فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (142- 143):

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}

.شرح الكلمات:

{يخادعون الله}: بإظهارهم ما يحب وهو الإِيمان والطاعات، وإخفائهم الكفر والمعاصي.
{وهو خادعهم}: بالتستر عليهم وعدم فضيحتهم، وبعدم إنزال العقوبة بهم.
{يراءون}: أي يظهرون الطاعات للمؤمنين كأنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين.
{مذبذبين}: أي يترددون بين المؤمنين والكفارين فأى جانبٍ عز وكانوا معه.

.معنى الآيتين:

يخبر تعالى أن المنافقين في سلوكهم الخاص يخادعون الله تعالى بإظهارهم الإِيمان به وبرسوله وهم غير مؤمنين إذ الخداع أن تري من تخادعه ما يحبه منك وتستر عليه ما يكرهه والله تعالى عاملهم بالمثل فهو تعالى أراهم ما يحبونه وستر عليهم ما يكرهونه منه وهو العذاب المعد لهم عاجلا أو آجلاً، كا أخبر عنهم أنه إذا قاموا إلى أداء الصلاة قاموا كسالى متباطئين لأنهم لا يؤمنون بالثواب الأخروى فلذا هم يراءون بالأعمال الصالحة المؤمنين حتى لا يتهمونهم بالكفر، كما أنهم لا يذكرون الله تعالى إلا ذكراً قليلاً في الصبح وخارج الصلاة، وذلك لعدم إيمانه بالله تعالى وعدم حبهم له كما أخبر عنهم بأنهم مذبذبون بين الكفر والإِيمان والمؤمنين والكافرين فلا إلى الإِيمان والمؤمنين يسكنون، ولا إلى الكفر والمنافقين يسكنون فيهم في تردد وحسرة دائمون، وهذه حال من يضله الله فإن من يضلل الله لا يوجد لهدايته سبيلٌ.

.من هداية الآيتين:

1- بيان صفات المنافقين.
2- قبح الرياء وذم المرائين.
3- ذم ترك الذكر والتقليل منه لأمر الله تعالى بالإِكثار منه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً}- ذم الحيرة والتردد في الأمور كلها.

.تفسير الآيات (144- 147):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}

.شرح الكلمات:

{سلطانا مبينا}: حجة واضحة لتعذيبكم.
{الدرك الأسفل}: الدرك: كالطابق، والدركة كالدرجة.
{وأصلحوا}: ما كانوا قد أفسدوه من العقائد والأعمال.
{واعصموا بالله}: تمسكوا بدينه وتوكلوا عليه.
{وأخلصوا دينهم لله}: تخلوا عن النفاق والشرك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في إرشاد الله تعالى المؤمنين إلى ما يعزهم ويكملهم ويسعدهم ففي هذه الآية (144) يناديهم تعالى بعنوان الإِيمان وهو الروح الذي به الحاية ونهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فيقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين} ومعنى اتخاذهم أولياء موادتهم ومناصرتهم والثقة فيهم والركون إليهم والتعاون معهم، ولما كان الأمر ذا خطورة كاملة عليهم هددهم تعالى بقوله: {أتريدون أن تجعلوا لله سلطانا مبيناً} فيتخلى عنكم ويسلط عليكم أعداءه الكافرين فيستأصلوكم، أو يقهروكم ويستذلوكم ويتحكموا فيكم. ثم حذرهم من النفاق أن يتسرب إلى قلوبهم فأسمعهم حكمه العادل في المنافقين الذين هم رؤوس الفتنة بينهم فقال: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}، فأسفل طبقة في جهنم هي مأوى المنافقين يوم القيامة، ولن يوجد لهم ولي ولا نصير أبداً ثم رحمة بعباده تبارك وتعالى يفتح باب التوبة للمنافقين على مصراعيه ويقول لهم {إلا الذين تابوا} إلى ربهم فآمنوا به وبرسوله حق الإِيمان {وأصلحوا} أعمالهم {واعتصموا بالله} ونفضوا أيديهم من أيدي الكافرين، {وأخلصوا دينهم لله} فلم يبقوا يراءون أحداً بأعمالهم. فأولئك الذين ارتفعوا إلى هذا المستوى من الكمال هم مع المؤمنين جزاؤهم واحد، وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً وهو كرامة الدنيا وسعادة الآخرة.
وأخيراً في الآية (147) يقرر تعالى غناه عن خلقه وتنزهه عن الرغبة في حب الإِنتقام فإن عبده مهما جنى وأساء، وكفر وظلم إذا تاب وأصلح فآمن وشكر. لا يعذبه أدنى عذاب إذ لا حاجة إلى تعذيب عباده فقال عز وجل وهو يخاطب عباده {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم وكان الله شاكراً عليما} لا يضيع المعروف عنده. لقد شكر لبغي سقيها كلباً عطشان فغفر لها وأدخلها الجنة.

.من هداية الآيات:

1- حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
2- إذا عصى المؤمنون ربه فاتخذوا الكافرين أولياء سلط الله عليه أعداءهم فساموهم الخسف.
3- التوبة تجب ما قبلها حتى إن التائب من ذبنه كمن لا ذنب له ومهما كان الذنب الذي غشيه.
4- لا يعذب الله تعالى المؤمن الشاكر لا في الدنيا ولا في الآخرة فالإِيمان وَالشكر أمان الإِنسان.

.تفسير الآيات (148- 149):

{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)}

.شرح الكلمات:

{السوء}: ما سوء إلى من قيل فيه أو فعل به.
{سميعاً عليماً}: سميعاً للأقوال عليماً بالأعمال.
{إن تبدوا}: تظهروا ولا تخفوا.
{تعفوا عن سوء}: أي لا تؤاخذوا به.

.معنى الآيتين:

يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء، ولازم هذا أن عباده المؤمنين يجب أن يكرهوا ما يكره ربهم ويحبوا ما يحب وهذا شرط الولاية وهي الموافقة وعدم المخالفة. ولما حرم تعالى على عباده الجهر بالسوء بأبلغ عبارة وأجمل أسلوب، استثنى المظلوم فإن له أن يجهر بمظلمته لدى الحاكم ليرفع عنه الظلم فقال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله} وما زال {سميعا عليما} ألا فليتق فلا يعصى بفعل السوء ولا بقوله. ثم انتدب عباده المؤمنين إلى فعل الخير في السر أو العلن، وإلى العفو عن صاحب السوء فقال: {إن تدبوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً} فسيكسب فاعل الخير خيراً أبداه أو أخفاه وسيعفو عن صاحب العفو حينما تزل قدمه فيجني بيده أو بلسانه ما يستوجب به المؤاخذة فيشكر الله تعالى له عفوه السابق فيعفو عنه {وكان الله عفواً قديراً}.

.من هداية الآيتين:

1- حرمة الجهر بالسوء والسربه كذلك فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينطق بما يسوء إلى القلوب والنفوس إلا في حالة الشكوى وإظهار الظلم لا غير.
2- استحباب فعل الخير وسره كجهره لا ينقص أجره بالجهر ولا يزيد بالسر.
3- استحباب العفو عن المؤمن إذا بدا منه سوء، ومن يعف يعف الله عنه.

.تفسير الآيات (150- 152):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}

.شرح الكلمات:

{ورسله}: الرسل جمع رسول وهم جَم غفير قيل عددهم ثلثمائة وأربعة عشر رسولاً.
{سبيلاً}: أي طريقاً بين الكفر والإِيمان، وليس ثم إلا طريق واحد وهو الإِيمان أو الكفر فمن آمن بكل الرسل فهو المؤمن، ومن آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو الكافر كمن لم يؤمن بأحد منهم.
{ولم يفرقوا}: كما فرق اليهود فآمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وكما فرق النصارى آمنوا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهم لذلك كفار.
{أجورهم}: أجر إيمانهم برسل الله وعملهم الصالح وهو الجنة دار النعيم.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى مقرراً حكمه على اليهود والنصارى بالكفر الحق الذي لا مرية فيه فيقول إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك أي بين الكفر بالبعض والإِيمان بالبعض سبيلاً أي طريقاً يتوصلون به إلى مذهب باطل فاسد وهو التخيّر بين رسل الله فمن شاءوا الإِيمان به آمنوا، ومن لم يشاءوا الإِيمان به كفروةا به ولم يؤمنوا وبهذا كفروا كفراً لا ريب فيه، ولهم بذلك العذاب المهين الذي يهانون به ويذلون جزاء كبريائهم وسوء فعالهم قال تعالى: {أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذابا مهيناً} فسجل عليه الكفر ثلاث مرات فالمرة الأولى بقوله: {إن الذين يكفرون بالله ورسله} والثانية بقوله: {أولئك هم الكافرون حقاً} والثالثة بقوله: {واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} حيث لم يقل واعتدنا لهم فأظهر في موضع الإِضمار لتسجيل الكفر عليهم وللإِشارة إلى علة الحكم وهي الكفر.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (151) أما الآية الثانية وهى قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله} فإنها مقابلة في ألفاظها ومدلولها للآية قبلها فالأولى تضمنت الحكم بالكفر على اليهود والنصارى، وبالعذاب المهين لهم والثانية تضمنت الحكم بإيمان المسلمين بالنعيم المقيم لهم وهو ما وعدهم به ربهم بقوله: {أولئك سوف نؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما}. فغفر لهم ذنوبهم ورحمهم بأن أدخلهم دار كرامته في جملة أوليائه.

.من هداية الآيتين:

1- تقرير كفر اليهود والنصرى لفساد عقائدهم وبطلان أعمالهم.
2- كفر من كذب بالله ورسوله ولو في شيء واحد مما وجب الإيمان به.
3- صحة الدين الإِسلامى وبطلان اليهودية والنصرانية حيث اوعد تعالى اليهود والنصارى بالعذاب المهين، ووعد المؤمنين بتوفية أجورهم والمغفرة والرحمة لهم.

.تفسير الآيات (153- 154):

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)}

.شرح الكلمات:

{جهرة}: عيانا نشاهده ونراه بأبصارنا.
{الصاعقة}: صوت حاد ورجفة عنيفة صعقوا بها.
{بظلمهم}: بسبب ظلمهم بطلبهم ما لا ينبغي.
{اتخذوا العجل}: أي الهاً فعبدوه.
{فعفونا عن ذلك}: أي لم يؤاخذهم به.
{سلطاناً مبيناً}: حجة واضحة وقدرة كاملة قهر بها أعداءه.
{ورفعنا فوقهم الطور}: أي جبل الطور بسيناء.
{ادخلوا الباب سجداً}: أي راكعين متواضعين خاشعين لله شكراً لنعمه عليهم.
{لا تعدوا}: لا تعتدوا أي لا تتجاوزوا ما حد لكم فيه من ترك العمل إلى العمل فيه.
{ميثاقا غليظا}: عهداً مؤكداً بالأَيمان.

.معنى الآيتين:

لما نعى الربّ تعالى عن أهل الكتاب قولهم نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض حيث آمن اليهود بموسى وكفروا بعيسى وآمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم كما كفر به اليهود أيضاً ذكر تعالى لرسوله أن اليهود إذا سألوا أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فلا تعجب من قولهم ولا تحفل به إذ هذه سنتهم وهذا دأبهم، فإنهم قد سألوا موسى قبلك أعظم من هذا فقالوا له أرنا الله جهرة فأغضبوا الله تعالى فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون واتخذوا العجل إلهاً يعبدونه في غياب موسى عليهم، وكان ذلك منهم بعد مشاهداتهم البيّنات حيث فلق الله لهم البحر وأنجاهم وأغرق عدوهم ومع هذا فقد عفا الله عنهم، وآتى نبيهم سلطانا مبيناً، ولم يؤثر ذلك في طباعهم هذا ما تضمنته الآية الأولى (153) وهي قوله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البيّنات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطاناً مبيناً}. أما الآية الثانية (154) فقد أخبر تعالى أنه رفع فوقهم الطور تهديداً لهم ووعيداً وذلك لما امتنعوا ان يتعهدوا بالعمل بما في التوراة، فلما رفع الجبل فوقهم خافوا فتعهدوا معطين بذلك ميثاقاً غير أنهم نقضوه كما سيأتي الإخبار بذلك. هذا معنى قوله تعالى: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم}، وقوله تعالى: {وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً..} كان هذا عندما دخل يوشع بن نون فتى موسى مدينة القدس فاتحاً اوحى الله تعالى إليه أن يأمر بني إسرائيل ان يدخلوا باب المدينة خاضعين متطامنين شكراً لله تعالى على نعمة الفتح فبدل أن يطيعوا ويدخلوا الباب راكعين متطامنين دخلوه زحفاً على استاههم مكراً وعناداً والعياذ بالله. وقوله: {.. وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} أي ونهيناهم عن الصيد في السبت فتعدوا نهينا وصادوا عصيانا وتمرداً، وقوله تعالى: {.. وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} أي على أن يعملوا بما شرعنا لهم تحليلاً وتحريما في التوراة، ومع هذا فقد عصوا وتمردوا وفسقوا، إذاً فلا غرابة في سؤالهم إياك على رسالتك وليؤمنوا بك أن تنزل عليهم كتاباً من السماء.
هذا معنى قوله تعالى في الآية (154): {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} أي لا تتجاوزوا ما أحللنا لكم إلى ما حرمنا عليكم {وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً}.

.من هداية الآيتين:

1- تعنت أهل الكتاب ازاء الدعوة الإِسلامية وكفرهم بها على علم انها دعوة حق.
2- بيان قبائح اليهود وخبثهم الملازم لهم طوال حياتهم.
3- نقض اليهود للعهود والمواثيق اصبح طبعا لهم لا يفارقهم أبداً ولذا وجب عدم الثقة في عهودهم ومواثيقهم.

.تفسير الآيات (155- 159):

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}

.شرح الكلمات:

{فبما نقضهم}: الباء سببية أي فبسبب نقضهم ميثاقهم، والنقض: الحل بعد الإِبرام.
{بغير حق}: أي بدون موجب لقتلهم، ولا موجب لقتل الأنبياء قط.
{غلف}: جمع اغلف وهو ما عليه غلاف يمنعه من وصول المعرفة والعلم إليه.
{بهتانا عظيما}: البهتان الكذب الذي يحير من قيل فيه والمراد هنا رميهم لها بالزنى.
{وما صلبوه}: أي لم يصلبوه، والصلب شدة على خشبة وقتله عليها.
{وان من أهل الكتاب}: أي وم من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن عند حضور الموت أن عيسى عبد الله ورسوله فما هو ابن زنى ولا ساحر كما يقول اليهود، ولا هو الله ولا ابن الله كما يقول النصارى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن اليهود وبيان الجرائم التي كانت سبباً في لعنهم وذلهم، وغضب الله تعالى عليهم، وهذا تعداد تلك الجرائم الواردة في الآيات الثلاث الأولى في هذا السياق وهى (155- 156- 157).
1- نقضهم العهود والمواثيق وخاصة عهدهم بالعمل بما في التوراة.
2- كفرهم بآيات الله والمنزلة على عبد الله عيسى ورسوله والمنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم.
3- قتلهم الأنبياء كزكريا ويحيى وغيرهم وهو كثير في عهود متباينة.
4- قولهم قلوبنا غلف حتى لا يقبلوا دعوة الإِسلام، وما أراد الرسول إعلامهم به وكذبهم الله تعالى في هذه الدعوى، وأخبر أن لا أغطية على قلوبهم، ولكن بطع الله تعالى عليهم بسبب ذنوبهم فران عليها الران فمنعها من قبول الحق اعتقاداً وقولا وعملا هذا ما تضمنته الآية الأولى وهى قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم..} والباء سببية والميم صلة والأصل فبنقضهم أي بسبب نقضهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم، {فلا يؤمنون الا قليلا} أي إيماناً قليلا كإيمانهم بموسى وهرون والتوراة والزبور مثلا.
5- كفرهم أي بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضا.
6- قولهم على مريم بهتاناً عظيماً حيث رموها بالفاحشة وقالوا عيسى ابن زنى لعنهم الله.
7- قولهم متبجحين متفاخرين أنهم قتلوا الميح عيسى بن مريم عليه السلام وهو رسول الله، وأكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} أي برجل آخر ظنوه انه هو فصلبوه وقتلوه، وأما المسيح فقد رفعه الله تعالى إليه وهو عنده في السماء كما قال تعالى في الآية (158): {بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً} أي غالباً على أمره حكيما في فعله وتدبيره.
وأما قوله تعالى: {وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً}، هذا إخبار من الله تعالى بحقيقة أخرى وهى أن الذين طوقوا منزل المسيح وهجموا عليه ليلقوا عليه القبض من أجل أن يقتلوه هؤلاء اختلفوا في هل الرجل الذي ألقي عليه شبه عيسى هو عيسى أو غيره إنهم لم يجزموا أبداً بأن من ألقوا عليه القبض وأخرجوه فصلبوه وقتلوه هو المسيح عليه السلام، ولذا قال تعالى: {..وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزا حكيما}.
أما الآية الأخيرة في هذا السياق (159) فإن الله تعالى أخبر أنه ما من يهودي ولا نصراني يحضره الموت ويكون في انقطاع عن الدنيا إلا آمن عيسى عبد الله ورسوله، وليس هو ابن زنى ولا ساحر كما يعتقد اليهود، ولا هو الله ولا ابن الله كما يعتقد النصارى، ولكن هذا الإِيمان لا ينفع صاحبه لأنه حصل عند معاينة الموت قال تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئآت حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: {وإن من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً} أي يشهد على كفرهم به وبما جاءهم به، ووصاهم عليه من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ودين الحق الذي جاء به.

.من هداية الآيات:

1- بيان جرائم اليهود.
2- بطلان اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل، أما اليهود فإنهم وان لم يقتلوا عيسى فهم مؤاخذون على قصدهم حيث صلبوا وقتلوا من ظنوه أنه عيسى عليه السلام.
3- تقرير رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزلوه في آخر أيام الدنيا.
4- الإيمان كالتوبة عند معاينة ملك الموت لا تنفع وا تقبل وجودها كعدمها.

.تفسير الآيات (160- 162):

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)}

.شرح الكلمات:

{فبظلم}: الباء سببية أي فبسبب ظلمهم.
{هادوا}: اليهود إذ قالوا: انا هدنا إليك.
{طيبات أحلت لهم}: هي كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم.
{اخذهم الربا}: قبلوه والتعامل به وأكله.
{الراسخون في العلم}: أصحاب القدم الثابتة في معرفة الله وشرائعه ممن علومهم راسخة في نفوسهم ليست ظنيات بل هي يقيينات.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في اليهود من أهل الكتاب يبين جرائمهم ويكشف الستار عن عظائم ذنوبهم ففي الآية الأولى (160) سجل عليهم الظلم العظيم والذي به استوجبوا عقاب الله تعال حيث حرم عليهم طيبات كثيرة كانت حلالالهم، كما سجل عليهم أقبح الجرائم وهى صدهم أنفسهم وصد غيرهم عن سبيل الله تعالى، وذلك بجحودهم الحق وتحريفهم كلام الله، وقبلوهم الرشوة في إبطال الأحكام الشرعية. هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الثانية (161) فقد تضمنت تسجيل جرائم أخرى على اليهود وهى أولا استباحتهم للربا وهو حرام وقد نهوا عنه وثانيا أكلهم أموال الناس بالباطل كالرشوة والفتاوى الباطلة التي كانوا يأكلون بها. وأما قوله تعالى في ختام الآية: {... واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما} فهو زيادة على ما عاقبهم به في الدنيا أعد لمن كفر منهم ومات على كفره عذاباً أليماً موجعا يعذبون به يوم القيامة. وأما الآية الثالثة (162) فقد نزلت في عبد الله بن سلام وبعض العلماء من يهود المدينة فذكر تعالى كالاستثناء من أولئك الموصوفين بأقبح الصفات وهى صفات جرائم اكتسبوها، وعظائم من الذنوب اقترفوها لجهلهم وعمى بصائرهم. ان الراسخين في العلم الثابتين فيه الذين علومهم الشرعية يقينية لا ظنية هؤلاء شأنهم في النجاة من العذاب والفوز بالنعيم في دار السلام شأن المؤمنين من هذه الأمة يؤمنون بما أنزل إليك أيها الرسول وما أنزل من قبلك وخاصة المقمين الصلاة وكذا المؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر هؤلاء جميعا وعدهم الله تعالى بالأجر العظيم الذي لا يقادر قدره ولا يعرف كنهه فقال تعالى: {أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً}.

.من هداية الآيات:

1- المعاصي تورث الحرمان من خير الدنيا والآخرة.
2- حرمة الصد عن الإِسلام ولو بالسلوك الشائن والمعاملة الباطلة.
3- حرمة الربا وانه موب للعقوبة في الدينا والآخرة.
4- حرمة أكل أموال الناس بالباطل كالسرقة والغش والرشوة.
5- من أهل الكتاب صلحاء ربانيون وذلك كعبد الله بن سلام وآخرين.
6- الرسوخ في العلم يأمن صاحبه الزلات والوقوع في المهلكات.
7- فضل إقام الصلاة لِنَصْب والمقيمى الصلاة في الآية على المدح والتخصيص.