فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (22- 30):

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)}

.شرح الكلمات:

{احشروا الذين ظلموا}: أي أنفسهم بالشرك والمعاصي.
{وأزواجهم}: أي قُرناءهم من الشياطين.
{من دون الله}: أي من غير الله من الأوثان والأصنام.
{فاهدوهم}: أي دلوهم وسوقوهم.
{إلى صراط الجحيم}: أي إلى طريق النار.
{وقفوهم إنهم مسؤولون}: أي احبسوهم عند الصراط إنهم مسؤولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم.
{مالكم لا تناصرون}: أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا توبيخا لهم.
{إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين}: أي عن يمين أحدنا تزينون له الباطل وتحسِّنون له الشر فتأمرونه بالشرك وتنهونه عن التوحيد.
{قالوا بل لم تكونوا مؤمنين}: أي قال قرناؤهم من الجن ردّا عليهم بل لم تكونوا أساسا مؤمنين.
{وما كان لنا عليكم من سلطان}: أي من حجة ولا قوة على حملكم على الشرك والشر والباطل.
{بل كنتم قوما طاغين}: أي بل كنتم طغاة تعبدون غير الله وتجبرون الناس على ذلك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في موقف عرصات القيامة إنهم بعد اعترافهم بأن هذا يوم الدين وردّ الله تعالى عليهم بقوله: {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} يقول الجبار عز وجل: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أي احشروا الذين ظلموا بالشرك والمعاصي، وقوله: {وأزواجهم} أي قُرناءهم من الجن {وما كانوا يعبدون من دون الله} من الأصنام والأوثان. وقوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} يقول الله عز وجل فاهدوهم أي دلوهم إلى طريق النار.
ويقول {وقفوهم إنهم مسؤولون} ثم يسألون {ما لكم لا تناصرون} أي لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا. كيف ينصر بعضهم بعضا في مثل هذا الموقف الرهيب بل هم اليوم مستسلمون على المتبوعين يتساءلون أي يتلاومون كلّ يلقي بالمسؤولية على الآخر. فقال الأتباع من الإِنس لقرنائهم من الجن ما أخبر تعالى به عنهم {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} أي والشمال أي توسوسون لنا فَتْحَسِّنُون لنا الشرك والشر بل تأمروننا به وتحضوننا عليه. فرد عليهم قرناؤهم بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قالوا بل لم تكونوا مؤمنين} أي ما كنتم مؤمنين فكفرناكم ولا صالحين فأفسدناكم، ولا موحدين فحملناكم على الشرك. هذا أولا وثانيا ما كان لنا عليكم من سلطان أي من حجج قوية أقنعناكم بها، ولا قدرة لنا أزهقناكم فاتبعتمونا، بل كنتم أنتم قوما طاغين أي ظلمة متجاوزين الحد في الإِسراف والظلم والشر.

.من هداية الآيات:

1- بيان صورة لموقف مومواقف عرصات القيامة.
2- بيان أن الأشباه في الكفر أو في الفجور أو في الفسق تحشر مع بعضها بعضا.
3- عدم جدوى براءة العابدين من المعبودين واحتجاج التابعين على المتبوعين.

.تفسير الآيات (31- 37):

{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)}

.شرح الكلمات:

{فحق علينا قول ربنا}: أي وجب علينا العذاب.
{إنا لذائقون}: أي العذاب نحن وأنتم.
{فأغويناكم إنا كنا غاوين}: أي أضللناكم إنا كنّا ضالين.
{فإنهم يومئذ}: أي يوم القيامة.
{في العذاب مشتركون}: لأنهم كانوا في الغواية مشتركين.
{إنا كذلك نفعل بالمجرمين}: كما عذبنا هؤلاء التابعين والمتبوعين نعذب التابعين والمتبوعين في كل ضلال وكفر وفسّاد.
{إنهم كانوا إذا قيل لهم}: أي إن أولئك المشركين من عبدة الأوثان إذا قال لهم الرسول.
{لا إله إلا الله يستكبرون}: أي قولوا لا إله إلا الله ولا تعبدا إلا الله يستكبرون ولا يقولون ولا يوحدون.
{لشاعر مجنون}: يعنون محمد صلى الله عليه وسلم.
{بل جاء بالحق وصدق المرسلين}: أي بل جاء بلا إله إلا الله وهو الحق الذي جاءت به الرسل وقد صدّقهم فيما جاءوا به من قبله وهو التوحيد.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما ذكر تعالى من تساؤلات الظالمين وما قاله الأتباع للمتبوعين وما قاله المتبوعين للاتباع فقوله تعالى: {فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون} هذا قول المتبوعين لأتباعهم قالوا لهم فسبب غوايتنا وضلالنا وجب علينا العذاب إنا وأنتم لذائقوه لا محالة. وقالوا لهم أيضا معترفين بإغوائهم لهم فأغويناكم إنا كنا غاوين هذا قول الجن للإنس قال تعالى: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون} وذلك لاشتراكهم في الشرك والشر والفساد. وقوله تعالى: {إنا كذلك نفعل بالمجرمين} من سائر الأصناف كالزناة وأكلة الربا وسافكي الدماء فنعذب الصنف مع صنفه وهذا عائد إلى قوله احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشياعهم وأضرابهم وقوله تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} يخبر تعالى عن مشركي قريش أنهم كانوا في الدنيا إذا قال لهم رسول الله أو أحد المؤمنين قولوا لا إله إلا الله يستكبرون ويشمئزون ولا يقولونها بل ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون يعنون النبي محمد صلى الله عليه سولم يصفون القرآن بالشعر ومحمداً صلى الله عليه وسلم تاليه وقارئه بالشعر ولما يدعوهم إليه من الإِيمان بالبّعث والجزاء بالجنون والرسول في نظرهم مجنون. فرد تعالى عليهم بقوله: {بل جاء بالحق} أي لم يمكن رسولنا بشاعر ولا مجنون بل جاء بالحق فأنكرتموه وكذبتم به تقليدا وعنادا فقلتم ما قلتم. وإنما هو قد جاء بالحق الذي هو لا إله إلا الله {وصدق المرسلين} الذين جاءوا قبله بكلمة لا إله إلا الله والدعوة إليها والحياة والموت عليها.

.من هداية الآيات:

1- بيان هلاك الضال ومن اضله والغاوي ومن أغواه.
2- بيان ما كان يوجهه المشركون لرسول الله من التُّهم الباطلة وردّ الله تعالى عليها.
3- التعظيم من شأن لا إله إلا الله وانها دعوة كل الرسل التي سبقت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
4- تقرير التوحيد والبعث والجزاء والنبوة المحمدية.

.تفسير الآيات (38- 49):

{إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}

.شرح الكلمات:

{وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}: أي إلاّ جزاء ما كنتم تعملونه من الشرك والمعاصي.
{إلا عباد الله المخلصين}: أي لكن عباد الله المخلصين أي العبادة لله وحده فإِنهم يجزون بأكثر أعمالهم إذ الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.
{لهم رزق معلوم}: أي في الجنة بكرة وعشيا.
{فوكه}: أي طعامهم وشرابهم فيها للتلذذ به كما يتلذذ بالفواكه فليس هو لحفظ أجسامهم حية كما في الدنيا.
{وهم فيها مكرمون}: أي لا تلحقهم فيها إهانة بل يقال لهم هنيئا بخلاف أهل النار يقال لهم ذوقوا عذاب النار بما كنتم تعملون.
{من معين}: أي يجري على وجه الأرض كعيون الماء الجارية على الأرض.
{لذةٍ للشاربين}: أي الخمرة موصوفة بأنها لذة للشاربين.
{لا فيها غول}: أي ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم.
{ولا هم عنها ينزفون}: أي لا يسكرون عنها أي بسببها كما هي خمر الدنيا.
{قاصرات الطرف}: أي لا ينظرن إلى غير أزواجهن لحسنهم وجمالهم عندهن.
{عين}: أي واسعات الأعين الواحدة عيناء.
{بيض مكنون}: أي كأنهن بيض مكنون أي مستور لا يصله غُبار ولا غيره.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} هذا يقال لأهل النار وهم موقوفون يتساءلون ومن جملة ما يقال لهم عندئذ هذا القول فيخبرون بأ، هم ذائقوا العذاب الأليم الموجع، وأنهم ما يجزون إلا بما كانوا يعملون فلا يظلمون بالجزاء بل هو جزاء عادل السيئة بمثلها. وهنا استثنى تعالى جزاء عباده المؤمنين الذي استخلصهم لعبادته فعبدوه ووحدوه فإنهم يجزون بأكثر من أعمالهم فضلا منه عليهم وإحسانا إليهم فالحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى سبعمائة وأكثر، فقال: {إلاَّ عباد الله المخلصين} وبيّن تعالى بعض جزائهم فقال: {أولئك لهم رزق معلوم} أي يأكلونه بكرة وعشياً، وقوله فواكه فيه إشارة غلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون لحفظ أجسادهم من الموت والفناء، وإنما يأكلون ما يأكلون ويشربون ما يشربون تلذذا بذلك لا لدفع غائلة الجوع كما في الدنيا. {وهم مكرمون} أي في الجنة حيث لا تلحقهم إهانة أبدا، وقوله في جنات النعيم اضاف الجنة إلى النعيم مبالغة في وصفها بالنعيم حتى جعل الجنة جنّة النعيم فجعل للنعيم وهو النعيم جنة، وأخبر أنهم متكئون فيها على سرر متقابلين ينظر بعضهم غلى بعض وهم في جلسات تنعم، وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين ينظر بعضهم غلى بعض وهم في جلسات تنعم، وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين يسقون بواسطة خدم من الملائكة خاص فقال: {يطاف عليهم بكاس من معين} أي من خمر تجرى بها الأنهار كأنها عيون الماء، ووصف الخمر بأنها بيضاء وأنها لذة عظيمة للشاربين لها، وأنها لا فيها غول وهو ما يغتال أبدانهم كالصداع ووجع البطن فقال: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} أي لا يسكرون بها فتذهب بعقولهم.
وقوله: {وعندهم قاصرات الطرف} يعني أن لهم نساء هنّ أزواج لهم ومعنى قاصرات الطرف أي على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم وذلك لحسنهم وجمالهم فلا تنظر الواحدة منهن إلا إلى زوجها. وقوله: {عين} أي واسعات الأعين {كأنهن بيض مكنون} هذا وصف لنساء الجنة وأنهن بيض الأجسام بياضاً كبياض بيض النعام إذ هو أبيض مشرب بصفرة وهو من أحسن أنواع الجمال في النساء ومعنى {مكنون} مستور لا ينالهُ غبار ولا أي أذًى.

.من هداية الآيات:

1- بيان عدالة الحق تبارك وتعالى في أنه يجزي السيئة بمثلها ولا يؤاخذ أحداً بغير كسبه في الحياة الدنيا.
2- بيان فضل الله تعالى إذ يجزي المؤمنين الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من سبعمائة.
3- تقرير البعث وبيان بعض ما يجري فيه من قول وعمل.
4- وصف نعيم أهل الجنة طعاما وشرابا وجلوسا واستمتاعا.

.تفسير الآيات (50- 61):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}

.شرح الكلمات:

{فأقبل بعضهم على بعض}: أي أقبل أهل الجنة.
{يتساءلون}: أي عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها.
{إني كان لي قرين}: أي كان لي صاحب ينكر البعث الآخر.
{يقول لي أئنك لمن المصدقين}: أي يقول تبكيتاً لي وتوبيخاً أي بالبعث والجزاء.
{أءنا لمدينون}: أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكاراً وتكذيباً.
{هل أنتم مطلعون}: أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب.
{فاطلع فرآه في سواء الجحيم}: أي في وسط النار.
{تالله إن كدت لتردين}: أي قال هذا تشميتاً به، ومعنى تردين تهلكني.
{لكنت من المحضرين}: أي المسوقين غلى جهنم المحضرين فيها.
{أفما نحن بميتين}: أمخلدون فما نحن بميتين، والاستفهام للتقرير أي نعم.
{إلا موتتنا الأولى}: التي ماتوها في الدنيا.
{لمثل هذا فليعمل العاملون}: أي لمثل هذا النعيم من الخرود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهملبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إنّي كان في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وانكارا للبعث الآخر {أئنك لمن المصدقين} أي بالبعث والجزاء على الأعمال في الدنيا. ويقول أيضا مستبعدا منكراً {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون} أي محاسبون ومجزيون. ثم قال ذلك القائل لبعض أهل مجلسه {هل أنتم مطلعون} أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها، وقال له ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {قال تالله} أي والله {إن كدت لتردين} أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإِيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإِيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا {ولولا نعمة ربيّ} عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له {أفما نحن بميتين إلاّ موتتنا الأولى} والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم مخلجون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم {لهو الفوز العظيم} إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى: {لمثل هذا} أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار {فليعمل العاملون} أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله ربّ العالمين.

.من هداية الآيات:

1- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
2- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
3- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقليّاً.
4- لا موت في الآخرة وإنما حياة ابدية في النعيم أو في الجحيم.
5- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.

.تفسير الآيات (62- 74):

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)}

.شرح الكلمات:

{أذلك خير نزلا}: أي ذلك المذكور لأهل الجنة خير نُزلاً وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره.
{أم شجرة الزقوم}: المعدة لأهل النار وهي من أخبث الشجر طعما ومرارة. {إنا جعلناها فتنة للظالمين}: أي امتحانا واختبارا لهم في الدنيا وعذابا لهم في الآخرة.
{تخرج في اصل الجحيم}: أي في قعر الجحيم وأغصانها في دركاتها.
{طلعها كأنه رؤوس الشياطين}: أي ما يطلع من ثمرها أولاً كالحيات القبيحة المنظر.
{إن لهم عليها لشوباً من حميم}: أي بعد اكلها يسقون ماء حميما فذلك الشوب أي الخلط.
{إنهم الفوا آباءهم}: أي وجدوا آباءهم.
{فهم على اثارهم يهرعون}: أي يسرعون مندفعين إلى اتباعهم بدون فكر ولا رويّة.
{ولقد أرسلنا فيهم منذرين}: أي رسلا منذرين لهم من العذاب.
{فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}: إنها كانت عذاباً أليما لإِصرارهم على الكفر.
{إلا عباد الله المخلصين}: فإِنهم نجوا من العذاب ولم يهلكوا.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى ما أعده لأهل الإِيمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار الأبرار قال أذلك المذكور من النعيم في الجنة خير نزلا ما يُعد من قرى للضيف النازل وغيره أم شجرة الزقوم، أي ثمرها وهو ثمر سمج مرّ قبيح المنظر. ثم أخبر تعالى أنه جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش إذ قالوا لما سمعوا بها كيف تنبت الشجرة في النار والنار تحرق الشجر، فكذبوا بها فكان ذلك فتنة لهم. ثم وصفها بقوله: {إنها شجرة تخرج من اصل الجحيم} أي في قعرها وتمتد فروعها في دركات النار. وقوله طلعها أي ما يطلع من ثمرها في قبح منظره {كأنه رؤوس الشياطين} لأنّ العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح كما أن هناك حيات يسمونها بالشيطان قبيحة المنظر وقوله فإِنهم أي الظلمة المشركين لآكلون منها أي من شجرة الزقوم لشدة جوعهم فمالئون منها البطون أي بطونهم {ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم} وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون فيسقون من حميم فذلك الشوب من الحميم إذ الشوب الخلط والمزج يُقال شاب اللبن بالماء أي خلطه به وقوله: {ثم إن مرجعهم لإِلى الجحيم} أي مردهم إلى الجحيم بعدما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالأكل والشرب يردون إلى نار الجحيم.
وقوله تعالى: {إنهم الفوا آباءهم ضالين} أي وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد {فهم على آثارهم يهرعون} أي يهلولون مسرعين وراءهم يتبعونهم في الشرك والكفر والضلال وقوله تعالى: {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} أي فليس هؤلاء أول من ضل {ولقد أرسلنا} أي في أولئك الضالين من الأقوام السالفين منذرين أي رسلا ينذرونهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إنها كانت هلاكاً ودماراً للكافرين. وقوله تعالى: {إلا عباد الله المخلصين} استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره فآمنوا وأطاعوا فإِنه تعالى نجاهم وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بما لا مزيد عليه.

.من هداية الآيات:

1- بيان أحسن الأساليب في الدعوة وهو الترهيب والترغيب.
2- تقرير البعث والجزاء بأسلوب العرض للأحداث التي تتم في اقيامة.
3- التنديد بالتباع في الضلال للآباء والأجداد وأهل البلاد.
4- إهلاك الله تعالى للظالمين وانجاؤه للمؤمنين عند الأخذ بالذنوب في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآيات (75- 82):

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)}

.شرح الكلمات:

{ولقد نادانا نوح}: أي قال: {أني مغلوب فانتصر} من سورة القمر.
{فلنعم المجيبون}: أي له إذ نجيناه وأهلكنا الكافرين من قومه.
{من الكرب العظيم}: أي عذاب الغرق بالطوفان.
{وجعلنا ذريّته هم الباقين}: إذ عامة الناس كانوا من ذريّته سام، وحام ويافث.
{وتركنا عليه في الآخرين}: أي أبقينا عليه ثناء حسنا عند سائر الأمم والشعوب.
{سلام على نوح في العالمين}: أي سلام منّا على نوح في العالمين أي في الناس أجمعين.
{إنا كذلك نجزي المحسنين}: أي كما جزينا نوحاً بالذكر الحسن والسلام في العالمين نجزي المحسنين.
{ثم أغرقنا الآخرين}: أي كفار قومه المشركين بعد إنجاء المؤمنين في السفينة.

.معنى الآيات:

على إثر ذكره تعالى إهلاك المنذرين وإنجائه المؤمنين من عباده المخلصين ذكر قصة تاريخية لذلك وهي نوح وقومه حيث أنذر نوح قومه ولما جاء العذاب أنجى الله عباده المخلصين وأهلك المكذبين المنذرين فقال تعالى في ذكر هذه القصة الموجزة {ولقد نادانا نوح} أي دعانا لنصرته من قومه {فقال رب انصرني بما كذبون} {وقال إني مغلوب فانتصر} {فلنعم المجيبون} نحن له {ونجيناه وأهله} باستثناء امرأته وولده كنعان {من الكرب العظيم} وهو عذاب الغرق. وقوله: {وجعلنا ذريّته هم الباقين} إلى يوم القيامة وهذا جزاء له على صبره في دعوته وإخلاصه وصدقه فيها إذ كل الناس اليوم من أولاده الثلاثة وهم سام وهو أبو العرب والروم وفارس، وحام وهو أبو السودان ويافث وهو أبو الترك والخزر وهم التتار ضيقوا العيون ولهذا سموا الخزر من خزر العين وهو ضيقها وصغرها، ويأجوج ومأجوج، وقوله: {وتركنا عليه في الآخرين} أي في أجيال البشرية التي أتت بعده وهو الذكر الحسن والثناء العطر المعبر عنه بقوله تعالى: {سلام على نوح في العالمين} وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي كما جزينا نوحا لإِيمانه وصبره وتقواه وصدقه ونصحه وإخلاصه نجزي المحسنين في إيمانهم وتقواهم وهذه بشرى للمؤمنين وقوله: {إنه من عبادنا المؤمنين} ثناء عليه وبيان لعلة الإِكرام والإِنعام عليه.
ودعوة إلى الإِيمان بالترغيب فيه، وقوله: {ثم أغرقنا الآخرين} أي أغرقناهم بالطوفان بكفرهم وشركهم وتكذيبهم بعد أن أنجينا المؤمنين.

.من هداية الآيات:

1- بيان إكرام الله لأوليائه، وإهانته لإعدائه.
2- إجابة دعاء الصالحين لاسيما عندما يظلمون.
3- فضل الإِحسان وحسن عاقبة اهله.
4- فضل الإِيمان وكرامة أهله عند الله في الدنيا والآخرة.
5- قول سلام على نوح في العالمين إذا قاله المؤمن حين يمسي أو يصبح يحفظه الله تعالى في لسعة العقرب. وأصح منه قول: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق» لصحة الحديث في ذلك.