فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (26- 29):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}

.شرح الكلمات:

{ولداً}: أي من الملائكة حيث قالوا الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
{سبحانه}: تنزيه له تعالى عن اتخاذ الولد.
{بل عباد مكرمون}: هم الملائكة، ومن كان عبداً لا يكون ابناً ولا بنتاً.
{لا يسبقونه بالقول}: أي لا يقولون حتى يقول هو وهذا شأن العبد لا يتقدم سيده بشيء.
{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}: أي إلا لمن رضي تعالى أن يشفع له.
{مشفقون}: أي خائفون.
{من دونه}: أي من دون الله كإبليس عليه لعائن الله.
{كذلك نجزي الظالمين}: أي لأنفسهم بالشرك والمعاصي.

.معنى الآيات:

بعد أن أبطلت الآيات السابقة الشرك ونددت بالمشركين جاءت هذه الآيات في إبطال باطل آخر للمشركين وهو نسبتهم الولد لله تعالى فقال تعالى عنهم و{قالوا اتخذ الرحمن ولداً} وهو زعمهم أن الملائكة بنات الله فنزه تعالى نفسه عن هذا النقص فقال: {سبحانه} وأبطل دعواهم وأضرب عنها فقال: {بل عباد مكرمون} أي فمن نسبوهم لله بناته هم عباد له مكرمون عنده ووصفهم تعالى تعالى بقوله: {لا يسبقونه بالقول} فهم لكمال عبوديتهم لا يقولون حتى يقول هو سبحانه وتعالى، وهم يعلمون بأمره فلا يقولون ولا يعلمون إلا بعد إذنه، وأخبر تعالى أنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم فعلمه عز وجل محيط بهم ولا يشفعون لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى أن يشفع له فقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وزيادة على ذلك أنهم {من خشيته مشفقون} خائفون، وعلى فرض أن أحداً منه قال إني إله من دون الله فإن الله تعالى يجزيه بذلك القول جهنم وكذلك الجزاء نجزي الظالمين أي أنفسهم بالشرك والمعاصي، وبهذا بطلت قرية المشركين في جعلهم الملائكة بنات لله وفي عبادتهم ليشفعوا عنده تعالى.

.من هداية الآيات:

1- إبطال نسبة الولد إلى الله تعالى من قبل المشركين وكذا اليهود والنصارى.
2- بيان كمال عبودية الملائكة لله تعالى وكمال أدبهم وطاعتهم لربهم سبحانه وتعالى.
3- بطلان دعوى المشركين في شفاعة الملائكة لهم، إذ الملائكة لا يشفعون إلا لمن رضى الله تعالى أن يشفعوا له.
4- تقرير وجود شفاعة يوم القيامة ولكن بشرطها وهي أن يكون الشافع قد أذن له بالشفاعة، وأن يكون المشفوع له من أهل التوحيد فأهل الشرك لا تنفعهم شفاعة الشافعين.

.تفسير الآيات (30- 33):

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}

.شرح الكلمات:

{كانتا رتقا}: أي كتلة واحدة منسدة لا انفتاح فيها.
{ففتقناهما}: أي جعلنا السماء سبع سموات والأرض سبع أرضين.
{رواسي}: أي جبالاً ثابتة.
{أي تميد بهم}: أي تتحرك فتميل بهم.
{فجاجا سبلا}: أي طرقاً واسعة يسلكونها تصل بهم إلى حيث يريدون.
{وهم عن آياتها}: من الشمس والقمر والليل والنهار معرضون.
{كل في فلك يسبحون}: الفلك كل شيء دائر.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ووجوب تنزيه الله تعالى عن صفات النقص والعجز فقال تعالى: {أو لم ير الذين كفروا} أي الكافرون بتوحيد الله وقدرته وعلمه ووجوب عبادته إلى مظاهر قدرته وعامه وحكمته في هذه المخلوقات العلوية والسفلية فالسموات والأرض كانتا واحدة من سديم فخلق الله تعالى منها السموات والأرضين كما أن السماء تتفتق بإذنه تعالى عن الأمطار، والأرض تتفتق عن النباتات المختلفة الألوان والروائح والطعوم والمنافع، وأن كل شيء حي في هذه الأرض من إنسان وحيوان ونبات هو من الماء أليست هذه كلها دالة على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها؟
فماللناس لا يؤمنون؟ هذا ما دل عليه قوله تعالى في الآية الأولى (30): {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} وقوله تعالى: {وجعلنا في الأرض رواسي} أي جبالاً ثوابت كيلا تميد أي تتحرك وتضطرب بسكانها، {وجعلنا فيها} أي في الأرض {فجاجاً سبلاً} أي طرقاً سابلة للسير فيها {لعلهم يهتدون} أي كي يهتدوا إلى مقاصدهم في أسفارهم، وقوله: {وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً} من السقوط ومن الشياطين. وقوله: {وهم عن آياتها} من الشمس والقمر والليل والنهار إذ هذه آيات قائمة بها {معرضون} أي لا يفكرون فيها فيهتدوا إلى معرفة الحق عز وجل ومعرفة ما يجب له من العبادة والتوحيد فيها، وقوله: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} أي كل من الشمس والقمر في فلك خاص به يسبح الدهر كله، والفلك عبارة عن دائرة كفلكة المغزل يدور فيها الكوكب من شمس وقمر ونجم يسبح فيها لا يخرج عنها إذ لو خرج يحصل الدمار الشامل للعوالم كلها، فسبحان العليم الحكيم، هذه كلها مظاهر القدرة والعلم والحكمة الإلهية وهي موجبة للتوحيد مقررة له، ولكن المشركين عنها معرضون لا يفكرون ولا يهتدون.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده والإيمان به وطاعته.
2- بيان الحكمة من خلق الجبال الرواسي.
3- بيان دقة النظام الإلهي، وعظيم العلم والحكمة له سبحانه وتعالى.
4- إعراض أكثر الناس عن آيات الله في الآفاق كإعراضهم عن آياته القرآنية هو سبب جهلهم وشركهم وشردهم وفسادهم.

.تفسير الآيات (34- 38):

{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}

.شرح الكلمات:

{الخلد}: أي البقاء في الدنيا.
{ذائقة الموت}: أي مرارة مفارقة الجسد.
{ونبلوكم}: أي نختبركم.
{بالشر والخير}: فالشر كالفقر والمرض، والخير كالغنى والصحة.
{فتنة}: أي لأجل الفتنة لننظر أتصبرون وتشكرون أم تجزعون وتكفرون.
{إن يتخذونك إلا هزواً}: أي ما يتخذونك إلا هزواً أي مهزوءاً بك.
{يذكر آلهتكم}: أي يعيبها.
{بذكر الرحمن هم كافرون}: حيث أنكروا اسم الرحمن لله تعالى وقالوا: ما الرحمن؟
{خلق الإنسان من عجل}: حيث خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل، فروث بنوه طبع العلجة عنه.
{سأوريكم آياتي}: أي سأريكم ما حملته آياتي من وعيد لكم بالعذاب في الدنيا والآخرة.

.معنى الآيات:

كأن المشركين قالوا شامتين إن محمداً سيموت، وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم يجعل لبشر من قبل نبيه ولا من بعده الخلد حتى يخلد هو صلى الله عليه وسلم فكل نفس زائقة الموت، ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب لا، إذا فلا وجه للشماتة بالموت لو كانوا يعقلون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (34): {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} وقوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت بمفارقة الروح للبدن، والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيراً كان أو شراً، دل عليه قوله بعد: {ونبلوكم بالشر والخير} من غِنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء {فتنة} أي لأجل فتنتكم أي أختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزع الكافر. وقوله تعالى: {وإلينا ترجعون} أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره.
وقوله تعالى: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذوك إلا هزواً} يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا رأوه ما يتخذونه إلا هزواً وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم، وبين وجه استهزائهم به صلى الله عليه وسلم بقوله: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي بعيبها وانتقاصها، قال تعالى: {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} أي عجباً لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء وهي محط السوء فعلاً، ولا يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم الا رحمن اليمامة.
وقوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} قال تعالى هذا لما استعجل المشركون العذاب وقالوا للرسول والمؤمنين: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} فأخبر تعالى أن الاستعجال من طبع الإنسان الذي خلق عليه، وأخبرهم أنه سيريهم آياته فيهم بإنزال العذاب بهم وأراهم ذلك في بدر الكبرى وذلك في قوله: {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} أي فلا داعي إلى الاستعجال وقوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أخبر تعالى عن قيلهم للرسول والمؤمنين وهم يستعجلون العذاب: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ وهذا عائد إلى ما فطر عليه الإنسان من العجلة من جهة، والى جهلهم وكفرهم من جهة أخرى وإلا فالعاقل لا يطالب بالعذاب بل يطالب بالرحمة والخير، لا بالعذاب والشر.

.من هداية الآيات:

1- إبطال ما شاع من أن الخضر حيَّ مخلد لا يموت لنفيه تعالى ذلك عن كل البشر.
2- بيان العلة من وجود خير وشر في هذه الدنيا وهي الاختبار.
3- بيان ما كان عليه المشركون من الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
4- تقرير حقيقة أن الإنسان مطبوع على العجلة فلذا من غير طبعه بالتربية فأصبح ذا أناة وتؤدة كان من أكمل الناس وأشرافهم.

.تفسير الآيات (39- 43):

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}

.شرح الكلمات:

{لا يكفون}: أي لا يمنعون ولا يدفعون النار عن وجوههم.
{بل تأتيهم بغتة}: أي تأتيهم القيامة بغتة أي فجأة.
{فتبهتهم}: أي تُحيرهم.
{ولا هم ينظرون}: أي يمهلون ليتوبوا.
{وحاق بهم}: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزءون.
{من يكلؤكم}: أي من يحفظكم ويحرسكم.
{من الرحمن}: أي من عذابه إن أراد إنزاله بكم.
{بل هم عن ذكر ربهم معرضون}: أي هم عن القرآن معرضون فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
{ولا هم منا يصبحون}: أي لا يجدون من يجيرهم من عذابنا.

.معنى الآيات:

يقول تعالى: {لو يعلم الذي كفروا} المستعجلون بالعذاب المطالبون به حين أي الوقت الذي يُلقون فيه في جهنم والنار تأكل وجوهم وظهروهم، ولا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم منها ولا هم ينصرون بمن يدفع العذاب عنهم لو عملوا هذا وأيقنوا به لما طالبوا بالعذاب ولا استعجلوا يومه وهو يوم القيامة، هذا ما دل عليه قوله تعالى: {لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون} وقوله تعالى: {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون} أي أن القيامة لا تأتيهم على علم منهم يوقتها وساعتها فيمكنهم بذلك التوبة، وإنما تأتيهم {بغتة} أي فجاة {فتبهتهم} أي فتحيرهم {فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون} أي يمهلون ليتوبوا من الشرك والمعاصي فينجوا من عذاب النار، وقوله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق الذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون} وهو العذاب هذا القول للرسول صلى الله عليه وسلم تعزية له وتسلية ليبصر على ما يلاقيه من استهزاء قريش به واستعجالهم العذاب، إذ حصل مثله للرسل قبله فصبروا حتى نزل العذاب بالمستهزئين بالرسل عليهم السلام.
وقوله تعالى: {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} يأمر تعالى رسوله أن يقول للمطالبين بالعذاب المستعجلين له: {من يكلؤكم بالليل والنهار} أي من يجيركم من الرحمن أن أراد أن يعذبكم، إن أراد أن يعذبكم، أنه لا أحد يقدر على ذلك إذاً فلم لا تتوبون إليه بالإيمان والتوحيد والطاعة له ولرسوله، وقوله: {بل هم عن ذكر ربهم معرضون} إن علة عدم استجابتهم للحق هي إعراضهم عن القرآن الكريم وتدبر آياته وتفهم معانيه وقوله: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} ينكر تعالى أن يكون للمشركين آلهة تمنعهم من عذاب الله متى نزل بهم ويقرر ان آلهتهم لا تستطيع نصرهم {ولا هم منا يصبحون} أي وليس هناك من يجيرهم من عذاب الله من آلهتهم ولا من غيرها فلا يقدر أحد على إجارتهم من عذاب الله متى حل بهم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير أن الساعة لا تأتي إلا بغتة.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بما كان عليه الرسل من قبله وما لاقوه من أُممهم.
4- بيان عجز آلهة المشركين عن نصرتهم بدفع العذاب عنهم متى حل بهم.
5- بيان أن علة إصرار المشركين على الشرك والكفر هو عدم إقبالهم على تدبر القرآن الكريم وتفكرهم في آياته وما تحمله من هدى ونور.

.تفسير الآيات (44- 47):

{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}

.شرح الكلمات:

{متعنا هؤلاء وآباءهم}: أي بما أنعمنا عليهم من الخيرات.
{حتى طال عليهم العمر}: فانغروا بذلك.
{ننقصها من أطرافها}: أي بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين.
{إنما أنذركم بالوحي}: أي بإخبار الله تعالى التي يوحيها إلي وليس هناك شيء من عندي.
{نفحة}: أي وقعة من عذاب خفيقة.
{يا ويلنا إنا كنا ظالمين}: أي يقولون يا ويلنا أي يا هلاكنا.
{إنا كنا ظالمين}: أي بالشرك والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم.
{الموازين}: أي العادلة.
{فلا تظلم نفس شيئاً}: لا ينقص حسنة ولا بزيادة سئية.
{مثقال حبة}: أي زنة حبة من خردل.
{وكفى بنا حاسبين}: أي محصين لكل شيء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في إبطال دعاوي المشركين فقال تعالى: {بل متعنا هؤلاء} بما أنعمنا عليهم هو وآباؤهم فظنوا أن آلهتهم هي الحافظة لهم بل الله هو الحافظ حتى طال عليهم العمر فانغروا بذلك. {أفلا يرون أنا نأتي الأرض} أرض الجزيرة بلادهم {ننقصها من أطرافها} بدخول أهلها في الإسلام بعد بلد. {أفهم الغالبون} الله هو الغالب حيث مكن لرسوله والمؤمنين وفتح عليهم، ثم أمر رسوله أن يقول لهم أيها المكذبون إنما أنذركم العذاب وأخوفكم من عاقبة شرككم بالوحي الإلهي لا من تلقاء نفسي، وقوله تعالى: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} فالصم لحبهم الباطل الذي هم عليه لا يسمعون الدعاء إذا ما ينذرون وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم فحبهم للشرك وآلهته جعلهم لا يسمعون فاستوى انذارهم وعدمه وقوله تعالى: {ولئن مَسَّتهُمْ نفحة من عذاب ربك} أي وقعة خفيفة من العذاب لصاحوا يدعون بالويل على أنفسهم قائلين {يا ويلنا إنا كنا ظالمين} فكيف بهم إذا وضعت الموازين العدل ليوم القيامة حيث لا تظلم نفس شيئاً وإن قل وإن كان مثقال حبة من حسنة أو سيئة اتيانها ووزناها {وكفى بنا حاسبين} أي محصين لأعمال العباد لعلمنا المحيط بكل شيء وقدرتنا التي لا يعجزها شيء.. ألا فلنتق الله أيها العقلاء!!

.من هداية الآيات:

1- طول العمر والرزق الواسع كثيراً ما يُسبب الغرور لصاحبه.
2- حب الشيء يمعي صاحبه حتى لا يرى إلا ما أحبه ويصمه بحيث لا يسمع إلا ما أحبه.
3- بيان ضعف الإنسان وأن أدنى عذاب ينزل به لا يتحمله ويصرخ داعياً يا هلاكاه.
4- تقرير البعث والحساب والجزاء.

.تفسير الآيات (48- 50):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}

.شرح الكلمات:

{الفرقان}: التوارة لأنها فارقة بين الحق والباطل كالقرآن.
{وضياء}: أي يهدي إلى الحق في العقائد والشرائع.
{وذكراً}: أي موعظة.
{يخشون ربهم بالغيب}: أي يخافون ربهم وهم لا يرونه في الدنيا فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل حرام.
{وهم من الساعة مشفقون}: أي وهم أهوال يوم القيامة وعذابه خائفون.
{وهذا ذكر مبارك}: أي القرآن الكريم تنال بركته قارئة والعامل به.
{أفأنتم له منكرون}: الاستفهام للتوبيخ يوبخ تعالى من أنكر أن القرآن كتاب الله.
وبين الباطل فرعون، كما فرق بين التوحيد والشرك يوم بدر يوم الفرقان وآتاهما التوارة ضياء يستضاء بها في معرفة الحلال والحرام والشرائع والأحكام وذكراً أي موعظة للمتقين، ووصف المتقين بصفتين: الأولى انهم يخشون ربهم أي يخافونه بالغيب أي وهم لا يرونه والثانية: أنهم مشفقون من الساعة أي مما يقع فيها من أهوال وعذاب وقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك} يشير إلى القرآن الكريم ويصفه بالبركة فبركته لا ترفع فكل من قرأه وعمل بما فيه نالته بركته قراءة الحرف الواحد منه بشعر حسنات لا تنقضى عجائبه ولاتكتنه اسراره ولا تكتشف كل حقائقه، هدى لمن استهدى، وشفاء لمن استشفى وقوله تعالى: {أفأنتم له منكرون} يوبخ به العرب الذين آمنوا بكتاب اليهود إذ كانوا يسألونهم عما في كتابهم، وكفروا بالقرآن الذي هو كتابهم فيه ذكرهم وشرفهم.

.من هداية الآيات:

1- إظهار منه الله تعالى على موسى وقومه ومحمد وأمته بانزال التوارة على موسى والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
2- بيان صفات المتقين وهم الذين يخشون ربهم بالغيب فلا يعصونه بترك واجب ولا بفعل محرم: وهم دائماً في اشفاق وخوف من يوم القيامة.
3- الاشادة بالقرآن الكريم حيث أنزله تعالى مباركاً.
4- توبيخ وتقريع من يفكر بالقرآن وينكر ما فيه من الهدى والنور.