فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (67- 72):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}

.شرح الكلمات:

{جعلنا منسكاً}: أي مكاناً يتعبدون فيه بالذبائح أو غيرها.
{فلا ينازعنك}: أي لا ينبغي أن ينازعوك.
{هدًى مستقيم}: أي دين مستقيم هو الإسلام دين الله الحق.
{في كتاب}: هو اللوح المحفوظ.
{ما لم ينزل به سلطاناً}: أي حجة وبرهاناً.
{المنكر}: أي الإنكار الدال عليه عبوس الوجه وتقطيبه.
{يسطون}: يبطشون.
{بشر من ذلكم}: هو النار.

.معنى الآيات:

مازال السياق الكريم في بيان هداية الله تعالى لرسوله والمؤمنين ودعوة المشركين إلى ذلك قال تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكاً} أي ولك أمة من الأمم التي مضت والحاضرة أيضاً جعلنا لهم منسكاً أي مكاناً يتنسكون فيه ويتعبدون {هم ناسكوه} أي الآن، فلا تلتفت إلى ما يقوله هؤلاء المشركون، ولا تقبل منهم منازعة في أمر واضح لا يقبل الجدل، وذلك أن المشركين انتقدوا ذبائح الهدى والضحايا أيام التشريق، واعترضوا على تحريم الميتة وقالوا كيف تأكلون ما تذبحون ولا تأ: لون ما ذبح الله بيمينه وقوله تعالى لرسوله: {وادع إلى ربك} أي أعرض عن هذا الجدل الفارغ وادع إلى توحيد ربك وعبادته {إنك لعلى هدى مسقيم} أي طريق قاصد هاد إلى الإِسعاد والاكمال وهو الإِسلام وقوله: {وإن جادلوك} في بيان بعض المناسك والنسك فاتركهم فإنهم جهلة لا يعلمون وقل: {الله أعلم بما تعملون} أي وسيجزيكم بذلك حسنة وسيئة {والله يحكم بينكم} أي يقضي بينكم أيها المشركون فيما كنتم فيه تختلفون وعندها تعرفون المحق من المبطل منا وذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض} بلى إن الله يعلم كل ما في السموات والأرض من جليل ودقيق وجليّ وخفي وكيف لا وهو اللطيف الخبير. {إن ذلك في كتاب} وهو اللوح المحفوظ فكيف يجهل أو ينسى، و{إن ذلك} أي كتبه وحفظه في كتاب المقادير {على الله يسير} أي هين سهل، لأنه تعالى على كل شيء قدير. هذا ما دلت عليه الآيات الآربع (67، 68، 69، 70) وقوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سطاناً} أي ويعبد أولئك المشركون المجادلون في بعض المناسك أصناماً لم ينزل الله تعالى في جواز عبادتها حُجَّة ولا برهاناً بل ما هو إلا إفك افتروه، ليس له مبه علم ولا لآبائهم، وسوف يحاسبون على هذا الإفك ويجزون به في ساعة لا يجدون فيها ولياً ولا نصيراً إذ هم ظالمون بشركهم بالله آلهة مفتراة ويوم القيامة ما للظالمين من نصير. هذا ما دلت عليه الآية (71) وأما قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يخبر تعالى عن أولئك المشركين المجادلين بالباطل أنهم إذا قرأ عليهم أحد المؤمنين آيات الله وهى بينات في مدلوها تهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم {تعرف} يا رسولنا {في وجوه الذين كفروا المنكر} أي تتغيّر وجوههم ويظهر عليها الإنكار على التالي عليهم الآيات {يكادون يسطون} أي يبطشون ويقعون بمن يتلون عليهم آيات الله لهدايتهم وصلاحهم.
وقوله تعالى: {قل أفأُنبئكم بِشرٍ من ذلكم} أي قل لهم ييا رسولنا أفأنبكم بشر من ذلك الذي تكرهون وهو من يتلون عليكم آيات الله أنه النار التي وعدها الله الذيبن كفروا أي من أمثالكم، وبئس المصير تصيرون إليه النار إن لم تتوبوا من شرككم وكفركم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير حقيقة وهي أن كل أمة من الأمم بعث الله فيها رسولاً وشرع لها عبادات تعبده بها.
2- استحسان ترك الجدال في البدهيات والإعراض عن ما فيها.
3- تقرير علم الله تعالى بكل خفي وجلي وصغير وكبير في السموات والأرض.
4- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير الكتاب الحاوي لذلك وهو اللوح المحفوظ.
5- بيان شدة بغض المشركين للموحدين إذا دعوهم إلى التوحيد وذكروهم بالآيات.
6- مشروعية إغاظة الظالم بما يغيظيه من القول الحق.

.تفسير الآيات (73- 76):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}

.شرح الكلمات:

{ضرب مثل}: أي جعل مثل هو ما تئمنه قوله تعالى: {إن الذين تدعون...} إلخ.
{لن يخلقوا ذباباً}: أي لن يستطيعوا خلق ذبابة وهي أحقر الحيوانات تتخلق من العفونات.
{ولو اجتمعوا}: أي على خلقه فإنهم لا يقدرون، فغكيف إذا لم يتجمعوا فهم أعجز.
{لا يستنقذوه منه}: أي لا يستردوه منه وذلك لعجزهم.
{ضعف الطالب والمطلوب}: أي العابد والمعبود.
{ما قدروا الله حق قدره}: أي ما عظم المشركون الله تعالى حق قدره أي عظمته.
{يصطفي من الملائكة رسلاً}: أي يجتبي ويختار كجبريل.
{ومن الناس}: كمحمد صلى الله عليه وسلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين يقول تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} أي يا أيها المشركون بالله آلهة أصناماً ضرب لآلهتكم في حقارتها وضعفها وقلة نفعها مثل رائع فاستمعوا له. وبينه بقوله: {إن الذين تدعون من دون الله} من أوثان وأصنام {لن يخلقوا ذباباً} وهو أحقر حيوان وأخبث أي اجتمعوا واتحدوا متعاونين على خلقه، ألو يم يجتمعوا له فإنهم لا يقدرون على خلقه وشيء آخر وهو إن يسلب الذاب الحقير شيئاً من طيب آلهتكم التي تضمّخونها به، لا تستطيع آلهتكم أن تسترده منه فما أضعفها إذاً وما أحقرها إذا كان الذباب أقدر منها وأعز وأمنع.
وقوله تعالى: {ضعف الطالب والمطلوب} أي ضعف الصنم والذباب معاً كما ضعف العابد المشرك والمعبود الصنم {إن الله لقويٌ عزيز} أي قوي قادر على كل شيء عزيز غالب لا يمانع في أمر يريده فكيف ساغ للمشركين أن يؤلهوا غيره ويعبدونه معه ويجعلونه له مثلاً. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (73) والثانية (74) وقوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} هذا رد على المشركين عندما قالوا: {أأنزل عليه الذكر من بيننا} وقالوا: {أبعث الله بشراً رسولاً} فأخبر تعالى أنه يصطفي أي يختار من الملائكة رسلاً كما اختار جبرائيل وميكائيل، ومن الناس كما اختار نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم، {إن الله سميع} لأقوال عباده طيبها وخبيثها {بصير} بأعمالهم صالحاً وفاسدها وعلمه بخلقه وبصره بأحوالهم وحاجاتهم اقتضى أن يصطفي منهم رسلاً وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما بين أيدي رسله من الملائكة ومن الناس وما خلفهم ماضياً ومستقبلاً إذ علمه أحاط بكل شيء فلذا حق له أن يختار لرسالاته من يشاء فكيف يصح الإعتراض عليه لولا سفه المشركين وجهالاتهم وقوله تعالى: {وإلى الله ترجع الأمور} هذا تقرير لما تضمنته الجملة السابقة من ان الله الحق المطلق في إرسال الرسل من الملائكة أو من الناس ولا إعتراض عليه في ذلك إذ مرد الأمور كلها إليه بدءاً ونهاية إذا هو ربّ كل شيء ومليكه لا إله غيره ولا رب سواه.

.من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
2- التنديد بالشرك وبطلانه وبيان سفه المشركين.
3- ما قدر الله حق قدره من سوى به أحقر مخلوقاته وجعل له من عباده جزاءاً وشبهاً ومثلاً.
4- إثبات الرسالات للملائكة وللناس معاً.
5- ذكر صفات الجلال والكمال لله تعالى المقتضية لربوبيته والموجبة لألوهيته وهى القوة والعزة، والسمع والبصر لكل شيء وبكل شيء والعلم بكل شيء.

.تفسير الآيات (77- 78):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}

.شرح الكلمات:

{واعبدوا ربكم}: أي أطيعوه في أمره ونهيه في تعظيم هو غاية التعظيم وذل له هو غاية الذل.
{وافعلوا الخير}: أي من كل ما انتدبكم الله لفعله ورغبكم فيه من صالح الأقوال والأعمال.
{لعلكم تفلحون}: أي كي تفوزوا بالنجاة من النار ودخول الجنة.
{حق جهاده}: أي الجهاد الحق الذي شرعه الله تعالى وأمر به وهو جهاد الكفر والشيطان والنفس والهوى.
{اجتباكم}: أي اختاركم لحمل دعوة الله إلى الناس كافة.
{من حرج}: أي من ضيق وتكليف لا يطاق.
{ملة أبيكم}: أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم وهي عبادة الله وحده لا شريك له. {وفي هذا}: أي القرآن.
{اعتصموا بالله}: أي تمسكوا بدينه وثقوا في نصرته وحسن مثوبته.
{ونعم النصير}: أي هو تعالى نعم النصير أي الناصر لكم.

.معنى الآيات:

بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاث: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، نادى الربّ تبارك وتعالى المسلمين بعنوان الإيمان فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي ما من آمنتنم بالله رباَ وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً، {اركعوا واسجدوا} أمرهم بإقام الصلاة {واعبدوا ربكم} أي أطيعوه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه معظمين له غاية التعظيم خاشعين له غاية الخشوع {وافعلوا الخير} من كل ما انتدبكم الله إلأيه ورغبكم فيه من أنواع البر وضروب العبادات {لعلكم تفلحون} أي لتتأهلوا بذلك للفلاح هو الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار.
وقوله: {وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده} أي أمرهم أيضاً بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفزاغ الجهد والطاقة كلها نفساً ومالاً ودعوة وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} هذه مِنَّة ذكَر بها تعالى المؤمنين حتى يشكروا الله بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلاة والصيام، ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمُم.
وقوله: {ملة أبيكم إبراهيم} أي الزموا ملة أبيكم وقوله: {هو سماكم المسلمين} أي الله جل جلاله هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} أي القرآن وقوله: {ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} أي اجتباكم أيها المؤمنون لدينه الإسلامي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيداً عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجميعين أنهم قد بلغوا أممهم ما أرسل به إليهم وعليه فاشكروا هذا الإنعام والإِكرام لله تعالى {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله} أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباًَ وقضاءاً وحكماً، وقوله تعالى: {هو مولاكم} أي سيدكم ومالك أمركم {فنعم المولى} هو سبحانه وتعالى {ونعم النصير} أي الناصر لكم ما دمتم أولياءه تعيشون على الإيمان والتقوى.

.من هداية الآيات:

1- فضيلة الصلاة وشرف العبادة وفعل الخير.
2- مشروعية السجود عند تلاوة هذه الآية: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
3- فضل الجهاد في سبيل الله وهو جهاد الكفار، وان لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم.
4- فضيلة هذه الأمة المسلمة حيث أعطيت ثلاثاً لم يعطها إلا نبي كان يقال للنبي عليه السلام اذهب فليس علك حرج فقال الله لهذه الأمة: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وكان يقال للنبي عليه السلام أنت شهيد على قومك وقال الله: {لتكونوا شهداء على الناس} وكان يقال للنبي سل تعطه وقال الله لهذه الأمة: {ادعوني استجب لكم} دل على هذا قوله تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج}
5- فرضية الصلاة، والزكاة، والتمسك بالشريعة.

.سورة المؤمنون:

.تفسير الآيات (1- 11):

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}

.شرح الكلمات:

{قد أفلح المؤمنون}: أي فاز قطعاً بالنجاة من النار ودخول الجنة المؤمنون.
{في صلاتهم خاشعون}: أي ساكنون متطامنون لا يتلفتون بعين ولا قلب وهم بين يدي ربهم.
{عن اللغو معرضون}: اللغو كل ما لا رِضًا فيه لله من قول وعمل وتفكير، معرضون أي منصرفون عنه.
{للزكاة فاعلون}: أي مؤدون.
{لفروجهم حافظون}: أي صائنون لها عن النظر إليها لا يكشفونها وعن إتيان الفاحشة.
{أو ما ملكت أيمانهم}: من الجواري والسَّراري إن وجد.
{فمن ابتغى وراء ذلك}: أي طلب ما دون زوجته وجاريته المملوكة شرعياً.
{فأولئك هم العادون}: أي الظالمون المعتدون على حدود الشرع.
{راعون}: أي حافظون لأماناتهم وعهودهم.
{الفردوس}: أعلى درجة في الجنة في أعلى جنة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} يخبر تعالى وهو الصادق الوعد بفلاح المؤمنين وقد بين تعالى في آية آل عمران معنى الفلاح وهو الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة ووصف هؤلاء المؤمنين المفحلين بصفات من جمعها متصفاً بها فقد ثبت له الفلاح وأصبح من الوارثين الذين يؤثون الفردوس يخلدون فيها وتلك الصفات هي:
(1) الخشوع في الصلاة بأن يسكن فيها المصلي فلا يلتفت فيها برأسه ولا بطرفه ولا بقلبه مع رقة قلب ودموع عين وهذه أكمل حالات الخشوع في الصلاة، ودونها أن يطمئن ولا يتلفت برأسه ولا بعينه ولا بقلبه في أكثرها. هذه الصفة تتضمنها قوله تعالى: {الذين هم في صلاتهم خاشعون}.
(2) أعراضهم عن اللغو وهو كل قول وعمل وفكر لم يكن فيه لله تعالى إذن به ولا رضى فيه ومعنى إعراضهم عنه: إنصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه، وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون}.
(3) فعلهم الزكاة أي أداؤهم لفريضة الزكاة الواجبة من أموالهم الناطقة كالمواشي والصامتة كالنقدين والحبوب والثمار، وفعلهم لكل ما يزكي النفس من الصالحات وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: {والذين هم للزكاة فاعلون}.
(4) حفظ فروجهم من كشفها ومن وطء غير الزوج أو الجارية المملةكة بوجه شرعي وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} في إتيان أزواجهم وما ملكت أيمانهم، ولكن الدوم والعقوبة على ما طلب هذا المطلب من غير زوجه وجاريته {فأولئك هم العادون} أي الظالمون المعتدون حيث تجاوزوا ما أحل الله لهم ما حرم عليهم.
(5) مراعاة الأمانات والعهود بمعنى محافظتهم على ما ائتمنوا عليه من قول أو عمل ومن ذلك سائر التكاليف الشرعية حتى الغسل من الجنابة فإنه من الأمانة وعلى عهودهم وسائر عقودهم الخاصة والعامة فلا خيانة ولا نكث ولا خُلْف وقد تضمن هذا قوله تعالى: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} أي حافظون.
(6) المحافظة على الصلوات الخمس بأدائها ي أوقاتها المحددة لها فلا يقدمونها ولا يؤخرونها مع المحافظة على شروطها من طهارة الخبث وطهارة الحدث وإتمام ركوعها وسجودها واستكمال أكثر سننها وآدابها وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: {والذين هم على صلاتهم يحافظون}.
فهذه ست صفات إجمالاً وسبع صفات تفصيلاً فمن اتصف بها كمل إيمانه وصدق عليه اسم المؤمن وكان من المفلحين الوارثين للفردوس الأعلى جعلنا الله تعالى منهم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الخشوع في الصلاة.
2- تحريم نكاح المتعة لأن المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا ترث ولا تورث بخلاف الزوجة فإنها لها الربع والثمن، ولزوجها النصف والربع، لأن نكاح المتعة هو النكاح إلى أجل معين قد يكون شهراً أو اكثر أو أقل.
3- تحريم العادة السريّة وهي نكاح اليد وسحاق المرأة لأن ذلك ليس بنكاح زوجة ولا جارية مملوكة.
4- وجوب أداء الزكاة ووجوب حفظ الأمانات ووجوب الوفاء بالعهود ووجوب المحافظة على الصلوات.
5- تقرير حكم التوارث بين أهل الجنة وأهل النار فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة اللهم اجعلنا من الوارثين الذين يرثون الفردوس.

.تفسير الآيات (12- 16):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}

.شرح الكلمات:

{من سلالة}: السلالة ما يستل من الشيء والمراد بها هنا ما استل من الطين لخلق آدم.
{نطفة في قرار مكين} النطفة قطرة الماء أي المني الذي يفرزه الفحل، والقرار المكين الرحم المصون.
{العلقة}: الدم المتجمد الذي يعلق بالإِصبع لو حاول أحد أن يرفعه بأصبعه كمح البيض.
{والمضغة}: قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل.
{خلقاً آخر}: أي غير تلك المضغة إذ بعد نفخ الروح فيها صارت إنساناً.
{أحسن الخالقين}: أي الصانعين فالله يصنع والناس يصنعون والله أحسن الصانعين.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى عن خلقه الإنسان آدم وذريته وفي ذلك تتجلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته والتي أوجبت عبادته وطاعته ومحبته وتعظيمه وتقديره فقال: {ولقد خلقنا الإنسان} يعني آدم عليه السلام {من سلالة من طين} أي من خلاصة طين جمعه فأصبح كالحمإ المسنون فاستل منه خلاصته ومنها خلق آدم ونفخ فهي من روحه فكان بشراً سوياً ولله الحمد والمنة قوله: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} أي ثم جعلنا الإنسان الذي هو ولد آدم نطفة من صُلْبِ آدم {في قرار مكين} هو رحم حواء {ثم خلقنا النطفة} المنحدرة من صلب ادم {علقة} أي قطعة دم جامدة تعلق بالإِصبع لو حاول الإنسان أن يرفعها بإصبعه، {فخلقنا العلقة مضغة} وهي قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل، {فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً شيئاً آخر} أي إنساناً آخر غير آدم الأب، وهكذا خلق الله عز وجل آدم وذريته، {فتبارك الله أحسن الخالقين}. وقد يصدق هذا على كون الإنسان هو خلاصة عناصر شتى استحالت إلى نطفة الفحل ثم استحالت إلى علقة فمضغة فنفخ فيها الروح فصارت إنساناً آخر بعد أن كانت جماداً لا روح فيها وقوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} فأنثى الله تعالى على نفسه بما هو أهله أي تعاظم أحسن الصانعين، إذ لا خالق إلا هو ويطلق لفظ الخلق على الصناعة فحسن التعبير بلفظ أحسن الخالقين.
وقوله تعالى: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون} أي بعد خلقنا لكم تعيشون المدة التي حددناها لكم ثم تموتون، {ثم إنكم يوم القيامة بتعثون} أحياء للحساب والجزاء لتحيوا حياة أبدية لا يعقبها موت ولا فناء ولا بلاء.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته.
2- بيان خلق الإنسان والأطوار التي يمر بها.
3- بيان مآل الإنسان بعد خلقه.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرهاالملاحدة والمشركون.