فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (25- 29):

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}

.شرح الكلمات:

{بالغمام}: أي عن الغمام وهو سحاب أيض رقيق كالذي كان لبني إسرائيل في التيه.
{الملك}: أي الملك الحق لله ولم يبق لملوك الأرض وماليكها ملك في شيء ولا لشيء.
{على الكافرين عسيراً}: أي صعباً شديداً.
{يعض الظالم على يديه}: أي ندماً وأسفاً على ما فرط ف جنب الله.
{سبيلا}: أي طريقاً إلى النجاة بالإيمان والطاعة.
{لم أتخذ فلاناً خليلاً}: أي أبي بن خلف خليلاً صديقاً ودوداً.
{لقد أضلني عن الذكر}: أي عن القرآن وما يدعو إليه من الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
{وكان الشيطان}: شيطان الجن وشيطان الإنس معاً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في عرض مظاهر القيامة وبيان أحوال المكذبين بها فقال تعالى: {ويوم} أي اذكر {يوم تشقق السماء بالغمام} أي عن الغمام ونُزّل الملائكة تنزيلاً وذلك لمجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، وقوله تعالى: {الملك يومئذ الحق} أي الثابت للرحمن عز وجل لا لغيره من ملوك الدنيا ومالكيها، وكان ذلك اليوم يوماً على الكافرين عسيراً لا يطاق ولا يحتمل ما فيه من العذاب والأهوال وقوله: {يوم يعض الظالم على يديه} أي المشرك الكافر بيان لعسر اليوم وشدته حيث يعض الظالم على يديه تندماً وتحسراً وأسفاً على تفريطه في الدنيا في الإيمان وصالح الأعمال... يقول يا ليتني أي متمنياً: {اتخذت مع الرسول سبيلا} أي طريقاً إلى النجاة من هول هذا اليوم وذلك بالإيمان والتقوى. وينادي مرة أخرى قائلاً {يا ليتني} أي يا هلكتي احضري فهذا وقت حضورك، ويتمنى مرة أخرى فيقول {يا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً} وهو شيطان من الإنس أو الجن كان قد صافاه ووالاه في الدنيا فغرر به وأضله عن الهدى. فال في تحسر {لقد أضلني عن الذكر} أي القرآن بعد إذ جاءني من ربي بواسطة الرسول وفيه هداي وبه هديتي، قال تعالى: {وكان الشيطان للإنسان خذولاً} أي يورطه ثم يتخلى عنه وتيركه في غير موضع وموطن.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر البعث والجزاء وبذكر أحوالها وبعض أهوالها.
2- إثبات مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء يوم القيامة.
3- تندم الظلمة وتحسرهم على ما فاتهم من الإيمان والطاعة لله ورسوله.
4- بيان سوء عاقبة موالاة شياطين الإنس والجن وطاعتهم في معصية الله ورسوله.
5- تقرير مبدأ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إذ عقبة بن أبي معيط هو الذي أطاع أبي بن خلف حيث آمن، ثم لامه أُبيُّ بن خلف فارتد عن الإسلام فهو المتندم المتحسر القائل {يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر...}.

.تفسير الآيات (30- 34):

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}

.شرح الكلمات:

{مهجوراً}: أي شيئاً متروكاً لا يلفت إليه.
{هادياً ونصيراً}: أي هادياً لك إلى طريق الفوز والنجاح وناصراً لك على كل إعدائك.
{جملة واحدة}: أي كما نزلت التوراة والإنجيل والزبور دفعة واحدة فلا تجزئه ولا تفريق.
{لتثبت به فؤادك}: أي نقوي قلبك لتتحمل أعباء الرسالة وأبلاغها.
{ورتلناه ترتيلاً}: أي أنزلناه شيئاً فشيئاً آيات بعد آيات وسورة بعد أخرى ليتيسر فهمه وحفظه.
{شر مكاناً}: أي ينزلونه وهو جهنم والعياذ بالله منها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في عرض أحوال البعث الآخر الذي أنكره المشركون وكذبوا فقال تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} هذه شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم بقومه إلى ربه ليأخذهم بذلك. وهجرهم للقرآن تركهم سماعه وتفهمه والعمل بما فيه.
وقوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين} أي وكما جعلنا لك أيها الرسول أعداء لك من مجرمي قومك جعلنا لكل نبي قبلك عدواً من مجرمي قومه، إذاً فاصبر وتحمل حتى تبلغ رسالتك وتؤدي أمانتك، والله هاديك إلى سبيل نجاحك وناصرك على أعدائك. وهذا معنى قوله تعالى: {وكفى بربك هادياً ونصيراً}. وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نُزلَ عليه القرآن جملة واحدة} أي وقال المكذبون بالبعث المنكرون للنوبة المحمدية المشركون بالله آلهة من الأصنام هلا نزل عليه القرآن مرة واحدة مع بعضه بعضاً لا مفرقاً آيات وسوراً أي كما نزلت التوراة جملة واحدة والإنجيل الزبور وهذا من باب التعنت منهم والاقتراحات التي لا معنى لها إذ هذا ليس من شأنهم ولا مما يحق لهم الخوض فيه، ولكنه الكفر والعناد. ولما كان هذا مما قد يؤلم الرسول صلى الله عليه وسلم رد تعالى عليهم بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك منجماً ومفرقاً لحكمة عالية وهي تقوية قلبك وتثبيته لأنه كالغيث كلما أنزل أحيا موات الأرض وازدهرت به ونزوله مرة بعد مرة أنفع من نزول المطر دفعة واحدة. وقوله تعالى: {ورتلناه ترتيلا} أي أنزله مرتلاً أي شيئاً فشيئاً ليتيسر حفظه وفهمه والعمل به.
وقوله تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} هذا بيان الحكمة في نزول القرآن مفرقاً لا جملة واحدة وهو أنهم كلما جاءوا بمثل أو عرض شبهة ينزل القرآن الكريم بإبطال دعواهم وتفنيد كذبهم، وإلغاء شبهتهم، وإحقاق الحق في ذلك وبأحسن تفسير لما اشتبه عليهم واضطربت نفوسهم فيه وقوله تعالى: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً وأضل سبيلاً} أي أولئك المنكرون للبعث المقترحون نزول القرآن جملة واحدة هم الذين يحشرون على وجوههم تسحبهم الملائكة على وجوههم إلى جهنم لأنهم مجرمون بالشرك والتكذيب والكفر والعناد أولئك البعداء شر مكاناً يوم القيامة، واضل سبيلاً في الدنيا، إذ مكانهم جهنم، وسبيلهم الغواية والضلالة والعياذ بالله من ذلك.

.من هداية الآيات:

1- شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على من هجروا القرآن الكريم فلم يسمعوه ولم يتفهموه ولم يعملوا به، وشكواه إياهم إلى الله عز وجل.
2- بيان سنة الله في العباد وهي أنه ما من نبي ولا هاد ولا منذر إل وله عَدُوًّ من الناس وذلك لتعارض الحق مع الباطل، فينجم عن ذلك عداء لازم من أهل الباطل لأهل الحق.
3- بيان الحكمة في نزول القرآن منجماً شيئاً فشيئاً مفرقاً.
4- بيان أن المجرمين يحشرون على وجوههم لا على أرجلهم إلى جهنم إهانة لهم وتعذيباً.

.تفسير الآيات (35- 40):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)}

.شرح الكلمات:

{الكتاب}: أي التوراة.
{وزيراً}: أي يشد أزره ويقويه ويتحمل معه أعباء الدعوة.
{إلى القوم الذين كذبوا}: هم فرعو وآله.
{لما كذبوا الرسل}: أي نوحاً عليه السلام.
{وجعلناهم للناس آية}: أي علامة على قدرتنا في إهلاك وتدمير الظالمين وعبرة للمعتبرين.
{وعاداً وثمود}: أي اذكر قوم عاد وثمود إلخ..
{وأصحاب الرس}: الرس بئر رس فيها قوم نبيهم، أي رموه فيها ودسوه في التراب.
{وقروناً بين ذلك كثيراً}: أي ودمرنا بين من ذكرنا من الأمم قروناً كثيراً.
{تبرنا تتبيرا}: أي دمرناهم تدميراً.
{التي أمطرت مطر السوء}: هي سدوم قرية قوم لوط.
{لا يرجون نشوراً}: أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء الآخر.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} هذا شروع في عرض أمم كذبت رسلها وردت دعوة الحق التي جاءوا بها فأهلكهم الله تعالى ليكون هذا عظة للمشركين لعلهم يتعظون فقال تعالى وعزتنا لقد آتينا موسى بن عمران الكتاب الذي هو التوراة {وجعلنا معه أهاه هارون وزيراً} أي معيناً، فقلنا أي لهما {اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} وهم فرعون وملأه فأتوهم فكذبوهما فدمرناهم تدميراً كاملاً حيث أغرقوا في البحر، وقوله تعالى: {وقوم نوح} أي اذكر قوم نوح أيضاُ فإنهم لما كذبوا الرسل أي كذبوا نوحاً ومن كذب رسولاً فكأنما كذب عامة الرسل أغرقناهم بالطوفان وجعلناهم للناس بعدهم آية أي عبرة للمعتبرين وقوله: {وأعتدنا} أي وهيأنا للظالمين في الآخرة عذاباً أليماً أي موجعاً زيادة على هلاك الدنيا، وقوله: {وعاداً وثمود وأصحاب الرس} أي أهلكنا الجميع ودمرناهم تدميراً لما كذبوا رسلنا وردوا دعوتنا، وقروناً أي وأهلكنا قروناً بين ذلك الذي ذكرنا كثيراً.
وقوله: {وكلاً ضربنا له الأمثال} أي إقامة للحجة عليهم فما أهلكناهم إلا بعد الإنذار والإعذار لهم. وقوله: {وكلاً تبرنا تبتيراًً} أي أهلكناهم إهلاكاً لتكذيبهم رسلنا وردهم دعوتنا. وقوله: {ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء} أي ولقد مر أي كفار قريش على القرية التي أمطرت مطر السوء أي الحجارة وهي قرى قوم لوط سدوم وعمورة وغيرها فأهلكهم لتكذيبهم رسولهم وإتيانهم الفاحشة وقوله تعالى: {أفلم يكونوا يرونها} في سفرهم إلى الشام وفلسطين. فيعتبروا بها فيؤمنوا وهو استفهام تقريري وإذا كانوا يمرون بها وفكنهم لم يعتبروا لعلة وهي أنهم لا يؤمنون بالبعث الآخر وهو معنى قوله تعالى: {بل كانوا لا يرجون نشوراً} فالذي لا يرجو أن يبعث ويحاسب ويجزى لا يؤمن ولا يستقيم أبداً.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم بعد الإنذار والإعذار إليها.
2- بيان عاقبة المكذبين وما حل بهم ومن دمار وعذاب.
3- بيان علة تكذيب قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به وهي تكذيبهم بالبعث والجزاء فلهذا لم تنفعهم المواعظ ولم تؤثر فيهم العبر.

.تفسير الآيات (41- 44):

{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}

.شرح الكلمات:

{إن يتخذونك}: أي ما يتخذونك.
{إلا هزواً}: أي مهزوءاً به.
{أهذا الدي بعث الله رسولاً}: أي في دعواه لا أنهم معترفون برسالته والاستفهام للتهكم والاحتقار.
{ن كان ليضلنا عن آلهتنا}: أي قارب أن يصرفنا عن آلهتنا.
{لولا أن صبرنا عليها}: أي لصرفنا عنها.
{أرأيت من اتخذ آلهه هواه}: أي أخبرني عمن جعل هواه معبوده فأطاع هواه. فهل تقدر على هدايته.
{إن هم إلا كالأنعام}: أي ما هم إلا كالأنعام في عدم الوعي والإدراك.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً} يخبر تعالى رسوله عن أولئك المشركين المكذبين بالبعث أنهم إذا رأوه في مجلس أو طريق ما يتخذونه لا هزوا أي مهزوءاً به احتقاراً وازداءً له فيقولون فيما بينهم، {أهذا الذي بعث الله رسولاً} وهو استفهام احتقار وزدراء لأنهم لا يعتقدون أنه رسول الله ويقولون {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} أي يصرفنا عن عبادة آلهتنا لولا أن صبرنا وثبتنا على عبادتها. وهذا القول منهم نابج عن ظلمة الكفر والتكذيب بالبعث وقوله تعالى: {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} في الدنيا أو في الآخرة أي عندما يعاينون العذاب يعرفون من كان أضل سبيلاً هم أم الرسول والمؤمنون، وفي هذا تهديد ووعيد بقرب عذابهم وقد حل بهم في بدر فذلوا وأسروا وقتلوا وتبين لهم أنهم أضل سبيلاً من النبيّ وأصحابه. وقوله تعالى لرسوله وهو يسليه ويخفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} أخبرني عمن جعل معبوده هواه فلا يعبد غيره فكلما اشتهى شيئاُ فعله بلا عقل ولا روية ولا فكر فقد يكون لأحدهم حجر يعبده فإذا رأى حجراً احسن منه عبده وترك الأول فهذا لم يعبد إلا هواه وشهوته فهل مثل هذا الإنسان الهابط على مستوى دون البهائم تقدر على هدايته يا رسولنا؟ {أفأنت تكون عليه وكيلاً} أي حفيظاً تتولى هدايته أم أنك لا تقدر فاتركه لنا يمضي فيه حكمنا.
وقوله: {أم تحسب} أيها الرسول أن أكثر هؤلاء المشركين يسمعون ما يقال لهم ويعقلون ما يطلب منهم إن هم إلا كالأنعام فقط بل هم أضل سبيلاً من الأنعام إذ الأنعام تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك فجهلوا ربهم الحق ولم يتسجيبوا لنداء رسوله إليهم.

.من هداية الآيات:

1- بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلاقي في سبيل الدعوة من سخرية به واستهزاء.
2- يتجاهل الإنسان الضال الحق وينكره حتى إذا عاين العذاب عرف ما كان ينكر، وآمن بما كان يكفر.
3- هداية الإنسان ممكنة حتى إذا كفر بعقله وآمن بشهوته وعبد هواه تعذرت هدايته وأصبح أضل من الحيوان وأكثر خسراناً منه.

.تفسير الآيات (45- 49):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)}

.شرح الكلمات:

{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}: أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه.
{ولو شاء الله لجعله ساكناً}: أي ثابتاً على حاله ي الطول والامتداد ولا يقصر ولا يطول.
{ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً}: أي علامة على وجوده إذ لولا الشمس لما عرف الظل.
{ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا}: أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءاً فجزءاً حتى ينتهي.
{ثم جعلنا الليل لباساً}: أي يستركم بظلمه كما يستركم اللباس.
{والنوم سباتاً}: أي راحة لأبدانكم من عناء عمل النهار.
{وجعل النهار نشوراً}: أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والانتشار بالنهار كالبعث.
{بشراً بين يدي رحمته}: أي مبشرة بالمطر قبل نزوله، والمطر هو الرحمة.
{ماء طهوراً}: أي تتطهرون به من الأحداث والأوساخ.
{لنحيي به بلدة ميتاً}: أي بالزروع والنباتات المختلفة.
{أنعاماً وأناسي كثيراً}: أي حيواناً وأناساً كثيرين.
{ولقد صرفناه بينهم}: أي المطر فينزل بأرض قوم ولا ينزل بأخرى لحكم عالية.
{ليذكروا}: أي يذكروا فضل الله عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا.
{فأبى أكثر الناس إلا كفوراً}: أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إلا كفوراً جحوداً للنعمة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد وهي مظاهر لربوبية الله تعالى المقتضية لألوهيته فأولاً الظل وهو المشاهد من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وقد مدّه الخالق عز وجل أي بسطه في الكون، ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله وانكماشه شيئاً فشيئاً، ولو شاء الله تعالى لجعله ساكناً لا يبارح ولا يغادر ولكنه حسب مصلحة عباد جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئاً فشيئاً فيطول تدريجياً لتعرف به ساعات النهار وأوقات الصلوات حتى يبلغ من الطول حداً كبيراً كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضاً يسيراً خفياً سريعاً حين تغرب الشمس ويغشاه ظلام الليل. هذه آية من آيات قدرة الله وعلمه حكمته ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي قال تعالى فيه {ألم تر} أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله {كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً} ينتقل، {ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً} إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى: {ثم قبضناه إلينا قبضاُ يسيراً} حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.
وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً} أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب، {والنوم سباتاً} أي حياة بعد وفاة والنوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.
وثالثا: إرسال الرياح للقاح السحب للإِمطار لإحياء الأرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح} هو لا غيره من الآلهة الباطلة {أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير الله؟ الله إنه لا أحد.
ورابعاً: إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والإنسان قال تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً} أي إبلاً وبقراً وغنماً {وأناسي كثيراً} أي وأناساً كثيرين وهم الآدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والإنسان إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد الله تعالى.
وخامساً: تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ولا يمطر في أخرى حسب الحكمة الإلهية والتربية الربانية، قال تعالى: {ولقد صرفناه بينهم} أي بين الناس كما هو مشاهد إقليم يسقى وآخر يحرم، وقوله تعالى: {فأبى أكثر الناس إلا كفوراًً} أي جحوداً لإنعام الله عليهم وربوبيته عليهم وأولهيته لهم. وهو أمر يقتضي التعجب والاستغراب هذه مظاهر الربوبية المقتضية للألوهية، {وأبى أكثر الناس إلا كفوراً} والعياذ بالله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- عرض الأدلة الحسية على وجوب عبادة الله تعالى وتوحيده فيها ووجوب الإيمان بالبعث والجزاء الذي أنكره المشركون فضلوا ضلالاً بعيداً.
2- بيان فائدة الظل إذ به تعرف ساعات النهار وبه يعرف وقت صلاة الظهر والعصر فوقت الظهر من بداية الفيء، أي زيادة الظل بعد توقفه من النقصان عند وقوف الشمس في كبد السماء، ووقت العصر من زيادة الظل مثله بمعنى إذا دخل الظهر والظل أربعة أقدام أو ثلاثة أو أقل أو أكثر فإذا زاد مثله دخل وقت العصر فإن زالت الشمس على أربعة أقدام فالعصر يدخل عندما يكون الظل ثمانية أقدام وإن زالت الشمس على ثلاثة أقدام فالعصر على ستة أقدام وهكذا.
3- الماء الطهور وهو الباقي على أصل خلقته فلم يخالطه شيء يغير طعمه أو لونه أو ريحه، وبه ترفع الأحداث وتغسل النجاسات، ويحرم منعه عمن احتاج إليه من شرب أو طهارة.

.تفسير الآيات (50- 56):

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)}

.شرح الكلمات:

{لبعثنا في كل قرية نذيراً}: أي رسولاً ينذر أهلها عواقب الشرك والكفر.
{وجاهدهم به جهاداً كبيراً}: أي بالقرآن جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى غاية جهدك.
{مرج البحرين}: أي خلط بينهما وفي نفس الوقت منع الماء الملح أن يفسد الماء العذب.
{وجعل بينهما برزخاً}: أي القرآن جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى غاية جهدك.
{مرج البحرين}: أي خلط بينهما وفي نفس الوقت منع الماء الملح أن يفسد الماء العذب.
{وجعل بينهما برزخاً}: أي حاجزاً بين الملح منهما والعذب.
{وحجراً محجوراً}: أي وجعل بينهما سداً مانعاً فلا يحلو الملح، ولا يملح العذب.
{خلق من الماء بشراً}: أي خلق من الماء الإنسان والمراد من الماء النطفة.
{فجعله نسباً وصهراً}: أي ذكراً وأنثى أي نسباً ينسب إليه، وصهراً يصهر إليه أي يتزوج منه.
{ما لا يضرهم ولا ينفعهم}: أي أصناماً لا تضر ولا تنفع.
{وكان الكافر على ربه ظهيرا}: أي معيناً للشيطان على معصية الرحمن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تعداد مظاهر الربوبية المستلزمة للتوحيد قال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} أي في كل مدينة نذيراً أي رسولاً ينذر الناس عواقب الشرك والكفر، ولكنا لم نشأ لحكمة اقتضتها ربوبيتنا وهي أن تكون أيها الرسول أفضل الرسل وأعظم منزلة وأكثرهم ثواباً فحبوناك بهذا الفضل فكنت رسول كل القرى أبيضتها وأسودها فاصبر وتحمل، واذكر شرف منزلتك {فلا تطع الكافرين} في أمر أرادوه منك {وجاهدهم} به أي بالقرآن وكله حجج وبينات جهاداً كبيراً تبلغ فيه اقصى جهدك. بعد هذه الجملة الاعتراضية من الكلام الإلهي قال تعالى مواصلاً ذكر مظاهر ربوبيته تعالى على خلقه. {وهو الذي مرج البحرين} الملح والعذب أي أرسلهما مع بعضهما بعضاً {هذا عذب فرات} أي حلو {سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} أي لا يشرب {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} أي ساتراً مانعا من اختللاط العذب بالملح مع وجودهما في مكان واحد، فلا يبغي هذا على هذا بأن يعذب الملح أو يملح العذب. وقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشراً} أي من المني ونطفته خلق الإنسان وجعله ذكراً وأنثى وهو معنى قوله: {نسباً وصهراً} أي ذوي نسب ينسب إليهم وهم الذكور، وذوات صهر يصاهر بهن وهن الإناث. وقوله تعالى: {وكان ربك قديراً} أي على فعل ما يريده من الخلق والإيجاد أو التحويل والتبديل، والسلب والعطاء هذه مظاهر الربوبية المقتضية لعبادته وتوحيده والمشركون يعبدون من دونه أصناماً لا تنفعهم إن عبدوها، ولا تضرهم إن لم يعبدوها وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم فيعبدون الشيطان إذ هو الذي زين لهم عبادة الأصنام وبذلك كان الكافر على ربه ظهيرا إذ بعبادته للشيطان يعينه على معصية الرب تبارك وتعالى وهو معنى قوله تعالى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا.
أي معيناً للشيطان على الرحمن والعياذ بالله تعالى.
وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك لغير بشارة المؤمنين بالجنة ونذارة الكافرين بالنار أما هداية القلوب فهي إلأينا من شئنا هدايته اهتدى ومن لم نشأها ضل. إلا أن الله يهدي ويضل حسب سنن له قد مر ذكرها مرات.

.من هداية الآيات:

1- الإشارة إلى الحكمة في عدم تعدد الرسل في زمن البعثة المحمدية والاكتفاء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
2- حرمة طاعة الكافرين في أمور الدين والشرع.
3- من الجهاد جهاد الكفار والملاحدة بالحجج القرآنية والآيات التنزيلية.
4- مظاهر العلم والقدرة الإلهية في عدم اختلاط البحرين مع وجودهما في مكان واحد.
وفي خلق الله تعالى الإنسان من ماء وجعله ذكراً وأنثى للتناسل وحفظ النوع.
5- التنديد بالمشركين والكافرين المعينين للشيطان على الرحمن.