فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (5- 9):

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}

.شرح الكلمات:

{وان تعجب}: أي ياخذك العجب من انكارهم نبوتك والتوحيد.
{فعجب}: أي فاعجب منه انكارهم للبعث والحياة الثانية مع وضوح الادلة وقوة الحجج.
{لفي خلق جديد}: أي نرجع كما كنا بشراً احياء.
{الاغلال في اعناقهم}: أي موانع من الايمان والاهتداء واغلال تشد بها أيديهم إلى اعناقهم في الاخرة.
{بالسيئة}: أي العذاب.
{قبل الحسنة}: أي الرحمة وما يحسن بهم من العاقبة والرخاء والخصب.
{المثلاث}: أي العقوبات واحدها مقله التي قد اصابت والمكذبين في الأمم الماضية.
{لولا انزل هليه}: أي هلا أنزل، ولولا أداة تحضيض كهلاً.
{آية من ربه}: أي معجزة كعصا موسى موسى وناقة صالح مثلا.
{ولكل قوم هاد}: أي نبي يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه وحده ولا يشركون به غيره.
{ما تحمل كل أنثى}: أي من ذكر أو انثى واحداُ أو اكثر ابيض أو اسمر.
{وما تغيض الأرحام}: أي تنقص من دم الحيض، وما تزداد منه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى الايمان بالتوحيد والنبوة المحمدية والبعث يوم القيامة للسحاب والجزاء، فقوله تعالى في الآية الأولى (5): {وان تعجب} يا نبينا من عدم إيمانهم برسالتك وتوحيد ربك فعجب اكبر هو عدم ايمانهم بالبعث الآخر، إذ قالوا في انكار وتعجب: {أئذا متنا ومنا تراباً أئنا لفي خلق جديد} أي يحصل لنا بعد الفناء والبلى، قال تعالى مشيراً اليهم مسجلاً الكفر عليهم ولازمه وهو الهداية كالتقليد الأعمى والكبر والمجاحدة والعناد، وفي الآخرة اغلال توضع في اعناقهم من حديد تشد بها أيديهم إلى اعناقهم، {وأولئك أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} أي ماكثون ابداً لا يخرجون منها بحال من الأحوال.
وقوله تعالى في الآية الثانية (6): {ويستعجلونك بالسيئة الحسنة} يخبر تعالى رسوله مقرراً ما قال أولئك الكافرون بربهم ولقائه ونبي الله وما جاء به، ما قالوه استخفافاً واستعجالاً وهو طلبهم العذاب الدنيوي، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخوفهم من عذاب الدنيا وعذب الاخرة، فهم يطالبون به كقول بعضهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب اليم} قبل طلبهم الحسنة وهذا لجهلهلم وكفرهم، والا لطالبوا بالحسنة التي هي العافية والرخاء والخصب قبل السيئة التي هي الدمار والعذاب.
وقوله تعالى: {وقد خلت من قبلهم المثلات} أي والحال ان العقوبات قد مضت في الأمم من قبلهم كعقوبة الله لعاد وثمود وأصحاب الأيكة والمؤتفكات فما لهم يطالبون بها استبعاداً لها واستخفافاً بها اين ذهبت عقولهم؟ وقوله تعالى: {وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وهو ظاهر مشاهد إذ لو كان يؤاخذ بالظلم لمجرد وقوعه فلم يغفر لأصحابه لما ترك على الارض من دابة، {وان ربك لشديد العقاب} أي على من عصاه بعد ان انذره وبين له من يتقي فلم يتق ما يوجب العذاب من الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى في الآية (7): {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه أية من ربه}! يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن قيل الكافرين بالتوحيد والبعث والنبوة: {لولا} أي هلا انزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه كعصا موسى وناقة صالح، حتى نؤمن بنبوته ونصدق برسالته، فيرد تعالى عليهم بقوله: {إنما أنت منذر} والمنذر المخوف من العذاب وليس لازماً ان تنزل معه الآيات، وعليه فلا تلتفت إلى ما يطالبون به من الايات، واستمر على دعوتك فإن لكل قوم هادياً وأنت هادي هذه الأمة، وداعيها إلى ربها فادع واصبر.
وقوله تعالى في الآية الرابعة (8): {الله يعلم ما تحمل كل اثنى} أي من ذكر وانثى واحداً أو اثنين أبيض أو اسمر سعيداً أو شقياُ، وقوله: {وما تغيض الارحام وما تزداد} أي ويعلم ما تغيض الأرحام من دماء الحيض وما تزداد منها إذ غيضها ينقص من مجة الحمل وازديادها يزيد في مدة الحمل فقد بلغ السنة أو اكثر، وقوله: {وكل شيء عنده بمقدار} أي وكل شيء في حكمه وقضائه وتدبيره بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص في ذات ولا صفة ولا حال، ولا زمان ولا مكان، وقوله: {عالم الغيب والشهادة} أي كل ما غاب عن الخلق، وما لم يغب مما يشاهدونه أي العليم بكل شيء وقوله: {الكبير المعتال} أي الذي لا اكبر منه وكل كبير أمامه صغير المعتال على خلقه المنزه عن الشريك والشبيه والصاحبة والولد هذا هو الله وهذه صفاته فهل يليق بعاقل ان ينكر استحقاقه للعبادة دون سواه؟ فهل يليق بعاقل ان ينكر عليه ان يوحي بما شاء على من يشاء من عباده؟ فهل يليق بعاقل ان ينكر عليه أن ان يوحي بما شاء على من يشاء من عباده؟ فهل يليق بعاقل ان ينكر على هذه قدرته وعمله ان يحي العباد بعد ان يميتهم ليسألهم عن كسبهم ويحاسبهم عليه ويجزيهم به؟ اللهم لا إذا فالمنكرون على الله ما دعاهم إلى الايمان به لا يعتبرون عقلاء وان طاروا في السماء وغاصوا في الماء.

.من هدية الآيات:

1- تقرير أصول العقيدة الثلاثة: التوحيد والنبوة البعث والجزاء الآخر.
2- صوارف الإيمان والتي هي كالأغلال هي التقليد الأعمى، والكبر والعناد.
3- عظيم قدرة الله تعالى وسعة علمه.
4- تقرير عقيدة القضاء والقدر.

.تفسير الآيات (10- 13):

{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}

.شرح الكلمات:

{وسارب بالنهار}: أي ظاهر في سربه أي طريقه.
{له معقبات}: أي ملائكة تتعقبه بالليل والنهار.
{من أمر الله}: أي بامر الله تعالى وعن اذنه وأمره.
{لا يغير ما بقوم}: أي من عافية ونعمة إلى بلاء وعذاب.
{ما بإنفسهم}: من طهر وصفاء الإيمان والطاعات إلى الذنوب والآثام.
{وما لهم من دونه من وال}: أي وليس لهم من دون الله من يلبي أمرهم فيدفع عنهم العذاب.
{من خفيته}: أي من الخوف منه وهيبته وجلاله.
{وهو شديد المحال}: أي القوة والمماحلة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر جلال الله وعظيم قدرته وسعة علمه، قال تعالى في هذه الآية: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} فالله يعلم السر والجهر وأخفى {ومن هو مستخف بالليل} يمشي في ظلامه ومن هو {سارب بالنهار} أي يمشي في سربه وطريقه مكشوفاً معلوماً لله تعالى، وقوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} جائز ان يعود الضمير في {له} على من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، فيكون المراد من المعقبات الحرس والجلاوزة الذين يحرسون السلطان من أمر الله تعالى في نظرهم، ولكن إذا اراده الله بسوء فلا مرد له ماله من دون الله من وال يتولى حمايته والدفاع عنه، وجائز ان يعود على الله تعالى ويكون المراد من المعقبات الملائكة الحفظة والكتبة للحسنات والسئيات ويكون معنى من أمر الله أي بأمره تعالى وإذنه، والمعنى صحيح في التوجيهين للآية والى الاول ذهب ابن جرير والى الثاني ذهب جمهور المفسرين، وقوله تعالى: {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي انه تعالى لا يزيل نعمة انعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح اعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات والضرب في سبيل الضلالات، وقوله تعالى: {وإذا اراد الله بقوم فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} هذا اخبار منه تعالى بانه إذا اراد بقوم أو فرد أو جماعة سوءاً ما أي يسوءهم من بلاء وعذاب فلا مرد له بحال من الأحوال بل لابد وان يمسهم، ولا يجدون من دون الله من وال يتولى صرف العذاب عنهم، اما من الله تعالى فإنهم إذا أنابوا اليه واستغفروه وتابوا اليه فإنه تعالى يكشف عنهم السوء، ويصرف عنهم العذاب، وقوله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفاً} من الصواعق من جهة وطمعاً في المطر من جهة أخرى {وينشئ السحاب الثقال} أي وهو الذي ينشئ أي يبدء السحاب الثقال الذي يحمل الأمطار {ويسبح الرعد بحمده} أي وهو الذي يسبح الرعد بحمده وهو ملك موكل بالسحاب يقول: سبحان الله وبحمده، وقوله: {والملائكة من خيفته} أي خيفة الله وهيبته وجلاله فهي لذلك تسبحه أي تتزهه عن الشريك والشبيه والولد بألفاظ يعلمها الله تعالى، وقوله تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهو يجادلون في الله} أي في وجوده وصفاته وتوحيده وطاعته {وهو شديد المحال} هذه الآية نزلت فعلاً في رجل بعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوه إلى الإسلام فقال الرجل الكافر لمن جاء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رسول الله؟ وما الله امن ذهب هو أو فضة أو من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة أثتاء كلامه فذهبت بقحف رأسه، ومعنى شديد المحال أي القوة والاخذ والبطش.

.من هداية الآيات:

1- سعة علم الله تعالى.
2- الحرس والجلاوزة لمن يستخدمهم لحفظه من امر الله تعالى لن يغتنموا عنه من امر الله شيئاً.
3- تقرير عقيدة ان لكل فرد ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار منهم الكرام الكاتبون، ومنهم الحفظة للإنسان من الشياطين والجان.
4- بيان سنة ان النعم لا تزول الا بالمعاصي.
5- استجاب قول سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته عند سماع الرعد لورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة.

.تفسير الآيات (14- 16):

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}

.شرح الكلمات:

{له دعوة الحق}: أي لله تعالى الدعوة الحق أي فهو الاله الحق الذي لا الله الا هو.
{ليبلغ فاه}: أي الماء فمه.
{الا في ضلال}: أي في ضياع لا حصول منه على طائل.
{بالغدو والآصال}: أي بالبكر جمع بكرة، والعشايا جمع عشية.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد بالادلة والبراهين، وقال تعالى: {له دعوة الحق} أي لله سبحان وتعالى الدعوة الحق وهي انه الاله الحق الذي لا الله الا هو، اما غيره فإطلاق لفظ الاله اطلاق باطل، فالاصنام والاوثان وكل ما عبد من دون الله اطلاق لفظ الله عليه باطل، والدعوة إلى عبادته باطلة، اما الدعوة الحق فانها لله وحده.
وقوله تعالى: {والذين يدعون من دونه} أي من دون الله من سائر المعبودات {لا يستجيبون لهم بشيء} أي لا يجيبونهم بإعطائهم شيئاً مما يطلبون منهم {الا كباسط كفيه إلى الماء} أي كاستجابة من بسط يديه أي فتحهما ومدهما إلى الماء والماء في قعر البئر فلا كفاه تصل إلى الماء ولا الماء يصل إلى كفيه وهو عطشان ويظل كذلك حتى يهلك عطشاً، هذا مثل من يعبد غير الله تعالى بدعاء أو ذبح أو نذر أو خوف أو رجاء فهو محروم الاستجابة خائب في مسعاه ولن تكون له عاقبته الا النار والخسران وهو معنى قوله تعالى: {وما دعاء الكافرين الا في ضلال} أي بطلان وخسران، وقوله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات} أي الملائكة {والأرض} أي من مؤمن يسجد طوعاً، ومنافق أي يسجد كرها، {وظلالهم} أيضاً {بالغدو} اوائل النهار، {والآصال} اواخر النهار، ومعنى الآية الكريمة: إذا لم يسجد الكافرون ان لم ينقادوا لعبادة الله وحده تعالى فإن لله يسجد من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الجن والأنس المؤمنون يسجدون طائعين والكافرون يسجدون إذا اكرهوا على السجود والمنافقون يسجدون مكرهين، وظلالهم تسجد في البكر والعشايا كما انهم منقادون لقضاء الله تعالى وحكمه فيهم لا يستطيعون الخروج عنه بحال فهو الذي خلقهم وصورهم كما شاء ورزقهم ما شاء ويميتهم متى شاء فأي سجود وخضوع وركوع أظهر من هذا؟ وقوله تعالى: {قل من رب السماوات والأرض} أي من خالقهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما؟ وأمر رسوله ان يسبقهم إلى الجواب {قل الله} إذ لا جواب لهم الا هو، وبعد ان ان أقروا بان الرب الحق هو الله، امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يقول لهم موبخاً مقرعاً {أفاتخذتم من دونه اولياء} أي شركاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فضلاً عن ان يملكوا لكم نفعاً أو يدفعون عنكم ضراً فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون، ومبالغة في البيان وإقامة للحجة والبرهان على وجوب التوحيد وبطلان الشرك والتنديد امر رسوله ان يقول لهم: {هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور}؟ والجواب قطعاً لا إذ فكيف يستوى المؤمن والكافر، وكيف يستوي الهدى والضلال، فالمؤمن يعبد الله على بصيرة على علم انه خالقه ورازقه يعلم سره ونجواه إذا دعاه أرسل اليه رسوله وانزل عليه كتابه، والكافر المشرك يعبد مخلوقاً من مخلوقات الله لا تملك لنفسها فضلاً عن عابديها نفعاً ولا ضراً لا تسع نداءً ولا تجيب دعاء، المؤمن يعبد الله بما شرع له من عبادات وبما طلبت منه من طاعات وقربات، والكافر المشرك يعبد الباطل بهواه، ويسلك الغيّ في الحياة.
وقوله: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي بل جعلوا لله شركاء فخلقت تلك الشركاء خلقوا كخلق الله فتشابه الخلق على المشركين فعبدوها ظناً منهم انها خلقت كخلق الله؟ والجواب لا فإنها لم تخلق ولا تستطيع خلق ذبابة فضلاً عن غيرها إذا فكيف تصح عبادتها وهي لم تخلق شيئاً، وقوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} أي قل أيها الرسول للمشركين عند اعترافهم بان آلهتهم لم تخلق شيئاً قل لهم: الله خالق كل شيء وهو الواحد الذي لا شريك له ولا ند ولا مثل، القهار لكل جبار والمذل لكل معاند كفار، هو المستحق للعبادة الواجب له الطاعة، الإيمان به هدى والكفر به ضلال.

.من هداية الآيات:

1- دعوة الحق لله وحده فهو المعبود بحق ل الله غيره ولا رب سواه.
2- حرمان المشركين من دعائهم وسائر عباداتهم.
3- الخلق كلهم يسجدون لله طوعاً أو كرهاً إذ الكل خاضع خاضع لحكم الله وتدبيره فيه.
4- مشروعية السجود للقارئ والمستمع إذا بلغ هذه الآية {وظلالهم بالغدو والآصال} ويستحب ان يكون ظاهراً مستقبلاً القلبة، ويكبر عند الخفض والرفع ولا يسلم.
5- بطلان الشرك إذ لا دليل عليه من عقل ولا نقل.
6- وجوب العبادة لله تعالى.

.تفسير الآيات (17- 18):

{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}

.شرح الكلمات:

{فسألت أودية بقدرها}: أي بمقدار مائها الذي يجري فيها.
{زبداً رابياً}: أي غثاء إذ الزبد هو وضر غليان الماء أو جريانه في الانهار.
{ومما يوقدون عليه في النار}: أي كالذهب والفضة والنحاس.
{ابتغاء حيلة أو متاع}: أي طلباً لحيلة من ذهب أو فضة أو متاع من الأواني.
{زبد مثله}: أي مثل زبد السيل.
{فأما الزبد}: أي زبد السيل أو زبد ما اوقد عليه النار.
{فيذهب جفاء}: أي باطلاً مرمياً بعيداً إذ هو غثاء ووضر لا خير فيه.
{فيمكث في الأرض}: أي يبقى في الأرض زمناً ينتفع به الناس.
{للذين استجابوا لربهم الحسنى}: أي للذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة.
{لم يستجيبوا}: أي لم يؤمنوا به ولم يطيعوه.
{لافتدوا به}: وهي المؤاخذة بكل ذنب عملوه لا يغفر لهم منه شيء.
{وبئس المهاد}: أي الفراش الذي اعدوه لأنفسهم وهو جهنم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالكفر والشرك ففي هذه الآية الكريمة ضرب الله تعالى مثلاً للحق والباطل، للحق في بقائه، والباطل في اضمحلاله وتلاشيه فقال: {أنزل} أي الله {من السماء ماءً فسالت اودية بقدرها} أي بحسب كبرها وصغرها لأن الوادي قد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً، فاحتمل السيل أي حمل سيل الماء في الوادي زبداً رابياً أي غثاء ووضراً على سطح الماء، هذا مثل مائي، ومثل ناري قال فيه عز وجل: {ومما يوقدون عليه في النار} أي ومما يوقد عليه الصاغة والحدادون {ابتغاء حلية} أي طلباً للحلية، {أو متاع} أي طلباً لمتاع يتمتع به الأواني إذ الضائغ أو الحداد يضع الذهب أو الفضة أو النحاس في البوتقة وينفخ عليها بالكير فيعلو ما كان فاسداً غير صالح على الصورة الزبد وما كان صالحاً يبقى في البوتقة وهو الذي يصنع منه الحيلة والمتاع، وقوله تعالى: {كذلك} أي المذكور من الأمور الأربعة مثلي الحق وهما الماء والجوهر ومثلي الباطل وهما زبد الماء وزبد الجوهر {فأما الزبد فيذهب جفاء} أي باطلاً مرمياً به يرميه السيل إلى ساحل الوادي فيعلق بالاشجار والاحجار ويرميه الصائغ عن بوتقته، وأما ما ينفع الناس من الماء للسقي والري فيمكث في الأرض، وكذا ما ينفع من الحلي والمتاع يبقى في بوتقة الصائغ والحداد وقوله تعالى: {كذلك يضرب الله الأمثال} أي مثل هذا المثل الذي ضربه للحق في بقائه والباطل في ذهابه وتلاشيه وان علا وطغا في بعض الأوقات، {يضرب} أي بين الامثال، ليعلموا فيؤمنوا ويهتدوا فيكملوا ويسعدوا.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (17) واما الآية الثانية (18) فق اخبر تعالى بوعد له ووعيد اما وعده فلأهل طاعته بان لهم الحسنى الجنة وأما وعيده فلأهل معصيته وهو أسوأ وعيد وأشده، فقال تعالى في وعده: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} وقال في وعيده: {والذين لم يستجيبوا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً} أي من مال ومتاع {ومثله معه} أيضاً لافتدوا به من العذاب الذي الذي تضمنه هذا الوعيد الشديد، ويعلن عن الوعيد فيقول {أولئك} أي الأشقياء {لهم سوء الحساب} وهو أن يحاسبوا على صغيرة وكبيرة في أعمالهم ولا يغفر لهم منها شيء {ومأواهم جهنم} أي مقرهم ومكان إيوائهم {ويئس المهاد} أي الفراش جهنم لهم.

.من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الاذهان.
2- ثبات الحق، واضمحلال الباطل سنة من سنن الله تعالى.
3- بيان وعد الله للمستجيبين له بالايمان والطاعة وهي الجنة.
4- بيان وعيد الله لمن لم يستجب له بالايمان والطاعة.

.تفسير الآيات (19- 24):

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}

.شرح الكلمات:

{كمن هو اعمى}: أي لا يرى الحق ولا يعمله ولا يؤمن به.
{أولوا الألباب}: أي أصحاب العقول.
{يصلون ما امر الله به ان يوصل}: أي من الإيمان والتوحيد والأرحام.
{ويدرءون بالحسنة}: أي يدفعون بالحلم الجهل، وبالصبر الأذى.
{عقبى الدار}: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة.
{جنات عدن}: أي جنات إقامة دائمة.

.معنى الآيات:

لقد تضمنت هذه الآيات مقارنة ومفاضلة بين شخصيتين: الأولى شخصية مؤمن صالح كحمزة بن عبدالمطلب والثانية شخصية كافر فاسد كأبي جهل المخزومي وبين ما لهما من جزاء في الدار الآخرة، مع ذكر صفات كل منهما، تلك الصفات المقتضية لجزائهما في الدار الآخرة قال تعالى: {أفمن يعلم أنما انزل اليك من ربك الحق} فيؤمن به بعد العلم ويستقيم على منهجه في عقيدته وعبادته ومعاملاته وسلوكه كله. هذه الشخصية الأولى {كمن هو اعمى} لم يعلم الحق ولم يؤمن به ولم يفعل بما انزل إلى الرسول من الشرع.
والجواب قطعاً انهما لا يستويان ولا يكونان في ميزان العدل والحق متساويين وقوله تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب} أي يتعظ بمثل هذه المقارنة أصحاب العقول المدركة للحقائق، والمفرقة بين المتضادات كالحق والباطل والخير والشر والنافع والضار. وقوله تعالى: {الذين يوفون} هذا مشروع في بيان صفاتهم المقتضية إنعامهم وإكرامهم نذكر لهم ثماني صفات هي كالتالي:
(1) الوفاء بالعهود وعدم نقضها: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} إذ لا دين لمن لا عهد له.
(2) وصل ما امر الله به ان يوصل من الايمان والإسلام والاحسان والارحام: {والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل}.
(3) خشية الله المقتضية لطاعته: {ويخشون ربهم}.
(4) الخوف من سوء الحساب يوم القيامة المقتضي لمحاسبة النفس على الصغيرة والكبيرة: {ويخافون سوء الحساب}.
(5) الصبر طلباً لمرضاة الله على الطاعات وعن المعاصي، وعلى البلاء: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم}.
(6) إقامة الصلاة وهي إداؤها في أوقاتها جماعة بكامل الشروط والاركان والسنن والآداب: {واقاموا الصلاة}.
(7) الانفاق مما رزقهم الله في الزكاة والصدقات الواجبة والمندوبة: {وأنفقوا مما رزقناهم}.
(8) دفع السيئة بالحسنة فيدرءون سيئة الجهل عليهم بحسنة الحلم، وسيئة الأذى بحسنة الصبر.
وقوله تعالى: {أولئك لهم عقبى الدار} أي العاقبة المحمودة وفسرها بقوله: {جنات عدن} أي إقامة لا ظعن منه يدخلونها هم {ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم} والصلاح هنا الإيمان والعمل الصالح. وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} هذا عند دخولهم الجنة تدخل عليهم الملائكة تهنئهم بسلامة الوصول وتحقيق المأمول وتسلم عليهم قائلة: {سلام عليكم بما صبرتم} أي بسبب صبركم والايمان والطاعة {فنعم عقى الدار}. هذه تهنئة الملائكة لهم وأعظم بها تهنئة وأبرك بها بركة اللهم اجعلني منهم ووالدي واهل بيتي والمسلمين اجمعين.

.من هداية الآيات:

1- المؤمن حي يبصر ويعلم ويعمل والكافر ميت أعمى لا يعلم ولا يعمل.
2- الاتعاظ بالمواعظ يحصل لذي عقل راجح سليم.
3- فضل هذه الصفات الثمانية المذكورة في هذه الآيات. أولها الوفاء بعهد الله وآخرها درء السيئة بالحسنة.
4- تفسير عقبى الدار وأنها الجنة.
5- بيان ان الملائكة تهنئ اهل الجنة عند دخولهم وتسلم عليهم.