فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (49- 52):

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}

.شرح الكلمات:

{فإذا مس الإِنسان ضر دعانا}: أي أصاب الإِنسان الكافر ضُر أي مرض وغيره مما يضره دعانا أي سأل كشف ضره.
{ثم إذا خولناه نعمة منا}: ثم إذا خولناه أي أعطيناه نعمة منا من صحة أو مال وغيرهما.
{قال إنما أوتيته على علم}: قال أي ذلك الكافر إنما أوتيت ذلك العطاء على علم من الله بأني استحقه.
{بل هي فتنة}: أي تلك النعمة لم يعطها لأهليته لها، وإنما أعطيها فتنةً واختباراً له.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون}: أي أن ما أعطوه من مال وصحة وعافية هو فتنة لهم وليس لرضا الله تعالى عنهم.
{قد قالها الذين من قبلهم}: أي قال قولتهم من كان قبلهم كقارون فلم يلبثوا أن أخذوا فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون.
{والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم}: أي والذين ظلموا بالشرك من هؤلاء أي من كفار قريش.
{سيئات ما كسبوا}: أي كما أصاب من قبلهم وقد اصابهم قحط سبع سنين وقتلوا في بدر.
{وما هم بمعجزين}: أي فائتين الله تعالى ولا غالبين له.
{أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق}: أي أقالوا تلك المقالة ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق.
{لمن يشاء ويقدر}: أي يوسعه لمنيشاء امتحاناً، ويضيقه ابتلاء.
{إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون}: أي إن في ذلك المذكور من التوسعة امتحاناً والتضييق ابتلاء لآيات أي علامات على قدرة الله وكمال تدبيره لأمور خلقه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان حيرة المشركين وفساد قلوبهم نتيجة كفرهم وجهلهم فقوله تعالى: {فإذا مس الإِنسان ضرٌّ دعانا} يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر الله وحده اشمأزَّت نفسه وإذا ذكرت الأوثان سُر وفرح واستبشر هذا الإِنسان إذا مسَّه ضرٌّ من مرض أو غيره مما يضر ولا يسر دعا ربَّه منيباً إليه ولم يشرك معه في هذه الحال أحداً لعلمه أن الأوثان لا تكشف ضراً ولا تعطي خيراً، وإذا خوله الله تعالى نعمة من فضله ابتلاء له قال إنَّما أوتيت الذي أوتيت على علم من الله بأني أهل لذلك، فأكذبه الله تعالى فقال بل هي فتنة، ولكن أكثرهم أي أكثر المشركين لا يعلمون أن الله تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم لا لحبه لهم ولا لرضاً عنهم. والدليل على أن ذلك العطاء للمشركين فتنة لا غير أن قولتهم هذه قد قالها الذين من قبلهم كقارون وغيره فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من أموال طائلة، قال تعالى: فأصابهم سيئات ما كسبوا فلم يؤخذوا بدون ذنب بل أخذوا بذنوبهم وهو قوله تعالى: {فأصابهم سيئات ما كسبوا} من الشرك والعناد {والذين ظلموا من هؤلاء} أي من كفار قريش سيصيبهم أيضاً سيئات ما كسبوا من الشرك والعناد والظلم، {وما هم بمعجزين} لله فائتينه أبداً وكيف وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا واسروا في بدر والفتح.
وقوله تعالى: {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي أقالوا مقالتهم تلك ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً له أيشكر أم يكفر {ويقدر} أي يضيق على من يشاء ابتلاء له ايصبر أم يضجر ويسخط فلم يكن بسطه الرزق حباً في المبسوط له، ولا التضييق كرهاً للمضيق عليه، وإنما البسط كالتضييق لحكمة التربية والتدبير، ولكن الكافرين لا يعلمون هذا فجهلهم بالحكم جعلهم يقولون الباطل ويعتقدونه أما المؤمنون فلا يقولون مقالتهم لعلمهم ونور قلوبهم فلذا هم يجدون الآيات في مثل هذا التدبير واضحة دالة على علم الله وحكمته وقدرته فيزدادون إيمانا ونوراً وبصيرة.

.من هداية الآيات:

1- بيان تتناقض أهل الكفر والجهل والضلال في كل حياتهم لأنهم يعيشون على ظلمة الجهل والكفر.
2- تقرير ما من مصيبة إلا بذنب جلي أو خفي كبير أو صغير.
3- بيان أن بسط الرزق وتضييقه على الأفراد أو الجماعات لا يعود إلى حُب الله للعبد أو كرهه له، وإنما يعود لسنن التربية الإِلهية وحكم التدبير لشؤون الخلق.
4- أهل الإِيمان هم الذين ينتفعون بالآيات والدلائل لأنهم أحياء يبصرون ويعقلون أما أهل الكفر فهم أموات لا يرون الايات ولا يعقلونها.
5- تهديد الله تعالى للظالمين ووعيده الشديد بأنه سيصيبهم كما اصاب غيرهم جزاء ظلمهم وكسبهم الفاسد.

.تفسير الآيات (53- 59):

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}

.شرح الكلمات:

{يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم}: أي أفرطوا في الجناية عليها بالإِسراف في المعاصي.
{لا تقنطوا من رحمة الله}: أي لا تيأسوا من المغفرة لكم ودخول الجنة.
{إن الله يغفر الذنوب جميعا}: أي ذنوب من اشرك وفسق إن هو تاب توبة نصوحا.
{وأنيبوا إلى ربكم}: أي ارجعوا إليه بالإِيمان والطاعة.
{وأسلموا له}: أي أخلصوا له أعمالكم.
{واتبعوا أحسن من أنزل إليكم من ربكم}: أي القرآن الكريم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه.
{أن تقول نفس يا حسرتى}: أي نفس الكافر والمجرم يا حسرتي أي ندامتي. {على ما فرطت في جنب الله}: أي في جانب حق الله فلم أطعه كما أطاعه غيري.
{وإن كنت لمن الساخرين}: أي المستهزئين بدين الله تعالى وعباده المؤمنين.
{لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}: أي لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكون إذاً من المؤمنين الذين أحسنوا القصد والعمل.
{بلى قد جاءتك آياتي}: أي ليس الأمر كما تزعم أنك تتمنَّى الهداية بل قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت.

.معنى الآيات:

لقد صح أن أناسا كانوا قد اشركوا وقتلوا وزنوا فكبر عليهم ذلك وقالوا نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يساله لنا هل لنا من توبة فإن قال: نعم، وإلا بقينا على ما نحن عليه وقبل أن يصل رسولهم نزلت هذه الآية: {قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم} أي أفرطوا في ارتكاب الجرائم فكانوا بذلك مسرفين على أنفسهم {لا تقنطوا} أي لا تيأسوا {من رحمة الله} في أن يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة، إن أنتم تبتم إليه وأنبتم {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} لمن تاب منها فإنه تعالى لا يستعصي عليه ذنب فلا يقدر على مغفرته وعدم المؤاخذة عليه إنه هو الغفور الرحيم.
وقوله تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل أن يأتيكم ثم لا تنصرون} أي أيها المذنبون المسرفون أنيبوا غلى ربكم أي ارجعوا إلى طاعته بفعل المأمور وترك المنهي وأسلموا له أي أخلصوا أعمالكم ظاهراً وباطناً مبادرين بذلك حلول العذاب قبل أن يحل بكم ثم لا تنصرون أي لا تقدرون على منعه منكم ولا دفعه عنكم.
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} في هذا القرآن العظيم فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي وخذوا بالعزائم واتركوا الرخص مبادرين بذلك أيضا حلول العذاب قبل أن يحل بكم بغتة أي فجأة وأنتم لا تشعرون به، بادروا بالتوبة والإِنابة والإِسلام الصادق ظرفاً تقول فيه النفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله أي يا حسرتي يا ندامتى الحاملة لي الغم والحزن احضري هذا وقت حضورك على تفريطي في جانب حق الله تعالى حيث ما عبدته حق عبادته فلا ذكرته ولا شكرت له {وإن كنت لمن الساخرين} أي المستهزئين بدينه وعباده المؤمنين يا له من اعتراف يودي بصاحبه في سواء الجحيم، بادروا يا عباد الله هذا وذاك {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لِى كرة} أي رجعة إلى الحياة الدنيا {فأكون من المحسنين} أي المؤمنين الذين أحسنوا النية والقصد والعمل.
قال تعالى: راداً على تمنياتهم الكاذبة {بلى} أي ليس الأمر كما زعمت أيها المتمني بقولك {لو أن الله هداني لكنت من المتقين} للشرك والمعاصي التي وقعت بها في جهنم بل جاءتك آياتي هادية لك مرشدة فكذبت بها واستكبرت عن العمل بما جاء فيها وكنت من الكافرين بذلك.

.من هداية الآيات:

1- بيان فضل الله ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه.
2- دعوة الله الرحيم إلى عباده المذنبين- بالإنابة إليه والإِسلام الخالص له.
3- تقرير البعث والجزاء بذكر ما يحدث فيه وما يجرى في ساحته من أهوال.
4- وجوب تعجيل التوبة والمبادرة بها قبل حلول العذاب في الدنيا أو الموت والموت أدهى وأمر حيث لا تقبل توبة بعد الموت أبداً.
5- الترغيب في الأخذ بالعزائم وترك الرخص لغير ضرورة.
6- إبطال مذهب الجبرية الذين يرون أنهم مجبورون على فعل المعاصي وغشيان الذنوب، كقول أحدهم لو أن الله هداني لفعلت كذا أو تركت كذا.
7- فضل التقوى والإِحسان وفضل المتقين والمحسنين.

.تفسير الآيات (60- 66):

{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)}

.شرح الكلمات:

{ويوم القيامة}: أي بأن يبعث الناس من قبورهم.
{ترى الذين كذبوا على الله}: أي باتخاذ أولياء من دونه وبالقول الكاذب عليه سبحانه وتعالى.
{وجوههم مسودة}: أي سوداء من الكرب والحزن وعلامة على أنهم من هل النار وأنهم ممن كذبوا على ربهم.
{أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}: أي أليس في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين؟ بلى إن لهم فيها لمثوى بئس هو من مثوى للمتكبرين عن عبادة الله تعالى.
{وينجي الله الذين اتقوا}: أي ينجيهم من النار بسبب تقواهم للشرك والمعاصي.
{بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون}: أي بفوزهم بالجنة ونزولهم فيها لا يمسهم السوء أي العذاب ولا هم يحزنون لما نالهم من النعيم.
{له مقاليد السموات والأرض}: أي مفاتيح خزائن السموات والأرض.
{أولئك هم الخاسرون}: أي الخاسرون لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
{قل أفغير الله تأمروني أعبد}: قل يا رسولنا للذين طلبوا منك أن تعبد معهم آلهتهم أتأمروني بعبادة غير الله، فهل تصلح العبادة لغيره وهو رب كل شيء وإلهه فما أسوأ فهمكم أيها الجاهلون.
{لئن اشركت}: أي من باب الفرض لو اشركت بالله غيره في عبادته لحبط عملك ولكنت من الخاسرين.
{بل الله فاعبد وكن من}: أي بل أعبد الله وحده، إذ لا يستحق العبادة إلاَّ هو {وكن من الشاكرين} الشاكرين له على إنعامه عليك بالنبوة والرسالة والعصمة والهداية.

.معنى الآيات:

لقد تقدم في السياق الأمر بتعجيل التوبة قبل الموت فيحصل الفوت، وذلك لأن يوم القيامة يوم أهوال وتغير أحوال وفي الآيتين الآتيتين بيان ذلك قال تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله} بأن نسبوا إليه الولد والشريك والتحليل والتحريم وهو من ذلك براء هؤلاء {وجوههم مسودة} علامة أ، هم كفروا وكذبوا وأنهم من أهل النار.
وقوله تعالى: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} أي بلى في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين الذين تكبروا عن الإِيمان والعبادة. وقوله تعالى: {وينجي الله} أي تلك حال وهذه أخرى وهي أن الله تعالى ينجي يوم القيامة {الذين اتقوا} الشرك والمعاصي بالإِيمان والطاعة هؤلاء بفوزهم بالجنة {لا يمسهُّم السوء} في عرصات القيامة، {ولا هم يحزنون} على ما خلَّفوا وراءهم في الدنيا لأن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى: {الله خالق كل شيء} أي ما من كائن سوى الله تعالى إلا وهو مخلوق والله خالقه {وهو على كل شيء وكيل} أي يم حافظ، فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلا عن أن تجب لسواه.
وقوله تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} أي له ملكا حقاً مفاتيح خزائن الرحمات والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فلا يصح الطلب إلا منه ولا تجوز الرغبة إلا فيه وما عبد الناس الأوثان والصنام إلا رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم لا تكون إلا من الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم لا تكون إلا في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا غير الله تعالى بحال.
وقوله تعالى: {والذين كفروا بآيات الله} الحاوية لإِيمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده وشرائعه ولذا من كفر بآيات الله فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسراناً مبيناً بحيث يخسر يوم القيامة نفسه وأهله، وذلك هو الخسران المبين.
وقوله تعالى: {قل أفغير الله} الآية هذا ردَّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله: {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} لن يكون هذا مني أبداً كيف أعبد غير الله وهو ربي ومالك أمري وهو الذي كرمني بالعلم به وأوحى غليَّ شرائعه. فلتياسوا فإن مثل هذا لن يكون أبداً، ووصفهم بالجهل لأن جهلهم بالله وعظمته هو الذي سول لهم عبادة غيره والتعصب لها.
وقوله تعالى: {ولقد أوحى إليك} أي أوحى الله إليك كما أوحى إلى الأنبياء من قبلك بالتالي وهو وعزة الله وجلاله {لئن اشركت} بنا غير نافي في عبادتنا ليحبطن عملك أي يبطل كله ولا تثاب على شيء منه وإن قل، ولتكونن بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. ثم أمر تعالى رسوله مقرراً التوحيد مبطلاً الشرك بقوله: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} أي الله وحده فاعبده وكن من الشاكرين له على إنعامه وأفضاله عليك.

.من هداية الآيات:

1- إسوداد الوجه يوم القيامة علامة الكفر والخلود في جهنم.
2- ابيضاض الوجوه يوم القيامة علامة الإِيمان والخلود في الجنة.
3- تقرير البعث والجزاء بوصف أحواله وما يدور فيه.
4- بيد الله كل شيء فلا يصح أن يطلب شيء من غيره ابداص، ومن طلب شيئاً من غير الله فهو من أجهل الخلق.
5- التنديد بالشرك وبيان خطورته إذْ هو محبط للأعمال بالكلية.
6- وجوب عبادة الله بفعل أوامره واجتناب نوهيه ووجوب حمده وشكره إذ كل إنعام منه وكل إفضال له. فلله الحمد والمنة.

.تفسير الآيات (67- 70):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)}

.شرح الكلمات:

{وما قدروا الله حق قدره}: أي ما عظموا الله حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته حين أشركوا في عبادته غيره من أوثانهم.
{والأرض جميعا قبضته}: أي والأرض بجميع أجزائها قبضته.
{والسموات مطويات}: أي والسموات السبع مطويات بيمينه.
{سبحانه وتعالى عما يشركون}: أي تقدس وتنزه عما يشرك به المشركون من أوثان.
{ونفخ في الصور}: أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق.
{ثم نفخ فيه أخرى}: أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين.
{واشرقت الأرض بنور ربها}: أي أضاءت الأرض بنور الله تعالى حين يتجلى لفصل القضاء.
{ووضع الكتاب}: أي كتاب الأعمال للحساب.
{وجيئ بالنبين والشهداء}: أي لانبيين ليشهدوا على أممهم، والشهداء محمد صلى الله عليه وسلم، وأمته.
{وقضي بينهم بالحق}: أي بالعدل وهم لا يظلمون لا بنقص حسناتهم ولا بزيادة سيئاتهم.
{وهو أعلم بما يفعلون}: أي أعلم حتى من العاملين أنفسهم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} إنه بعد أن قرر تعالى التوحيد وندد بالشرك والمشركين أخبر تعالى ناعياً على المشركين شركهم ودعوتهم نبيه للشرك بأنهم بفعلهم ذلك ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وذلك لجهلهم به تعالى حين عبدوا معه غيره ودعوا نبيه إلى ذلك، وقوله: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} فالذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته والسموات يطويها بيمينه فالسموات والأرض جميعا في يده، ويقول أنا الملك أين الملوك. فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل أوثان. ولذا نزه تعالى نفسه بقوله: {سبحانه} أي تنزه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد وعن صفات المحدثين، وتعالى عما يشركون أي ترفع عن أن يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه.
وقوله تعالى: {ونفخ في الصور} الآية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلاً وجود من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى، والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعا إذْ هو الموكل بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فهذا استثناء دال على أن بعضا من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة، {ثم نفخ فيه} أي في الصور نفخة {أخرى فإذا هم قيام ينظرون} هذه النفخة تسمى نفخة القيام لله رب العالمين لأجل الحساب وقوله تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب} أي كتاب الأعمال للحساب {وجيء بالنبيّين} ليشهدوا على أممهم وجيء بالشهداء وهم أمة محمد يشهدون على الأمم السابقة بأن رسلها قد بلغتهم دعوة الله، وشهادة أمة محمد قائمة على ما أخبرهم تعالى في كتابه القرآن الكريم أن الرسل قد بلغت رسالات ربها لأممها، ويدل لهذا قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي خياراً عدولا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} وقوله: {وقضي بينهم بالحق} أي وحكم الله تعالى بين العباد بالعدل، ووفي كل نفس ما عملت من خير أو شر، وهو تعالى أعلم بما يفعلون حتى من العاملين أنفسهم ولذا سيكون الحساب عادلاً لا حيف فيه لخلوه من الخطأ والغلط والجهل والنسيان لتنزه البارئ عز وجل عن ذلك.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر عظمة الرب تعالى التي يتنافى معها الشرك به عز وجل في عباداته.
2- تقرير البعث والجزاء بيان أحواله وما يجري.
3- بيان عدالة الله في قضائه بين عباده في عرصات القيامة.
4- فضيلة هذه الأمة بقبولها شاهدة على الأمم التي سبقتها.

.تفسير الآيات (71- 75):

{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}

.شرح الكلمات:

{وسيق الذين كفروا}: أي وساق الملائكة بعنف الذين كفروا.
{إلى جهنم زمراً}: أي جماعات، جماعة المشركين، وجماعة المجرمين وجماعة الظالمين.
{وقال لهم خزنتها}: أي الموكلون بالنار من الملائكة الواحد خازن.
{الم يأتكم رسل}: هذا الاستفهام للتقرير والتوبيخ.
{حقت كلمة العذاب}: أي وجب العذاب للكافرين.
{وسيق الذين اتقوا}: أي وساقت الملائكة بلطف على النجائب الذين اتقوا ربهم أي أطاعوه ولم يشركوا به.
{وفتحت أبوابها}: أي والحال أن أبواب الجنة قد فتحت لاستقبالهم.
{والحمد لله الذي صدقنا وعده}: أي أنجز لنا وعد بالجنة.
{وأورثنا الأرض}: أي ارض الجنة وصورة الإِرث نظراً إلى قوله تعالى في وعده لهم تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً.
{نتبوأ من الجنة حيث نشاء}: أي ننزل من حيث نشاء.
{فنعم أجر العاملين}: أي الجنة.
{حافين من حول العرش}: أي مُحدقين بالعرش من كل جانب.
{يسبحون بحمد ربهم}: أي يقولون سبحان الله وبحمده.
{وقضي بينهم بالحق}: أي وقضي الله بمعنى حكم بين جميع الخلائق بالعدل.
{وقيل الحمد لله رب العالمين}: أي وقالت الملائكة والمؤمنون الحمد لله رب العالمين على استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

.معنى الآيات:

بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل عامل بعمله منكفر ومعاصٍ، أو إِيمان وطاعة قال تعالى مخبراً عن مصير الفريقين {وسيق الذين كفروا} أي ساقتهم الملائكة بشدة وعنف لأنهم لا يريدون الذهاب {إلى جهنم زمراً} أي جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها صوت. وقوله تعالى: {حتى إذا جاءها فتحت أبوابها} إذ كانت مغلقة كأبواب السجون لا تفتح غلا عند المجيء بالسجناء، {وقال لهم خزنتها} قبل الوصول إليها موبخين لهم {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم} أي المبينة لكم الهدى من الضلال والحق من الباطل، وما يحب ربكم من العقائد والأقوال والأعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك، ويدعوكم إلى فعل المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا. فأجابوا قائلين بلى أي جاءتْنا بالذي قلتم ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ونحن منهم فوجب لنا العذاب، وعندئذ تقول لهم الملائكة ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس أي جهنم مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى.
وقوله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة} وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السلام زمراً زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء وزمرة الصلوات.... {حتى إذا جاؤها} وقد فتحت أبوابها من قبل لاستقبالهم مُعَزَزين مكرمين، فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في دار السلام فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لأهل النار.
وقوله لهم فادخلوها أي الجنة حال كون خلودكم مقدراً لكم يها. فقالوا بعد دخولهم ونزولها في قصورها الحمد لله الذي صدقنا وعده يعنون قوله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا} وقولهم {وأورثنا الأرض} أي أرض الجنة نتبوأ نها حيث نشاء أي ننزل منها حيث نريد النزول، وفي قولهم أورثنا الأرض غشارة إلى أنهم ورثوها من ابويهم آدم وحواء إذ كانت لهم قبل نزولهما منها. وقولهم فنعم أجر العالملين أي الجنة والمراد من العمل الإِيمان والتقوى في الدنيا بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقوله تعالى: {وترى الملائكة} أيها الرائي {حافين من حول العرش} أي محدقين بعرض الرحمن أي سريره {يسبحون بحمد ربهم} أي قائلين: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. قال تعالى مخبراً عن نهاية الموقف:
{وقضي بينهم بالحق} أي وقضى الله بين الخلائق بالعدل، ولما استقر أهل النار وأهل الجنة حُمدَ الله على الاستقرار التام والحكم العادل الرحيم وقيل الحمد لله رب العالمين أي حمدت الملائكة ربها وحمده معهم المؤمنون وهم في دار النعيم المقيم.

.من هداية الآيات:

1- بيان إهانة أهل النار بسوقهم على أرجلهم بعنف وتأنيبهم وتوبيخهم.
2- التنديد بالاستكبار عن عبادة الله تعالى، وعبادة المؤمنين به، المتقين له.
3- بيان اكرام الله تعالى لأوليائه إذ يُحملون على نجائب رحالها من ذهب إلى الجنة، ويلقون فيها تحية وسلاما. تحية احترام وإكرام، وسلام أمان من كل مكروه.
4- بيان نهاية الموقف باستقرار أهل النار من الكفار والفجار في النار، واستقرار أهل الجنة من المؤمنين الاتقياء الأبرار في الجنة دار الأبرار.
5- ختم كل عمل بالحمد فقد ابتدأ الله الخالق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وختم بالحمد، وقيل الحمد لله رب العالمين.