر التشريع وحكمته.

.معنى الآيات:

لقد تقدم أن بعض النسوة اشتكين ما يلقينه من تعرض المنافقين لهن عند خروجهن ليلاً لقضاء الحاجة، وأن الله تعالى أمر نساء المؤمنين أن يدنين من جلابيبهن وعلة ذلك أن يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون وكان ذلك إجراءً وقائيا لابد منه، ثم اقسم الجبار بقوله: {لئن لم ينته المنافقون} أي وعزتي وجلالي لئن لم ينته هؤلاء المنافقون من نفاقهم وأعمالهم الاستفزازية والذين في قلوبهم مرض الشهوة وحب الفجور والمرجفون الذين يكذبون الأكاذيب المرجفة أي المحركة للنفوس كقولهم: العدو زاحف على المدينة والسرية الفلانية انهزمت أو قتل أكثر أفرادها لئن لم ينته هؤلاء لنغرينك بهم أي لنحرشنَّك بهم ثم لنسلِّطنَّك عليهم. ثم لا يجاورونك فيها أي في المدينة إلا قليلا، ثم يُخرجوا منها أو يُهلكوا ملعونين أي يخرجون ملعونين أي مطرودين من الرحمة الإِلهية التي تصيب سكان المدينة النبوية، وحينئذٍ اينما ثقفوا أي وجدوا وتُمكن منهم أخذوا أي اسرى وقتلوا تقتيلاً حتى لا يبقى منهم أحد.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (60): {لئن لم ينته المنافقون..} والثانية (61): {ملعونين...} إلخ. أما الآية الثالثة (62) سنة الله في الذين خلوا من قبل، أي لقد سن الله تعالى هذا سنة في المنافقين من أنهم إذا لم ينتهوا يلعنون ثم يُسلط عليهم من يأخذهم ويقتلهم تقتيلاً، وقوله: {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} يُخبر تعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام يشبع والماء يورى والنار تحرق والحديد يقطع لا يبدله تعالى بل يبقى كذلك لأنه مبْني على أساس الحكم التشريعية.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بالمنافقين وتهديدهم بامضاء سنة الله تعالى فيهم إذا لم يتوبوا.
2- مشروعية إبعاد أهل الفساد من المدن الإِسلامية أو يتوبوا بترك الفساد والإِفساد، وخاصة المدينة النبوية الشريفة.
3- بيان ان ما كان من الأشياء من قبل السنن لا يتبدل بتبدل الأحوال والظروف بل يبقى كما هو لا يبدله الله تعالى ولا بغيره.

.تفسير الآيات (63- 68):

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}

.شرح الكلمات:

{يسألك الناس عن الساعة}: أي يهود المدينة كما سأله أهل مكة فاليهود سألوه امتحاناً والمشركون تكذيباً لها واستعجالاً لها.
{قل إنما علمها عند الله}: أي أجب السائلين قائلاً انما علمها عند ربي خاصة فلم يعلمها غيره.
{وما يدريك}: أي لا أحد يدريك أيها الرسول أي يخبرك بها إذ علمها لله وحده.
{لعل الساعة تكون قريبا}: أي وما يشعرك أن الساعة قد تكون قريبة القيام.
{واعد لهم سعيرا}: أي ناراً متسعرة.
{خالدين فيها}: أي مقدراً خلودهم فيها إذ الخلود يكون بعد دخولهم فيها.
{تقلب وجوههم في النار}: أي تصرف من جهة إلى جهة كاللحم عند شيّه يقلب في النار.
{يا ليتنا اطعنا الله}: أي يتمنون بأقوالهم لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول.
{وقالوا ربَّنا إنا اطعنا سادتنا}: هذا قول الأتباع يشكون إلى الله سادتهم ورؤساءهم.
{فأضلونا السبيلا}: أي طريق الهدى الموصل إلى رضا الله عز وجل بطاعته.
{آتهم ضعفين من العذاب}: أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا لأنهم أضلونا.
{والعنهم لعناً كبيراً}: أي أخزهم خزياً متعدد المرات في عذاب جهنم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يسألك الناس عن الساعة} أي ميقات مجيئها والسائلون مشركون وأهل الكتاب فالمشركون يسألون عنها استعباداً لها فسؤالهم سؤال استهزاء واليهود يسألون امتحاناً للرسول صلى الله عليه وسلم، فأمره تعالى أن يجيب السائلين بجواب واحد وهو إنما علمها عند الله، أي انحصر علمها في الله تعالى إذ أخفى الله تعالى أمرها عن الملائكة والمقربين منهم والأنبياء والمرسلين منهم كذلك فضلاً عن غيرهم فلا يعلم وقت مجيئها إلا هو سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وما يدريك} أي لا أحد يعلمك بها أيها الرسول، وقوله: {لعل الساعة تكون قريبا} أي وما يشعرك يا رسولنا لعل الشاعة تكون قريبة القيام وهي كذلك قال تعالى: {اقترب الناس حسابهم} وقال: {اقتربت الساعة} فأعلَمَ بالقرب ولم يعلم بالوقت لحكم عالية منها استمرار الحياة كما هي حتى آخر ساعة.
وقوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} المكذبين بالساعة المنكرين لرسالتك الجاحدين بنبوتك لعنهم فطردهم من رحمته أعد لهم ناراً مستعرة في جهنم خالدين فيها إذا دخلوها لم يخرجوا منها أبداً {لا يجدون ولياً} أي يتولاهم فيدفع العذاب عنهم {ولا نصيراً} أي ينصرهم ويخلصهم من محنتهم في جهنم. وقوله: {يوم تقلب وجوههم في النار} تصرف من جهة غلى جهة كما يقلب اللحم عند شيّة يقولون عند ذلك يا ليتنا اطعنا الله وأطعنا الرسول يتحسرون متمنين لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا ولم يكونوا عصوا الله والرسول. وقوله تعالى: {وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا} هذه شكوى منهم واعتذاراً وانى لهم أن تقبل شكواهم وينفعهم اعتذارهم. اطعناهم فيما كانوا يأمروننا به من الكفر والشرك وفعل الشر فاضلونا السبيلا أي طريق الهدى فعشنا ضالين ومتنا كافرين وحشرنا مع المجرمين.
{ربنا} أي يا ربنا آتهم ضعفين من العذاب أي ضاعف يا ربنا لسادتنا وكبراءنا الذين أضلونا ضاعف لهم العذاب فعذبهم ضِعْفى عذابنا، والعنهم أي واخزهم في العذاب خزياً كبيراً يتوالى عليهم دائماً وأبداً.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن علم الساعة استأثر الله به فلا يعلم وقت مجيئها غيره.
2- بيان أن الساعة قريبة القيام، ولا منافاة بين قربها وعدم علم قيامها.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الكافرين فيها.
4- بيان أن طاعة السادة والكبراء في معاصي الله ورسوله يعود بالوبال على فاعليه.

.تفسير الآيات (69- 73):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الذين آمنوا}: أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله.
{لا تكونوا كالذين آذوا موسى}: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
{فبرأه الله مما قالوا}: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ احدى الخصيتين.
{وكان عند الله وجيهاً}: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يُخيِّبُ له مسعًى ولا يرد له مطلباً.
{وقولوا قولا سديداً}: أي صدقاً صائباً.
{يصلح لكم أعمالكم}: أي الدينيَّة والدنيوية إذْ على الصدق والموافقة للشرع نجاح الأعمال والفوز بثمارها.
{فقد فاز فوزاً عظيماً}: أي نال غاية مطلوبة وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
{إنا عرضنا الأمانة}: أي ما ائتمن عليه الإِنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
{فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
{وحملها الإِنسان}: أي آدم وذريَّته.
{إنه كان ظلوما جهولاً}: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.
{ليعذب الله المنافقين}: أي وتحملها الإِنسان قضاء وقدراً ليرتب الله تعالى على ذلك عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب على المؤمنين والمؤمنات يغفر لهم ويرحمهم وكان الله غفوراً رحيماً.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} ينادى الله تعالى مؤمنى هذه الأُمة ناهياً لهم عن أذى نبيّهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صلى الله عليه وسلم عنه في قوله من رواية مسلم أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم غلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجرى موسى وراءه حتى وقف به على جميع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أُدره ولا برص كما قالوا فهذا معنى {فبرَّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً} أي ذا جاه عظيم.
ومما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى أذاه في إتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإِفك وقول بعضهم له وقد قسم مالاً هذه قسمة ما أُريد به وجه الله.
وقول بعضهم اعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟
وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الآية الأولى (69) اما الآية الثانية (70) فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذيِّة نبيهم وأن لا يكونوا في ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الأول بتقواه عز وجل إذ قال: {يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا الله ورسوله.
{اتقوا الله} أي خافوا عقابه. فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه. والثاني بالتزام القول الحق الصائب السديد، ورتَّب على الأمرين صلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل الأقوال والأعمال مثمرة نافعة، فتثمر زكاة النفس وطهارة الروح. ثم أخبرهم مبشراً إِياهم بقوله: {ومن يطع الله ورسوله} في الأمر والنهي فقد فاز فوزاً عظيماً وهي سعادة الدارين: النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن ذلك النجاة من النار ودخول الجنة. هذا ما تضمنه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} وقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} يخبر تعالى منبهاً محذراً فيقول: {إنا عرضنا الأمانة} وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتمن عليه الإِنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال بعد أن خلق لها عقلاً ونطقاً ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها بثوابها واشفقت وخافت من تبعتها، وعرضت على الإِنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوماً لنفسه يوردها موارد لاسوء جهولاً بعواقب الأمور. هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (72) وهي قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإِنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}. وقوله تعالى: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي بتبعة النفاق والشرك، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي تَمَّ عرضُ الأمانة وقبول آدم لها ليؤول الأمر إلى أن يكفر بعض أفراد الإِنسان فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع الأمانة، ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب فيتوب الله عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان الله غفوراً رحيماً ومن آثار ذلك أن تاب الله على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان الله المدبر الحكيم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تقوى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب المناهى.
2- صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في القول والعمل وهو القول السديد المنافى للكذب والانحراف في القول والعمل.
3- طاعة الله ورسوله سبيل الفوز والفلاح في الدارين.
4- وجوب رعاية الأمانة وأدائها، ولم يخل أحد من أمانة.
5- وصف الإِنسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف في آيات أخرى يستلزم طلب علاج لهذه الصفات. وعلاجها جاء مبيناً في سورة المعارج في قوله: {إلا المصلين} إلى قوله: {والذين هم على صلاتهم يحافظون.}

.سورة سبأ:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}

.شرح الكلمات:

{الحمد لله}: أي الوصف بالجميل واجب لله مستحق له.
{الذي له ما في السموات وما في الأرض}: أي خلقاً وملكاً وتصريفاً وتدبيراً.
{وله الحمد في الآخرة}: أي يحمده فيها أولياؤه وهم في رياض الجنان، كما له الحمد في الدنيا.
{وهو الحكيم الخبير}: أي الحكيم في أفعاله الخبير بأحوال عباده.
{يعلم ما يلج في الأرض}: أي ما يدخل فيها من مطر وأموات وكنوز.
{وما يخرج منها}: أي من نبات وعيون ومعادن.
{وما ينزل من السماء}: أي من ملائكة وأمطار وأرزاق ونحوها.
{وما يعرج فيها}: أي وما يصعد فيها من ملائكة وأعمال العباد وأرواحهم بعد الموت.
{وهو الرحيم الغفور}: أي الرحيم بالمؤمنين الغفور للتائبين.

.معنى الآيتين:

يخبر تعالى عباده بأن له الحمد والشكر الكاملين التامين، دون سائر خلقه، فلا يحمد على الحقيقة إلا هو أما مخلوقاته فكل ما يُحمد له هو من عطاء الله تعالى لها وإفاضته عليها فلا يستحق الحمد على الحقيقة إلا الله، كما أخبر تعالى بموجب حمده وشكره وهو أن له ما في السموات وما في الأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً وتصريفاً وليس لأحد سواه من ذلك شيء هذا في الدنيا، {وله الحمد في الآخرة} إذ يكرم أولياءه فينزلهم دار السلام فيحمدونه على ذلك {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء} وقوله تعالى: {وهو الحكيم الخبير} في تصريف أمور عباده وسائر مخلوقاته وتدبيرها الخبير بأحوالها العليم بصفاتها الظاهرة والباطنة.
وقوله: {يعلم ما يلج} أي ما يدخل في الأرض من مطر وكنوز وأموات، {وما يخرج منها} أي من الأرض مننبات ومعادن ومياه، وما ينزل من السماء من أمطار وملائكة وأرزاق، {وما يعرج فيها} أي يصعد من ملائكة وأعمال العباد. وهو مع القدرة والجلال والكمال هو وحده الرحيم بعباده المؤمنين الغفور للتائبين. بهذه الصفات الثابتة للذات الإِلهية وهي صفات جلال وجمال وكمال استحق الرب تعالى العبادة دون سواه فكل تأليه لغيره هو باطل ومنكر وزور يجب تركه والتخلى عنه، والتنديد بفاعله حتى يتركه ويتخلى عنه.

.من هداية الآيتين:

1- وجوب حمد الله تعالى وشكره بالقلب واللسان والجوارح والأركان.
2- بيان أن الحمد لا يصح إلا مع مقتضيه من الجلال والجمال.
3- لا يحمد في الآخرة إلا الله سبحانه وتعالى.
4- بيان علم الله تعالى بالظواهر والبواطن في كل خلقه.
5- تقرير توحيد الله تعالى في ربوبيته وأُلوهيته.

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}

.شرح الكلمات:

{لا تأتينا الساعة}: أي القيامة.
{لا يعزب عنه}: أي لا يغيب عنه.
{مثقال ذرة}: أي وزن ذرة: أصغر نملة.
{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}: أصغر من الذرة ولا أكبر منها.
{إلا في كتاب مبين}: أي موجود في اللوح المحفوظ مكتوب فيه.
{ليجزي الذين آمنوا}: أي اثبته في اللوح المحفوظ ليحاسب به ويجزى صاحبه.
{والذين سعوا في آياتنا}: أي عملوا على إبطالها وسعوا في ذلك جهدهم.
{معاجزين}: أي مغالبين لنا ظانين عجزنا عنهم، وأنهم يفوتوننا فلا نبعثهم ولا نحاسبهم ولا نجزيهم.
{عذاب من رجز أليم}: أي عذاب من اقبح العذاب وأسوأه.
{ويرى الذين اوتوا العلم}: أي ويعلم الذين اوتوا العلم وهم علماء أهل لكتاب كعبدالله ابن سلام وأصحابه.
{الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز}: أي القرآن هو الحق الموحى به من الله تعالى.
{الحميد}: أي القرآن يهدي إلى صراط الله الموصل إلى رضاه وجواره الكريم وهو الإِسلام. والعزيز ذو العزة والحميد المحمود.

.معنى الآيات:

بعد ما قررت الآيات السابقة توحيد الله في ربوبيته وأُلوهيته ذكر تعالى في هذه الآيات تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى مخبراً بما قاله منكراً البعث والجزاء: {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} وهو انكار منهم للبعث إذ الساعة هي ساعة الفناء والبعث بعدها، وأمر رسوله أن يقول لهم: {بلى وربّي لتأتينكم} أي أقسم لهم بالله تعالى ربه ورب كل شيء لتأتينهم أحبوا أم كرهوا ثم أثنى الرب تبارك وتعالى على نفسه بصفة العلم إذ البعث يتوقف على العلم كما يتوقف على القدرة والقدرة حاصلة، إذ خلقهم ورزقهم ويميتهم. فذكر تعالى أنه عالم الغيب وهو كل ما غاب في السموات وفي الأرض. وأخبر أنه لا يعزب أي لا يغب عن علمه مثقال ذرة أي وزن ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من الذرة ولا أكبر أيضاً إلا في كتاب مبين أي بيِّن وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل احداث العالم فلا حركة ولا سكون وقع أو يقع في الكون الا وله صورته ووقته في اللوح المحفوظ.
هذا ما تضمنته الآية الثالثة وقوله تعالى في الآية (4) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي إذ الحكمة من كتابة الأحداث صغيرها وكبيرها ومنالبعث الآخر هي ليجزي تعالى الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات وهي أداء الفرائض والسنن بما ذكر من جزائهم في قوله: {ألئك لهمم مغفرة} أي لذنوبهم {ورزق كريم} في الجنة وقوله في الآية (5): {والذين سعوا في آياتنا} بيَّن فيه جزاء الكافرين بعد أن بين جزاء المؤمنين ذلك الجزاء الذي هو حكمة وعلَّة البعث وكتابة الأعمال في اللوح المحفوظ فقال: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} أي والذين عملوا جهدهم في إِبطال آيات الله إذ قالوا فيها أنها من كلام الكهان وانها شعر وأساطير الأولين حتى لا يؤمنوا ولا يوحدوا أولئك البعداء في الخسِّة والانحطاط لهم جزاء، عذاب من رجز أليم والرجز سيء العذاب واشده ومعنى أليم أي ذي الم وإيجاع شديد.
وقوله تعالى في الآية (6): {ويرى الذين أوتوا العلم}، أي ويعلم علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب {الذي أنزل إليك من ربك} وهو القرآن الكريم {هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد}، وعلم أهل الكتاب بأن القرآن حقٌّ ناتج عن موافقته لما في كتاب الله التوراة من عقيدة القدر وكتابة الأعمال دقيقها وجليلها في اللوح المحفوظ ليجزى بها الله تعالى المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
هذا ما دلت عليه الآية (6) والأخيرة وهي قوله تعالى: {ويعلم} أي وليعلم {الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} وهو الإِسلام.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير توحيد الألوهية.
2- تقرير عقيدة القضاء والقدر وكتابة الأعمال والأحداث في اللوح المحفوظ.
3- طلب شهادة أهل الكتاب على صحة الإِسلام والحصول عليها لموافقة التوراة للقرآن.
4- تقرير النبوة إذ القرآن فرع نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم المقرر لها.