فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (17- 22):

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}

.شرح الكلمات:

{كذبت عاد}: أي نبيها هوداً عليه السلام فلم تؤمن به ولا بما جاء به.
{فكيف كان عذابي ونذر}: أي فكيف كان عذابي الذي أنزلته بهم وإنذارى لهم كان أشد ما يكون.
{إنا أرسنا عليهم ريحا صرصراً}: أي ريحا عاتية ذات صوت شديد.
في يوم نحس مستمر: أي في يوم نحسٍ أي شؤم مستمر دائم الشؤم قوِيَّة حتى هلكوا.
{تنزع الناس كأنهم أعجاز}: أي تقتلعهم من الحفر التي اندسوا فيها وتصرعهم فتدق رقابهم.
{نخل منقعر}: منفصلة أجسامهم كأنهم والحال كذلك أعجاز أي أصول نخل منقلع.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر}: أي سهلنا القرآن للحفظ والتذكير والتذكر به.
{فهل من مدّكر}: أي تذكروا يا عباد الله بالقرآن فإن منزله سهَّله للتذكير.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {كذبت عادٌ} هذا القصص الثاني في هذه السورة يذكر بإيجاز تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديداً لقومه المكذبين وذكرى للمؤمنين فقال تعالى كذبت عاد أي قوم هود كذبوا رسول الله هوداً عليه السلام وكفرا بما جاءهم به من التوحيد والشرع وقالوا ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فأرسل تعالى عليهم ريحاً صرصراً ذات صوت شديد في يوم نحس وكان مساء الأربعاء لثمان خلون من شهر شوال مستمر بشدة وقوم وشؤم عليهم مدة سبع ليال وثمانية أيام تنزع تلك الريح الناس وقد دخلوا حفراً تحصنوا بها فتنزعهم منها نزعاً وتخرجهم فتصرعهم فتدق رقابهم فتنفصل عن أجسادهم فيصيرون والحال هذه لطول أجسامهم كأنهم أعجاز نخل منقعر أي إنه كان كأشد ما يكون لعذاب والإِنذار. وقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} أي سهلناه وهيأناه بفضل منا ورحمة للحفظ ولولا هذا التسهيل ما حفظه أحد، وهيئناه للتذكر به. فهل من مذكر أي من متذكر والاستفهام للأمر كأنما قال: فاحفظوه وتذكروا به.

.من هداية الآيات:

1- بيان عقوبة المكذبين لرسول الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة.
2- بيان أن قوة الإنسان مهما كانت أمام قوة الله تعالى هي لا شيء ولا ترد عذاب الله بحال.
3- بيان تسهيل الله تعالى كتابه للناس ليحفظوه ويذكروا به، ويعملوا بما جاء فيه ليكملوا ويسعدوا في الحياتين.

.تفسير الآيات (23- 32):

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}

.شرح الكلمات:

{كذبت ثمود بالنذر}: أي كذبت قبيلة ثمود وهم قوم صالح بالحجر من الحجاز بالرسل لأن النذر جمع نذير وهو الرسول كما هو هنا.
{فقالوا أبشر منا واحداً نتبعه}: أي كيف نتبع بشراً واحداً منا إنكاراً منهم للايمان بصالح عليه السلام.
{إنا إذاً لفى ضلال وسعر}: أي إنا إذا اتبعناه فيما جاء به لفي ذهاب عن الصواب وجنون.
{أألقى عليه الذكر من بيننا}: أي لم يوح إليه من بيننا أبداً وإنما هو كذاب أشر.
{بل هو كذاب أشر}: أي فيما ادّعى أنه ألقى إليه من الوحي أشرٌ بمعنى متكبر.
{ستعلمون غدا}: أي في الآخرة.
{من الكذاب الأشر}: وهو هم المعذبون يوم القيامة بكفرهم وتكذيبهم.
{إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم}: أي إنا مخرجوا الناقة من الصخر ومرسلوها لهم محنة.
{فارتقبهم واصطبر}: أي انتظر وراقب ماذا يصنعون وما يصنع بهم، واصبر على أذاه.
{ونبئهم أن الماء قسمة بينهم}: أي ماء بئرهم مقسوم بينهم وبين الناقة فيوم لها ويوم لهُم.
{كل شرب محتضر}: أي كل نصيب من الماء يحضره قومه المختصون به الناقة أو ثمود.
{فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر}: أي فملوا ذلك الشرب وسئموا منه فنادوا صاحبهم وهو قدار بن سالف ليقتلها فتعاطى السيف وتناوله فعقر الناقة أي قتلها.
{إنا أرسنا عليهم صيحة واحدة}: هي صيحة صباح السبت فهلكوا.
{فكانوا كهشيم المحتظر}: أي صاروا بعد هلاكهم وتمزق أجسادهم كهشيم المحتظر وهو الرجل يجعل في ظهيرة غنمه العشب اليابس والعيدان الرقيقة يحظر بها لغنمه ويحفظها من البرد والذئاب.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {كذبت ثمود بالنذر} هذا القصص الموجز الثالث وهو قصص ثمود قوم صالح فقال تعال في بيانه {كذبت ثمود بالنذر} أي التي أنذرها نبيها صالح وهي ألوان العذاب كما كذبته فيما جاء به من الرسالة فقالوا في تكذيبهم له عليه السلام: {أبشراً منا واحدا نتبعه} أي كيف يتم ذلك منا ويقع؟ عجبٌ هذا إنا إذاً لفي ضلال وسعر إنا إذا اتبعناه وهو واحد لا غير ومنا أيضا فهو كغيره من أفراد القبيلة لفى بعد عن الصواب وذهاب عن كل رشد، وسعر أي وجنون أيضا، وقالوا مستنكرين متعجبين {أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذَّاب أشر} أي متكبر.
قال تعالى رداً عليهم سيعلمون غدا يوم ينزل بهم العذاب ويوم القيامة أيضا من الكذاب الأشر أصالح أم هم، لن يكونوا إلا هم فهم الذين أخذتهم الصحية فأصحبوا في ديارهم جاثمين.
وقوله تعالى: {إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم} أي كما طلبوا إذا قالوا لصالح إن كنت رسول الله حقا فسله يخرج لنا من هذه الصخرة في هذا الجبل ناقة فقام يصلى ويدعوا وما يزال يصلى ويدعو حتى تمخض الجبل وخرجت منه ناقة عشراء آية في القوة والجمال، وقال لهم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم أليم.
ومعنى فتنة لهم أي امتحاناً واختباراً لهم هل يمؤمنون أو يكفرون، ولذا قال تعالى لصالح فارتقبهم واصطبر أي انظر إليهم وراقبهم من بُع واصطبر على أذاهم. ونبئهم أي أخبرهم بأمرنا أن الماء ماء بئرهم الذي يشربون منه قسمة بينهم أي مقسوم بينهم للناقة يوم وللقبيلة يوم، وقوله كل شرب محتضر أي كل نصيب خاص بصاحبه يحضره دون غيره. وما تشربه الناقة من الماء نحيله إلى لبن خالص وتقف عند كل باب من أبواب المدينة ليحلبوا من لبنها وطالت المدة وملوا اللبن والسعادة فنادوا صاحبهم غدار بن سالف عاقر الناقة فتعاطى السيف وتناوله وعقرها بضرب رجليها بالسيف ثم ذبحها. وقوله تعالى: {فكيف كان عذابي} الذي أنزلته بهم بعد عقر الناقة كيف كان إنذارى لهم أما العذاب فقد كان إليما وأما الإنذار فقد كان صادقاً، والويل للمكذبين. وهذا بيانه قال تعالى: {إنا أرسلنا عليهم صحية واحدة} هي صيحة جبريل عليه السلام فانخلعت لها قلوبهم فاصبحوا في ديارهم جاثمين {كهشيم المحتظر} أي ممزقين محطمين مبعثرين هنا وهنا كحطب وخشب وعشب الحظائر التي تجعل للأغنام.
وقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر} يدعو الله تعالى هذه الأمة إلى كتابه قراءة وحفظاً وتذكراً فإِنه مصدر كمالهم وسعادتهم لاسيما وقد سهله وهيأه لذلك. ولا يهلك على الله الا هالك.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله في إهلاك المكذبين.
2- بيان أن الآيات لا تستلزم الإِيمان والا فآية صالح من أعظم الآيات ولم تؤمن بها قو ثمود.
3- أشقى أمة الإِسلام عقبة بن أبي مُعيط الذي وضع سلى الجزور على ظهره الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلى حول الكعبة، وعاقر ناقة صالح غدار بن سالف ما جاء في الحديث.
4- دعوة الله إلى حفظ القرآن والتذكير به فإنه مصدر الإِلهام والكمال والإِسعاد.

.تفسير الآيات (33- 43):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)}

.شرح الكلمات:

{كذبت قوم لوط بالنذر}: كذبت قوم لوط بالنذر التي أنذرهم بها وخوفهم منها لوط عليه السلام.
{إنا أرسلنا عليهم حاصبا}: أي ريحاً ترميهم بالحصباء وهي الحجارة الصغيرة فهلكوا.
{إلا آل لوط نجيناهم بسحر}: أي بِنتاهُ وهو معهم نجاهم الله تعالى من العذاب حيث غادروا البلاد قبل نزول العذاب بها.
{نعمة من عندنا}: أي إنعاماً منا عليه ورحمة منا بهم.
{كذلك نجزى من شكر}: أي مثل هذا الجزاء بالنجاة من الهلاك نجزى من شكرنا بالإِيمان والطاعة.
{ولقد أنذرهم بطشتنا}: أنذرهم لوط أي خوفهم أخذتنا إياهم بالعذاب.
{فَتَمَارَؤاْ بالنذر}: أي فتجادلوا وكذبوا بالنذر التي أنذرهم بها وخوفهم منها.
{ولقد روادوه عن ضيفه}: أي أن يخلى بينهم وبين ضيفه وهم ملائكة ليخبثوا بهم.
{فطمسنا أعينهم}: أي ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم فكانت كباقى وجوههم.
{ولقد صبحهم بكرة عذابٌ مستقر}: أي نزل بهم بكرة صباحاً عذاب مستقر لا يفارقهم أبداً هلكوا به في الدنيا ويصحبهم في البرزخ ويلازمهم في الآخرة.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر}: أي سهلناه للحفظ والتذكير به والعمل بما فيه.
{فهل من مدّكر}: أي من متذكر فيعمل بما فيه فينجو من النار ويسعد في الجنة.
{ولقد جاء آل فرعون النذر}: أي قوم فرعون الإِنذارات على لسان موسى وهرون عليهما السلام.
{كذبوا بآياتنا كلها}: أي فلم يؤمنوا بل كذبوا بآياتنا التسع التي آتيناها موسى.
{فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر}: أي فأخذناهم بالعذاب وهو الغرق أخذ قوى مقتدر على كل شيء لا يعجزه شيء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر موجز لقصص عدد من الأمم السابقة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين المصرين على الشرك بالله والتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وانذاراً لأهل الشرك والمعاصي في كل زمان ومكان فقال تعالى: {كذبت قوم لوط} وهم أهل قرى سدوم وعمورة كذبوا رسولهم لوطاً بن أخى إبراهيم عليه السلام هاران. كذبوا بالنذر وهى الآيات التي أنذرهم لوط بها وخوفهم من عواقبها.
وقوله تعالى: {إنا أرسلنا عليهم حاصبا} أي لما كذبوا بالنذر وأصروا على الكفر وإتيان الفاحشة أرسلنا عليهم حاصباً ريحاً تحمل الحصباء الحجارة الصغيرة فأهلكناهم بعد قلب البلاد بجعل عاليها سافلها. وقوله تعالى: {إلا آل لوط نجيناهم بسحر} والمراد من آل لوط لوط ومن آمن معه من ابنتيه وغيرهما نجاهم الله تعالى بسحر وهو آخر الليل. وقوله: {نعمة من عندنا} أي كان انجاؤهم إنعاماً منا عليهم ورحمة منا بهم. وقوله تعالى: {كذلك نجزى من شكر} أي كهذا الإِنجاء أي من العذاب الدنيوي نجزى من شكرنا فآمن بنا وعمل صالحاً طاعة لنا وتقربا إلينا وقوله تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا} أي إننا لم نأخذهم بظلم منا ولا بدون سابق إنذار منا لا، لا بل أخذناهم بظلمهم، وبعد تكرر إنذارهم، فكانوا إذا أنذروا تماروا بما أنذروا فجادلوا فيه مستهزئين مكذبين، ومن أعظم ظلمهم أنهم راودوا لوطاً عن ضيفه من الملائكة وهم في صورة بشر، فلما راودوه عنهم ليفعلوا الفاحشة ضربه جبريل بجناحه فطمس أعينهم فأصبحت كسائر وجوههم لا حاجب ولا مقلة ولا مكان للعين بالكلية وقولنا لهم فذوقوا عذابي ونذري أي لأولئك الذين راودوا لوطاً عن ضيفه.
أما باقى الأمة فهلاكهم كان كما أخبر تعالى عنه بقوله: {ولقد صحبهم بكرة} أي صباحاً {عذابٌ مستقر} أي دائم لهم ملازم لا يفارقهم ذاقوه في الدنيا موتاً وصاحبهم برزخاً ويلازمهم في جهنم لا يفارقهم.
وقلنا لهم فذوقوا عذابي ونذر حيث كنتم تمارون وتستهزئون وقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكرى} أي القرآن للحفظ وسهلناه للفهم والاتعاظ به والتذكر فهل من مدّكر أي فهل من متذكر تعظ معتبر فيقبل على طاعة الله متجنباً معاصيه فينجو ويسعد وقوله تعالى: {ولقد جاء آل فرعون النذر} أي قوم فرعون من القبط وجنده منهم كذلك جاءتهم النذر على لسان موسى وأخيه هارون فكذبوا وأصروا على الكفر والظلم، وكذب بآيات الله كلها وهى تسع آيات آتاها الله تعالى موسى أولها العصا وآخرها انفلاق البحر فبسبب ذلك أخذناهم أخذ عزيز غالب لا يمانع في مراده مقتدر لا يعجزه شيء فأغرقناهم أجمعين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته بالتزام وتقرير التوحيد وإثبات النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم. إذ أفعال الله العظيمة من إرسال الرسل والأخذ للظلمة الكافرين بأشد أنواع العقوبات من أجل أن الناس لم يعبدوا ولم يطيعوا دال على ربوبيته وألوهيته، وقص هذا القصص من أميّ لم يقرأ ولم يكتب دال على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- بيان جزاء الشاكرين لله تعالى بالإِيمان به وطاعته وطاعة رسله.
3- مشروعية الضيافة وإكرام الضيف، وفي الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
4- تيسير القرآن وتسهيله للحفظ والاتعاظ والاعتبار.

.تفسير الآيات (44- 46):

{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)}

.شرح الكلمات:

{أكفاركم خير من أولئكم}: أي أكفاركم يا قريش خير من أولئكم الكفار المذكورين من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وملائه؟ فلذا هم لا يعذبون.
{أم لكم براءة في الزبر}: أم لكم يا كفار قريش براءة من العذاب في الزبر أي الكتب الإِلهية.
{أم يقولون نحن جميع منتصر}: أي يقولون أي كفار قريش نحن جميع أي جمع منتصر على محمد وأصحابه.
{سيهزم الجمع ويولون الدبر}: أي سيهزم جمعهم ويولون الدبر هاربين منهزمين وكذلك كان في بدر.
{بل الساعة موعدهم}: أي الساعة موعدهم بالعذاب والمراد من الساعة يوم القيامة.
والساعة أدهى وأمر: أي وعذاب الساعة وأهوالها أي هي أي أعظم بلية وأمر أي أشد مرارة من عذاب الدنيا قطعاً.

.معنى الآيات:

يقول تعالى مبكتا مشركي قريش مؤنباً إياهم وهم الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم يقول الله تعالى لهم: {أكفاركم} يا قريش خير من كفار الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون فلذا هم آمنون من العذاب الذي نزل بكفارة الآخرين، أم لكم براءة من العذاب جاءت في الكتب مسطورة اللَّهم لا ذا ولا ذاك ما كفاركم بخير من أولئكم، وليس لكم براءة في الزبر، وإنما أنتم ممهلون فإما أن تتوبوا وأما أن تؤخذوا.
وقوله تعالى عنهم: {أم يقولون نحن جميع} أي جمع منتصر على كل من يحاربنا ويريد أن يفرق جمعنا نعم قالوا هذا، ولكن سيهزم الجمع ويولون الدبر، وقد تم هذا في بدر بعد سنيات ثلاث أو أربع وهزم جمعهم في بدر وولوا الأدبار هاربين إلى مكة.
وقوله تعالى: {بل الساعة موعدهم} أي الساعة التي ينكرونها ويكذبون بها هي موعد عذابهم الحق أما عذاب الدنيا فهو ليس شيء إذا قيس بعذاب الآخرة. {والساعة أدهى} أي أعظم بلية وأكبر داهية تصيب الإِنسان وعذابها، {وأمر} أي وعذابها أمر من عذاب الدنيا كله.

.من هداية الآيات:

1- بيان حقيقة يغفل عنها الناس وهي أن الكفر كله واحد ومورد للهلاك.
2- لا قيمة أبداً لقوة الإِنسان إزاء قوة الله تعالى.
3- صدق القرآن في إخباره بغيب لما يقع ووقع كما أخبر وهو أية انه وحي الله وكلامه.
4- القيامة موعد لقاء البشرية كافة بحيث لا يتخلف عنه أحد.

.تفسير الآيات (47- 55):

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}

.شرح الكلمات:

{إن المجرمين في ضلال وسعر}: أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في ضلال في الدنيا ونار مستعرة في الآخرة.
{ذوقوا مسَّ سقر}: أي يوم يسحبون في النار على وجوههم يقال لهم ذوقوا مس سقر جهنم.
{إنا كل شيء خلقناه بقدرٍ}: أي إنا خلقنا كل شيء بتقدير سابق لخلقنا له وذلك بكتابته في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض فهو يقع كما كتب كمية وصورة وزمانا ومكاناً لا يتخلف في شيء من ذلك.
{وما أمرن الا واحدة}: أي وما أمرنا إذا أردنا خلق شيء إلا أمرةً واحدة فيتم وجوده.
{كلمح بالبصر}: الشيء بسرعة كلمح البصر وهو النظر بعجلة.
{ولقد أهلكنا اشياعكم}: أي ولقد أهلكنا أمثالكم أيها المشركون من الأمم السابقة.
{فهل من مدّكر}: أي فاذكروا واتعظوا بهذا خيراً لكم من هذا الإِعراض.
{وكل شيء فعلوه في الزبر}: أي وكلما فعله العباد هو مسجل في كتب الحفظة من الملائكة.
{وكل صغيرة وكبيرة مستطر}: أي وكل صغير وكبير من سائر الأعمال والأحداث في اللوح المحفوظ مستطر مكتوب.
{إن المتقين في جنات ونهر}: إن الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره في جنات يشربون من أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المصفى.
{في مقعد صدق}: أي في مجلس حق لا لغو به ولا تأثيم.
{عند مليك مقتدر}: عند مليك أي ذي ملك وسلطا مقتدر على ما يشاء وهو لله جل جلاله.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر} يخبر تعالى عن حال المجرمين وهم الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك وغشيان الذنوب يخبر تحذيراً وإنذاراً بأن المجرمين في ضلال في حياتهم الدنيا، وسعر ونار مستعرة متأججة يوم القيامة يوم يسحبون في النار في وجوههم يقال له ذوقوا تهكماً بهم مسّ سقر تذوقوا العذاب، وسقر طبق من أطباق جهنم وباب من أبوابها وقوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} إعلام منه تعالى عن نظام الكون الذي خلقه تعالى وهو أن كل حادث يحدث في هذا العالم قد سبق به علم الله وتقديره له فحَدَّد ذاته وصفاته وأعماله ومآله إلى جنة أو إلى نارٍ، إن كان انسانا أو جانا وليس هناك شيء يحدث بدون تقدير سابق له وعلم تام به قبل حدوثه.
وقوله تعالى: {وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر} يخبر تعالى عن قدرته كما أخبر عن علمه بأنه تعالى إذا أراد إيجاد شيء في الوجود لم يزد على أمرٍ واحد وهو كن فإذا بالمطلوب يكون كما أراد تعالى أزلاً أن يكون، وبسرعة كسرعة لمح البصر الذي هو نظرة سريعة.
وقوله تعالى وهو يخاطب مشركي قريش: {ولقد أهلكنا أشياعكم} أي أمثالكم في الكفر والعصيان أي من الأمم السابقة {فهل من مدكر} أي متذكر متعظ معتبر قبل فوات الوقت وحصول المكروه من العذاب في الدنيا وفي الآخرة.
وقوله تعالى: {وكل شيء فعلوه} أي أولئك المشركون {هو في الزبر} أي في كتب الحفظة من الملائكة الكرام الكتابين، وكل صغير وكبير من أعمالهم وأعمال غيرهم بل كل حادثةٍ في الأكوان هي مسطرة في اللوح المحفوظ كتاب المقادير.
وقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر} هذا الإِخبار يقابل الإِخبار الأول أن المجرمين في ضلال وسعر فالأول إعلام وتحذير وترهيب وهذا إخبار وبشرى وترغيب حيث أخبر أن المتقين الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره إنهم في جنات بستين ذات قصور وحور، وأنهار وأشجار هم جالسون في مقعد صدق في مجلس حق لا لغو يسمع فيه ولا تأثيم يلحق جالسه عند مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على فعل كل ما يريده سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.

.من هداية الآيات:

1- بيان مصير المجرمين وضمنه تخويف وتحذير من الإِجرام الموبق للإِنسان.
2- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
3- تقرير أن اعمال العباد مدونة في كتب الكرام الكاتبين لا يترك منها شيء.
4- تقرير أن كل صغيرة وكبيرة من أحداث الكون هي في كتاب المقادير اللوح المحفوظ.
5- بيان مصير المتقين مع التغريب في التقوى إذ هي ملاك الأمر وجماع الخير.
6- ذكر الجوار الكريم وهو مجاورة الله رب العالمين في الملكوت الأعلى في دار السلام.