فصل: سورة فصلت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (64- 68):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)}

.شرح الكلمات:

{قراراً}: أي قارة بكم لا تتحرك فيفسد ما عليها من إنشاء وتعمير.
{بناء}: أي محكمة إحكام البناء فلا تقسط عليكم ولا يسقط منها شيء يؤذيكم.
{وصوركم}: أي في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم.
{من الطيبات}: أي الحلال المستلذ غير المستقذر وهي كثيرة.
{فتبارك الله}: أي تعاظم وكثرت بركاته.
{فادعوه مخلصين له الدين}: أي أعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا في عباداته دعاء كان أو غيره.
{قل إني نهيت}: أي نهاني ربي أن أعبد الأوثان التي تعبدون.
{وأمرت أن أسلم لرب العالمين}: أي وأمرني ربي ان أسلم له وجهي وأخلص له عملي.
{هو الذي خلقكم من تراب}: أي خلق أبانا آدم من تراب وخلقنا نحن ذريته مما ذكر من نطفة ثم من علقة.
{ثم لتبتغوا أشدكم}: أي كمال أجسامكم وعقولكم في سن ما فوق الثلاثين.
{ومنكم من يتوفى من قبل}: أي ومنكم من يتوفاه ربه قبل سن الشيخوخة والهرم.
{ولتبلغوا أجلاً مسمى}: أي فعل ذلكم بكم لتعيشوا ولتبلغوا أجلا مسمى وهو نهاية العمر المحددة لكل إنسان.
{ولعلكم تعقلون}: أي طوركم هذه الأطوار من نطفة إلى علقة إلى طفل إلى شاب إلى كهل إلى شيخ رجاء أن تعقلوا دلائل قدرة الله وعلمه وحكمته فتؤمنوا به وتعبدوه موحدين له فتكملوا وتسعدوا.
{يحيي ويميت}: أي يخلق الإِنسان وقد كان عدماً، ويميته عند نهاية أجله.
{فإذا قضى أمراً}: أي حكم بوجوده.
{فإنما يقول له كن فيكون}: أي فهو لا يحتاج إلى وسائط وإنما هي الإرادة فقط فإذا أراد شيئاً قال له كن فهو يكون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم ف تعريف العباد بربهم سبحانه وتعالى حتى يؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه إذ كمالهم وسعادتهم في الدارين متوقفان على ذلك قال تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً} أي قارة في مكانها ثابتة في مركز دائرتها لا تتحرك بكم ولا تتحول عليكم فتضطرب حياتكم فتهلكوا، وجعل السماء بناء مُحْكماً وسقفا محفوظا من التصدع والانفطار والسقوط كلاً أو بعضاً، {وصوركم} في أرحام أمهاتكم {فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات} التي خلقها لكم وهي كل ما لذ وطاب من حلال الطعام والشراب واللباس والمراكب {ذلكم} الفاعل لكل ذلك {الله ربكم} الذي لا رب سواه ولا معبود يحق لكم غيره. {فتبارك الله رب العالمين} أي خالق الإنس والجن ومالكهما والمدبر لأمرهما، {هو الحي} الذي لا يموت والإنس والجن يموتمون {لا إله} أي لا معبود للعالمين {إلا هو فادعوه مخلصين له الدين} أي اعبدوه وحده ولا تشركوا بعبادته أحداً قائلين {الحمد لله رب العالمين} أي حامدين له بذلك، هذا ماتضمنته الآيتان (64، 65) وقوله تعالى: {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله} أي قل يا نبينا لقومك إني نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون من دون الله من أصنام وأوثان لا تنفع ولا تضر وذلك لما جاءني البينات من ربي وهي الحجج والبراهين على بطلان عبادة غير الله ووجوب عبادته سبحانه وتعالى، {وأمرت أن أسلم لرب العالمين} أي وأمرني ربي أن أسلم له فأنقاد وأخضع لأمره ونهيه وأطرح بين يديه وأفوض أمري إليه وقوله: {هو الذي خلقكم من تراب} نظراً إلى أصلهم وهو آدم، ثم من نطفة مني ثم من علقة دم متجمد، ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً، ثم لتبلغوا أشدكم أي اكتمال أبدانكم وعقولكم بتخطيكم الثلاثين من أعماركم، ثم لتكونوا شيوخاً بتجاوزكم الستين.
{ومنكم من يتوفى} أي يتوفاه الله قبل بلوغه سن الشيخوخة والهرم وما أكثرهم، وفعل بكم ذلك لتعيشوا {ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون} إذا تفكرتم في خلق الله لكم على هذه الأطوار فتعرفوا أن ربكم واحد وأنه إلهكم الحق الذي لا إله لكم سواه.
وقوله: {هو الذي يحيي ويميت} يحيي النطف الميتة فإذا هي بعد أطوارها بشراً أحياء ويميت الأحياء عند نهاية آجالهم وهو حي لا يموت والإنس والجن يموتون ومن أعظم مظاهر قدرته أنه يقول للشيء إذا أراده كن فيكون ولا يتخلف أبداً هذا هو الله رب العالمين وإله الأولين والآخرين وَجَبَْ محبته وطاعته ولزمت معرفته إذ بها يُحَبُّ ويعبد ويطاع.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والإِيجاد والإِرزاق والإِحياء والإِماتة وكلها معرفة به تعالى وموجبة له العبادة والمحبة والإِنابة والرغبة والرهبة ونافية لها عما سواه من سائر خلقه.
2- تقرير التوحيد ووجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
3- بيان خلق الإِنسان وأطوار حياته وهي من الآيات الكونية الموجبة للإِيمان بالله وتوحيده في عبادته إذ هو الخالق الرازق المحيي المميت لا إله غيره ولا رب سواه.

.تفسير الآيات (69- 76):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)}

.شرح الكلمات:

{يجادلون في آيات الله}: أي في القرآن وما حواه من حجج وبراهين دالة على الحق هادية إليه.
{أنى يصرفون}: أي كيف يصرفون عن الحق مع وضوح الأدلة وقوة البراهين.
{الذين كذبوا بالكتاب}: أي بالقرآن.
{وبما أرسلنا به رسلنا}: من وجوب الإسلام لله بعبادته وحده وطاعته في أمره ونهيه والإِيمان بلقائه.
{فسوف يعلمون}: أي عقوبة تكذيبهم.
{إذ الأغلال في أعناقهم}: أي وقت وجود الأغلال في أعناقهم يعلمون عاقبة كفرهم وتكذيبهم.
{ثم في النار يسجرون}: أي يوقدون.
{ثم يقال لهم اين ما كنتم}: أي يسألون هذا السؤال تبكيتاً لهم وخزياً.
{تشركون من دون الله}: أي تعبدونهم مع الله.
{قالوا ضلوا عنا}: أي غابوا عنا فلم نرهم.
{بل لم نكن ندعو من قبل شيئا}: أي انكروا عبادة الأصنام، أوْ لَمْ يعتبروا عبادتها شيئاً وهو كذلك.
{كذلك يضل الله الكافرين}: أي مثل اضلال هؤلاء المكذبين يضل الله الكافرين.
{بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق}: أي بالشرك والمعاصي.
{بما كنتم تمرحون}: أي بالتوسع في الفرح، لأن المرح شدة الفرح.
{فبئس مثوى المتكبرين}: أي دخول جهنم والخلود فيها بئس ذلك مأوى للمتكبرين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الدعوة غلى التوحيد وإلى الإِيمان بالبعث والجزاء، وتقرير نبوة محمد صلى الله عليه سولم فقوله تعالى: {ألم تر} أي يا محمد {إلى الذين يجادلون في آيات الله} القرآنية لإِبطالها وصرف الناس عن قبولها أوحملهم على إنكارها وتكذيبها والتكذيب بها وهذا تعجيب من حالهم. وقوله تعالى: {أنى يصرفون} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته. وقوله: {الذين كذبوا بالكتاب} الذي هو القرآن {وبما أرسلنا به رسلنا} من التوحيد والإِيمان {فسوف يعلمون} عاقبة تكذيبهم وقت ما تكون الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أرجلهم يسحبون أي تسحبهم الزبانية في الحميم هو ماء حارتنا هي في الحرارة في النار يسجرون أي توقد بهم النار كما توقد بالحطب، هذا عذاب جسماني ووراءه عذاب روحاني إذ تقول لهم الملائكة توبيخا وتبكيتا وتأنيبا وتقريعاً: {أين ما كنتم تشركون} أي اين أوثانكم التي كنتم تعبدونها مع الله؟ فيقولون: ضلوا عنا أي غابوا فلم نرهم، بل ما كنا ندعو من قبل شيئاً هذا إنكار منهم حملهم عليه الخوف أو هو بحسب الواقع أنهم ما كانوا يعبدون شيئاً إذ عبادة الأصنام ليست شيئاً لبطلانها.
وقوله: {ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} أي حل بكم هذا العذاب بسبب فرحكم بالباطل من شرك وتكذيب وفسق وفجور، في الدنيا، وبسبب مرحكم أيضا وهو اشد الفرح وأخيراً يقال لهم {ادخلوا أبواب جهنم} باباً بعد باب وهي أبواب الدركات {خالدين فيها} لا تموتون ولا تخرجون {فبئس مثوى المتكبرين} أي ساء وقبح مثواكم في جهنم من مثوى أي مأوى.

.من هداية الآيات:

1- التعجيب من حال المكذبين بآيات الله المجادلين فيها كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح أدلته وقوة براهينه.
2- إبراز صورة واضحة للمكذبين بالآيات المجادلين لإِبطال الحق وهم في جهنم يقاسون العذاب بعد أن وضعت الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أرجلهم يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون.
3- ذم الفرح بغير فضل الله ورحمته، وذم المرح وهو أشد الفرح.
4- ذم التكبر وسوء عاقبة المتكبرين الذين يمنعهم الكبر من الاعتراف بالحق ويحملهم على احتقار الناس وازدراء الضعفاء منهم.

.تفسير الآيات (77- 81):

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)}

.شرح الكلمات:

{فاصبر إن وعد الله حق}: أي فاصبر يا رسولنا على دعوتهم متحملا أذاهم فإن وعد ربك بنصرك حق.
{فإما نرينَّك بعض الذي نعدهم}: أي من العذاب في حياتك.
{منهم من قصصنا عليك}: أي ذكرنا لك قصصهم وأخبارهم وهم خمسة وعشرون.
{أن يأتي بآية إلا بإذن الله}: أي لأنهم عبيد مربوبون لا يفعلون إلا ما يأذن لهم به سيدهم.
{وخسر هنالك المبطلون}: أي هلك أهل الباطل بعذاب الله فخسروا كل شيء.
{جعل لكم الأنعام}: أي الإِبل وإن كان لفظ الأنعام يشمل البقر والغنم أيضا.
{ولكم فيها منافع}: أي من اللبن والنسل والوبر.
{ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم}: أي حمل الأثقال وحمل أنفسكم من بلد غلى بلد، لأنها كسفن البحر.
{فأي آيات الله تنكرون}: أي فأي آية من تلك الايات تنكرون فإنها لظهورها لا تقبل الانكار.

.معنى الآيات:

بعد تلك الدعوة الإِلهية للمشركين غلى الإِيمان والتوحيد والبعث والجزاء والتي تلوَّن فيها الأسلوب وتنوعت فيها العبارات والمعاني، والمشركون يزدادون عتواً قال تعالى لرسوله آمراً إياه بالصبر على الاستمرا على دعوته متحملاً الأذى في سبيلها {فاصبر إن وعد الله حق} فيخبره بأن ما وعده به ربُّه حق وهو نصره عليهم وإظهار دعوة الحق ولو كره المشركون. وقوله: {فإما نرينك بعض الذي نعدهم} أي من العذاب الدنيوي {أو نتوفينك} قبل ذلك {فإلينا يرجعون} فنعذبهم بأشد أنواع العذاب في جهنم، وننعم عليك بجوارنا في دار الإِنعام والتكريم أنت والمؤمنون معك. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (77) وقوله تعالى في الآية الثانية (78): {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} يخبر تعالى رسوله مؤكداً له الخبر مسلياً له حاملاً له على الصبر بأنه أرسل من قبله رسلا كثيرين منهم من قص خبرهم عليه ومنهم من لم يقصص وهم كثير وذلك بحسب الفائدة من القصص وعدمها وأنه لم يكن لأحدهم أن يأتي بآية كما طالب بذلك قومه، والمراد من الآية المعجزة الخارقة للعادة، إلا بإِذن الله، إذ هو الوهاب لما يشاء لمن يشاء، فإذا جاء أمر الله بإهلاك المطالبين بالآيات تحدياً وعناداً ومكابرة قضى بالحق أي حكم الله تعالى بين الرسول وقومه المكذبين له المطالبين بالعذاب تحدياً، فَنَجَّى رسوله والمؤمنين وخسر هنالك المبطلون من أهل الشرك والتكذيب.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (79) الله الذي جعل لكم الأنعام يعرفهم تعالى بنفسه مقرراً ربوبيته الموجبة لألوهيته فيقول الله أي المعبود بحق هو الذي جعل لكم الأنعام على وضعها الحالي الذي ترون لتركبوا منها وهي الإِبل، ومنها تأكلون ومن بعضها تأكلون كالبقر والغنم ولا تركبون، ولكن فيها منافع وهي الدَّرُّ والوبر والصوف والشعر والجلود ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وهي حمل أثقالكم والوصول بها إلى أماكن بعيدة لا يتأتى لكم الوصول إليها بدون الإِبل سفائن البر، وقوله وعليها أي على الإِبل وعلى الفلك (السفن) تحملون أي يحملكم الله تعالى حسب تسخيرها لكم.
وأخيراً يقول تعالى بعد عرض هذه الآيات القرآنية والكونية يقول لكم {ويريكم آياته} في أنفسكم وفي الآفاق حولكم {فأي آيات الله تنكرون} وكلها واضحة في غاية الظهور والبيان والاستفهام للإنكار عليهم علَّهُم يرعوون.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الصبر على دعوة الحق والعمل في ذلك إلى أن يحكم الله تعالى.
2- الآيات لا تعطي لأحد إلا بإذن الله تعالى إذ هو المعطي لها فهي تابعة لمشيئته.
3- من الرسل من لم يقصص الله تعالى أخبارهم، ومنهم من قص وهم خمسة وعشرون نبياً ورسولاً. وعدم القص لأخبارهم لا ينافي بيان عددهم إجمالاً لحديث ابي ذر في مسند أحمد أن أبا ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله كم عِدّة الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون الفاً، الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشرة جماً غفيراً».
4- ذكر مِنَّة الله على الناس في جعل الأنعام صالحة للانتفاع بها أكلاً وركوباً لبعضها لعلهم يشكرون بالإِيمان والطاعة والتوحيد.

.تفسير الآيات (82- 85):

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)}

.شرح الكلمات:

{أفلم يسيروا في الأرض}: أي أعجزوا فلم يسيروا في الأرض شمالاً وجنوبا وغربا.
{كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}: أي عاقبة المكذبين من قبلهم قود عاد وثمود وأصحاب مدين.
{وآثاراً في الأرض}: أي وأكثر تأثيراً في الأرض منحيث الإِنشاء والتعمير.
{فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}: أي لم يمنع العذاب عنهم كسبهم الطائل وقوتهم المادية.
{فرحوا بما عندهم من العلم}: أي فرح الكافرون بما عندهم من العلم الذي هو الجهل بعينه.
{فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا}: أي عذابنا الشديد النازل بهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في طلب هداية قريش بما يذكرهم به وما يعرض عليهم من صور حية لمن كذب ولمن آمن لعلهم يهتدون قال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} أي أعجزوا فلم يسيروا في الأرض أرض الجزيرة شمالاً ليروا آثار ثمود في مدائنها وجنوبا ليروا آثار عاد، وغربا ليرو آثار أصحاب الأيكة قوم شعيب والمؤتفكات قوى قوم لوط: فينظروا نظر تفكر واعتبار كيف كان عاقبة الذين من قبلهم. كانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض من مصانع وقصور وحدائق وجنات فما أغنى عنهم لما جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من مال ورجال وقوة مادية.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (82) أما الآية الثانية (83) فهي قوله تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات} يخبر تعالى عن المكذبين الهالكين أنهم لما جاءتهم رسلهم بالحجج والأدلة الظاهرة على توحيد الله والبعث والجزاء وصدقهم في النبوة والرسالة {فرحوا بما عندهم من العلم} المادي وسخروا من العلم الروحي واستهزأوا بأهله فرحاً ومرحاً، {وحاق بهم} أي أحاط بهم العذاب الذي كان نتيجة كفرهم وتكذيبهم واستهزائهم، فلما رأوا عذاب الله الشديد وقد حاق بهم أعلنوا عن توبتهم {فقالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كُنَّا به مشركين} أي قالوا لا إله إلا الله. قال تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} أي شديد عذابنا {سنة الله التي قد خلت في عبادة} وأخبر تعالى أن هذه سنة من سننه في خلقه وهي أن الإيمان لا ينفع عند معاينة العذاب إذ لو كان يقبل الإِيمان عند رؤية العذاب وحلوله لما كفر كَافر ولما دخل النار أحد. وقوله: {وخسر هنالك} أي عند رؤية العذاب وحلوله {الكافرون} أي المكذبون المستهزئون.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية السير في البلاد للعظة والاعتبار تقوية للإِيمان.
2- القوى المادية لا تغني عن أصحابها شيئاً إذا أرادهم الله بسوء.
3- بيان سنة بشرية وهي أن الماديين يغترون بمعارفهم المادية ليستغنوا بها عن العلوم الروحية في نظرهم إلا أنها لا تغني عنهم شيئاً عند حلول العذاب بهم في الدنيا وفي الآخرة.

.سورة فصلت:

.تفسير الآيات (1- 5):

{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}

.شرح الكلمات:

{حم}: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا حم، ويقرأ هكذا حَا مِيم.
{تنزيل من الرحمن الرحيم}: أي من الله إذ هو الرحمن الرحيم.
{فصلت آياته}: أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون إذ هم الذين ينتفعون.
{بشيراً ونذيراً}: أي مبشراً أهل الإِيمان والعمل الصالح بالفوز، ومنذراً المكذبين الكافرين بالخسران.
{فأعرض أكثرهم}: أي أعرض عن سماع القرآن أكثر مشركي مكة وكفار قريش.
{فهم لا يسمعون}: أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون.
{في أكنة}: أي أغطية جمع كنان: ما فيه يكن الشيء ويستر.
{وفي آذاننا وقر}: أي ثقل فلم نطق السمع.
{ومن بيننا وبينك حجاب}: أي مانع وفاصل بيننا فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم} هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة الله أعلم بمراده به. وذد ذكرنا ما اثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة في أول سورة غافر، وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ وقوله: {تنزيل من الرحمن الرحيم} أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وليس كما يقول المبطلون. وقوله: {كتاب فصلت آياته} أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قرآنا عربياً لقوم يعلمون} لسان العرب ويفهمون معاني الكلام واسراره. وقوله: {بشيراً ونذيراً} وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإِيمان وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار؟ ونذيراً للمشركين المكذبين من عذاب النار، وقوله تعالى: {فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم لا يسمعونه ولا يريدون سماعه بحال، وقالوا معتذرين بأقبح الأعذار: قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن لا نفهم ما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك، وفي آذاننا وقر أي ثقل فلا تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب ساتر وحائل لنا عنك فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك، واعمل على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول صلى الله عليه وسلم.

.من هداية الآيات:

1- تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن يفهم كلام الله القرآن العظيم.
2- اشتمال القرآن على أسلوب الترغيب والترهيب وهي البشارة والنَّذارة.
3- بيان شدة عداوة المشركين للتوحيد والداعين إليه ي كل زمان ومكان.

.تفسير الآيات (6- 8):

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}

.شرح الكلمات:

{قل إنما أنا بشر مثلكم}: أي لست ملكاً وإنما أنا بشر مثلكم من بني آدم.
{يوحي إلي أنما الهكم إله واحد}: أي يوحي الله إلي بأن الهكم أي معبودكم أيها الناس إله واحد لا ثاني له ولا أكثر.
{فاستقيموا إليه}: يا خلاص العبادة له دون سواه.
{واستغفروه}: أي اطلبوا منه أن يغفر لكم ذنوبكم التي كانت قبل الاستقامة وهي الشرك والمعاصي.
{وويل للمشركين}: أي عذاب شديد سيحل بهم لإِغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة.
{لا يؤتون الزكاة}: أي زكاة أموالهم وزكاة أنفسهم بما يُطهرها من أوضار الشرك والمعاصي.
{لهم أجر غير ممنون}: أي ثواب الآخرة وهو الجنة ونعيمها لا ينقطع بحال هو أجر غير ممنون.

.معنى الآيات:

إنه بعد تلك المفاصلة التي قام بها المشركون حفاظا على الوثنية وجهل الجاهلية أمر تعالى رسوله أن يقول لهم إنما أنا بشر مثلكم في آدميتي لم أدع يوما غيرها فلم اقل إني ملك، إلا أني أفضلكم بشيء وهو أنه يوحى إليَّ من قبل ربي، والموحي به إلي هو أنما الهكم الحق غله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في الوهيته، وعلي فاخلعوا تلك الأوثان واستقيموا إليه تعالى بإخلاص العبادة والوجوه إليه، واستغفروه من آثار الذنب السابق قبل الاستقامة على الإِيمان والتوحيد وقوله تعالى: {وويل للمشركين} يخبر تعالى أن الويل وهو مُرُّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد وقيح أهل النار وما يسيل من ابدانهم وفروجهم للمشركين بربهم الذين لا يؤتون زكاة أموالهم، وهم بالآخرة هم كافرون أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء فلذاهم لا يتركون شراً ولا يفعلون خيراً غلا ما قل وندر والنادر لا حكم له.
وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي آمنوا بالله وعده وعيده وشرعه وعملوا الصالحات بأداء الفرائض والكثير من النوافل بعد تجنبهم الشرك والكبائر من الذنوب والمعاصي هؤلاء لهم أجر غير ممنون مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم، والأجر هو الثواب والمراد به الجنة إذ نعيمها لا ينقطع على من ناله وفاز به بحال من الأحوال.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة والتوحيد.
2- وجوب الاستقامة على شرع الله.
3- وجوب الاستغفار من كل ذنب صغيراً أو كبيراً.
4- وجوب الزكاة في الأموال، ووجوب تزكية النفوس بالإِيمان وصالح الأعمال.