فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (41- 45):

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)}

.شرح الكلمات:

{ظهر الفساد في البر والبحر}: أي ظهرت المعاصي في البر والبحر وتبعها الشر والفساد.
{بما كسبت أيدي الناس}: أي بسبب ما كسبته أيدي الناس من ظلم واعتداء.
{ليذيقهم بعض الذي عملوا}: أي تم ذلك وحصل ليذيقهم الله العذاب ببعض ذنوبهم.
{لعلهم يرجعون}: كي يرجعوا عن المعاصي إلى الطاعة والاستقامة.
{قل سيروا في الأرض}: أي قل يا رسولنا لأهل مكة المكذبين بك والمشركين بالله سيروا.
{عاقبة الذين من قبل}: أي كيف كانت نهاية تكذيبهم لرسلهم وشركهم بربهم إنّها هلاكهم.
{فأقم وجهك للدين القيم}: أي استقم على طاعة ربك عابداً له مبلغاً عنه منفذاً لأحكامه.
{لا مرد له من الله}: أي لا يرده الله تعالى لأنه قضى بإِتيانه وهو يوم القيامة.
{يصدعون}: أي يتفرقون فرقتين.
{يمهدون}: أي يوطئون ويفرشون لأنفسهم في منازل الجنة بإِيمانهم وصالح أعمالهم.

.معنى الآيات:

تقدم في السياق الكريم إبطال الشرك بالدليل العقلي إلا أن المشركين مصرون على الشرك وبذلك سيحصل فساد في الأرض لا محالة فأخبر تعالى عنه بقوله في هذه الآية الكريمة (41) فقال: {ظهر الفساد في البر والبحر} أي انتشرت المعاصي في البر والبحر وفي الجو اليوم فعُبد غير الله واستبيحت محارمه وأوذي الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم وذلك نتيجة الإِعراض عن دين الله وإهمال شرائعه وعدم تنفيذ أحكامه. وقوله: {بما كسبت أيدي الناس} أي بظلمهم وكفرهم وفسقهم وفجورهم. وقوله: {ليذيقهم بعض الذي عملوا} أي فما يصيبهم من جدب وقحط وغلاء وحروب وفتن إنما أصابهم الله به {ليذيقهم بعض الذي عملوا} من الشرك والمعاصي لا بكل ما فعلوا إذ لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهى حياتهم وقضى على وجودهم، ولكنه الرحمن الرحيم بعباده اللطيف بهم. وقوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} قل يا رسولنا لكفار قريش المكذبين لك المشركين بربهم: سيروا في الأرض شمالاً أو جنوباً أو غرباً فانظروا بأعينكم كيف كان عاقبة الذين كذبوا رسلهم وكفروا بربهم من قبلكم إنها كانت دماراً وهلاكاً فهل ترضون أن تكونوا مثلهم. وقوله: {كان أكثرهم مشركين} أي كان أكثر أولئك الأقوام الهالكين مشركين فالشرك والتكذيب الذي أ، تم عليه هو سبب هلاكهم وخسرانهم وقوله تعالى: {فأقم وجهك للدين القيّم} أي استقم يا رسولنا أنت والمؤمنون معك على الدين الإِسلامي إذ لا دين يقبل سواه فاعتقدوا عقائده وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه وتأدبوا بآدابه وتخلقوا بأخلاقه واقيموا حدوده وأحلوا حلاله وحرموا حرامه وادعوا إليه وعلّموه الناس أجميعن، واصبروا على ذلك فإِن العاقبة للمتقين وقوله: {من قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله} أي افعلوا ذلك الذي أمرتكم به قبل مجيئ يوم القيامة حيث لم يكن عمل وإنما جزاء، وقوله: {لا مرد له من الله} أي إنه لا يرده الله إذا جاء ميعاده لأنه قضى بإِتيانه لا محالة من أجل الجزاء على العمل في الدنيا.
وقوله: {يومئذ يصدعون} أي يوم يأتي اليوم الذي لا مرد له يصدعون أي يتفرقون فرقتين كما يتصدع الجدار فرقتين فريق في الجنة وفريق في النار. وقوله: {فمن كفر فعليه كفره} أي من كفر اليوم فعائد كفره عليه يوم القيامة، {ومن عمل صالحاً} أي اليوم {فلأنفسهم يمهدون} أي يوطئون فرشهم في الجنة إذ عائدة عملهم الصالح تعود عليهم لا على غيرهم، وقوله: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله} أي يصدعون فرقتين من أجل أن يجزي الله تعالى أولياءه المؤمنين العالملين للصالحات من فضله إذ أعمالهم حسبها انها زكَّت نفوسهم فتأهلوا لدخول الجنة أما النعيم المقيم فيها فهو من فضل الله فقط، وقوله: {إنه لا يحب الكافرين} هذه الجملة علة لجملة محذوفة إذ التقدير، ويجزي الكافرين بعدله وهو سوء العذاب لأنه لا يحب الكافرين.

.من هداية الآيات:

1- ظهور الفساد بالجدب والغّلاء أو بالحرب والأمراض يسبقه حسب سنة الله تعالى ظهور فساد في العقائد بالشرك، وفي الأعمال بالفسق والمعاصي.
2- وجوب الاستقامة على الدين الإِسلامي عقيدة وعبادة وقضاء وحكماً.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثه ووقائعه.
4- بيان أن الله تعالى يحب المتقين ويكره الكافرين.

.تفسير الآيات (46- 47):

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}

.شرح الكلمات:

{ومن آيَّاته أن يرسل الرياح}: أي ومن حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء والموجبة لعبادته وحده.
{مبشرات}: أي تبشر العباد بالمطر وقربه.
{وليذيقكم من رحمته}: أي بالغيث والخصب والرخاء وسعة الرزق.
{ولتبتغوا من فضله}: أي لتطلبوا الرزق من فضله الواسع بواسطة التجارة في البحر.
{ولعلكم تشركون}: أي كي تشكروا هذه النعم فتؤمنوا وتوحِّدوا ربكم.
{رسلا إلى قومهم}: أي كنوح وهو وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام.
{فجاءوهم بالبينات}: أي بالحجج والمعجزات.
{الذين أجرموا}: أي أفسدوا نفوسهم فخبثوها بآثار الشرك والمعاصي.
{حقا علينا نصر المؤمنين}: أي ونصر المؤمنين أحققناه حقاً وأوجبناه علينا فهو كائن لا محالة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير ألوهية الله تعالى وعدله ورحمته، فقال تعالى: {ومن آياته} أي ومن آياتنا الدالة على ألوهيتنا وعدلنا في خلقنا ورحمتنا بعبادنا إرسالنا الرياح مبشرات عبادنا بقرب المطر الذي به حياة البلاد والعباد فإِرسال الرياح أمر لا يقدر عليه إلا الله، وتدبير يقصر دونه كل تدبير ورحمة تعلو كل رحمة. وقوله: {وليذيقكم من رحمته} أي بإِنزال المطر المترتب عليه الخصب والرخاء، وقوله: {ولتجري الفلك} أي السفن في البحر إذ الرياح كانت قبل اكتشاف البخار هي المسيرة للسفن في البحر صغيرها وكبيرها. وقوله: {بأمره} أي بإِذنه وإرادته وتدبيره الحكيم، وقوله: {ولتبتغوا من فضله} أي لتطلبوا الرزق بالتجارة في البحر من إقليم إلى آخر تحملون البضائع لبيعها وشرائها وقوله: {لعلكم تشكرون} أي فعل الله تعالى بكم ذلك فسخره لكم وأقدره عليه رجاء أن تشكروا ربكم بالإِيمان به وبطاعته وتوحيده في عبادته. فهل أنتم يا عباد الله شاكرون؟، وقوله: {ولقد أرسلنا من قبلك} يا رسولنا {رسلاً إلى قومهم} كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام فجاءوا أقوامهم بالبيّنات والحجج النيرات كما جئت أنت وقومك فكذبت تلك الأقوام رسلهم {فانتقمنا من الذين أجرموا} فأهلكناهم، ونجينا الذين آمنوا {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} ألا فلتعتبر قريش بهذا وإلا فستحلُّ بها نقمة الله فيهلك الله المجرمين وينجي رسوله والمؤمنين كما هي سنته في الأولين والحمد لله رب العالمين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير الربوبية لله المستلزمة لألوهيته بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والعدل.
2- بيان أن الله تعالى ينعم على عباده من أجل أن يشكره بعبادته وتوحيده فيها فإذا كفروا تلك النعم ولم يشكروا الله تعالى عليها عذبهم بما يشاء كيف ومتى يشاء.
3- بيان أن الله منتقم من المجرمين وإن طال الزمن، وناصر المؤمنين كذلك.

.تفسير الآيات (48- 53):

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)}

.شرح الكلمات:

{فتثير سحاباً}: أي تحركه وتهيجه فيسير وينتشر.
{ويجعله كسفا}: أي قطعا متفرقة في السماء هنا وهناك.
{فترى الودق}: أي المطر يخرج من خلال السحاب.
{إذا هم يستبشرون}: أي فرحون بالمطر النازل لسقياهم.
{لمبلسين}: أي قنطين آيسين من إنزاله عليهم.
{إن ذلك لمحيي الموتى}: أي القادر على إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وهو الله تعالى.
{فرأوه مصفرا}: أي رأوا النبات الزرع مصفراً للجائحة التي أصابته وهي ريح الدبور المحرقة.
{لظلوا من بعده يكفرون}: أي أقاموا بعد هلاك زروعهم ونباتهم يكفرون نعم الله عليهم السابقة.
{أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا}: أي ما تسمع إلا المؤمنين بآيات الله.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر قدرة الله تعالى في الكون قال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح} أي نيشئها ويبعث بها من أماكن وجودها فتثير تلك الرياح سحاباً أي تزعجه وتحركه فيبسطه تعالى في السماء كيف يشاء منكثافة وخفّة وكثرة وقلة، {ويجعله كسفاً} أي قطعاً فترى أيها الرائي الودق أي المطر يخرج من خلاله أي من بين أجزاء السحاب. وقوله: {فإذا أصاب به} أي بالمطر {من يشاء من عباده إذا هم} أي المصابون بالمطر في أرضهم. {يستبشرون} أي يفرحون. {وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم} أي المطر {من قبله لمبلسين} أي مكتئبين حزينين قانطين وقوله تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة الله} أي فانظر يار سولنا إلى آثار رحمة الله أي إلى آثار المطر كيف ترى الأرض قد اخضرت بعد يبس وحييت بعد موت. فإِذا رأيت ذلك علمت أن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى من قبورهم وذلك يوم القيامة وقوله: {إن الله على كل شيء قدير} تعليل لعظم قدرته وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى فعل كل شيء اراده. وقوله: {ولئن أرسلنا ريحا} أي وعزتنا وجلالنا لئن أرسلنا ريحا فيه إعصار فيه نار فأحرقت تلك النباتات وأيبستها فرآها أولئك الذين هم بالأمس فرحون فرح بطر بالغيث {يكفرون} بربهم أي يقولون: ما هو كفر من ألفاظ السخط وعدم الرضا وذلك لجهلهم وكفرهم. وقوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} أي انك يا رسولنا لا تقدر على هداية هؤلاء الكافرين لأنهم صم لا يسمعون وعمي لا يبصرون لما ران على قلوبهم من الذنوب فعطل حواسهم وأنت بحكم بشريتك وقدرتك المحدودة لا تستطيع اسماع الموتى كلامك فيفهموه ويعملوا به كما لا تستطيع إسماع الصم نداءك إذا هم ولَّوا مدبرين إذ لو كانوا مقبلين عليك قد تفهمهم ولو بالإِشارة أما إذا ولَّوا مدبرين عنك فلا يمكن إسماعهم.
إذاً فهون على نفسك ولا تحزن عليهم. وقوله: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} أي إنك ما تسمع سماع قبول وانقياد وإدراك إلاّ من يؤمن بآياتنا أي إلا المؤمنين الذين آمنوا بآيات الله وعرفوا حججه فآمنوا به ووحدوه فهم مسلمون أي منقادون خاضعون مطيعون فهؤلاء في امكانك إسماعهم وهدايتهم بإِذن الله إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة والحجج العقلية.
2- بيان كيفية إنشاء السحاب ونزول المطر وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم الإِلهي.
3- بيان حال الكافر في أيام الرخاء وايام الشدة فهو في الشدة يقنط وفي الرخاء يكفر، وذلك لفساد قلبه بالجهل بالله تعالى وآياته.
4- الاستدلال بالمحسوس الحاضر على المحسوس الغيبي.
5- بيان أن الكفار أموات، ولذا هم لا يسمعون ولا يبصرون وأن المؤمنين أحياء لأنهم يسمعون ويبصرون، إذ الحياة لها آثارها في الجسم الحي والموت كذلك.

.تفسير الآيات (54- 57):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)}

.شرح الكلمات:

{الله الذي خلقكم من ضعف}: أي من نطفة وهي ماء مهين.
{ثم جعل من بعد ضعف قوة}: أي من بعد ضعف الطفولة قوة الشباب.
{ثم جعل من بعد قوة ضعفاً}: أي من بعد قوة الشباب والكهولة ضعف الكبر والشيب.
{وشيبة}: أي الهرم.
{كذلك كانوا يؤفكون}: أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث كانوا يصرفون في الدنيا عن الإِيمان بالبعث والجزاء في الآخرة فانصرافهم عن الحق في الدنيا سبب لهم عدم معرفتهم لمدة لبثهم في قبورهم.
{لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم}: أي في انكارهم للبعث والجزاء.
{ولا هم يستعتبون}: أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله تعالى بالإِيمان والعمل الصالح.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى: {الله الذي خلقكم} وحده {من ضعف} أي من ماء مهين وهي النطفة ثم جعل من بعد ضعف أي ضعف الطفولة {قوة} وهي قوة الشباب {ثم جعل من بعد قوة} أي قوة الشباب والكهولة {ضعفاً} أي ضعف الكبر {وشيبة} أي الهرم وقوله تعالى: {يخلق ما يشاء وهو العليم} بخلقه {القدير} على ما يشاء ويريده فهو تعالى قادر على احياء الأموات وبعثهم، إذ القادر على إيجادهم من العدم قادر على بعثهم من الرّمَم وقوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة} أي القيامة {يقسم المجرمون} أي يحلف المجرمون من أهل الشرك والمعاصي {ما لبثوا غير ساعة} أي لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة من زمن. وقوله تعالى: {كذلك كانوا يؤفكون} أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث في القبر كانوا يصرفون في الدنيا عن الإِيمان بالله تعالى ولقائه، والصارف لهم ظلمة نفوسهم بسبب الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإِيمان لقد لبثم في كتاب الله} أي في كتاب المقادير {إلي يوم البعث} وهو يوم القيامة {فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} لعدم إِيمانكم بالله وبآياته والكتاب الذي أنزله.
وقوله فيومئذ أي يوم إذ يأتي يوم البعث {لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم} أي عن شركهم وكفرهم بلقاء ربهم، {ولا هم يستعتبون} أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضى الله تعالى من الإِيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية التي لا ترد بحال.
2- بيان اطوار خلق الإِنسان من نطفة إلى شيخوخة وهرم.
3- فضل العلم والإِيمان وأهلهما.
4- بيان ان معذرة الظالمين لا تقبل منهم، ولا يستعتبون فيرضون الله تعالى فيرضى عنهم.

.تفسير الآيات (58- 60):

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}

.شرح الكلمات:

{ولقد ضربنا للناس}: أي جعلنا للناس.
{من كل مثل}: أي من كل صفة مستغربة تلفت الانتباه وتحرك الضمير كالأمثال لعلهم يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا.
{ولئن جئتهم بآية}: أي ولئن أتيت هؤلاء المشركين بكل حجة خارقة.
{إن أنتم مبطلون}: أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون إلا مبطلون فيما تقولون وتدعون إليه من الإِيمان بآيات الله ولقائه.
{الذين لا يعلمون}: أي ما أنزل الله على رسوله وما أوحاه إليه من الآيات البينات.
{فاصبر إن وعد الله حق}: أي اصبر يا رسولنا على أذاهم فإِن العاقبة لك إذ وعدك ربك بها ووعد الله حق.
{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}: أي لا يحملنك هؤلاء المشركون المكذبون بلقاء الله على الخفة والطيش فتترك دعوتك إلى ربك.

.معنى الآيات:

بعد إيراد العديد من الأدلة وسوق الكثير من الحجج وعرض مشاهد القيامة في الايات السابقة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون من قريش قال تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} أي جعلنا للناس في هذا القرآن من أساليب الكلام وضروب التشبيه، وعرض الأحداث بصور مثيرة للدهشة موقظة للحس، ومنبهة للضمير، كل ذلك لعلهم يذكرون فيؤمنوا فيهتدوا للحق فينجوا ويسعدوا، ولكن أكثرهم لم ينتفعوا بذلك، {ولئن جئتهم بآية} أي بحجة من معجزة وغيرها تدل على صدقك وصحة دعوتك وما جئت به {ليقولن الذين كفروا} أي منهم. {إن انتم} أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون {إلا مبطلون} أي من أهل الباطل فيما تقولون وتدعون إليه من الدين الحق والبعث الآخر. وقوله: {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} أي كذلك الطبع على قلوب الكافرين الذين لو جئتهم بكل آية لم يؤمنوا عليها لما ران على قلوبهم وما ختم به عليها، يطبع على قلوب الذين لا يعلمون، إذ ظلمة الجهل كظلمة الشرك والكفر تحجب القلوب عن الفهم والإِدراك فلا يحصل إِيمان ولا استجابة لدعوة الحق وقوله: {فاصبر إن وعد الله حق} يامر تعالى رسوله أن يلتزم بالصبر على دعوته والثبات عليها في وجه هذا الكفر العنيد، حتى ينصره الله تعالى إذا واعده بالنصر في غير ما آية ووعد الله حق فهو ناجز لا يتخلف. وقوله: {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} أي اصبر ولا يحملنك عناد المشركين وإصرارهم على الكفر والتكذيب على الخفة والطيش والاستجهال بترك الحلم والصبر. والمراد بالذين لا يوقنون كل من لا يؤمن بالله ولقائه إيمانا يقينا إذ هذا الصنف من الناس هو الذي يستفز الإِنسان ويحمله على أن يخرج عن اللياقة والأدب والعياذ بالله.

.من هداية الآيات:

1- اعذار الله تعالى إلى الناس بما ساقه تعالى في كتابه من أدلة الإِيمان وحجج الهدى.
2- أسوأ أحوال الإِنسان عندما يطبع على قلبه لكثرة ذنوبه فيصبح لا يفهم ولا يعقل شيئاً وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم.
3- وجوب الصبر والتزام الحلم والأناة مهما جهل الجاهلون.

.سورة لقمان:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}

.شرح الكلمات:

{آلم}: هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب آلم، وتقرأ: الف لام ميم.
{تلك}: أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب الحكيم.
{الحكيم}: أي المحكم الذي لا نسخ يطرأ عليه بعد تمام نزوله، ولا خلل فيه، وهو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه فلا خلط ولا خبط فيما يحمل من هدى وتشريع.
{هدى ورحمة}: أي هو هدى يهتدي به ورحمة يرحم بها.
{للمحسنين}: أي الذين يراقبون الله تعالى في كل شؤونهم إذ هم الذين يجدون الهدى والرحمة في القرآن الكريم أما غيرهم من أهل الشرك والمعاصي فلا يجدون ذلك.
{أولئك}: أي المحسنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بالآخرة.
{على هدى من ربهم}: أي هم على هداية من الله تعالى فلا يضلون ولا يجهلون معها ابداً.
{المفلحون}: أي الفائزون بالنجاة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب محبوب.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {آلم} أحسن ما يفسر به مثل هذه الحروف المقطعة قول: الله أعلم بمراده به وقد أفادت هذه الحروف فائدة عظيمة، وذلك من جهتين الأولى أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن خشية التأثر به فيهتدي إلى الحق من يحصل له ذلك، وقالوا: {ا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} كانت هذه الحروف بنغمها الخاص ومُدودها العجيبة تضطر المشرك إلى الإِصغاء والاستماع فحصل ضد مقصودهم وكفى بهذه فائدة. والثانية أنهم لما ادعوا أن القرآن سحر وكهانة وشعر وأساطير الأولين كأنما قيل لهم هذا القرآن الذي ادعيتم فيه كذا وكذا قد تألف من هذه الحروف ص، ن، ق، يس، طس، ألم، فألفوا سورة مثله واتوا بها للناس فيصبح لكم كا تدعون فإِن عجزتم فسلموا أنه كلام الله أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا ووحدوا واستقيموا على ذلك تعزوا وتكرموا وتكملوا وتسعدوا.
وقوله: {تلك آيات الكتاب الحكيم} أي هذه الايات هي آيات القرآن الكريم الموصوف بالحكمة إذ هو لا يخلط ولا يغلط ولا يخبط بل يضع كل شيء في موضعه اللائق به في كل ما قال فيه وحكم به، وأخبر عنه أو به من سائر المعارف والعلوم التي حواها كما هو حكيم بمعنى محكم لا نسخ يطرأ عليه بعد تمامه كما طرأ على الكتب السابقة، ومحكم أيضاً بمعنى لا خلل فيه، ولا تناقض بين أخباره وأحكامه على كثرتها وتنوع أسبابها ومقتضيات نزولها، وقوله: {هدى ورحمة للمحسنين} أي هو بيان هداية ورحمة تنال المحسنين وهم الذين أحسنوا عبادتهم لربهم فخلصوها من الشرك والرياء وأتوا بها على الوجه المرضي لله تعالى وهو ما بينه رسوله صلى الله عليه وسلم من كيفيات العبادات وبيان فعلها وأدائها عليه. وقوله: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} أي المحسنين الذين يقيمون الصلاة أي يؤدون الصلوات الخمس مُراعى فيها شروطها مستوفاة أركانها وسننها الواجبة منها والمستحبة، ويؤتون الزكاة أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالذهب والفضة أو الْعُمَلِ القائمة مقامهما والحرث من تمر وزيتون، وحبوب مقتاة مدخرة والناطقة من إبل وبقر وغنم وذلك أن حال الحول في الذهب والفضة والعمل وفي بهيمة الأنعام أما الحرث والغرس فيوم حصاده وجداده.
وقوله: {وهم بالآخرة هم يوقنون} أي والحال هم موقنون بما أعده الله من ثواب وجزاء على الإحسان والإِيمان والإِسلام الذي دلت عليه صفاتهم في هذا السياق الكريم وقوله: {أولئك على هدًى من ربهم وأولئك هم المفلحون} يخبر تعالى عن المحسنين أصحاب الصفات الكريمة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإِيمان باليوم الآخر والإِيقان بثواب الله تعالى فيه انهم على هدى أي طريق مستقيم وهو الإِسلام هداهم الله تعالى إليه ومكنهم من السير عليه وبذلك أصبحوا من المفلحين الذين يفوزون بالنجاة من النار، وبدخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم انك برٌ كريم تواب رحيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان إعجاز القرآن حيث ألّف من مثل آلم، وص، وطس، ولم يستطع خصومه تحديه.
2- بيان معنى الحكيم وفضل الحكمة.
3- بيان أن القرآن للهدى المنجي المسعد ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه.
4- فضل الصلاة والزكاة واليقين.
5- بيان مبنى الدين: وهو الإِيمان والإِسلام والإِحسان.