فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (10- 12):

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}

.شرح الكلمات:

{وما اختلفتم فيه من شئ}: أي من أمور الدين والدنيا مع الكفار أو مع المؤمنين.
{فحكمه إلى الله}: هو الذي يقضي فيه في الدنيا بما ينزل من وحي على رسوله وفي الآخرة إذْ الحكم له دون غيره.
{ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب}: أي قل لهم يا رسولنا ذلكم الحاكم العدل العظيم الله ربي عليه توكلت أي فوضت أمري إليه، وإليه لا إلى غيره ارجع في أمورى كلها.
{فاطر السموات والأرض}: أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.
{جعل لكم من أنفسكم أزواجا}: أي بأن جعلكم ذكراً وأنثى، ومن الأنعام كذلك.
{يذرؤكم فيه}: أي يخلقكم في هذا التدبير وهو من الذكر والأنثى يخرجكم.
{ليس كمثله شيء}: أي ليس مثل الله شيء إذ هو الخالق لكل شيء فلا يكون مخلوق مثله بحال من الأحوال.
{وهو السميع البصير}: أي السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم.

.معنى الآيات:

يقول تعالى وما اختلفتم فيه من شيء من أمور الدين والدنيا أيها الناس فحكمه إلى الله تعالى هو الذي يحكم فيه بالعدل فردوه إليه سبحانه وتعالى فإنه يقضى بينكم بالحق. وهنا أمر رسوله أن يقول للمشركين ذلكم المذكور بصفات الجلال والكمال الحكم العدل الذي يقضى ولا يقضى عليه الله ربي الذي ليس لي رب سواه عليه توكلت ففوضت أمري إليه واثقاً في كفايته وإليه وحده أنيب أي أرجع في أموري كلها، ثم واصل ذكر صفاته الفعلية فقال فاطر السموات والأرض أي خالق السموات السبع والأرض مبدعهما من غير مثال سابق {جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} إذْ خلق حواء من ضلع آدم ثم جعلكم تتناسلون من ذكر وأنثى ومن الأنعام أزواجاً أيضا وهما الذكر والأنثى وقوله: {يذروكم فيه} أي يخلقكم فيه أي في هذا النظام نظام الذكر والأنثى كأن الذكورة والأنوثة معمل من المعامل يتم فيه خلق الإِنسان والحيوان فسبحان الهخلاق العليم.
وقوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} هذا تعريف عرف تعالى به نفسه ليعرف بين عباده وهو أنه عزو جل ليس مثله شيء أي فلا شيء مثله فعرف بالتفرد بالوحداينة فالذي ليس له مثل ولا مثله شيء هو الله ذو الأسماء الحسنى والصفات العليا وهو السميع لكل الأصوات العليم بكل الكائنات.
وقوله تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} أي له مفاتيح خزائن السموات والأرض، وله مغاليقها فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً ويضيق ابتلاء، لأنه بكل شيء عليم فلا يطلب الرزق إلاَّ منه، ولا يلجأ فيه إلا إليه.

.من هداية الآيات:

1- وجوب ردّ ما اختلف فيه إلى الله تعالى ليحكم فيه وهو الرد إلي الكتاب والسنة.
2- وجوب التوكل عليه والإِنابة إليه في كل الأمور.
3- تنزيه الله تعالى عن مشابهته لخلقه مع وجوب الإِيمان باسمائه الحسنى وصفاته العليا.
4- وجوب الإِيمان بأن الله هو الرزاق بيده مفاتح خزائن الأرزاق فمن شاء وسع عليه، ومن شاء ضيق، وأنه يوسع لحكمه ويضيق لأخرى.

.تفسير الآيات (13- 14):

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}

.شرح الكلمات:

{ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك}: أي شرع لكم من الدين الذي وصى به نوحا والذي أوحينا إليك به إليك.
{وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى}: أي والذي وصينا باقي أولى العزم وهم إبراهيم وموسى وعيسى وهو أن يعبدوا الله وحده بما شرع من العبادات.
{أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}: أي بأن اقيموا الدين الذي شرع لكم ولا تضيعوه ولا تختلفوا فيه.
{كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}: أي عظم على كفار قريش ما تدعوهم إليه وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله.
{الله يجتبي إليه من يشاء}: أي يختار إلى الإِيمان به والعمل بطاعته من يريده لذلك.
{ويهدي إليه من ينيب}: أي ويوفق لطاعته من ينيب إليه في أموره ويرجع إليه في جميع شأنه، بخلاف المعرضين المستكبرين.
{بغيا بينهم}: أي حملهم البغي على التفرق في دين الله.
{ولولا لكمة سبقت من ربك}: أي ولولا ما قضى الله به من تأخير العذاب على هذه الأمة غلى يوم القيامة.
{لقضى بينهم}: أي لحكم الله بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين.
{وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم}: أي وان الذين أورثوا الكتاب من بعد الأولين وهم اليهود والنصارى ومشركو العرب.
{لفي شك منه مريب}: أي لفي شك مما جئتهم به من الدين الحق وهو الإِسلام.

.معنى الآيات:

يخاطب تعالى رسوله والمؤمنين فيقول وقوله الحق: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً} إذ هو أول حامل شريعة من الرسل والذي أوحينا إليك يا محمد {وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} من أولى العزم من الرسل {أن أقيموا الدين} وهو دين واحد قائم على الإِيمان والتوحيد والطاعة لله في أمره ونهيه وإقامة ذلك بعدم التفريط فيه أو في شيء منه، وعدم التفرق فيه، لأن التفرق فيه بسبب تضيعه كلا أو بعضاً.
وقوله تعالى: {كبر على المشركين من كفار قريش ما تدعوهم إليه} أي عظم عليهم ولم يطيقوا حمله ما تدعوهم إليه من عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام، إذاً فادعهم واصبر على اذاهم والله يجتبي إليه يختار للإِيمان به وعبادته من يشاء ممن لا يصرون على الباطل، ولا يستكبرون عن الحق إذا عرفوه، ويهدى إليه أي ويوفق لطاعته مَنْ مِنْ شأنه الإِنابة والرجوع إلى ربّه في أموره كلها.
وقوله تعالى: {وما تفرقوا} أي وما تفرق العرب واليهود والنصارى في دين الله فآمن بعض وكفر بعض الأمن بعد ما جاءهم العلم الصحيح يحمله القرآن الكريم ونبيّه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. والحامل لهم على ذلك هو البغي والحسد. وقوله ولولا كلمة سبقت من ربك وهو عدم معالجة هذه الأمة المحمدية بعذاب الإِبادة والاستئصال، وترك عذابهم إلى يوم القيامة لولا هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلافهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين.
وهو معنى قوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمي لقضي بينهم} أي فرغ منهم بالفصل بينهم بإهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين.
وقوله تعالى: {وان الذين أورثوا الكتاب من بعدهم} أي من بعد اليهود والنصارى وهم العرب إذْ أنزل الله فيهم كتابه القرآن الكريم لفى شك منه أي من القرآن والنبي والدين الإِسلامي مريب أي بالغ الغاية في الريبة والاضطراب النفسى، كما ان اللفظ يشمل اليهود والنصارى إذ هم أيضا ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلا في شك من القرآن ونبيّه والإِسلام وشرائعه.

.من هداية الآيات:

1- دين الله واحد وهو الإِيمان والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- حرمة الاختلاف في دين الله المسبب تضييع الدين كلا أو بعضا.
3- مرد التفرق في الدين إلى الحسد والبغى بين الناس، فلو لم يحسد بعضهم بعضا ولم يبغ بعضهم على بعض لما تفرقوا في دين الله ولأقاموه متجميعن فيه.

.تفسير الآيات (15- 16):

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)}

.شرح الكلمات:

{فلذلك فادع}: أي فالى ذلك الدين الذي شرع الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك يا محمد فادع عباد الله.
{واستقم كما أمرت}: أي استقم على العمل به ولا تزغ عنه واثبت عليه كما أمرك الله.
{ولا تتبع أهواءهم}: أي ولا تتبع أهواء المشركين وأهل الكتاب فتترك الحنيفية التي بعثت بها فإنها الحق.
{وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب}: أي ولست كالذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
{وأمرت لأعدل بينكم}: أي أمرني ربي أن أحكم بينكم بالعدل الذي هو خلاف الجور.
{الله ربنا وربكم}: أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم وإلهنا وإلهكم.
{لنا أعمالنا ولكم أعمالكم}: وسيجزى كل منا بعمله خيراً كان أو شراً.
{لا حجة بيننا وبينكم}: أي ما هناك حاجة إلى المحاجة الآن بعد ظهور الحق.
{الله يجمع بيننا}: أي يوم القيامة.
{والذين يحاجون في الله}: أي جادلون في دين الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
{من بعد ما أستجيب له}: أي بالإِيمان لظهور معجزته وهم اليهود.
{حجتهم داحضة}: أي باطلة عند ربهم.
{وعليهم غضب}: أي من الله ولهم عذاب شديد يوم القيامة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {فلذلك فادع} أي فإلى ذلك الدين الحق الذي هو الإِسلام الذي شرعه الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين الله الذي لا يقبل دينا سواهن ولا يكمل الإِنسان في أخلاقه ومعارفه وأدابه ولا يسعد في الدارين إلا عليه واستقم عليه كما أمرك ربك، فلا تزغ عنه ولا تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ولا تتبع أهواء المشركين ولا أهواء أهل الكتاب. وقل في صراحة ووضوح آمنت بما أنزل الله من كتاب فلا أُومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى، وقل لهم أمرنى ربى أن أعدل بينكم في الحكم إذا تحاكمتم إليَّ، كما أنى لا أفرق بينكم إذا اعتبركم على الكفر سواء فكل منلم يكن على الإِسلام الذي كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذى عليه أنا واصحابي اليوم فهو كافر من أهل النار.
وقوله تعالى: {الله ربنا وربكم} أي أمرنى أن أقول لكم هذا الله ربنا وربكم إذْ لا رب سواه فهو رب كل شيء ومليكه، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وسَيُجْزى كل منا بعمله السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها، غلا أن الكافر لا تكون له حسنة مادام قد كفر باصل الدين فلم يؤمن بالله ولقائه، ولا بوحيه ولا برسوله وقوله: {لا حجة بيننا وبينكم} أي اليوم إذ ظهر الحق ولاح الصبح لذي عينين فلا داعى إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى الله يجمع بيننا يوم القيامة إذ المصير في النهاية إليه لا إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضى لأهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضى لأهل الباطل بالنار والخلود فيها.
وقوله تعالى: {والذين يحاجون في الله} أي في دين الله النبي والمؤمنين يريدون أن يردوهم غلى باطلهم من بعد ما استجيب للرسول ودخل الناس في دين الله افواجاً، هؤلاء حجتهم داحضة عند ربهم أي باطلة، وعليهم غضب أي من ربهم ولهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة هذه الآية نزلت في يهود بالمدينة نصبوا أنفسهم خصوماً لصحاب رسول الله يجادلونهم يريدون تشكيكهم في الإِسلام والعودة بهم إلى وثنية الجاهلية وكان هذا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فرد تعالى عليهم واسكتهم بهذه الآية متوعداً إياهم بالغضب والعذاب الشديد.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الدعوة إلى الإِسلام بين أمم العالم إذ لا نجاة للبشرية إلا بالإِسلام.
2- حرمة اتباع أهواء أهل الأهواء والسير معهم وموافقتهم في باطلهم.
3- وجوب الاستقامة على الإِسلام عقائد وعبادات وأحكام قضائية وآداب وأخلاق.
4- تعين ترك الحجاج والمخاصمة مع أهل الكتاب وكذا أهل الأهواء والبدع لأنا على الحق وهم على الباطل، فكيف نحاجهم إذ الواجب أن يسلموا وكفى.

.تفسير الآيات (17- 21):

{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}

.شرح الكلمات:

{الله الذي أنزل الكتاب الحق}: أي أنزل القرآن متلبساً بالحق والصدق لا يفارقه ابداً.
{والميزان}: أي وأنزل الميزان وهو العدل ليحق الحق.
{وما يدريك لعل الساعة قريب}: أي أيُّ شيء يجعلك تدري قرب الساعة إلا أن يكون الوحي الإِلهي.
{يستعجل بها الذين لا يؤمنون}: أي يطالب المكذبون بها لأنهم لا يخافون ما فيها لعدم إيمانهم به.
{والذين آمنوا مشفقون منها}: أي خائفون وذلك لإِيمانهم فهم لا يدرون ما يكون لهم فيها من سعادة أو شقاء ولذا هم مشفقون.
{ويعلمون أنها الحق}: أي ان الساعة حق واجبة الإِتيان لا محالة.
{إن الذين يمارون في الساعة}: أي إن الذين يجادلون في الساعة شاكين في وقوعها.
{الله لطيف بعباده}: أي برهم وفاجرهم بدليل أنهم يعصونه وهو يرزقهم ولا يعاقبهم.
{من كان يريد حرث الآخرة}: أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة.
{نزد له في حرثه}: أي نضاعف له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.
{ومن كان يريد حرث الدنيا}: أي من كان يريد بعمله متاع الحياة الدنيا من طيباتها.
{نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب}: أي نعطه منها ما قدر له وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب.
{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين}: أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين.
{ما لم يأذن به الله}: أي ما لم يشرعه الله تعالى وهو الشرك.
{ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم}: أي ولولا كلمة الفصل التي حكم الله بها بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأهلكم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنه هو الذي أنزل الكتاب أي القرآن بالحق والصدق وأنزل الميزان وذلك من أجل احقاق الحق في الأرض وغبطال الباطل فيها، فلا يعبد إلا الله ولا يحكم غلا شرع الله وفي ذلك كمال الإِنسانية وسعادتها، وقوله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي أي شيء جعلك تدري قرب الساعة إنّه الوحي الإِلهي لا غير {وقوله يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} أي الذين لا يؤمنون بالبعث الآخر والجزاء فيه هم الذي يكالبون بإتيانها في غير وقتها ويستعجلون الرسول بها بقولهم متى الساعة؟ أما المؤمنون بالبعث والجزاء فإنهم مشفقون أي خائفون من وقوعها لأنهم لا يدرون مصيرهم فيها ولا يعلمون ما هم صائرون إليه من سعادة أو شقاء وقوله: {ويعلمون أنها الحق} أي والمؤمنون يعلمون أن الساعة حق واجبة الوقوع ليحكم الله فيها بين عباده ويجزى كل واحد بعمله، ويقتصُّ فيها من المظلوم للظالم فلذا هي واقعة حتما لا تتخلف ابداً.
وقوله تعالى: {ألا إن الذين يمارون في الساعة لفى ضلال بعيد} يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأن الذين يشككون في الساعة ويجادلون في صحة وقوعها في ضلال عن الهدى والصواب والرشد، بعيد لا يرجى لهم معه العودة إلى الصواب والهدى في هذه المسالة من مسائل العقيدة.
وقوله تعالى: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز} يخبر تعالى بأنه ذو لطف بعباده مؤمنهو وكافرهم برهم وفاجرهم يكفر به الكافرون ويعصيه العاصون وهو يطعمهم ويسقيهم ويعفو عنهم ولا يهلكهم بذنوبهم فهذا من دلائل لطفه بهم. يرزق من يشاء أي يوسع الرزق على من يشاء ويقدر على من يشاء حسب ما تقتضيه تربيتهم فلا يدل الغنى على الرضاء ولا الفقر على السخط. وهو تعالى القوى القادر الذي لا يعجزه شيء العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه وقوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه}، وهذا من مظاهر لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الآخرة وما أثعد الله فيها للمؤمنين المتقين نزد له في حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر إلى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان يريد بعمله حرث الدنيا أي متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلاً وجعله مقدوراً له لابد نائله، وماله في الآخرة من نصيب لأنه لم يعمل لها فلاحظ ولا نصيب له فيها إلا النار وبئس القرار.
وقوله تعالى في الآية (21): {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله} يقول أللمشركين من كفار قريش شركاء من الشياطين شرعوا لهم دينا وهو الشرك لم يأذن به الله، وهذا إنكار عليهم، واعلان غضب شديد من أجل شركهم الذي زينته لهم الشياطين فصرفتهم عن الدين الحق إلى الدين الباطل، ولذا قال: ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم أي ولولا أنه تعالى قضى بأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لعذبهم في الدنيا وأهلكهم فيها قبل الآخرة، وذلك لاتخاذهم ديناً لم يشرعه لهم، وقوله تعالى: {وإن الظالمين} أي المشركين لهم عذاب أليم أي موجع وذلك يوم القيامة وهذا وعيد للمشركين الذين اتخذوا الجاهلية والشرك وعبادة الأوثان دينا وأعرضوا عن دين الله الذي أوصى به نوحا وأوحاه إلى محمد خاتم رسله، كما أوصي به إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.

.من هداية الآيات:

1- بيان بعض الحكمة في إنزال الكتاب أي القرآن والميزان وهو أن يحكم الناس بالقسط.
2- بيان قرب الساعة وأن معرفة قربها كان بالوحي الإِلهي مثل اقترب للناس حسابهم.
3- المستعجلون بالساعة هم الكافرون الجاحدون لها.
4- بيان لطف الله بعباده فله الحمد وله المنة والشكر.
5- بيان وجوب إصلاح النيات فإن مدار العمل قبولاً ورفضا بحسبها.
6- حظر التشريع بجميع أنواعه عن غير الله ورسوله.

.تفسير الآيات (22- 26):

{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}

.شرح الكلمات:

{ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا}: أي ترى أيها المرء الظالمين يوم القيامة خائفين من جزاء ما عملوا.
{وهو واقع بهم}: أي وهو أي جزاء ما كسبوا من الباطل والشرك نازل بهم معذبون به لا محالة.
{والذين آمنوا وعملوا الصلحات}: آمنوا بالله ولقائه وآياته ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحارم.
{في روضات الجنات}: أي هم في روضات الجنات، والروضة في الجنة أنزه مكان فيها.
{لهم ما يشاءون عند ربهم}: أي لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم في جوار ربهم.
{قل لا أسالكم عليه أجراً}: أي قل يا رسولنا لقومك لا أسألكم على التبليغ أجراً أي ثواباً.
{إلا المودة في القربى}: أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي فتمنعوني حتى أبلغ رسالتى.
{ومن يقترف حسنة}: أي ومن يكتسب حسنة بقول أو عمل صالح.
{نزد له فيها حسنا}: أي نضاعفها له أضعافاً.
{أم يقولون افترى على الله كذبا}: أي أيقول هؤلاء المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فنسب إليه القرآن وهو ليس بكلامه ولا بوحيه.
{فان يشاء الله يختم على قلبك}: أي إن يشإ الله تعالى يطبع على قلبك وينسيك القرآن ان الله قادر على أن يمنعك من الافتراء عليه كما زعم المشركون.
{ويمحو الله الباطل ويحق الحق}: أي إن من شأن الله تعالى أنه يمحو الباطل.
{بكلماته}: أي بالآيات القرآنية وقد محا الباطل وأحق الحق بالقرآن.
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}: أي هو تعالى الذي يقبل توبة التائبين من عباده.
{ويعفو عن السيئات}: أي لا يؤاخذ بها من تاب منها فهذا هو الإِله الحق لا الأصنام التي ليس لها شيء مما هو لله ألبتة.
{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات}: أي ويجيب تعالى عباده الذين آمنوا به وعملوا الصالحات إلى ما دعوه فيه فيعطيهم سؤلهم.
{ويزيدهم من فضله}: أي يعطيهم ما سألوا ويعطهم ما لم يسألوه من الخير.
{والكافرون لهم عذاب شديد}: أي والكافرون بالله ورسوله ولقاء الله وآياته لهم عذاب شديد.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله ترى الظالمين يوم القيامة مشفقين أي خائفين مما كسبوا أي من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي، وهو أي العذاب واقع بهم نازل عليهم لا محالة وقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير} أي في الوقت الذي يكون فيه الظالمون مشفقين مما كسبوا يكون الذين آمنوا بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد رسولا وعملوا الصالحات من الفرائض والنوافل بعد اجتناب الشرك والكبائر في روضات الجنات وهى أنزهها وأحسنها لهم ما يشاءون من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين كل ذلك في جوار رب كريم وقوله تعالى: {ذلك هو الفضل الكبير} أي ذاك الذي أخبر تعالى به أنهم فيه من روضات الجنات وغيره هو الفضل الكبير الذي تفضل الله تعالى عليه به.
وقوله في الآية الثانية (23): {ذلك الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي ذلك المذكور من روضات الجنات وغيره هو الذي يبشر الله تعالى به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات في كتابه وعلى لسان رسوله.
وقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه من المشركين لا أسألكم على إبلاغي إياكم دعوة ربي إلى الإِيمان به وتوحيده لتكملوا وتسعدوا أجراً أي مالاً لكن اسألكم أن تودوزا قرابتي منكم فلا تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى ابلغ دعوة ربي.
وقوله تعالى: {ومن يقترف حسنة} أي من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا بأن نضاعفها له إذ الله غفور للتائبين من عباده شكور للعاملين منهم فلا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقوله: {أم يقولون أفترى على الله كذبا} أي بل يقولون افترى على الله كذباً أي يقول المشركون إن محمداً افترى على الله كذبا فادعى أن القرآن من كلام الله ووحيه وما هو إلا افتراء افتراه على الله. فأبطل الله تعالى هذه الجعوة وقال: {فإن يشأ الله يختم على قلبك} أي يطبع على قلبك فتنسى القرآن ولا تقدر على قوله والنطق به، فكيف إذا يقال إنه يفترى على الله كذباً والله قادر على منعه والإِحالة بينه وبين ما يقوله. وقوله: {ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور} هذا شأنه تعالى يمحو الباطل ويحق الحق بالقرآن وقد فعل فَمَحَا الباطل وأحق الحق فمامات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الجزيرة من يعبد غير الله تعالى. وقوله: {إنه عليم بذات الصدور} فلواسع علمه وعظيم قدرته محا الباطل وأحق الحق بالقرآن ولو كان القرآن مفترى ما محا باطلاً ولا أحق حقاً وقوله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} أي إن تابوا إليه وأنابوا، ويعفو عن سيئاتهم فلا يؤاخذهم بها، ويعلم ما يفعلون في السر والعلن ويجزى كلاً بما عمل وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه ويزيدهم من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأما الكافرون فلهم عذاب شديد.

.من هداية الآيات:

1- تقرير حق القرابة ووجوب المودة فيها. واحترام قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديرها.
2- تبرئة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الافتراء على الله عز وجل.
3- مضاعفة الحسنات، وشكر الله للصالحات من أعمال عباده المؤمنين.
4- وجوب التوبة وقبول الله تعالى لها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة.
وللتوبة ثلاثة شروط. الاقلاع الفورى عن المعصية، والاستغفار، والندم على ما فعل من المعصية بترك الواجب أو بفعل المحرم. وإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي زاد شرط رابع وهو التحلل من الآدمي بآداء الحق أو بطلب العفو منه.
5- وعد الله تعالى باستجابة دعاء المؤمنين العاملين للصالحات وهم أولياء الله تعالى الذين أن سألوا أعطاهم وإن استعاذوه أعاذهم وإن استنصروه نصرهم. اللهم اجعلنا منهم وأحشرنا في زمرتهم.