فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (59- 68):

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}

.شرح الكلمات:

{وامتازوا اليوم أيها المجرمون}: أي انفردوا عن المؤمنين وانحازوا على جهة وسيروا أيها الصالحون إلى الجنة.
{ألم أعهد إليكم}: أي الم أوصِكُم بترك عبادة الشيطان وهي طاعته.
{وأن اعبدوني}: أي وبأن تعبدوني وحدي وذلك في كتبي وعلى ألسنة رسلي.
{هذا صراط مستقيم}: أي بترك عبادة الشيطان والقيام بطاعة الرحمن. هو الإِسلام الموصل إلى دار السلام.
{ولقد اضل منكم جبلا كثيرا}: أي ولقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم خلقا كثيرا.
{أفلم تكونوا تعقلون}: أي اطعتموه فلم تكونوا تعقلون عداوته لكم.
{هذه جهنم التي كنتم بها تكذبون}: أي تقول لهم الملائكة هذه جهنم... إلخ.
{اليوم نختم على أفواههم}: أي عندما يقولون: والله ربنا ما كنا مشركين.
{ولو نشاء لطمسنا على أعينهم}: أي ولو أردنا طمس أعين هؤلاء المشركين المجرمين لفعلنا، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة منّا.
{فاستبقوا الصراط}: أي فابتدروا الطريق كعادتهم فكيف يبصرون.
{ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم}: أي بدلنا خلقهم حجارة أو قدرة أو خنازير في أمكنتهم التي هم فيها فلا يستطيعون مضيّا ولا يرجعون.
{ومن نعمره ننكسه في الخلق}: أي ومن نطل عمره ننكسه في الخلق فيكون بعد قوته ضعيفا عاجزاً.
{أفلا يعقلون}: أي أن القادر على ما ذكرنا لكم قادر على بعثكم بعد موتكم.
: فتؤمنون وتوحدون فتنجون من العذاب وتسعدون.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} أي يأمر تعالى المجرمين وهم الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك وارتكاب المعاصي فأفسدوها يأمرهم بأن يتميّزوا عن المؤمنين فينفردوا وحدهم ويسار بأهل الجنة غلى الجنة، ثم يوبخ تعالى المجرمين أهل النار بقوله: {الم أعهد إليكم} موصياً إياكم على ألسنة رسلي وفي كتبي بأن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وبأن تعبدوني وحدي، ولا تعبدوا الشيطان معي فتشركوه في عبادتي هذا صراط مستقيم أي ترك عبادة الشيطان والقيام بعبادة الرحمن هذا هو الإِسلام الصراط المستقيم الذي لا ينتهي بالسالكين إلا إلى باب دار السلام. وقوله: {ولقد أضل منكم جبلا} أي خلقا كثيرا هذا من كلام الله الموبخ به للمجرمين. وقوله: {أفلم تكونوا تعقلون} وهذا تقريع وتوبيخ أيضا أي اطعتموه وهو عدوكم وعصيتموني وأنا ربكم فلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم، وواجب عبادتى عليكم لأني خلقتكم ورزقتكم وكلأتكم الليل والنهار إذاً فهذه جهنم التي كنتم بها تكذبون اصلوها أي احترقوا بها بما كنتم تكفرون بالله وآياته ولقائه وتكذبون رسله. وقوله تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون} هذا يحدث لما يعرضون على ربهم فيعرض عليهم أعمالهم فينكرون فعندئذ يختم الله على افواههم فلا يستطيعون الكلام وتنطق باقي جوارحهم وتشهد أرجلهم فينكرون بما كانوا يكسبون قوله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} فأعميناهم {فاستبقوا الصراط} أي ابتدروا الطريق كعادتهم فأنى يبصرون الطريق وقد طمس على أعينهم فلا مقلة فيها ولا حاجب، ولكن الله لم يشأ ذلك لرحمته وحلمه على عباده، وقوله: {لو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} أي ولو نشاء مسخ هؤلاء المجرمين من المشركين لمسخناهم في أماكنهم من منازلهم فلا يستطيعون مضيا في الطريق ولا رجوع إلى خلف أي لا ذهاباً ولا غياباً، وقوله تعالى: {ومن نعمرّه ننكسه في الخلق أفلا يعقلون} فنرده رأسا على عقب فكما كان طفلا ينمو شيئا فشيئا في قواه العقلية والبدنية حتى شب واكتهل فكذلك ننكسه في خلقه فيأخذ يضعف في قواه العقلية والبدنيّة يوما فيوما حتى يصبح اضعف عقلا وبدنا منه وهو طفل.
وقوله افلا تعقلون أيها المكذبون المجرمون أن القادر على هذا وغيره وعلى كل شيء يريده قادر على أن يحييكم بعد موتكم ويبعثكم من قبوركم ويحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير المعاد وبيان مواقف منه.
2- تأكيد عداوة الشيطان للإِنسان.
3- عجز الإِنسان يوم القيامة عن كتمان شيء من سيء أعماله وفاسدها.
4- التحذير من عقوبة الله في الدنيا بالمسخ ونحوه.
5- مظاهر قدرة الله تعالى في رد الإِنسان بعد القوة إلى حالة الضعف الأولى.

.تفسير الآيات (69- 76):

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}

.شرح الكلمات:

{وما علمناه الشعر}: أي وما علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فما هو بشاعر.
{وما ينبغي له}: أي وما يصلح له ولا يصح منه.
{إن هو إلا ذكر وقرآن مبين}: أي ليس كما يقول المشركون من أن القرآن شعر ما هو أي القرآن الذي يقرأ محمد صلى الله عليه وسلم إلاَّ ذكر أي عظة وقرآن مبين لا يشك من يسمعه أنه ليس بشعر لما يظهر من الحقائق العلميّة.
{لينذر من كان حياً}: أي يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون.
{ويحق القول على الكافرين}: أي ويحق القول بالعذاب على الكافرين لأنهم ميتون لا يقبلون النذارة.
{أنعاما فهم لها مالكون}: الأنعام هي الإِبل والبقر والغنم.
{وذللناها لهم}: أي سخرناها لهم وجعلناهم قاهرين لها يتصرفون فيها.
{فمنها ركوبهم ومنها يأكلون}: أي من بعضها يركبون وهي الإِبل ومنها يأكلون أي ومن جميعها يأكلون.
{ولهم فيها منافع ومشارب}: المنافع كالصوف والوبر والشعر، والمشارب الألبان. {أفلا يشكرون}: أي يوبخهم على عدم شكرهم الله تعالى على شهذه النعم بالإِيمان والطاعة.
{واتخذوا من دون الله آلهة}: أي أصناماً يعبدونها زعما منهم أ، ها تنصرهم بشفاعتها لهم عند الله.
{لا يستطيعون نصرهم}: أي لا نقدر تلك الأصنام على نصرهم بدفع العذاب عنهم.
{وهم لهم جند محضرون}: أي لا يقدرون على نصرتهم والحال أنهم أي المشركين جند محضرون. لتلك الآلهة ينصرونها من أن يمسها بسوء فبدل أن تنصرهم هم ينصرونها كجند معبئون لنصرتها.
{فلا يحزنك قولهم}: أي إنك لست مرسلاً وإنك شاعر وكاهن ومفتر.
{إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون}: أي انهم ما يقولون ذلك إلا حسداً وهم يعلمون أنك رسول الله وما جئت به هو الحق وسوف نجزيهم بتكذيبهم لك وكفرهم بنا وبلقائنا وديننا الحق.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وما علمناه الشعر} ردّ على المشركين الذين قالوا في القرآن شعر وفي الرسول شاعر فقال تعالى: {وما علمناه} أي نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم {الشعر وما ينبغي له} أي لا يصح منه ولا يصلح له. {إن هو إلا ذكر} أي ما هو الذي يتلوه غلا ذكر يذكر به الله وعظة يتعظ به المؤمنون {وقرآن مبين} مبين للحق مظهر لمعالم الهدى أنزلناه على عبدنا ورسوله لينذر به من كان حياً أي القلب والضمير لإِيمانه وتقواه الله يحق أي به القول وهو العذاب على الكافرين لأنهم لا يهتدون به فيعيشون على الضلال ويموتون عليه فيجب لهم العذاب في الدار الآخرة. وقوله: {أو لم يروا} أي أعمي أولئك المشركون ولم يروا مظاهر قدرتنا وإحساننا الموجبة لعبادتنا وهي {أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون} يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، والمراد بالأنعام الماشية من غبل وبقر وغنم وقوله: {وذللناها لهم} أي سخرناها لهم بحيث يركبون ويحلبون ويحملون وينحرون ويذبحون ويأكلون، ولولا هذا التسخير لما قدروا عليها أبداً.
وقوله: {ولهم فيها منافع ومشارب} المنافع كالصوف والوبر والشعر {والمشارب} جمع مشرب وهي الألبان في ضروعها يحلبون منها ويشربون. وقوله: {افلا يشكرون} يوبخهم على أكل النعم وعدم الشكر عليها، وشكر الله عليها هو الإِيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله: {واتخذوا من دون الله آلهة} أي اتخذ أولئك المشركون آلهة هي أصنامهم التي يعبدونها لعلهم ينصرون أي رجاء نصرتها لهم وذلك بشفاعتها لهم عند الله تعالى كما يزعمون. قال تعالى في إبطال هذا الرجاء وقطعه عليهم {لا يستطيعون نصرهم} لأنهم اصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر وقوله: {وهم لهم جند محضرون} أي والحال أن المشركين هم جند تلك الأصنام محضرون عندما يدافون عنها ويحمونها ويغضبون لها فكيف ينصرك من هو مفتقر إلى نصرتك. وقوله تعالى: {فلا يحزنك قولهم} أي لا تحزن لما يقول قومك من أنك لست مرسلا، وأنك شاعر وساحر وكاهن غلى غير ذلك من أقاويلهم، {إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} وسنجزيهم عن قولهم الباطل ونأخذهم بكذبهم وافترائهم عليك كما نحن نعلم أ، هم ما قالوا الذي قالوا إلا حسداً لك، وإلا فهم يعلمون أنك رسول الله وما أنت بالساحر ولا الشاعر ولا المجنون، ولكن حملهم على ما يقولون الحسد والعناد والكبر.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن ذكر وليس شعر كما يقول المبطلون.
2- الحكمة من نزول القرآن هي أن ينذر به الرسول الأحياء من أهل الإِيمان.
3- بيان خطأ الذين يقرأون القرآن على الأموات ويتركون الأحياء لا يقرأونه عيهم وعظاً لهم وإرشاداً وتعليماً وتذكيراً.
4- وجوب ذكر النعم وشكرها بالاعتراف بها، وصرفها في مرضاة واهبها وحمده عليها.
5- بيان سخف المشركين في عبادتهم أصناماً يرجون نصرها وهم جند معبأ لنصرتها من أن يمسها أحد بسوء.

.تفسير الآيات (77- 83):

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}

.شرح الكلمات:

{أو لم ير الإنسان}: أي المنكر للبعث كالعاصي بن وائل السهمي، وأبيّ بن خلف.
{أنا خلقناه من نطفة}: أي من منيّ إلى أن صيرناه رجلا قويا.
{فإذا هو خصيم مبين}: أي شديد الخصومة بيّنها في نفي البعث.
{وضرب لنا مثلا}: أي في ذلك، إذ أخذ عظما وفته أمام رسول الله وقال أيحيي ربك هذا؟
{ونسى خلقه}: أي وأنه مخلوق من ماء مهين وأصبح رجلا يخاصم فالقادر على الخلق الأول قادر على الثاني.
{من يحيي العظام وهي رميم}: أي وقد رمّت وبليت.
{من الشجر الأخضر نارا}: أي من شجر المرخ والعفار يحك أحدهما على الآخر فتشتعل النار.
{بقادر على أن يخلق مثلهم}: أي مثل الأناسي.
{بلى}: أي قادر على ذلك إذ خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
{إذا أراد شيئا}: أي خلق شيء وإيجاده.
{بيده ملكوت}: أي ملك كل شيء، زيدت التاء للمبالغة في كبر الملك واتساعه.
{وإليه ترجعون}: أي تردون بعد الموت وذلك في الآخرة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء تلك العقيدة التي يتوقف عليها غالباً هداية الإِنسان وإصلاحه فقال تعالى ردّا على العاصي بن وائل السهميّ وأبي بن خلف حيث جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم ففته وذراه وقال أتزعم يا محمد أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يميتك ثم يحيك ثم يحشرك غلى جهنم ونزلت هذه الآيات {أو لم ير الإِنسان} أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلا فإِذا هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للأموات وبعثهم يوم القيامة فكيف يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح، إذ القادر على البدء قادر عقلا على الإِعادة وهي أهون عيله. وقوله: {واضرب لنا} أي هذا المنكر للبعث مثلا أي جعل لنا مثلا وهو انكاره علينا قدرتنا على البعث حيث جعل إعادتنا للخلق أمرا عجبا وغريبا إذ قال: {من يحيى العظام وهي رميم} أي قد رمّت وبليت. ونسى خلقه من ماء حقير وكيف جعله الله بشرا سويا يجادل ويخاصم فلو ذكر أصل نشأته لخجل أن ينكر إحياء العظام وهي بالية رميم؟ ولما قال من يحيى العظام وهي رميم؟..
وقوله تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} وهذا هو القياس العقلي الجلي الواضح إذ بالبداهة أن من أوجد شيئا من العدم قادر على إيجاد مثله. وقوله: {وهو بكل خلق} أي مخلوق عليم فالعلم والقدرة إذا اجتمعا كان من السهل إيجاد ما أُعدم بعد أن كان موجوداً فأُعدم لاسيما أن الموجود من العدم هو المخبر بالإِعادة وبقدرته عليها.
هذا برهان قطعي وثاني برهان في قوله: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإِذا أنتم منه توقدون} أي النار وتشعلونها، ووجه الاستدلال أن البعث لو كان مستحيلا عقلا وما هو بمستحيل بل هو واجب الوقوع لكان على الله غير مستحيل لأن الله تعالى قد أوجد من المستحيل ممكنا وهو النار من الماء، إذ الشجر الأخضر ماء سار في أغصان الشجرة. ومع هذا يوجد منها النار، فكان هذا برهانا عقليا يسلم به العقلاء ولا ينازعون فيه ابدا، وبرهان ثالث وهو في قوله: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} ووجه البرهنة فيه أننا ننظر إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك وننظر إلى الإنسان فنجده لا شيء إذا قوبل بالسموات والأرض فنحكم بأن من خلق السموات والأرض على عظمها قادر من باب أولى على خلق الإِنسان مرة أخرى بعد موته وبلاه وفنائه. ولذا أجاب تعالى عن سؤاله بنفسه فقال: {بلى وهو الخلاق العليم} أي الخلاق لكل ما أراد خلقه العليم بكل مخلوقاته لا يخفى عليه شيء منها، وبرهان رابع في قوله: {إنما أمره إذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} ووجه الاستدلال أن من كان شأ، ه في إيجاد ما اراد إيجاده أن يقول له كن فهو يكون. لا يستنكر عليه عقلا أن يحيي الأموات بكلمة كونوا أحياء فيكونون كما طلب منهم.
وأخيرا ختم هذا الرد المقنع بتنزيه نفسه عن العجز فقال: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} أي ملك كل شيء {وإليه ترجعون} أحببتم أم كرهتم أيها الآدميون منكرين كنتم للبعث أم مقرين به مؤمنين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بإيراد أربعة براهين قاطعة.
2- مشروعية استعمال العقليات في الحجج والمجادلة.
3- تنزيه الله تعالى عن العجز والنقص وعن الشريك والولد وسائر النقائص.
4- تقرير أن الله تعالى بيده وفي تصرفه وتحت قهره كل الملكوت فلذا لا يصح طلب شيء من غيره إذ هو المالك الحق وغيره لا ملك له.

.سورة الصافات:

.تفسير الآيات (1- 10):

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)}

.شرح الكلمات:

{والصافات صفا}: أي الملائكة تصف أنفسها في الصلاة وأجنحتها في الهواء.
{فالزاجرات زجرا}: أي الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه حيث يأذن الله.
{فالتاليات ذكرا}: أي فالجماعات التاليات للقرآن ذكرا.
{إن إلهكم لواحد}: أي إن إلهكم المعبود الحق لكم أيها الناس لواحد.
{رب السموات والأرض وما بينهما}: أي هو ربُّ السموات والأرض وما بينهما أي خالقهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما.
{ورب المشارق}: أي والمغارب وهي مشارق الشمس ومغاربها إذ للشمس كل يوم مشرق ومغرب.
{وحفظاً من كل شيطان مارد}: أي وحفظناها حفظاً من كل شيطان مارد خارج عن الطاعة.
{لا يسمعون إلى الملأ الأعلى}: أي لا يستمعون إلى الملائكة في السموات العلا.
{ويقذفون من كل جانب دحوراً}: يُرمون بالشهب من كل جوانب السماء دحورا أي إبعاداً لهم.
{عذاب واصب}: أي دائم لا يفارقهم.
{إلا من خطف الخطفة}: أي اختطف الكلمة من الملائكة بسرعة وهرب.
{فاتبعه شهاب ثاقب}: أي كوكب مضيء ثاقب يثقبه أو يحرقه أو يخلبه أي يفسده.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والصافات صفا} هذا قسم إلهي يؤكد به تعالى إلهيته على عباده فقد أقسم بالصافات والزاجرات والتاليات ذكرا أي قرآنا، وسواء قلنا اقسم بهذه المخلوقات إذ الله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وإنما الممنوع أن يقسم العبد بغير ربّه تعالى. أو قلنا اقسم تعالى بنفسه أي وربّ الصافات الخ فالقسم حاصل من أجل تقرير التوحيد، وهذا الإِقسام جار على عرف البشر في أنهم إذا أخبروا بشيء يشكون في صحته فيؤكد لهم المُخبر الخبر باليمين ليزيل الشك من نفوسهم. وقوله: {إنَّ إلهكم لواحد} هو المقسم عليه وهو أن إله البشرية كلها واحد وهو الله خالقها ورازقها وليس لها من غله غيره، وما عندها من آلهة فهي آلهة باطلة ويكفي في بطلانها أنها اصنام وصور وتماثيل وصلبان لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تضر. وقوله: {ربّ السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق} تدليل على وحدانية الله تعالى إذ هو خالق السموات والأرض وما بينهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما، وربّ المشارق أيضا والمغارب أي مشارق الشمس ومغاربها إذ كل يوم تشرق وتغرب في درجة معينة فالإله الحق هو الخالق للعوالم والمدبر لها لا الذي ينحته الرجل بيده ويقول هو إلهي زورا وباطلا. ألا فليتحرر المشركون من اسر الشيطان ويعبدوا الرحمن. وقوله تعالى: {إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} هذه مظاهر القدرة والعالم والحكمة إنه وحده تعالى زين السماء الدنيا أي القريبة من الأرض بزينة هي الكواكب المشرقة المنيرة. وقوله: {وحفظا من كل شيطان مارد} أي وحفظنا السماء حفظا تاما من كل شيطان عادٍ متمرد عن الطاعة. وقوله: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} أي لا يتسمعون إلى الملائكة في السماء حتى لا ينقلوا أخبار الغيب غلى أوليائهم من الكهان في الأرض.
وقوله: {ويقذفون من كل جانب} أي ويرمى أولئك المردة من الشياطين من قبل الملائكة من كل جهة من جهات السماء دحورا أي لدحرهم وغبعادهم. وقوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} لأولئك المردة من الشياطين عذاب واصب موجع دائم وقوله: {إلا من خطف الخطفة} أي اختطف الكلمة بسرعة {فأتبعه شهاب ثاقب} أي كوكب مضيئ فثقبه أو أحرقه أو خبله أي أفسده، وبهذا حُمِيت السماء بالملائكة من دخول الشياطين إليها واستراق السمع. والحمد لله.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن الله تعالى يقسم ببعض مخلوقاته إما تنويها بعظمتها المقرر ضمنا لعظمة خالقها وإما بيانا لفضلها وإما لفتا لنظر العباد إلى ما فيها من الفوائد.
2- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله.
3- بيان الحكمة من وجود النجوم في السماء الدنيا.
4- بيان أن الشياطين حرموا من استراق السمع، ولم يبق مجال لكذب الشياطين على الناس بعد أن منعوا من استراق السمع.