فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (40- 44):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}

.شرح الكلمات:

{فار التنور}: أي خرج الماء وارتفع من التنور وهو مكان طبخ الخبز.
{زوجين اثنين}: أي من كل ذكر وأنثى من اسر أنواع المخلوقات اثنين.
{وأهلك}: أي زوجتك وأولادك.
{مجريها ومرساها}: أي اجراؤها وإرساؤها.
{في موج كالجبال}: الموج ارتفاع ماء البحر وكونه كالجبال أي في الارتفاع.
{يعصمني من الماء}: يمنعني من الماء أن يغرقني.
{وغيض الماء}: أي نقص بنوضبه في الأرض.
{على الجودي}: أي فوق جبل الجودي وهو جبل بالجزيرة غرب الموصل.
{بعد للقوم الظالمين}: أي هلاكا لهم.

.شرح الكلمات:

{أم يقولون}: أي بل يقولون افتراه.
{افتراه}: أي اختلقه وقال من نفسه ولم يوح به إليه.
{فعلى اجرامي}: أي عاقبة الكذب الذي هو الإِجرام تعود عليَّ لا على غيري.
{وأنا بريء}: أي أتبرأ وأتنصل من إجرامكم فلا أتحمل مسؤوليته.
{مما تجرمون}: أي على أنفسكم فإِفسادها بالشرك والكفر والعصيان.

.معنى الآية:

هذه الآية الكريمة أوقعها الله مُنَزِلُها سبحانه وتعالى بين أجزاء الحديث عن نوح وقومه، وحسن موقعها هنا لأن الحديث عن نوح وقومه لا يتأتى لأحد إلا لنبي يوحى إليه، وذلك لبعه في التاريخ فَقَصُّ النبيّ له اليوم دليل على أنه نبي يُوحى إليه، فلذتا قال أم يقولون افتراه أي يقولون افترى القرآن وكذبه ولم يوحى إليه قل إن افتريته كما زعمتم فعليّ إجرامي أي أثم كذبي وأنا بريء مما تجرمون أنتم بتكذيبكم إياي وكفركم بربكم ورسوله ووعده ووعيده.

.من هداية الآيات:

1- جواز الاعتراض في الكلام إذا حسن موقعه لإِقامته حجة أو إبطال باطل أو تنبيه على أمر مهم.
2- قص القصص أكبر دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة ودعوته إلى الله تعالى.
3- تقرير مبدأ تحمل كل إنسان مسؤولية عمله وأن لا تزر وازرة وزر أخرى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى: {حتى إذا جاء أمرنا وفار النّور} أي واصل صنع السفينة حتى إذا جاء أمرنا أي بإِهلاك المشركين، وفار التنور أي خرج الماء من داخل التنور وفار وتلك علامة بداية الطوفان فاحمل فيها أي في السفينة التي صنعت من كل زوجين اثنين أي من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين أي ذكراً وأنثى. وأهلك أي واحمل أهلك من زوجة وولد كسام وحام ويافث إلا من سبق عليه القول أي بالإِهلاك كامرأته واعلة وولده كنعان. ومن آمن أي واحمل من آمن من سائر الناس، {وما آمن معه إلا قليل} أي نحو من ثمانين رجلاً وأمرأة هذا ما دلت عليه الآية الأولى (40) أما الثانية فقد أخبر تعالى فيها فيها أن نوحاً قال لجماعة المؤمنين: {اركبوا فيها} أي في السفينة {باسم الله مجراها ومرساها} أي باسم الله تجري وباسم الله ترسوا أي تقف {إن ربيّ لغفور رحيم} أي فهو لا يهلكنا بما قد يكون لنا من ذنب ويرحمنا فينجينا ويكرمنا.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (42): {وهي تجري بهم في موج كالجبال} وصف للسفينة وهي تغالب الماء وتمخر عبابه وأمواج الماء ترتفع حتى تكون كالجبال في ارتفاعها وقبلها نادى نوح ابنه كنعان، وهو في هذه الساعة في معزل أي من السفينة حيث رفض الركوب فيها لعقوقه وكفره فقال له {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} فتغرق كما يغرقون فأجاب الولد قائلا {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} أي يمنعني منه حتى لا إغرق، فأجابه نوح قائلا {لا عاصم اليوم من أمر الله} أي بعذاب الكافرين {إلا من رحم} أي الله فهو المعصوم. قال تعالى: {وحال بينهما الموج} أي بين الولد العاق والولد الرحيم {فكان} أي الولد {من المغرقين}. وقوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلغي ماءك} أي اشربيه وابتلعيه، ويا سماء اقلعي أي من الصب والإِمطار. والآمر للأرض والسماء هو الله تعالى: {وغيض الماء} أي نقص ونضب. {واستوت على الجودي} أي ورست السفينة بركابها لهم فلم يبق منهم أحدا إذ أخذهم الطوفان وهم ظالمون بدأ الطوفان أول يوم من رجب واستمر ستة أشهر حيث رست السفينة في أول محرم.

.من هداية الآيات:

1- الإِيمان ينجيء، والكفر يهلك ويردي.
2- مشرعية التسمية عند الركوب في سفينة أو غيرها.
3- عقوق الوالدين كثيراً ما يسبب الهلاك في الدنيا، أما عذاب الآخرة فهو لازم له.
4- مظهر من مظاهر رحمة الوالد بولده.
5- مظاهر عظمه الرب تعالى وإطاعة الخلق أمره حتى الأرض والسماء.

.تفسير الآيات (45- 49):

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}

.شرح الكلمات:

{من أهلي}: أي من جملة أهلي من ازواج وأولاد.
{وإن وعدك الحق}: أي الثابت الذي لا يخلف.
{إنه عمل غير صالح}: أي إن سؤالك هذا إياي عمل غير صالح.
{أعظك}: أي أنهاك وأخوفك من أن تكون من الجاهلين.
{من الجاهلين}: أي من الذين لا يعرفون جلالي وصدق وعدي ووفائي فتسألني ما ليس لك به علم.
{سنمتعهم}: أي بالأرزاق والمُتع إلى نهاية آجالهم ثم يحل بهم عذابي وهم الكفرة.
{للمتقين}: أي الذين يتقون الله فيعبدونه ولا يشركون به شيئا.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى: {ونادى نوح ربّه} أي دعاه سائلا {ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين}، وهذا كان منه حال الإِركاب في الفلك، وامتناع ولده كنعان من الركوب أي إن ولدي كنعان من زوجتي ومن جملة أولادي، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ومن معي من المؤمنين، {وإن وعدك الحق} أي الذي لا خلف فيه ابداً، {وأنت أحكم الحاكمين} أعلمهم وأعدلهم، وهذا ابني قد استعصى عنّي ولم يركب معي وسيهلك مع الهالكين إن لم ترحمه يا رب العالمين فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله الحق: {إنه ليس من أهلك} أي الذين وعدتك بإِنجائهم لأنه على غير دينك وعلى خلاف منهجك، {إنه عمل غير صالح} أي إن سؤالك هذا إليّ بإِنجاء ولدك وهو كافر على غير ملتك، وقد أعلمتك إني مغرق الكافرين. سؤالك هذا عمل غير صالح يصدر عنك: {إني أعظك} أي أنهاك وأخوفك {أن تكون من الجاهلين} فتسألني ما ليس لك به علم. قال نوح {ربّ} أي يا رب إنّي أعوذ بك أي استجير وأتحصن بك أن أسألك بعد الآين ما ليس لي به علم. وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين أي الذين غبنوا أنفسهم حظوظها فهلكوا، فأجابه الرب تعالى: {يا نوح أهبط} من السفينة أنت ومن معك من المؤمنين بسلام منا أي بأمن منا وتحيات، وبركات عليك وعلى أمم ممن معك أي من ذريّة من معك، فلا تخافوا جوعاً ولا شقاء، وأمم من ذريّة من معك سنمتعهم متاع الحياة الدنيا بالأرزاق ثم يمسهم منا عذاب أليم، يوم القيامة لأنهم ينحرفون عن الإِسلام ويعيشون على الشرك والكفر. وهذا من علم الغيب الذي أخبر الله تعالى به فكان كما أخبر فقد نشأت أجيال وأجيال من ذريّة نوح منهم الكافر ومنهم المؤمن وفي الجميع ينفذ حكم الله ويتم فيهم وعده ووعيده. وقوله تعالى في الآية (49) وهي الأخيرة في هذا السياق يقول تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها} أي هذه القصة التي قصصناها عليك من أنباء الغيب الذي لا يعلم تفصيله إلا الله نوحيها إليك ضمن آيات القرآن ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على وجه التفصيل من قبل هذا القرآن إذاً فاصبر يا رسولنا على أذى قومك مبلغاً دعوة ربك حتى يأتيك نصرنا فإن العاقبة الحسنى الحميدة دائما للمتقين ربهم بطاعته والصبر عليها حتى يَلْقوهُ مؤمنين صابرين محتسبين.

.من هداية الآيات:

1- رابطة الإِيمان التقوى أعظم من رابطة النسب.
2- حرمة العمل بغير علم فلا يحل القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
3- ذم الجهل وأهله.
4- شرف نوح عليه السلام وانه أحد أولى العزم من الرسل.
5- بيان العبرة من القصص القرآني وهي تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
6- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإصباتها ببرهان عقلي وهو الإِخبار بالغيب الذي لا يعلم إلا من طريق الوحي.
7- بيان فضل الصبر، وأن العاقبة الحميدة للمتقين وهم أهل التوحيد والعمل الصالح.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}

.شرح الكلمات:

{وإلى عاد أخاهم هودا}: أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم في النسب لا في الدين أخاهم هوداً. وهود من قبيلة عاد وعاد من ولد سام بن نوح عليه السلام.
{اعبدوا الله}: أي اعبدوه وحده ولا تعبدوا معه غيره.
{ما لكم من إله غيره}: أي ليس لكم معبود بحق يستحق عبادتكم غيره.
{إن أنتم إلا مفترون}: أي ما أنتم في تأليه غير الله من الأوثان إلا كاذبون.
{لا أسألكم عليه أجرا}: أي لا أطلب منك أجراً على إبلاغي دعوة التوحيد إليكم.
{فطرني}: أي خلقني.
{مدرارا}: أي كثيرة الدرور للمطر النازل منها.
{ولا تتولوا مجرمين}: أي ولا تعرضوا عن دعوة التوحيد مجرمين على أنفسكم بالشرك بالله.

.معنى الآيات:

هنا شروع في قصة هود مع قومه عاد بعد قصة نوح عليه السلام ومغزى القصة تقرير توحيد الله ونبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هوداً} أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً وهو أخوهم في النسب وأول من تكلم بالعربية فهو أحد أربعة أنبياء من العرب وهم هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: {قال يا قوم اعبدوا الله} أي قال هود لقومه بعد أن أرسله الله إليهم يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه غيره فإِنه ما لكم من إله غير الله سبحانه وتعالى. وقوله: {إن أنتم إلاّ مفترون} أي ما أنتم في عبادة غير الله من الأصنام والأوثان إلاّ كاذبون، إذ لم يأمركمالله تعالى ربكم بعبادتها، وإنما كذبتم عليه في ذلك. وقوله: {يا قوم لا أسألكم عليه اجرا} يريد لا أسألكم على دعوتي إياكم إلى توحيد ربكم لتكملوا بعبادته وتسعدوا أجراً أي مالاً {إن أجري إلا على الله الذي فطرني} أي ما أجري إلا على الله الذي خلقني. وقوله: {أفلا تعقلون} أي أفلا تعقلون أنّي لو كنت أبغي بدعوتي إلى التوحيد أجراً لطلبت ذلك منكم، غير أني لم أطلب من غير ربي أجراً فبان بذلك صدقي في دعوتكم ونصحي لكم.
وقوله تعالى عن قيل هود: {يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} يخبر تعالى أن هوداً نادى قومه فقال يا قوم استغفروا ربكم أي آمنوا به واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم، ثم توبوا إليه أي ارجعوا إلى عبادته وحده بما شرع لكم على لسان نبيكم، واتركوا عبادة غيره يكافئكم بأن يرسل السماء عليكم مدرارا أي بالأمطار المتتالية بعد الذي أصابكم من الجفاف والقحط والجدب، ويزدكم قوة روحية إلى قوتكم المادية، وقوله: {ولا تتولوا مجرمين} ينهاهم ناصحاً لهم أن يرفضوا نصيحته ويرجعوا إلى عبادة الأوثان فيُجْرِمُوا على أنفسهم بإِفسادها بأوضار الشرك والعصيان.

.من هداية الآيات:

1- دعوة الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم واحدة هي: أن يَعُبَدَ الله وحده.
2- تقرير مبدأ لا إله إلا الله.
3- المشركون والمبتدعون الكل مفترون على الله كاذبون حيث عبدوه بما لم يشرع لهم.
4- وجوب الإِخلاص في الدعوة.
5- فضل الاستغفار ووجوب التوبة.
6- تقديم الاستغفار على التوبة مشعر بأن العبد إذا لم يعترف أولا بذنبه لا يمكنه أن يتوب منه.

.تفسير الآيات (53- 57):

{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)}

.شرح الكلمات:

{بيّنة}: أي بحجة وبرهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده.
{وما نن بتاركي آلهتنا}: أي عبادة آلهتنا لأجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد.
{إلا اعتراك}: أي أصابك.
{بسوء}: أي بِخَبَل فأنت تهذي وتقول ما لا يقبل ولا يعقل.
{ثم لا تنظرون}: أي لاَ تمهلون.
{آخذ بناصيتها}: أي مالكها وقاهرها ومتصرف فيها. فلا تملك نفعاً ولا ضراً إلا بإِذنه.
{إن ربي على صراط مستقيم}: أي على طريق الحق والعدل.
{فإِن تولوا}: أصلها تتولوا فعل مضارع حذفت منه إحدى التائبين ومعناه تُدبروا.
{على كل شيء حفيظ}: أي رقيبٌ ولابد انه يجزي كل نفس بما كسبت.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في قصة هود مع قومه إذ أخبر تعالى عن قيل قوم هود إلى هود فقال: {قالوا يا هود ما جئتنا ببينّة} أي بحجة أو برهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وترك عبادة آلهتنا والاعتراف بنبوتك {وما نحن بتاركي آلهتنا} أي عبادتها {عن قولك} أي من أجل قولك انها لا تستحق أن تعبد لكونها لا تنفع ولا تضر، {وما نحن لك بمؤمنين} أي بمتابعين لك على دينك ولا مصدقين لك فيما تقول {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} أي ما نجد ما نقول فيك إلا أن بعض آلهتنا التي تسبها وتشتمها قد أصابتك بسوء بخبل وجنون فأنت تهذر وتهذي ولا تدري ما تقول. فأجابهم قائلا {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} فأعلن براءته في وضوح من آلهتهم وأنه لا يخافها إبطالا لدعواهم أنَّها أصابته بسوء، وأعلمهم أنه يشهد الله على ذلك، ثم أمرهم أن يشهدوا هم كذلك. وقوله: {من دونه} أي من دون الله من سائر الآلهة والشركاء ثم تحداهم مستخفا بهم وبآلهتهم، فقال: {فكيدوني جميعا} أي احتالوا على ضري ثم لا تنظرون أي لا تؤخرون ولا تمهلون، ثم كشف لهم عن مصدر قوته وهو توكله على ربّه فقال: {إني توكلت على الله ربي وربكم} أي فوضت أمري إليه وجعلت كل ثقتي فيه فهو لا يسلمني إليكم ولا يخذلني بينكم. ثم أعلمهم بإِحاطة قدرة الله بهم وقهره لهم فقال: {وما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها} أي قاهر لها متحكم فيها يقودها حيث شاء وينزل بها من العذاب ما يشاء، ثم أعلمهم أن ربّه تعالى على طريق العدل والحق فلا يُسلط أعداءه على أوليائه، فقال: {إن ربّي على صراط مستقيم} فلذا أنا لست بخائف ولا وجل ثم قال لهم {فإِن تولوا} أي فإِن تدبروا عن الحق وتعرضوا عنه فغير ضائري ذلك إذ أبلغتكم ما أرسلني به ربي إليكم وسيهلككم ويستخلف قوما غيركم، ولا تضروه شيئا من الضرر لا قليلا ولا كثيراً {إن ربّي على كل شيء حفيظ} أي رقيب، وسيجزي كلا بما كسب بعدله ورحمته.
وله الحمد والمنة.

.من هداية الآيات:

1- بيان مدة مجاحدة ومكابرة المشركين في كل زمان ومكان.
2- تشابه الفكر الشركي وأحوال المشركين إذ قول قوم هود {إن نقول إلا اعتراك}..
الخ. يردده جهلة السلمين وهو فلان ضربه الولي الفلاني.
3- مواقف أهل الإِيمان واحدة فما قال نوح لقومه متحدياً لهم قاله هود لقومه.
4- تقرير مبدأ أن كل شيء في الكون خاضع لتدبير الله لا يخرج عما أراده له أو به.

.تفسير الآيات (58- 60):

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}

.شرح الكلمات:

{ولما جاء أمرنا}: أي بعذابهم وهي الريح الصرر.
{برحمة منا}: أي بفضل منا ونعمة.
{جبار عنيد}: أي مستكبر عن الحق لا يذعن له ولا يقبله.
{ويوم القيامة}: أي ولعنة في يوم القيامة.
{ألا بعداً لعاد}: أي هلاكاً لعاد وإبعاداً لهم من كل رحمة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في هود وقومه قال تعالى: {ولما جاء أمرنا} أي عذابنا {نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا} أي بلطف وفضل ونعمة {ونجيناهم من عذاب غليظ} هو عذاب يوم القيامة فهما نجاتان نجاة في الدنيا من عذاب الريح العقيم الصرر التي دمرت كل شيء بأمر ربها ونجاة من عذاب النار يوم القيامة وهي أعظم. وقوله تعالى: {وتلك عاد} أي هذه عاد قوم هود جحدوا بآيات ربهم فلم يؤمنوا وعصوا رسله أي هوداً وجمُع لأن من كذب برسول كأنما كذب بكل الرسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} أي اتبعوا أمر دعاة الضلالة من أهل لكبر والعناد للحق فقادوهم إلى سخط الله وأليم عقابه وقوله: {واتبعوا في هذه الدنيا لعنة} أي اتبعهم الله غضبه وسخطه وهلاكه، ويوم القيامة كذلك وأشد. ويختم الحديث عن هذه القصة بقول الله تعالى: {ألا إن عاداً كفروا ربهم} أي جحدوه فلم يعترفوا بألوهيته. وعبادته {ألا بعداً} أي هلاكاً لعادٍ قوم هود. فهل يعتبر مشركو قريش بهذه القصة فيؤمنو ا ويوحدوا فينجوا ويفلحوا.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد إذ القصة كلها مسوقة لذلك.
2- بيان سنة الله في الأولين وهي انه يبعث الرسل مبشرين ومنذرين فَإِنِ استجابَ المرسل إليهم سعدوا، وإن لم يستجيبوا يمهلهم حتى تقوم الحجة عليهم ثم يهلكهم، وينجي المؤمنين.
3- التنديد بالكبر والعناد إذ هما من شر الصفات الخلقية في الإِنسان.
4- اتباع الطغاة والظلم والكفر والفساد لا تقود إلا إلى الدمار والخسار.