فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (64- 66):

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}

.شرح الكلمات:

{يد الله مغلولة}: يريدون أنه تعالى ضيق عليهم الرزق ولم يوسع عليهم.
{غلت أيديهم}: دعاء عليهم بأن يحرموا الإِنفاق في الخير وفيما ينفعهم.
{لعنوا بما قالوا}: طردوا من رحمة الله بسبب وصفه الرب تعالى بالبخل.
{بل يداه مبسوطتان}: لا كما قالوا لعنهم الله: يد الله مغلولة أي ممسكة عن الإِنفاق.
{طغياناً}: تجاوزاً لحد الاعتدال في قولهم الكاذب وعملهم الفاسد.
{وألقينا بينهم}: أي بين اليهود والنصارى.
{أوقدوا ناراً}: أي نار الفتنة والحريش والإِغراء والعداوات للحرب.
{ولو أن أهل الكتاب}: اليهود والنصارى.
{من فوقهم ومن تحت ارجلهم}: كناية عن بسط الرزق عليهم.
{أمة مقتصدة}: معتدلة لا غالية مفرطة، ولا جافية مفرطة.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى عن كفر اليهود وجرأتهم على الله تعالى بباطل القول وسيء العمل فيقول: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} يريدون أنه تعالى أمسك عنهم الرزق وضيقه عليهم، فرد الله تعالى عليهم بقوله: {غلت أيديهم} وهو دعاء عليهم بأن لا يوفقوا للإِنفاق فيما ينفعهم {ولعنوا بما قالوا}. ولعنهم تعالى ولعنهم كل صالح في الأرض والسماء بسبب قولهم الخبيث الفساد. وأكذبهم تعالى في قولهم {يد الله مغلولة} فقال: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} كما قال عنه رسوله في الصحيح: «يمين الله سَحَّاء تنفق الليل والنهار» ثم أخبر تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليسليه ويخفف عنه ما يجد في نفسه من جراء كفر اليهود وخبثهم فقال: {وليزيدن كثيراً منهم} أي من اليهود {ما أنزل إليك} من الآيات التي تبين خبثهم وتكشف النقاب عن سوء أفعالهم المخزية لهم. {طغياناً وكفراً} أي إبعاداً في الظلم والشر وكفراً بتكذيبك وتكذيب ما أنزل إليك وذلك دفعاً للحق ليبرروا باطلهم وما هم عليه من الاعتقاد الفاسد والعمل السيء، ثم أخبر تعالى رسوله بتدبيره فيهم انتقاماً منهم فقال عز من قائل: {والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي أن العداوة بين اليهود والنصارى لا تنتهي إلى يوم القيامة، ثم أخبر عن اليهود أنهم {كلما أوقدوا ناراً للحرب} وذلك بالتحريش بين الأفراد والجماعات وحتى الشعوب والأمم، وبالإِغراء، وقالة السوء، {أطفأها الله} تعالى فلم يفلحوا فيما أرادوه وقد أذلهم الله على يد رسوله والمؤمنين وأخزاهم وعن دار الإِيمان أجلاهم وأخبر تعالى أنهم يشعون دائماً وأبداً في الأرض بالفساد فلذا أبغضهم الله وغضب عليهم، لأنه تعالى لا يحب المفسدين، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (64) أما الآية الثانية (65) وهي قوله تعالى: {ولو أن أهل الكتاب} من يهود ونصارى {آمنوا} بالله ورسوله وبما جاء من الدين الحق وعملوا به، {واتقوا} الكفر والشرك وكبائر الذنوب الفواحش، لكفر الله عنهم سيئآتهم فلم يؤاخذهم ولم يفضحهم بها ولأدخلهم جنات النعيم.
وهذا وعد الله تعالى لليهود والنصارى فلو أنهم آمنوا واتقوا لأنجزه لهم قطعاً. وهو لا يخلف الميعاد.
أما الآية الأخيرة (66) في هذا السياق فهي تتضمن وعداً إلهياً آخر وهو أن اليهود والنصارى لو أقامة التوراة والإِنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك القرآن الكريم، ومعنى أقاموا ذلك آمنوا بالعقائد الصحيحة الواردة في تلك الكتب وعملوا بالشرائع السليمة والآدب الرفيعة والأخلاق الفاضلة التي تضمنتها تلك الكتب لو فعلوا ذلك لبسط الله تعالى عليه الرزق وأسبغ عليهم النعم ولأصبحوا في خيرات وبراكات تحوطهم من كل جانب هذا ما وعدهم الله به. ثم أخبر تعالى عن واقعهم المرير فقال: {منهم أمة مقتصدة} لم تغل ولم تحف فلم تقل في عيسى أنه ابن الله ولا هو ابن زنى، ولكن قالت عبد الله ورسوله ولذا لما جاء النبي الأمي بشارة عيسى عليه هو ابن زنى، ولكن قالت عبد الله ورسوله الحق وهم عبد الله بن سلام وبعض اليهود، والنجاشى من النصارى وخلق كثير لا يحصون عداً. وكثير من أهل الكتاب ساء أي قبح ما يعملون من أعمال الكفر والشرك والشر والفساد.

.من هداية الآيات:

1- قبح وصف الله تعالى بما لا يليق بجلاله وكماله.
2- ثبوت صفة اليدين لله تعالى ووجوب الإِيمان بها على مراد الله تعالى، وعلى ما يليق بجلاله وكماله.
3- تقرير ما هو موجود بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء وهو من تدبير الله تعالى.
4- سعي اليهود الدائم في الفساد في الأرض فقد ضربوا البشرية بالمذهب المادي الإِلحادي.
الشيوعي، وضربوها أيضاً بالإِباحة ومكائد الماسنية.
5- وعد الله لأهل الكتاب على ما كانوا عليه لو آمنوا واتقوا لأدخلهم الجنة.
6- وعده تعالى لأنه الكتاب ببسط الرزق وسعته لو أقاموا التوراة والإِنجيل وما أنزل إليهم من ربهم أي لو أنهم أخذوا بما في التوراة والإِنجيل من دعوتهم إلى الإِيمان بالنبي الأمي والدخول في الإِسلام لحصل لهم ذلك كما حصل للمسليمن طيلة ثلاثة قرون وزيادة. وما زال العرض كما هو لكل الأمم والشعوب أيضاً.

.تفسير الآيات (67- 69):

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)}

.شرح الكلمات:

{الرسول}: ذكر من بني آدم أوحي إليه شرع وأمر بتبليغه وهو هنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{بلغ ما أنزل إليك}: من التوحيد والشرائع والأحكام.
{يعصمك}: يحفظك حفظاً لا يصل إليك معه أحد بسوء.
{فلا تأس}: لا تأسف ولا تحزن.
{هادوا}: اليهود.
{الصابئون}: جمع صابئ وهم فرقة من أهل الكتاب.

.معنى الآيات:

في الآية الأولى (67) ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله معظماً له بقوله: {يا أيها الرسول} المبجل ليأمره بإبلاغ ما أوحاه إليه من العقائد والشرائع والأحكام فيقول {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}. ويقول له: {وإن لم تفعل} أي إن قصرت في شيء لم تبلغه لاي اعتبار من الاعتبارات {فما بلغت رسالته} أي فكأنك لم تبلغ شيئاً، وقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك من أن يمسوك بشيء من الأذى، ولذا فلا عذر لك في ترك إبلاغ أي شيء سواء كان مما يتعلق بأهل الكتاب أو بغيرهم ولذا فلم يكتم رسول الله شيئاً مما أمر بإِبلاغه البتة. وقوله تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الكفارين} تقرير لوعده تعالى بعصمة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هو تعالى لا يوفق الكافرين لما يريدون ويرغبون فيه من أذية رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحرسوني فإن الله قد عصمني» هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الثانية (68) وهي قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإِنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} لقد تقدم هذا السياق وأعيد هنا تقريراً له وتأكيداً وهو إعلام من الله تعالى أن اليهود والنصارى ليسوا على شيء من الدين الحق ولا من ولاية الله تعالى حتى يقيموا ما أمروا به وما نُهوا عنه وما انتدبوا إليه من الخيرات والصالحات مما جاء في التوراة والإِنجيل والقرآن أيضاً. وقوله تعالى: {وليزيدنَّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً} هذا إخبرا من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن كثيراً من اليهود والنصارى يزيدهم ما يوحي الله تعالى إلى رسوله وما ينزله عليه في كتابه من أخبار أهل الكتاب مما هو بيان لذنوبهم وضلالهم. ومما هو أمر لهم بالإِيمان بالنبي الأمبي واتباعه على الدين الحق الذي أرسل به يزيدهم ذلك طغياناً أي علوا وعتواً وكفراً فوق كفرهم. ولذا فلا تأس أي لا تحزن على عدم إيمانهم بك وبما جئت به لأنهم قوم كافرون. أما الآية الثالثة (69) وهي قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} فالذين آمنوا هم المسلمون واليهود والنصارى والصابئون وهم فرقة منهم هم أهل الكتاب فجميع هذه الطوائف من آمن منهم الإِيمان الحق بالله وباليوم الآخر وأتى بلازم الإِيمان وهو التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي أفعالاً وتروكاً فلا خوف عليه في الدنيا ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا حزن يلحقه في الحيوات الثلاث وعد الله حقاً ومن أصدق من الله حديثاً!

.من هداية الآيات:

1- وجوب البلاغ على الرسل ونهوض رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب على أكمل وجه وأتمه.
2- عصمة الرسول المطلقة.
3- كفر أهل الكتاب إلا من آمن منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به من الدين الحق.
4- أهل العناد والمكابرة لا تزيدهم الأدلة والبراهين إلا عتواً ونفوراً وطغياناً وكفراً.
5- العبرة الإِيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي لا بالانتساب إلى دين من الأديان.

.تفسير الآيات (70- 72):

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)}

.شرح الكلمات:

{المثاق}: العهد المؤكد باليمين.
{بما لا تهوى أنفسهم}: بما لا يحبونه ولا تميل إليه أنفسهم المريضة.
{فريقاً كذبوا}: أي كذبوا طائفة من الرسل وقتلوا طائفة أخرى.
{أن لا تكون فتنة}: أي أن لا يبتلوا بذنوبهم بالشدائد والمحن.
{فعموا وصموا}: عموا عن العبر وصموا عن سماع المواعظ.
{من يشرط بالله}: أي يشرك بالله غيره تعالى من سائر الكائنات فيعبده مع الله بأي نوع من أنواع العبادات.
{حرم الله عليه الجنة}: حكم بمنعه من دخولها أبداً إلا أن يتوب من الشرك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن أهل الكتاب فقد أقسم تعالى على أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل وذلك في التوراة بأن يعبدوا الله وحده بما شرع لهم فيطيعوه في أمره ونهيه وأرسل إليهم رسله تترا كلما جاءهم رسول بما لا يوافق أهواءهم كذبوه فيما جاءهم به ودعاهم إليه. أو قتلوه. وحسبوا أن لا يؤاخذوا بذنوبهم فعموا عن الحق وصموا عن سماع المواعظ فابتلاهم ربهم وسلط عليهم من سامهم سوء العذاب، ثم تاب الله عليهم فتابوا واستقام أمرهم وصلحت أحوالهم هم عموا وصموا مرة أخرى إلا قليلاً منهم فسلط عليهم من سامهم سوء العذاب أيضاً وها هم أولاء في عمى وصمم والله بصير بما يعملون وسوف ينزل بهم بأساءه، إن لم يتوبوا فيؤمنوا بالله ورسوله ويدينوا بالدين الحق الذي هو الإِسلام.
هذا ما تضمنته الآياتان الأولى والثانية (70- 71) أما الآية الثالثة (72) وهي قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم} فقد أخبر تعالى مقرراً حكمه بالكفر على من افترى عليه وعلى رسوله فادعى أن الله جل جلاله وعظم سلطانه هو المسيح بن مريم تعالى الله ان يكون عبداً من عباده، وحاشا عيسى عبد الله ورسوله أن يرضى أن يقال له أنت الله. وكيف وهو القائل: {يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} فهل مثل هذا القول يصدر عمن يدعي أنه الله أو ابن الله؟ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان تاريخ بني إسرائيل، والكشف عن مختبئات جرائمهم من الكفر والقتل.
2- إكرام الله تعالى لبني إسرائيل ولطفه بهم مع تمردهم عليه ورفض ميثاقه وقتل أنبيائه وتكذيبهم، والمكر بهم.
3- تقرير كفر النصارى بقولهم المسيح هو الله.
4- تقرير عبودية عيسى عليه السلام لربه تعالى.
5- تحريم الجنة على من لقي ربه وهو يشرك به سواه.

.تفسير الآيات (73- 76):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}

.شرح الكلمات:

{ثالث ثلاثة}: الثلاثة هي الأب والابن وروح القدس: وكلها إله واحد.
{خلت من قبله الرسل}: مضت قبله رسل كثيرون.
{وأمه صديقة}: أي مريم كانت صديقة كثيرة الصدق في قولها وعملها.
{أنى يؤفكون}: أي كيف يصرفون عن الحق وقد ظهر واضحاً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان كفر النصارى ففي السياق الأول ورد كفر من قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وفي هذا السياق كفر من قالوا إن الله ثالث ثلاثة إذ قال تعالى في هذه الآية (73) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة يعنون الآب والابن وروح القدس، وبعضهم يقول الأب والابن والأم، والثلاثة إله واحد فأكذبهم تعالى في قيلهم هذا فقال راداً باطلهم، {وما من إله إلا إله واحد} أي وليس الأمر كما يكذبون، وإنما الله إله واحد، وأما جبريل فأحد ملائكته وعيسى عبده ورسوله ومريم أمته فالكل عبد الله وحده الذي لا ليمسن الذين كفرا منهم عذاب أليم. فأقسم تعالى أنه إن لم ينتهوا عن قولهم الباطل وهو كفر ليمسنهم عذاب أليم موجع غاية الإِيجاع. ثم لكمال رحمته عز وجل دعاهم في الآية الثانية (74) إلى التوبة ليتوب عليه ويغفر لهم وهو الغفور الرحيم فقال عز وجل: {أفلا يتوبون إلى الله} بترك هذا الكفر والباطل ويستغفرون الله منه والله غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين، وفي الآية الثالثة (75) أخبر تعالى معلماً رسوله الاحتجاج على باطل النصارى فقال: {ما المسيح بن مريم إلا رسول}، فلم يكن رباً ولا إلهاً وإنما هو رسول مفضل قد خلت من قبله رسل مفضلون كثيرون وأمه مريم لم تكن أيضاً إلهاً كما يزعمون، وإنما هي امرأة من نساء بني إسرائيل صديقة كثيرة الصدق في حياتها لا تعرف الكذب ولا الباطل وأنها وولدها عيسى عليهما السلام بشر ان كسائر البشر يدل على ذلك أنهما يأكلان الطعام احياجاً إليه لأن بنيتهما لا تقوم إلا عليه فهل آكل الطعام افتقاراً إليه، ثم يفرز فضلاته يصلح أن يكون إلهاً. اللهم لا. وهنا قال لرسوله صلى الله عليه وسلم أنظر يا رسولنا كيف نبين لهم الآيات الدالة بوضوح على بطلان كفرهم، ثم انظر كيف يؤفكون عن الحق أي كيف يصرفون عنه وهو واضح بين. وفي الآية الأخيرة (76) أمر رسوله ان يقول لأولئك المأفوكين عن الحق المصروفين عن دلائله لا ينظرون فيها أمره أن يقول لهم موبخاً لهم: {أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضراً ولا نفعاً} وعيسى وأمه، وتتركون عبادة من يملك ذلك، وهو الله السميع العليم.

.من هداية الآيات:

1- إبطال التثليث في عقيدة النصارى وتقرير التوحيد.
2- إبراء عيسى ووالدته عليهما السلام من دعوى الألوهية للناس.
3- فتح باب التوبة في وجه النصارى لو أنهم يتوبون.
4- تقرير بشرية عيسى ومريم عليهما السلام بدليل احتياجهما إلى الطعام لقوام بنيتهما، ومن كان مفتقراً لا تصح ألوهيته عقلاً وشرعاً.
5- ذم كل من يعبد غير الله إذ كل الخلائق مفتقرة لا تملك لنفسها ولا لعبادها ضراً ولا نفعاً، ولا تسمع دعاء من يدعوها، ولا تعلم عن حاله شيئاً، والله وحده السمع لأقوال كل عباده العليم بسائر أحوالهم وأعمالهم، فهو المعبود بحق وما عداه باطل.

.تفسير الآيات (77- 81):

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)}

.شرح الكلمات:

{لا تغلوا في دينكم}: الغلو: الإِفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه فمثلاً أمرنا بغسل اليدين في الوضوء إلى المرفقين فغسلهما إلى الكتفين غلو أمرنا بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاؤه غلو في الدين.
{أهوالء قوم قد ضلوا}: جمع هوى، وصاحب الهوى هو الذي يعتقد ويقول ويعمل بما يهواه لا بما قامت به الحجة وأقره الدليل من دين الله تعالى.
{وأضلوا كثيراً}: أي أضلوا عدداً كثيراً من الناس بأهوائهم وأباطيلهم.
{عن سواء السبيل}: سواء السبيل: وسط الطريق العدل لا ميل فيه إلى اليمين ولا إلى اليسار.
{لعن}: دعى عليهم باللعنة التي هي الإِبعاد من الخير والرحمة وموجباتها.
{بما عصوا وكانوا يعتدون}: أي بسبب عصيانهم لرسلهم، واعتدائهم في دينهم.
{لا يتناهون}: أي لا ينهي بعضهم بعضاً عن ترك المنكر.
{لبئس ما كانوا يعملون}: قبح عملهم من عمل وهو تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{يتولون الذين كفروا}: يوادونهم ويتعاونون معهم دون المؤمنين.
{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي}: أي لو كانوا صادقين في إيمانهم بالله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ما اتخذوا المشركين في مكة والمدينة من المنافقين أولياء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهوداً ونصارى فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قل} يا رسولنا: {يا أهل الكتاب} والمراد بهم النصارى {لا تغلوا في دينكم غير الحق}، أي لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم، فتبتدعون البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها، التشدد محمود في الق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً لا في المحدثات الباطلة ولا تتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل كثيراً من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم، وضلوا أي وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى (77) أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية أن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور، وعلى لسان عيسى بن مريم في الإِنجيل وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن قال تعالى: {لعن الذين كفرا من بني إسرائيل على لسان داود}. فقد مسخ منهم طائفة قردة، {وعيسى بن مريم} حيث مسخ منهم نفر خنازير كما لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في غير آية من القرآن الكريم، وهذا اللعن الذي هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة سببه ما ذكر تعالى بقوله: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. أي بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم: وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} أي كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده» فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض ثم قال صلى الله عليه وسلم: {لعن الذين كفروا} إلى قوله: {فاسقون} ثم قال: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه (تعطفنه) على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض بعضكم ثم يلعنكم كما لعنهم» وفي آخر الآية قبح الله تعالى عملهم فقال: {لبئس ما كانوا يفعلون} ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم {ترى كثيراً منهم} أي من اليهود في المدينة يتولون الذين كفروا يعنى من المشركين والمنافقين في مكة والمدينة يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالاتهم في دينهم وكتابهم، ثم قبح تعالى عملهم فقال: {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر والفساد، وهو سخط الله تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى مالا نهاية له فقال تعالى: {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} لا يخرجون منه أبداً. ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله} كما يجب الإِيمان به وبالنبي محمد وبما جاء به من الهدى ودين الحق وما أنزل إليه من القرآن والآيات البينات ما اتخذوا الكفار المشركين والمنافقين أولياء، ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إلا قليلاً منهم، والفاسق عن أمر الله الخارج عن طاعته لا يقف في الفساد عند حد أبداً، هذا معنى قوله تعالى: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون}.

.من هداية الآيات:

1- حرمة الغلو والابتداع في الدين، واتباع أهل الأهواء.
2- العصيان والاعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران.
3- حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع.
4- حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد.
5- موالاة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلامته في صاحبه.