فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (187- 189):

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}

.شرح الكلمات:

{الميثاق}: العهد المؤكد باليمين.
{اوتوا الكتاب}: اليهود والنصارى.
{الكتمان}: إخفاء الشيء وجحوده حتى لا يرى ولا يعلم.
{فنبذوه وراء ظهورهم}: ألقوه وطرحوه ولم يلتفتوا إليه وهو ما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به عِنَ الإِسلاَم.
{واشتروا به ثمنا قليلا}: اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل إذ كتموه، ابقاء على منافعهم الدنيوية.
{ان يحمدوا بما لم يفعلوا}: أي يثنى عليه ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك.
{بمفازة من العذاب}: بمنجاة من العذاب في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

.معنى الآيات:

ما زال السيقا في اليهود فيقول تعالى لنبيه، واذكر لهم إذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو الإِسلام، ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمناً قليلاً وهو الجاه والمنصب والمال قال تعالى: {واشتروا به ثمنا قليلاً} وذم الله تعالى الثمن القليل فقال فبئس ما يشترون هذا ما تضمنته الآية الأولى (187) وأما الآية الثانية (188): {ولا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} فإن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم لا تحسبن لا رسولنا الذين يفرحون بما اتوا من الشر والفساد بتحريف كلامنا وتبديل اوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي يشكرهم وثنوا عليهم، ما لم يفعلوا من الخير والإِصلاح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد فهؤلاء من اليهود ولا تحسبنهم بمفازة أي بمنجاة من العذاب، ولهم عذاب أليم يوم القيامة. وأما الآية الثالثة (189) فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض، وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك على قدرته على البطش بالقوم والانتقام منهم، وانه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة فقال: {ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير}.

.من هداية الآيات:

1- أخذ الله الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول علماء الإِسلام فإن عليهم أن يبثوا الحق ويجهروا به، ويحرم عليهم كتمان أو تأويله ارضاء للناس ليحوزوا على مكسب دنيوي مالاً أو جاهاً أو سلطاناً.
2- لا يجوز للمسلم ان يحب أن يحمد بما لم يعفل من الخير والمعروف، بل من الكمال أن لا يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن يحمد. بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب ان يحمد عليه بالتصفيق له وكلمة يحيى فلان....
3- ملك الله تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس عن هذا غافلون، وبه جاهلون.

.تفسير الآيات (190- 195):

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}

.شرح الكلمات:

{في خلق السموات والأرض}: أي في وجودهما من العدم.
{واختلاف الليل والنهار}: تعاقبهما هذا يجيء وذاك يذهب، هذا مظلم وذاك مضيء.
{لآيات}: دلائل واضحة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
{لأولي الألباب}: أصحاب العقول التي تُدرك بها الأشياء وتفهم بها الأدلة.
{ربّنا}: يقولون: ربنا إلخ.
{باطلا}: لا لشيء مقصود منه، وإنما هو من باب اللعب.
{سبحانك}: تنزيها لك عن العبث واللعب، وعن الشريك والولد.
{فقنا عذاب النار}: أجرنا واحفظنا من عذاب النار بتوفيقك لنا للأعمال الصالحة وتجنيبنا الأعمال الفاسدة الموجبة لعذاب النار.
{أخزيته}: أذللته وأشقيته.
{كفر عنا}: استر وامح.
{الأبرار}: جمع برّ أو بار وهم المتمسكون بالشريعة.
{على رسلك}: على ألسنة رسلك من النصر والتأييد.
{الميعاد}: الوعد.
{هاجروا}: تركوا بلادهم وديارهم وأموالهم وأهليهم فراراً بدينهم.
{أوذوا في سبيلى}: آ ذاهم المشركون من اجل الإِيمان بى ورسولى وطاعتنا.
{ثوابا من عند الله}: أي أجراً جزاء كائناً من عند الله، وهو الجنات بعد تكفير السيئات.

.معنى الآيات:

لما قال اليهود تلك المقالة السيئة: إن الله تعالى فقير ونحن أغنياء، وحرفوا الكتاب وبدلوا وغيروا ويحبون ان يحمدوا على باطلهم كانت مواقفهم هذه دالة على عمى في بصائرهم، وضلال في عقولهم، فذكر تعالى من الآيات الكونيّة ما يدل على غناه، وافتقار عباده إليه، كما يدل على ربوبيته على خلقه، وتدبيره لحياتهم وتصرفه في أمورهم، وانه ربهم لا رب لهم غيره وإلههم الذي لا إله لهم سواه إلا أن هذا لا يدركه الا أرباب العقول الحصيفة والبصائر النيرة فقال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} نعم إن في ايجاد السموات والأرض من العدم وفي اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر والظلام والضياء، والتعاقب بذهاب هذا ومجيء ذاك دلائك واضحات على غنى الله وافتقار عباده وبراهين ساطعة على ربوبيته لخلقه. والوهيته لهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى (190) وأما الآيات الأربع بعدها فقد تضمنت وصفاً لأولى الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض فيهتدون إلى معرفة الربّ تعالى فيذكرونه ويشكرونه. فقال تعالى عنهم: {الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم} وهذا شامل لحالهم في الصلاة وخارج الصلاة. وقال عنهم: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض}، أي في إيجادهما وتكوينهما وإبداعهما، وعظيم خلقهما، وما أودع فيهما من مخلوقات. فلا يلبثون أن يقولوا: {ربنا ما خلقت هذا باطلاً} أي لا لحكمة مقصودة ولا لهدف مطلوب، بل خلقته بالحق وحاشاك ان تكون من اللاعبين العابثين سبحانك تنزيها لك عن العبث واللعب بل خلقت ما خلقت لحكم عالية خلقته لأجل أن تذكر وتشكر، فتكرم الشاكرين الذاكرين، في دار كرمتك وتهين الكافرين في دار عذابك، ولذا قالوا في الآية (192): {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار}.
والظالمون هم الكافرون. ولذا يعدمون النصير ويخزون بالعذاب المهين، وقال عنهم في الآية (193): {ربنا إننا سمعنا منادياً ينادى للإِيمان} طالبين أشرف المطالب واسماها مغفرة ذنوبهم ووفاتهم مع الأبرار فقالوا: {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} وهو ما جاء في الآية (193) وأما الآية الخامسة (194) فقد سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على ألسنة رسله من النصر والتمكين في الأرض، هذا في الدنيا، وأن لا يُحزِيهم يوم القيامة بتعذيبهم في النار، فقالوا: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد}، أي وعدك الحق وفي الآية السادسة (195) ذكر تعالى استجابته لهم فقال لهم: {إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} بل أجازى الكل بعمله لا أنقصه له ذكراً كان أو أنثى لأن بعضكم من بعض الذكر التي السوجبوا بها هذا الإِنعام فقال: {فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا}، وواعدهم قائلا: {لأكفرن عنهم سيئآتهم ولأدخلنهم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهار}، وكان ذلك ثوابا منه تعالى على أعمالهم الصالحة، والله عنده حسن الثواب، فليُرغَب إليه، وليَطمَع فيه، فإنه البر الرحيم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب التفكر في خلق السموات والأرض للحصول على المزيد من الإِيمان والإِيقان.
2- استحباب تلاوة هذه الآيات: إن في خلق السموات إلى آخر السورة وذلك عند القيام للتهجد آخر الليل لثبوت ذلك في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.
3- استحباب ذكر الله في كل حال من قيام أو قعود أو اضطجاع.
4- استحباب التعوذ من النار بل وجوبه ولو مرة في العمر.
5- مشروعية التوسل إلى الله تعالى بالإِيمان وصالح الأعمال.
6- فضل الهجرة والجهاد في سبيل الله.
7- المساواة بين المؤمنين والمؤمنات في العمل والجزاء.
8- استحباب الوفاة بين الأبرار وهم أهل الطاعة لله ولرسوله والصدق فيها وذلك بالحياة معهم والعيش بينهم لتكون الوفاة بإذن الله معهم.

.تفسير الآيات (196- 200):

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}

.شرح الكلمات:

{لا يغرنك}: لا يكن منك اغترار، المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه واتباعه.
{تقلب الذين كفروا في البلاد}: تصرفهم فيها بالتجارة والزراعة والأموال والمآكل والمشارب.
{متاع قليل}: تصرفهم ذلك هو متاع قليل يتمتعون به أعواماً وينتهى.
{ماواهم جهنم}: مآلهم بعد التمتع القليل إلى جهنم يأوون اليها فيخلدون فيها أبداً.
{نزلاً من عند الله}: النُّزُل: ما يعد للضيف من قرى: طعام وشراب وفراش.
{الأبرار}: جمع بار وهو المطيع لله ولرسوله الصادق في طاعته.
{وما أنزل اليكم}: القرآن والسنة، وما أنزل اليهم التوراة والإِنجيل.
{خاشعين لله}: مطيعين مخبتين له عز وجل.
{لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا}: لا يجحدون أحكام الله وما أمر ببيانه للناس مقابل منافع تحصل لهم.
{اصبرا وصابروا}: الصبر حبس النفس على طاعة الله ورسوله، والمصابرة: الثبات والصمود أمام العدو.
{ورابطوا}: المرابطة: لزوم الثغور منعاً للعدو من التسرب إلى ديار المسلمين.
{تفلحون}: تفوزون بالظفر المرغوب، والسلامة من المرهوب في الدنيا والآخرة.

.معنى الآيات:

ينهى الله تبارك وتعالى دعاة الحق من هذه الأمة في شخصية نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يَغُرَّهُمْ أي يخدعهم ما يتصرف فيه أهل الكفر والشرك والفساد من مكاسب وأرَباح وما يتمعون به من مطاعم ومشارب ومراكب، فيظنون أنهم على هدًى أو أن الله تعالى راضٍ عنهم وغير ساخط عليهم، لا، لا، إنما هو متاع في الدنيا قليل، ثم يردون إلى أسوأ مأوى وشر قرار إنه جهنم التي طالما مهدوا لدخولها بالشرك والمعاصي، وبئس المهاد مهدوه لأنفسهم الخلود في جهنم. هذا معنى الآيتين الاولى والثانية وهما قوله تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم ماواهم جهنم وبئس المهاد}، أما الآية الثالثة (198)، وهى قوله تعالى: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار} فإنها قد تضمنت استدراكاً حسناً وهو لا ذكر في الآية قبلها مآل الكافرين وهو شرمآل جهنم وبئس المهاد، ذكر في هذه الآية مآلُ المؤمنين وهو خير مآل. {جنات تجرى من تحتها الأنا رخالدين فيها نُزُلاً من عند الله}، وما عند الله تعالى من النعيم المقيم في دار السلام خير لأهل الإِيمان والتقوى من الدنيا وما فيها فلا يضرهم ان يكونوا فقراء، معسرين، وأهل الكفر أغنياء موسرين أما الآية الرابعة (199) وهى قوله تعالى: {وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله} الآية فانها تضمنت الرد الإلهي على بعض المنافقين الذين انكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين صلاتهم على النجاشى بعد موته، إذ قال بعضهم انظروا إلى محمد وأصحابه يصلون على علج مات في غير ديارهم وعلى غير ملتهم، وهم يريدون بهذا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فرد الله تعالى عليهم بقوله: {وإن من أهل الكتاب} أي اليهود والنصارى {لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم} أيها المؤمنون، {وما أنزل إليهم} في التوراة والانجيل {خاشعين لله} أي خاضعين له عابدين، {لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً} كسائر اليهود والنصارى حيث يحرفون كلام الله ويبدلونه ويخفون منه ما يجب ان يظهروه ويبينوه حفاظا على منصب أو سمعة أو منفعة مادية، أما هؤلاء وهم عبد الله بن سلام من اليهود وأصحمة النجاشى من النصارى، وكل من أسلم من أهل الكتاب فإنهم المؤمنون حقاً المستحقون للتكريم والإنعام قال تعالى فيهم: {أولئك لهم أجرهم عند ربهم} يوفيهم إياه يوم القيامة {إن الله سريع الحساب}، إذ يتم حساب الخلائق كلهم في مثل نصف يوم من أيام الدنيا.
هذا ما تضمنته الآية الرابعة (199) أما الآية الخامسة والأخيرة (200) وهى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} فإنها تضمنت دعوة كريمة ونصيحة غالية ثمينة للامة الرحيمة بأن تصبر على الطاعات وعلى الشدائد والملمات فتصابر اعداءها حتى يُستلِموا أو يُسَلموا القياد لها. وترابط بخيولها وآلات حربها في حدودها وثغورها مرهبة عدوها حتى لا يطمع في غزوها ودخول ديارها. ولتتق الله تقوى تكون سبباً في فوزها وفلاحها بهذه الرحمة الربانية ختمت سورة آل عمران المباركة ذات الحكم والأحكام وتليها سورة النساء.

.من هداية الآيات:

1- تنبيه المؤمنين وتحذيرهم من الاغترار بما يكون عليه الكافرون من سعة الرزق وهناءة العيش فإن ذلك لم يكن عن رضى الله تعالى عنهم، وإنما هو متاع في الدنيا حصل لهم بحسب سنة الله تعالى في الكسب والعمل ينتج لصاحبه بحسب كدة وحسن تصرفه.
2- ما أعد لأهل الإِيمان والتقوى وهم الأبرار من نعيم مقيم في جوار ربهم خير من الدنيا وما فيها.
3- شرف مؤمنى أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد الله بن سلام وأصحمة النجاشى.
4- وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة للحصول على الفلاح الذي هو الفوز المرغوب والسلامة من المرهوب في الدنيا والآخرة.

.سورة النساء:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}

.شرح الكلمات:

{الناس}: البشر، واحد الناس من غير لفظه وهو إنسان.
{اتقوا ربكم}: خافوه ان يعذبكم فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه.
{من نفس واحدة}: هي آدم عليه السلام.
{وخلق منها زوجها}: خلق حواء من آدم من ضلعه.
{وبث}: نشر وفرق في الأرض من آدم وزوجه رجلا ونساء كثراً.
{تساءلون به}: كقول الرجل لأخيه أسألك بالله أن تفعل لى كذا.
{والأرحام}: الأرحام جمع رحم، والمراد من اتقاء الأرحام صلتها وعدم قطعها.
{رقيباً}: الرقيب: الحفيظ العليم.

.معنى الآية الكريمة:

ينادى الرب تبارك وتعالى عباده بلفظ عام يشمل مؤمنهم وكافرهم: يا أيها الناس ويأمرهم بقتواه عز وجل وهى اتقاء عذابه في الدنيا والآخرة بالإِسلام التام إليه ظاهراً وباطناً. واصفا نفسه تعالى بأنه ربهم الذي خلقهم من نفس واحدة وهى آدم الذي خلقه من طين، وخلق من تلك النفس زوجها وهي حواء، وأنه تعالى بث منهما أي نشر منهما في الأرض رجالاً كثيرا ونساء كذلك ثم كرر الأمر بالتقوى إذ هي ملاك الأمر فلا كمال ولا سعادة بدون الالتزام بها قائلا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، أي اتقوا الله ربكم الذي آمنت به قلوبكم فكنتم إذا أراد أحدكم من أخيه شيئاً قال له أسألك بالله إلا اعطتنى كذا.. واتقوا الأرحام ان تقطعوها فإن في قطعها فساداً فإن في قطعها فساداً كبيراً وخللاً عظيما يصيب حياتكم فيفسدها عليكم، وتوعدهم تعالى ان لم يمتثلوا أمره بتقواه ولم يصلوا أرحامهم بقوله إن الله كان عليكم رقيباً مراعيا لأعمالكم محصياً لها حافظاً يجزيكم بها ألا أيها الناس فاتقوه.

.من هداية الآية الكريمة:

1- فضل هذه الآية إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ خطب في حاجة تلا آية آل عمران {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وتلا هذه الآية، ثم آية الأحزاب {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} ثم يقول أما بعد ويذكر حاجته.
2- أهمية الأمر بتقوى الله تعالى إذ كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها.
3- وجوب صلة الأرحام وحرمة قطعها.
4- مراعاة الأخوة البشرية بين الناس واعتبارها في المعاملات.

.تفسير الآيات (2- 4):

{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}

.شرح الكلمات:

{اليتامى}: جمع يتيم ذكراً كان أو أنثى وهو من مات والده وهو غير بالغ الحلم.
{ولا تتبدَّلوا الخبيث بالطيب}: الخبيث الحرام والطيب الحلال والمراد بها هنا الرديء والجيد.
{حوباً كبيراً}: الحوب الاثم الكبير العظيم.
{ان لا تقسطوا}: إن لا تعدلوا.
{مثنى وثلاث ورباع}: أي اثنتين أو ثلاث، أو أربع إذا لا تحل الزيادة على الأربع.
{ادنى ان لا تعولوا}: أقرب ان لا جوروا بترك العدل بين الزوجات.
{صدقاتهم نحلة}: جمع صدقة وهى الصداق والمهر، ونحلة بمعنى فريضة واجبة.
{هنيئاً}: الهنيء: ما يستلذ به عند أكله.
{مريئاً}: امريء: ما تحسن عاقبته بأن لا يعقب آثاراً سيئة.

.معنى الآيات:

لما أمر تعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها في الآية السابقة أمر في هذه الآية أوصياء اليتامى ان يعطوا اليتامى أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد وآنسوا منهم الرشد فقال تعالى وآتوا اليتامى أموالهم. ونهاهم محرماً عليهم أن يستبدلوا أمول اليتام الجيدة بأموالهم الرديئة فقال تعالى: ولا تتبدلوا الخبيث أي الرديء من أموالك بالطيب من أمولهم، لما في ذلك من أذية اليتيم في ماله، ونهاهم أيضا أن يأكلوا أمول يتاماهم مخلوطة مع أموالهم لما في ذلك من أكل مال اليتيم بغير حق فقال تعالى: ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم، وعلل ذلك بأنه إثم عظيم فقال عز وجل: إنه- أي الأكل- كان حوباً كبيراً. والحوب الإِثم. هذا معنى الآية: الأولى {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدَّلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالك إنه كان حوباً كبيراً} وأما الآية الثانية فقد أرشد الله تعالى أولياء اليتيمات ان هم خافوا ان لا يعدلوا معهن إذا تزوج أحدهم وليته أرشدهم إلى أن يتزوجوا ما طالب لهم من النساء غير ولياتهم مثنى، وثلاث ورباع، يريد اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع كل بحسب قدرته، فهذا خير من الزواج بالولية فيهضم حقها وحقها آكد لقرابتها. هذا معنى قوله تعالى: {وان خفتم الا تقسطوا في التيامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. وقوله: {فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ما ملك أيمانكم} يريد تعالى وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين زوجاته لضعفه فليكتف بواحدة ولا يزد عليه غيرها أو يتسرّى بمملوكته إن كان له مملوكة فإن هذا أقرب إلى أن لا يجوز المؤمن ويظلم نساءه. هذا معنى قوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ان لا تعولوا} وفي الآية الرابعة والأخيرة يأمر تعالى المؤمنين بأن يعطوا النساء مهورهن فرضة منه تعالى فرضها على. الرجل لامرأته، فلا يحل له ولا لغيره ان يأخذ منها شيئاً إلا برضى الزوجة فإن هي رضيت فلا حرج في الأكل من الصداق لقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا}.

.من هداية الآيات:

1- كل مال حرام فهو خبيث وكل حلال فهو طيب.
2- لا يحل للرجل ان يستبدل جيدا من مال يتيمه بمال رديء من ماله كأن يأخذ شاة سمينة ويعطيه هزيلة أو يأخذ تمراً جيداً ويعطيه رديئاً خسيساً.
3- لا يحل خلط مال اليتيم مع مال الوصي ويؤكلان جميعا لما في ذلك من أكل مال اليتيم ظلما.
4- جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع مع الأمن من الحيف والجور.
5- وجوب مهور النساء وحرمة الأكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر وسواء في ذلك الزوج وهو المقصود في الآية أو الأب والأقارب.