فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (87- 89):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}

.شرح الكلمات:

{لا تحرموا}: التحريم: المنع أي لا تمتنعوا.
{ما أحل الله لكم}: أي ما أباحه لكم وأذن لكم فيه من نكاح وطعام وشراب.
{حلالاً طيباً}: مباحاً غير مستقذر ولا مستخبث.
{لا يؤاخذكم الله باللغو}: لا يعاقبكم الله باللغو الذي هو ما كان بغير قصد اليمين.
{عقدتم الأيمان}: عزمتم عليها بقلوبكم بأن تفعلوا أو لا تفعلوا.
{من أوسط}: أغلبه ولا هو من أعلاه، ولا هو من أدناه.
{أهليكم}: من زوجة وولد.
{تحرير رقبة}: عتقها من الرق القائم بها.
{يبين الله لكم آياته}: المتضمنة لأحكام دينه من واجب وحلال وحرام.

.معنى الآيات:

الآيتان الأولى (87) والثانية (88) نزلتا في بعض الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وغيرهما قد حضروا موعظة وعظهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. وعزموا على التبتل والانقطاع عن الدنيا فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسألوها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه فكأنهم تقالْوه ذلك فقال أحدهم: أنا لا آتي النساء، وقال آخر: أنا أصوم لا أفطر الدهر كله وقال آخر: أنا أقوم فلا أنام، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، وقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وإني وأنا رسول الله لآكل اللحم، وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» ونزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} من طعام وشراب ونساء، {ولا تعتدوا} بمجاوزة ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم فإن الله تعالى ربكم {لا يحب المعتدين} {وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباٌ} أما الحرام فلا يكون رزقاً لكم، {واتقوا الله} أي خافوهبترك الغلوّ والتنطع المفضى بكم إلى الترهيب ولا رهانية في الإِسلام. {الذي أنتم به مؤمنون} أي رباً يشرع فيحلل ويحرم، وإلهاً يطاع ويعبد، هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: {لا يؤاذخك الله باللغو في عزمنا عليه من التبتل فماذا نصنع بأيماننا} فبين لهم تعالى ما يجب عليهم في أيمانهم لما حنثوا فيها بعدولهم عما حلفوا عليه فقال: {لا يؤاخذكم باللغو في أيمانكم} وهو ما لا قصد للحلف فيه وإنما جرى لفظ اليمين على اللسان فقط نحو: لا والله أو بلى والله، ومثله أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلاف ما ظن، {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} أي قصدتموها عازمين عليها، فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجاً من الإِثم كفَّارة وهي {إطعام عشرة مساكين} لكل مسكين نصف صاع أي مدَّان من أعدل {ما تطعمونأهليكم} ما هو بالأجود الغالي، ولا بالأرادأ الرخيض، {أو كسوتهم} كقميص وعمامة، أو إزار ورداء، {أو تحرير رقبة} أي عتق رقبة مؤمنة ذكراً كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلاثة المؤمن مخّير في التكفير بأيها شاء، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}، وقوله: {ذلك كفارة أيمانكم} أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفِّرون به ما علق بنفوسكم من إثم الحنث.
وقوله: {واحفظوا أيمانكم} أي لا تكثروا الحلف فتحنثوا فتأثموا فتجب عليكم الكفارة لذلك. وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} معناه مثل هذا التبيين الذي بينه لكم في مسألة الحنث في اليمين والكفارة له يبين لكم آياته المتضمنة لشرائعه وأعلام دينه ليعدكم بذلك لشكره بطاعته بفعل ما يأمركم به وترك ما ينهاكم عنه، فله الحمد والمنة.

.من هداية الآيات:

1- حرمة تحريم ما أباح الله، كحرمة تحليل ما حرم الله عز وجل.
2- بيان مدى حرص الصحابة على طاعة الله خوفاً من عقابه وطمعاً في إنعامه.
3- حرمة الغلو في الدين والتنطع فيه.
4- بيان كفراة اليمين بالتفصيل.
5- كراهة الإِكثار من الحلف. وحرمة الحلف بغير الله تعالى مطلقاً.
6- استحباب حنث من حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه، وتكفيره على ذلك أما إذا. حلف أن يترك واجباً أو يأتي محرماً فإن حنثه واجب وعليه الكفارة.
7- الأيمان ثلاثة: لغو: يمين لا كفارة لها إذا لم إثم فيها، الغموس: وهي أن يحلف متعمداً الكذبن ولا كفارة لها إلا التوبة، اليمين المكفَّرة: وهي التي يتعمد فيها المؤمن الحلف ويقصده ليفعل أو لا يفعل ثم يحنث فهذه التي ذكر تعالى كفارتها وبينها.

.تفسير الآيات (90- 93):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}

.شرح الكلمات:

{الخمر الميسر}: الخمر: كل مسكر كيفما كانت مادته وقلّت أو كثرت، والميسر: القمار.
{والأنصاب}: الأنصاب: جمع نصب. ما ينصب للتقرب به إلى الله أو التبرك به، أو لتعظيمة كتماثيل الرؤساء والزعماء في العهد الحديث.
{الأزلام}: جمع زلم: وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر والربح من الخسارة، ومثلها قرعة الأنبياء، وخط الرمل، والحساب بالمسبحة.
{رجس}: الرجس: المستقذر حساً كان أو معنى، إذ لمحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة.
{من عمل الشيطان}: أي مما يزينّة للناس ويحببه إليهم ويرغبهم فيه ليضلهم.
{فاجتنبوه}: اتركوه جانباً فلا تقبلوا عليه بقلوبكم وابتعدوا عنه بأبدانكم.
{تفلحون}: تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم.
{ويصدكم}: أي يصرفكم.
{فهل أنتم منتهون}: أي انتهوا فالإِستفهام للأمر لا للإِستخبار.
{جناح فيما طعموا}: أي إثم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر قبل تحريم ذلك.

.معنى الآيات:

لمَّا نهى الله تعالى المؤمنين عن تحريم ما أحل الله تعالى لهم بَيَّنَ لَهُم ما حرَّمه عليهم ودعاهم إلى تركه واجتنابه لضرره بهم، وإفساده لقلوبهم وأرواحهم فقال تعالى: {ي أيها الذين آمنوا} أي يا من صدقتم بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً اعلموا {انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} أي سخط وقذر مما يدعوا إليه الشيطان ويزيّنه للنفوس ويحسنه لها لترغيب فيه، وهو يهدف من وراء ذلك إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين الذين هم كالجسم الواحد. وإلى صدهم عن ذكر الله الذي هو عصمتهم وعن الصلاة التي هي معراجهم إلى الله ربهم، وآمرتهم بالمعروف وناهيتهم عن المنكر، ثم أمرهم بأبلغ أمر وأنفذه إلى قلوبهم لخطورة هذه المحرمات الأربع وعظيم أثهرا في الفرد والمجتمع بالشر والفساد فقال: {فهل أنتم منتهون} وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وحذرهم من مغبة المعصية وآثارها السيئة فقال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا} مغبة ذلك ثم أعلمهم أنّهم إن تولوا عن الحق بعدما عرفوه فالرسول لا يضيره توليهم إذ ما عليه إلا البلاغ المبين وقد بلّغ وأما هم فإن جزاءهم على توليهم سيكون جزاء الكافرين وهو الخلود في العذاب المهين. هذا معنى قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} وقوله تعالى في الآية الأخيرة (93): {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} فقد نزلت لقول بعض الأصحاب لرسول الله صلى عليه وسلم (يا رسول الله ما بال الذين ماتوا من إخواننا وهم يشربون الخمر ويلغبون الميسر؟) أي كيف حالهم فهل يؤاخذون أو يعفى عنهم من إخواننا وهم هذه الآية فأعلم أنهم ليس عليهم جناح أي إثم أو مؤاخذة فيما شربوا وأكلوا قبل نزول التحريم بشرط أن يكونوا قد اتقوا الله في محارمه وآمنوا به وبشرائعه، وعملوا الصالحات استجابة لأمره وتقرباً إليه.
فكان رفع الحرج عليهم مقيداً بما ذكر. وقوله: {ثم اتقوا...} كما لا جناح على الأحياء فيما طعموا وشربوا قبل التحريم وبشرط الإِيمان، والعمل الصالح والتقوى لسائر المحارم، ودوام الإِيمان والتقوى والإِحسان في ذلك بالإِخلاص فيه لله تعالى.

.من هداية الآيات:

1- حرم الخمر والقمار، وتعظيم الأنصاب والاستقسام بالأزلام.
2- وجوب الانتهاء من تعاطي هذه المحرمات فوراً وقول انتهينا يا ربنا كما قال عمر رضي الله عنه.
3- بيان علة تحريمشرب الخمر ولعب الميسر وهي إثارة العداوة والبغضاء بين الشاربين واللاعبين والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهما قوام حياة المسلم الروحية.
4- وجوب طاعة الله والرسول والحذر من معصيتهما.
5- وجوب التقوى حتى الموت ووجوب الإِحسان في المعتقد والقول والعمل.

.تفسير الآيات (94- 96):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

.شرح الكلمات:

{ليبلونكم}: ليختبرنكم.
{الصيد}: ما يصاد.
{تناله أيديكم}: كبيض الطير وفراخه.
{ورماحكم}: جمع رمح، وما ينال به هو الحيوان على اختلافه.
{ليعلم الله من يخافه بالغيب}: ليظهر الله تعالى بذلك الاختبار من يخافه بالغيب فلا يصيد.
{فمن اعتدى (بعد التحريم)}: بأن صاد بعد ما بلغه التحريم.
{وأنتم حرم}: جمع حرام والحرام: المُحرم لحج أو عمرة ويقال رجل حرام وامرأة حرام.
{من النعم}: النعم: الإِبل والبقر والغنم.
{ذوا عدل منكم}: أي صاحبا عدالة من أهل العلم.
{وبال أمره}: ثقل جزاء ذنبه حيث صاد والصيد حرام.
{وللسيارة}: المسافرين يتزوّدون به في سفرهم. وطعام البحر ما يقذف به إلى الساحل.

.معنى الآيات:

ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين ليعلمهم مؤكدا خبره بأنه يبلوهم اختباراً لهم ليظهر المطيع من العاصي فقال: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب} فحرم عليهم تعالى الصيد وهم حرم ثم ابتلاهم بوجوده بين أيديهم بحيث تناله أيديهم ورماحهم بكل يسر وسهولة على نحو ما ابتلى به بني إسرائيل في تحريم الصيد يوم السبت فكان السمك يأتيهم يوم سبتهم شُرّعاً ويوم لا يسبتون لا يأتيهم كذلك بلاهم ربهم بما كانوا يفسقون بيد أن المسلمين استجابوا لربهم وامتثلوا أمره، على خلاف بني إسرائيل فإنهم عصوا وصادقوا فمسخهم قردة خاسئين. وقوله تعالى: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}، أي فمن صاد بعد هذا التحريم فله عذاب أليم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (94). أما الآية ا لثانية (95) وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} فأكد لهم تحريم الصيد وبيّن لهم ما يترتب على ذلك من جزاء فقال: {ومن قتله منكم متعمداً} فالحكم الواجب على من قتله جزاءً {مل ما قتل من النعم} وهى الإِبل والبقر تشبه الجمل وبقرة الوحش تشبه البقرة، والغزال يشبه التيس وهكذا فإن شاء من وجب عليه بعير أو بقرة أو تيس أو يسوقه إلى مكة الفقراء الحرم فليفعل وإن شاء اشترى بثمه طعاماً وتصدق به، إن شاء صام بدل كل نصف صاع يوماً لقوله تعالى: {هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً} وقوله تعالى: {هدياً بالغ الكعبة} أو مخالفته وقوله تعالى: {عفا الله عما سلف} وقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} أي ثقل جزاء فإنه تعالى يقول {ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} ومعناه أنه يعاقبه على معصيته ولا يحول دون مراده تعالى حائل ألا فاتقوه واحذروا الصيد وأنتم حرم، هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (96) فقد أخبر تعالى بعد أن حرم على المؤمنين الصيد وهم حرم وواجب الجزاء على من صاد.
أخبر أنه امتناناً منه عليهم أحل لهم صيد البحر أي ما يصيدونه من البحر وهم حرم كما أحل لهم طعامه وهو ما يقذفه البحر من حيوانات ميتة على ساحله {متاعاً لكم وللسيارة} وهم المسافرون يتزودون به في سفرهم ويحرم عليهم صيد البر ما داموا حرماً، وأمرهم بتقواه أي بالخوف من عقوبته فيلزموا طاعته بفعل ما أوجب وترك ما حرم، وذكرهم بحشرهم جميعاً إليه يوم القيامة للحساب والجزاب فقال: {واتقو الله الذي إليه تحشرون}.

.من هداية الآيات:

1- اتبلاء الله تعالى لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية بكثرة الصيد بين أيديهم. وحرم عليهم صيده فامتثلوا أمر الله تعالى ولم يصيدوا فكانوا خيراً من بني إسرائيل وأفضل منهم على عهد انبيائهم.
2- تحريم الصيد على المحرم إلا صيد البحر فإنه مباح له.
3- بيان جزاء من صاد وهو محرم وانه جزاء مثل ما قتل من النعم.
4- وجوب التحكيم فيما صاده المحرم، ولا يصح أن يكفر الصائد بنفسه.
5- صيد الحرم حرام على الحرام من الناس والحلال.

.تفسير الآيات (97- 100):

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}

.شرح الكلمات:

{الكعبة}: الكعبة كل بناء مربع والمراد بها هنا بيت الله الحرام.
{قياماً للناس}: يقوم به أمر دينهم بالحج إليه والاعتمار ودنياهم بأمن داخله وجبي ثمرات كل شيء إليه.
{الشهر الحرام}: أي المحرم والمراد به الأشهر الحرم الأربعة رجب والقعدة والحجة ومحرم.
{الهدي}: ما يهدى إلى البيت من أنواع الهدايا.
{والقلائد}: جمع قلادة ما يقلده البعير أو البقرة المهدى إلى الحرم.
{البلاغ}: بلاغ ما أمره بإبلاغه.
{ما تبدون وما تكتمون}: أي ما تظهرون وما تخفون.
{الخبيث}: مقابل الطيب وهو الحرام وهو عام في المحسوسات والمعقولات.
{أولي الألباب}: أصحاب العقول.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام للناس} المراد من الناس العرب في جاهليتهم قبل الإِسلام ومعنى قياماً: أن مصالحهم قائمة على وجود البيت يحج ويعتمر يأمن الآتى إليه والداخل في حرمه، وكذا الشهر الحرام وهي أربعة أشهر القعدة والحجة ومحرم ورجب، وكذا الهدي وهو ما يهدى إلى الحرم من الأنعام، وكذا القلائد جمع قلادة وهي ما يقلده الهدي إشعاراً بأنه مهدى إلى الحرم، وكذا ما يقلده الذاهب إلى الحرم نفسه من لِحَاءَ شجرة الحرم إعلاماً بأنه آت من الحرم أو ذاهب إليه فهذا الأربعة البيت الحرام والشهر الحرام والهدى والقلائدة كانت تقوم مقام السلطان بين العرب فتحقق الأمن والرخاء في ديارهم وخاصة سكان الحرم من قبائل قريش فهذا من تدبير الله تعالى لعباده وهو دال على علمه وقدرته وحكمته ورحمته ولذا قال تعالى: {ذلك لتعلموا ان الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم} أي حقق ذلك الأمن والرخاء في وقت لا دولة لكم فيه ولا نظام ليعلمكم أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض من سائر الكائنات وشتى. المخلوقات لا يخفى عليه من أمرها شيء، وأنه بكل شيء عليم فهو الإِله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه فاعبدوه، وتوكلوا عليه واتركوا عبادة غيره والنظر إلى سواه، وإن لم تفعلوا فسوف يعاقبكم بذلك أشد العقوبة وأقساها فإنه عز وجل شديد العقاب فاعلموا ذلك واتقوه.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (97) والثانية (98) أما الآية الثالثة (99) فقد أكدت مضمون قوله تعالى في الآية الثانية {اعلموا أن الله شديد العقاب} وهو وعيد شديد فقال تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} وفد بلَّغ، فأنذر وأعذر، وبقي الأمر إليكم إن أنبتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم ويرحمكم لأنه غفور رحيم، وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعلم ذلك منكم ويؤاخذكم به ويعاقبكم عليه وهو شديد العقاب وقوله: {والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} وعد ووعيد لأن علمه تعالى بالظواهر والبواطن يترتب عليه الجزاء فإن كان العمل خيراً كان الجزاء خيراً وإن كان العمل شراً كان الجزاء كذلك.
هذا مضمون الآية الثالثة أما الرابعة (100) فإنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم قل للناس أيها الناس أنه {لا يستوي الخبيث} من المعتقدات والأقوال والأعمال والرجال والأموال، {والطيّب} منها، ولو أعجبتكم أي سرتكم كثرة الخبيث فإن العبرة ليست بالكثرة والقلة وإنما هي بالطيّب النافع غير الضار ولو كان قليلاً، وعليه {فاتقوا الله يا أولي الألباب} أي خافوه فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه رجاء حصول الفلاح لكم بالنجاة من المرهوب والحصول على المرغوب المحبوب.

.من هداية الآيات:

1- بيان عظيم تدبير الله تعالى لخلقه، إذ أمّن مصالح قريش والعرب فاوجد لهم أمناً واستقراراً وتبع ذلك هناءة عيش وطيب حياة بما ألقى عباده من احترام وتعظيم للبيت الحرام والشهر الحرام، والهدي والقلائد، الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله.
2- بيان الحكمة القائلة العبرة بالكيف لا بالكم فمؤمن واحد أنفع من عشرة كفرة ودرهم حلال خير من عشرة حرام وركعتان متقبلتان خير من عشرة لا تقبل.
4- الأمر بالتقوى رجاء فلاح المتقين.

.تفسير الآيات (101- 104):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)}

.شرح الكلمات:

إن تبد لكم: تظهر لكم تضركم.
{عفا الله عنها}: سكت عنها فلم يذكرها أو لم يؤاخذكم بها.
{سألها قوم}: طلبها غيركم من الأمم السابقة.
{ما جعل الله}: أي ما شرع.
{بحيرة ولا سائبة}: البحيرة: الناقة تبحر أذنها أي تشق، والسائبة: الناقة تسيّب.
{ولا وصيلة ولا حام}: الوصيلة: الناقة يكون أول إنتاجها أنثى، والحام: الجمل يحمى ظهره للآلهة.
{ما أنزل الله}: من الحق والخير.
{ما وجدنا عليه آباءنا}: من الباطل والضلال.

.معنى الآيات:

لقد أكثر بعض الصحابة من سؤال رسول الله صلى الله عليه حتى تضايق منهم فقام خطيباً فيهم وقال: «لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم» فقام رجل يدعى عبد الله بن حذاقة كان إذا تلامى مع رجل دعاه إلى غير أبيه فقال من أبي يا رسول الله؟ فقال: «أبوك حذاقة» وقال أبو هريرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولو قلت نعم، لو جبت، ولو وجبت لما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم» فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} أي تظهر لكم جواباً لسؤالكم يحلص لكم بها ما يسؤكم ويضركم، {وإن تسألوا عناه حين ينزل القرآن تبد لكم} أي يبنها رسولنا لكم. أما أن تسألوا عنها قبل نزول القرآن بها فذلك مالا ينبغي لكم لأنه من باب أحفاء رسول الله وأذيته ثم قال تعالى لهم: {عفا الله عنها} أي لم يؤاخذكم بما سألتم {والله غفور حليم}، فتوبوا إليه يتب عليكم واستغفروه يغفر لكم ويرحمكم فإنه غفور رحيم. وقوله تعالى: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} أي قد سأل أسئلتكم التنطعية المحرجة هذه قوم من قبلكم {فأصبحوا بها كافرين}، لأنهم كلفوا ما لم يطيقوا وشق عليهم جزاء تعنتهم في أسئلتهم لأنبيائهم فتركوا العمل بها فكفروا. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (101) والثانية (102) وأما الثالثة (103) فقد قال تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} ومن الجائز أن يكون هناك من يسأل الرسول عن البحيرة وما بعدها فأنزل الله تعالى قوله: {ما جعل الله من بحيرة} أي ما بحر الله بحيرة ولا سيب سائبة ولا وصل وصيلة ولا حَمَى حَامِيةً، ولكن الذين كفروا هم الذين فعلوا ذلك افتراء على الله وكذباً عليه {وأكثرهم لا يعقلون}، ولو عقلوا ما افتروا على الله وابتدعوا وشرعوا من أنفسهم ونسبوا ذلك إلى الله تعالى، وأول من سيب السوائب وغير دين اسماعيل عليه السلام عمرو بن لحي الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجرُّ قَصْبه في النار أي أمعاءه في جهنم.
هذا ما بما اتبدعوه من الشرك إذ قيل لهم {تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} ليبين لكم كذبكم وباطلكم في بحر البحائر وتسييب السوائب، يرفضون الرجوع إلى الحق ويقولون: {حسبنا} أي يكفينا {ما وجدنا عليه آباؤنا} فلسنا في حاجة إلى غيره فرد تعالى عليهم منكراً عليهم قولهم الفاسد {أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً} أي يتبعونهم ويحتجون بباطلهم ولو كان أولئك الآباء جهالاً حمقاً لا يعقلون شيئاً من الحق، {ولا يهتدون} إلى خير أو معروف.

.من هداية الآيات:

1- كراهية الإِلحاف في السؤال والتقعر في الأسئلة والتنطع فيها.
2- حرمة الابتداع في الدين وأنه سبب وجود الشرك في الناس.
3- وجوب رد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة والرضا بحكمهما.
4- حرمة تقليد الجهال واتباعهم في أباطيلهم.