فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (149- 151):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}

.شرح الكلمات:

{إن تطيعوا الذين كفروا}: المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والأخذ بارشاداتهم.
{يردوكم على أعقابكم}: يرجعوكم إلى الكفر بعد الإِيمان.
{خاسرين}: فاقدين لكل خير في الدنيا، ولأنفسكم واهليكم يوم القيامة.
{بل الله مولاكم}: بل اطيعوا لله ربكم ووليكم ومولاكم فإنه خير من يطاع واحق من يطاع.
{الرّعب}: شدة الخوف من توقع الهزيمة والمكروه.
{مأواهم}: مقر إيوائهم ونزولهم.
{مثوى}: المثوى مكان الثوى وهو الإِقامة الاستقرار.
{الظالمين}: المشركين الذين اطاعوا غير الله تعالى وعبدوا سواه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في احداث غزوة أحد فقد روى أن بعض المنافقين لما رأى هزيمة المؤمنين في أحد قال في المؤمنين ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم ولو كان محمد نبياً لما قتل إلى آخر من شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من الاقتراحات التي قد كشف عنها هذا النداء الإِلهي للمؤمنين وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} فلا شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعتهم بتنفيذ بعض الاقتراحات التي ظاهرها النصح وباطنها الغش والخديعة، فنهاهم الله تعالى عن طاعتهم في ذلك وهذا النهي وإن نزل في حالة خاصة فإنه عام في يأمرون به أو يقترحونه، ومن أطاعهم ردّوه عن دينه إلى دينهم فينقلب: يرجع خاسراً في دنياه وآخرته، والعياذ بالله هذا ما تضمنته الآية الأولى (149) وأما الآية الثانية (150) فقد تضمنت الأمر بطاعته تعالى، إذ هو أولى بذلك لأنه ربهم ووليهم ومولاهم فهو أحق بطاعتهم من الكافرين فقال تعالى: {بل الله مولاكم} فاطيعوه، ولا تطيعوا اعداءه وان اردتم أن تطلبوا النصر بطاعة الكافرين فان الله تعالى خير الناصرين فاطلبوا النصر منه بطاعته فإنه ينصركم وفي الآية الثالثة (151) لما امتثل المؤمنون ربهم فلم يطيعوا الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقى في قلوب الكافرين الرعب وهو الخوف والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليه وذلك هو النصر المنشود منكم، وعلل تعالى فعله ذلك بالكافرين بأنهم اشكروا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ولا سلطاناً وقال تعالى: {سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشكروا بالله ما لم ينزل به سلطاناً} وأخيراً مأواهم النار أي محل اقامتهم النار، وذم تعالى الإِقامة في النار فقال ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون.

.من هداية الآيات:

1- تحرم طاعة الكافرين في حال الاختيار.
2- بيان السر في تحريم طاعة الكافرين وهو أنه يترتب عليها الردة والعياذ بالله.
3- بيان قاعدة من طلب النصر من غير الله أذلة الله.
4- وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد القاء الرعب في قلوب أعدائهم، إذ هم أبو سفيان بالعودة إلى المدينة بعد إنصرافه من أحد ليقضي عمن بقى في المدينة من الرجال كذا سولت له نفسه، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير الله تعالى.
5- بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان في الآية إذ الحجة يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها.

.تفسير الآيات (152- 153):

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}

.شرح الكلمات:

{صدقكم الله وعده}: أنجزكم ما وعدكم على لسان رسوله بقوله للرماة اثبتوا اماكنكم فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم.
{تحسونهم}: تقتلونهم إذ الحس القتل يقال حسه إذا قتله فابطل حسّه.
{بإذنه}: بإذنه لكم في قتالهم وبإعانته لكم على ذلك.
{فشلتم}: ضعفتم وجبنتم عن القتال.
{تصعدون}: تذهبون في الأرض فارين من المعركة يقال أصعد إذا ذهب في صعيد الأرض.
{ولا تلوون على أحد}: لا تلوون رؤوسكم على احد تلتفتون إليه.
{والرسول يدعوكم في اخراكم}: أي يناديكم من خلفكم إلى عباد الله ارجعوا إلى عباد الله ارجعوا.
{فأثابكم غما بغم}: جزاكم على معصيتكم وفراركم غماً على غم. والغم الم النفس وضيق الصدر. {ما فاتكم}: من الغنائم.
{ولا ما أصابكم}: من الموت والجراحات والآلام والاتعاب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث احد فقد تقدم في السياق قريبا نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين في كل ما يقترحون، ويشيرون به عليهم. ووعده بأنه سليقى الرعب في قلوب الكافرين وقد فعل فله الحمد حيث عزم ابو سفيان على أن يرجع إلى المدينة ليقتل من بها ويستأصل شأفتهم فأنزل الله تعالى في قلبه وقلوب اتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة ثانية وذهبوا إلى مكة. ورجع الرسول والمؤمنون من حرماء الأسد ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه. وفى هاتين الآيتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث انجزهم منا وعدهم من النصر فقال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه}، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بوأ الرماة مقادهم. وكانوا ثلاثين رامياً وعل عليهم عبد الله بن جبير أمرهم بأن لا يبرحوا أماكنهم كيفما كانت الحال وقال لهم: «إن لا نزال غالبين ما بقيتم في أماكنكم ترمون العدو فتحمون ظهورنا بذلك» وفعلاً دارت المعركة وانجز الله تعالى لهم وعده ففر المشركون امامهم تاركين كل شيء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسَّاً أي يقتلونهم قتلا بإذن الله وتأييده لهم ولما رأى الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم قالوا: ما قيمة بقائننا هنا والناس يغنمون فهَيَّا بنا ننزل إلى ساحة المعركة لنغنم، فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأولوه ونزلوا إلى ساحةالمعركة يطلبون الغنائم، وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد فلما رأى الرماة أَخْلَوْا مراكزهم الا قليلا منهم كرَّ بخيله عليهم فاحتل اماكنهم وقتل من بقى فيها، ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضوا لذلك فعاد المشركون اليهم ووقعوا بين الرماة الناقمين والمقاتلين الهائجين فوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن بينهم حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته وصاح الشيطان قائلا ان محمداً قد مات وفر المؤمنون من ميدان المعركة الا قليلا منهم وفى هذا يقول تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر}، يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول الله فنازعوه في فهمه وخالفوا الأمر ونزلوا، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا واعداءهم قد انهزموا، وهو معنى قوله تعالى: {وعصيتم بعدما أراكم ما تحبون} أي من النصر {منكم من يريد الدنيا} وهم الذين نزلوا إلى الميدان يجمعون الغنائم، {ومنكم من يريد الآخرة} وهم عبد الله بن جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استشهدوا فيها وقوله تعالى: {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} وذلك اخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيرة، والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله: {ليبتليكم} أي يختبركم فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، والصابر من الحزع، وقوله تعالى: {ولقد عفا عنكم} يريد انه لو شاء يؤاخذهم بمعصيتهم امر رسولهم فسلط عليهم المشركين فقتولهم أجمعين ولم يُبقوا منهم أحداً إذ تمكنوا، منهم تماما ولكن الله سلم.
هذا معنى {ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} هذا ما تضمنته الآية الأولى (152) أما الآية الثانية (153) فهي تصور الحال التي كان عليها المؤمنون بعد حصول الانكسار والهزيمة فيقول تعالى: {إذ تصعدون} أي عفا عنكم في الوقت الذي فررتم مصعدين في الأودية هاربين من المعركة {والرسول يدعوكم} من ورائكم: إليّ عباد الله ارجعوا، وأنتم فارون لا تلوون على أحد، ألا تلتفتوا إليه. وقوله تعالى: {فأثابكم غماً بغم} يريد جزاكم على معصيتكم غماّ والغم ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة الحال. وقوله بغم أي على غم، وسبب الغم الأولى فوات النصر والغنيمة والثاني القتل والجراحات وخاصة جراحات نبيّهم، وإذاعة قتله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} أي ما أصابكم بالغم الثاني الذي هو خبر قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة، ولا على ما أصابكم من القتل والجراحات فأنساكم الغم الثاني ما غمكم به الغم الأولى الذي هو فوات النصر والغنيمة. وقوله: {والله خبير بما تعملون} يخبرهم تعالى أنه بكل ما صل منهم من معصية وتنازع وفرار، وترك للنبي صلى الله عليه وسلم في المعركة وحده وانهزامهم وحزنم خبير مطلع عليه عليهم به وسيجزى به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفوا عنه، والله عفو كريم.

.من هداية الآيات:

1- مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة المنكرة.
2- معصية الله ورسوله والاختلافات بين أفراد الأمة تعقب آثاراً سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم وذهاب الدولة السلطان.
3- ما من مصيبة تصيب العبد إلاّ وعند الله ما هو أعظم منها فلذا يجب حمد الله تعالى على أنها لم تكن أعظم.
4- ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة، وبيان ذلك أَنْ عَلِمَ المؤمنون ان النصر والهزيمة يتمان حسب سنن إليهة فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلة يغفلون تلك السنن أو يهملونها.
5- بيان حقيقة كبرى وهى ان معصية الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في واحد ترتب عليها آلام وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وثير فكيف بالذين يعصون رسول الله طوال حياتهم وفى كل أوامره ونواهيه وهم يضحكون ولا يبكون، وآمنون غير خائفين.

.تفسير الآيات (154- 155):

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}

.شرح الكلمات:

{أمنة نعاسا}: الأمنة: الأمن، والنعاس: استرخاء يصيب الجسم قبل النوم.
{يغشى طائفة منكم}: يُصيب المؤمنين ليستريحوا ولا يصيب المنافقين.
{أهمتهم أنفسهم}: أي لا يفكرون إلا في نجاة أنفسهم غير مكترثين بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
{ظن الجاهلية}: هو اعتقادهم ان النبيّ قتل أو أنه لا ينصر.
{هل لنا من الأمر}: أي ما لنا من الأمر من شيء.
{ما لا يبدون لك}: أي مالا يظهرون لك.
{لبرز الذين}: لخرجوا من المدينة ظاهرين ليلقوا مصارعهم هناك.
{كتب عليهم القتل}: يريد كتب في كتاب المقادير أي اللوح المحفوظ.
{مضاجعهم}: جمع مضجع وهو مكان النوم والاضطجاع والمراد المكان الذي صرعوا فيه قتلى.
{ليبتلى}: ليختبر.
{وليمحص}: التمحيص: التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار الإِيمان من النفاق، والحب من الكره.
{استزلهم الشيطان}: أوقعهم في الزلل وهو الخطيئة والتي كانت الفرار من الجهاد.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الآية الأولى (153) عن أمور عظام الأولى أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملا فذهب الخوف عنهم حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله قال تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أَمَنَةً نعاساً يغشى طائفة منك} والثاني ان أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم والغم يُسَيْطر على نفسوهم وهم لا يفكرون إلا في أنفسهم كيف ينجون من الموت وهم المعنيون بقوله تعالى: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} والثالث ان الله تعالى قد كشف عن سرائرهم فقال يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، والمرا من ظنهم بالله غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإِسلام باطل وأن محمداً ليس رسولاً، وان المؤمنين سينهزمون ويموتون وينتهى الإسلام ومن يدعوا إليه. والرابع أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم: {يقولون هل لنا من الأمر من شيء} هذا القو قالوه سراً فيما بينهم، ومعناه ليس لنا من الأمر من شيء ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلعه الله تعالى سرهم وقال له: رد عليهم بقولك: إن الأمر كله لله. ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال: يخفو في أنفسهم ما لا يبدون لك أي يخفون في أنفسهم من الكفر الغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك. والرابع لما تحدث المنافقون في سرهم وقالوا لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا: يريدون لو كان الأمر بأيدهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر، ولا قتلوا مع من قتل في أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: {قل لو كنتم في بيوتكم} بالمدينة {لبرز} أي ظهر {الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجهم} وصرعوا فيها واتوا، لأن قدر الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع القدر.
ولابد أن يتم خروجكم لى أحد بتدبير الله تعالى لبتلى الله أي يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسول والمؤمنون، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصور. هذا معنى قوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور}.
هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية (154) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فرّوا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب الشطيان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة وهي توليّهم عن القتال بسبب بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لأول الذنب والزلة فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة. هذا معنى قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم} أي عن القتال، يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد. إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم فلم يؤاخذهم إن الله غفور حليم.

.من هداية الآيتين:

1- إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذي أنزله في قلوبهم.
2- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم ما أكرم به اولياءه وهم في مكان واحد.
3- تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كتب موته في مكان لابد وأن يموت فيه.
4- أفعال الله تعالى لا تخلو ابداً من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.
5- الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى فلذا وجبت التوبة من الذنب فوراً.

.تفسير الآيات (156- 158):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}

.شرح الكلمات:

{آمنوا}: صدقوا الله ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد.
{إخوانهم}: هذه أخوة العقدية لا أخوة النسب وهى هنا أخوة النفاق.
{ضربوا في الأرض}: ضربوا في الأرض بأقدامهم مسافرين للتجارة غالبا.
{غزى}: جمع غازٍ وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب.
{الحسرة}: ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة ففي هذه الآية (156) ينادى الله المؤمنين الصاقين في إيمانهم بالله ورسوله ووعد الله تعالى ووعيده يناديهم لينهاهم عن الاتصاف بصفات الكافرين النفسية ومن ذلك قول الكافرين لإِخوانهم في الكفر إذا هم ضربوا في الأرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره، لو كانوا عندنا أي ما فارقونا وبقوا في ديارنا وماتوا وما قتلوا وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر، وحسب سنة الله تعالى فإن هذا القول منهم يتولد، لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية تمزقهم وقد تودى بحياتهم، وما درى أولئك الكفرة الجهال أن الله يحيى ويميت، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبناً وخوراً يحيى هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإِخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزًى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت} وقوله تعالى في ختام هذه الآية: {والله بما تعملون بصير} فيه وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الآية ووعيد ان لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيراً، وبالشر إن لم يعف شراً. أما الآية الثانية (157) فإن الله تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبراً إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا فيه يغفر لهم ويرحمه وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون عن القتال والخروج في سبيل الله قال تعالى: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} وفي الآية الثالثة (158) يؤكد تلك الخيرية التي تضمنتها الآية السابقة فيقول: {ولئن متم أو قتلتم} في سبيلنا {لإِلى الله تحشرون} حتما، وثم يتم لكلم جزاؤنا على استشهادكم وموتكم في سبيلنا، ولنعم ما تجزون به في جوارنا الكريم.

.من هداية الآيات:

1- حرمة التشبه بالكفار ظاهراً وباطناً.
2- الندم يولد الحسرات والحسرة غم وكرب عظيمان، والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما آتاه من حطام الدنيا.
3- موتة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها.

.تفسير الآيات (159- 160):

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
شرح الآيتين:
{لنت لهم}: كنت رفيقا بهم تعاملهم بالرفق واللطف.
{فظا}: خشنا في معاملتك شرسا في اخلاقك وحاشاه صلى الله عليه وسلم.
{انفضوا}: تفرقوا وذهبوا تاركينك وشأنك.
{فاعف عنهم}: يريد إن زلوا أو أساءوا.
{وشاورهم في الأمر}: اطلب مشورتهم في الأمر ذي الأهمية كمسائل الحرب والسلم.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق في الآداب والنتائج المترتبة على غزوة أحد ففي هذه الآية (159) يخبر تعالى عما وهب رسوله من الكمال الخلقى الذي هو قوام الأمر فيقول: {فبما رحمة من الله} أي فبرحمة من عندنا رحمناهم بها لنت لهم، {ولو كنت فظاً} أي قاسيا جافاً جافيا قاسى القلب غليظه {لانفضوا من حولك} أي تفرقوا عنك، وحرموا بذلك سعادة الدارين.
وبناء على هذا فاعف عن مسيئهم، واستغفر لمذنبهم، وشاور ذوى الرأى منهم، وإذا بدا لك رأي راجح المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلا على ربك فإنه يحب المتوكلين، والتوكل الإِقدام على فعل ما أمر الله تعالى به أو أذن فيه بعد إحضار الأَسباب الضرورية له. وعدم التكفير فيما يترتب عليه بل يفوض أمر النتائج إليه تعالى.
هذا ما تضمنته الآية الأولى اما الآية الثانية (160) فقد تضمنت حقيقة كبرى يجب العلم بها والعمل دائما بمقتضاها وهى النصر بيد الله، والخذلان كذلك فلا يطلب نصر إلا منه تعالى، ولا يرهب خذلانه تعالى يكون بطاعته والتوكل عليه هذا ما دل عليه قوله تعالى في هذه الآية: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.

.من هداية الآيتين:

1- كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلقى.
2- فضل الصحابة رضوان الله عليهم وكرامتهم على ربهم سبحانه وتعالى.
3- تقرير مبدأ المشورة بين الحاكم وأهل الحل والعقد في الأمة.
4- فضل العزيمة الصادقة بالتوكل على الله تعالى.
5- طلب النصر من غير الله خذلان، والمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله عز وجل.