فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (96- 99):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}

.شرح الكلمات:

{موسى}: هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله إلى بني إسرائيل.
{بآياتنا}: هي التسع الآياتِ الذي ذكر أكثرها في آية الأعراف.
{وسلطان مبين}: أي بحجة قوية على عدو الله فرعون فهزمه بها.
{وملئه}: أي أشرف رجال دولة فرعون.
{وما أمر فرعون برشيد}: أي بذي رشد بل هو السفه كله.
{يقدم قومه}: أي تقدمهم إلى النار فأوردهم النار.
{بئس الورد المورود}: أي قبح وساء ورداً يورد النار.
{وأتبعوا في هذه لعنة}: أي ألحقتهم في دار الدنيا لعنة وهي غرقهم.
{بئس الرفد المرفود}: أي قبح الرفد الذي هو العطاء المرفود به أي المعطي لهم. والمرا لعنة الدنيا ولعنة الآخرة.

.معنى الآيات:

هذه لمحة خاطفة لقصة موسى عليه السلام مع فرعون تصمنتها أربع آيات قصار قال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى} أي بعد إرسالنا شعيباً إلى أهل مدين أرسلنا موسى بن عمران مصحوباً بآياتنا الدالة على إرسالنا له وصدق ما يدعوا إليه ويطالبه به وسلطان مبين أي أي وحجة قوية ظاهرة على وجوب توحيد الله تعالى وبطلان أولوهية من عداه كفرعون عليه لعائن الله {إذ قال ما علمت لكم من إله غيري} وقوله تعالى: {إلى فرعون وملئه} أرسلناه بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وأشراف جنده وزعُماء دولته فأمرهم موسى باتباع الحق وترك الباطل فأبوا واتبعوا أمر فرعون فأَلهم. {وما أمر فرعون برشيد} حتى يهدي إلى الفلاح من اتبعه. قال تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة} أي يتقدمهم إلى النار فيوردهم حياضها {وبئس الورد المورود} أي نار جهنم قوله تعالى: {واتبعوا في هذه لعنة} أي فرعون وقومه لعنوا في الدنيا، ويوم القيامة يلعنون أيضا {فبئس الرفد المرفود} وهما لعنة الدنيا ولعنة الآخرة، والرفد العون والعطاء والمرفود به هو المعان به والمعطي لمن يرفد من الناس.

.من هداية الآيات:

1- من كتب الله شقاءه لا يؤمن بالآيات بل يردها ويكذب بها حتى يهلك.
2- قوة الحجج وكثرة البراهين لا تستلزم إذعان الناس وإيمانهم.
3- التحذير من اتباع رؤساء الشر وأئمة الفساد والضلال.
4- ذم موارد الباطل والشر والفساد.
5- شر المعذبين من جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

.تفسير الآيات (100- 102):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}

.شرح الكلمات:

{ذلك}: الإِشارة إلى قصص الأنبياء الذي تقدم في السورة.
{من أنباء القرى}: أي أخبار أهل القرى قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون.
{منها قائم وحصيد}: منها مدن بقيت آثارها كمدائن صالح، ومنها مدن لم يبق منها شيء كديار عاد.
{التي يدعون}: أي يعبدونها بالدعاء وغيره كالذبح لها والنذور والحلف بها.
{غير تتبيت}: أي تخسير وهلاك.
{إذا أخذ القرى}: أي عاقبها بذنوبها.
{أليم شديد}: أي موجع شديد الإِيجاع.

.معنى الآيات:

لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة ما قص من أخبار الأمم السابقة خاطبه قائلا {ذلك} أي ما تقدم في السياق {من أنباء القرى} أي أهلها نقصه عليك تقريراً لنبوتك وإثباتاً لرسالتك وتثبيتاً لفؤادك وتسلية لك. وقوله تعالى: {منها قائم وحصيد} أي ومن تلك القرى البائدة منها آثار قائمة من جدران وأطلال، ومنها ما هو كالحصيد ليس فيه قائم ولا شاخص لاندراسها وذهاب آثارها. وقوله تعالى: {وما ظلمناهم} بإِهلاكنا إياهم ولكن هم ظلموا أنفسهم بالشر والمعاصي والمجاحدة لآياتنا والمكابرة لرسولنا. وقوله تعالى: {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون. من دون الله من شيء} أي لم تغن عنهم أصنامهم التي اتخذوها آلهة عبدوها بأنواع العبادات من دعاء ونذر وذبح وتعظيم إذ لم تغن عنهم شيئاً من الإِغناء {لما داء أمر ربك} بعذابهم {وما زادوهم غير تتبيت} أي تخسير ودمار وهلاك. ثم في الآية الأخيرة قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {وكذلك أخذ ربك} أي وكذلك الأخذ المذكور أخذ ربك {أذا أخذه أليم شديد} أي ذو وجع شديد لا يطاق فهل يعتبر المشركون والكافرون والظالمون اليوم فيترك المشركون شركهم والكافرون كفرهم والظالمون ظلمهم قبل أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم؟.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونشر رسالته وتسليته بما بقص الله عليه من أنباء السابقين.
2- تنزه الله تعالى عن الظلم في أهلاك أهل الشرك والمعاصي.
3- آلهة المشركين لم تغن عنهم عند حلول النقمة بهم شيئا.
4- التنديد بالظلم وسوء عاقبة الظالمين.

.تفسير الآيات (103- 109):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}

.شرح الكلمات:

{لآية}: أي علامة على أن الذي عذّب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة.
{يوم مشهود}: أي يشهد جميع الخلائق وهو يوم القيامة.
{إلا لأجل معدود}: أي أجل الدنيا المعدود الأيام والساعات.
{إلا بإِذنه}: أي إلا بإِذن الله تعالى.
{شقي وسعيد}: أي فمن أهل الموقف من هو شقي أزلاً وسيدخل النار، ومنهم سعيد أزلاً وسيدخل الجنة.
{زفير وشهيق}: أي صوت شديد وهو الزفير وصوت ضعيف وهو الشهيق.
{عطاء غير مجذوذ}: أي غير مقطوع بل هو دائم أبداً.
{فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء}: أي في شك من بطلان عبادة هؤلاء المشركين.
{نصيبهم غير منقوص}: ما قدر لهم من خير أو شر رحمة أو عذاب.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن في ذلك لآية} أي إن في أخذ الله تعالى للأمم الظالمة وتعذيبها بأشد أنواع العذاب آية أي علامة واضحة على أن من عذّب في الدنيا قادر على أن يعذب في الآخرة فالمؤمنون بلقاء الله تعالى يجدون فيما أخبر تعالى به من إهلاك الأمم الظالمة آية هي عبرة لهم فيواصلون تقواهم لله تعالى حتى يلاقوه وهم به مؤمنون ولأوامره ونواهيه مطيعون. وقوله تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس ولذلك يوم مشهود} أي ذلك الذي فيه عذاب الآخرة هو يوم القيامة حيث يجمع فيه الناس لفصل القضاء {وذلك يوم مشهود} إذا تشهده الخلائق كلها وقوله تعالى: {وما نؤخره إلا لأجل معدود} أي وما يؤخر يوم القيامة إلا لإِكمال عمر الدنيا المعدود السنين والأيام بل والساعات. وقوله تعالى: {يوم يأتي} أي يوم القيامة {لا تكلّم نفس إلا بإِذنه} أي بإِذن الله تعالى وقوله: {فمنهم شقي وسعيد} أي والناس فيه ما بين شقي وسعيد، وذلك عائد إلى ما كتب لكل إنسان من شقاوة أو سعادة في كتاب المقادير، أولاً، ولما كسبوا من خير وشر ثانياً. وقوله تعالى: {فأما الذين شقوا} أي في حكم الله وقضائه ففي النار لهم فيها زفير وهو صوت شديد وشهيق وهو صوت ضعيف والصوتان متلازمان إذ هما كأول النهيق وآخره عند الحمار. وقوله تعالى: {خالدين فيها} أي في النار {ما دامت السموات والأرض} أي مدة دوامهما، وقوله: {إلا ما شاء ربك} أن لا يخلد فيها وهم أهل التوحيد ممن ماتوا على كبائر الذنوب. وقوله تعالى: {إن ربك فعال لما يريد} أي إن ربك أيها الإِنسان فعال لما يريد إذا أرد شيئا فعله لا يحل بينه وبين فعله. وقوله: {وأما الذين سعدوا} أي حكم الله تعالى بسعادتهم لما وفقهم الله من الإِيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي {ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء رَبُّك} إذ إرادة الله مطلقة لا تحد إلا بمشيئته العليا وقوله: {عطاء غير مجذوذ} أي عطاء من ربك لأه لطاعته غير مقطوع أبداً وهذا دليل خلودهم فيها أبدا.
وقوله تعالى: {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه ربه تعالى أن يشك في بطلان عبادة المشركين أصنامهم فإِنهم لا دليل لهم على صحة عبادتها وإنما هم مقلدون لآبائهم يعبدون ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان وقوله تعالى: {وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} يخبر تعالى انه موفي المشركين ما كتب لهم من خير وشر أو رحمة وعذاب توفية كاملة لا نقص فيها بحال.

.من هداية الآيات:

1- فضل وفضيلة الإِيمان بالآخرة.
2- حتمية البعث الآخر وأنه لا شك فيه.
3- الشقاوة والسعاة مضى بهما القضاء والقدر قبل وجود الأشقياء والسعداء.
4- عجز كل نفس عن الكلام يوم القيامة حتى يؤذن لها به.
5- إرادة الله مطلقة، لو شاء أن يخرج أهل النار لأخرجهم منها ولو شاء أن يخرج أهل الجنة لأخرجهم إلا أنه حكم بما أخبر به وهو العزيز الحكيم.

.تفسير الآيات (110- 113):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}

.شرح الكلمات:

{الكتاب}: أي التوراة.
{ولولا كلمة سبقت}: أي لولا ما جرى به قلم القدر من تأخير الحساب والجزاء إلى يوم القيامة.
{لفي شك منه مريب}: أي موقع في الريب الذي هو اضطراب النفس وقلقها.
{فاسقتم كما أمرت}: أي على الأمر والنهي كما أمرك ربك بدون تقصير.
{ولا تطغوا}: أي لا تجاوزا حدود الله.
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}: أي لا تميلوا إليهم بموادة أو رضا بأعمالهم.
{فتمسكم النار}: أي تصيبكم ولازم ذلك دخولها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات وهو يبلغ دعوة الله تعالى ويدعو إلى توحيده مواجها صلف المشركين وعنادهم فيقول له. {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي التوراة كما أنزلنا عليك القرآن. فاختلفت اليهود في التوراة فمنهم من آمن بها ومنهم من كفر كا اختلف قومك في القرآن فمنهم من آمن به ومنهممنكفر إذاً فلا تحزن. وقوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك} وهي تأخير الجزاء على الأعمال في الدنيا إلى القيامة {لقضي بينهم} فنجى المؤمنين وأهلك الكافرين. وقوله تعالى: {وإنهم لفش شك منه مريب} وإن قومك من مشركي العرب لفي شك من القرآن هل هو وحي الله وكلامه أو هو غير ذلك مريب أن موقع في الريب الذي هو شك مع اضطراب النفس وقلقها وحيرتها وقوله تعالى: {وإن كلاّ لما ليوفينهم ربك أعمالهم} أي وإن كل واحد من العباد مؤمناً كان أو كافراً باراً أو فاجراً ليوفينّه جزاء عمله يوم القيامة ولا ينقصه من عمله شيئاً وقوله: {إنه بما يعملون خبير} لما أخبر به من الجزاء العادل إذ العلم بالعمل الخبرة التامة به لابد منهما للتوفية العادلة. وقوله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} أي بناء على ذلك فاستقم كما أمرك ربك في كتابه فاعتقد الحق واعمل الصالح واترك الباطل ولا تعمل الطالح أنت ومن معك من المؤمنين ليكون جزاؤكم خير جزاء يوم الحساب والجزاء. وقوله: {ولا تطغوا} أي لا تتجاوزوا ما حد لكم في الاعتقاد والقول والعمل وقوله: {إنه بما تعملون بصير} تحذير لهم من الطغيان الذي نهوا عنه، وتهديد لمن طغى فتجاوز منهج الاعتدال المأمور بالتزامه. وقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} أي لا تميلوا إلى المشركين بمداهنتهم أو الرضا بشركهم فتكونوا مثلهم فتدخلوا النار مثلهم فتمسكم النار كما مستهم، وقوله تعالى: {وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} أي إن أنتم ركنتم إلى الذين ظلموا بالشرك بربهم فكنتم في النار مثلهم فإِنكم لا تجدون من دون الله وليّاً يتولى أمر الدفاع عنكم ليخرجكم من النار ثم لا تنصرون بحال من الأحوال، وهذا التحذير وإن وجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداء فإِن المقصود به أمته إذ هي التي يمكنها فعل ذلك أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو معصوم من أقل من الشرك فكيف بالشرك.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يجده من جحود الكافرين.
2- بيان سبب تأخر العذاب في الدنيا، وهو أن الجزاء في الآخرة لا في الدنيا.
3- الجزاء الأخروي حتمي لا يتخلف أبداً إذ به حكم الحق عز وجل.
4- وجوب الاستقامة على دين الله تعالى عقيدة وعبادة وحكماً وأدباً.
5- حرمة الغلو وتجاوز ما حد الله تعالى في شرعه.
6- حرمة مداهنة المشركين أو الرضا بهم أو بعملهم، لأن الرضا بالكفر كفر.

.تفسير الآيات (114- 115):

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}

.شرح الكلمات:

{وأقم الصلاة}: أي صل الصلاة المفروضة.
{طرفي النهار}: أي الصبح، وهي في الطرف الأول، والظهر والعصر وهما في الطرف الثاني.
{وزلفاً من الليل}: أي ساعات الليل والمراد صلاة المغرب وصلاة العشاء.
{إن الحسنات يذهبن السيئات}: أي حسنات الصلوات الخمس يذهبن صغائر الذنوب التي تقع بينهن.
{ذلك ذكرى للذاكرين}: أي ذلك المذكور من قوله وأقم الصلاة عظة للمتعظين.
{المحسنين}: أي الذين يحسنون نياتهم وأقواله وأعمالهم بالإِخلاص فيها لله وأدائها على نحو ما شرع الله وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهدايتهم إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم فقال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل} أقمها في هذه الأوقات الخمس وهي الصبح والظهر والعصر المغرب والعشاء، ومعنى أقمها أدها على الوجه الأكمل لأدائها، فيكون ذلك الاداء حسنات يمحو الله تعالى بها السيئات، وقوله تعالى: {ذلك} أي المأمور به وما يترتب عليه {ذكرى} أي عظة {للذاكرين} أي المتعظين وقوله: {واصبر} أي على الطاعات فعلاً وتركاً وعلى أذي المشركين ولا تجزع {فإِن الله لا يضيع أجر المحسنين} أي جزاءهم يوم القيامة، والمحسنون هم الذين يخلصون أعمالهم لله تعالى ويؤدونها على الوجه الأكمل في أدائها فتنتج لهم الحسنات التي يذهب الله بها السيئات.

.من هداية الآيتين:

1- بيان أوقات الصلوات الخمس إذ طرفي النهار هما الصبح وفيها صلاة الصبح والعشيّ.
وفيها صلاة الظهر والعصر كما أن زلفاً من الليل هي ساعاته فيها صلاة المغرب والعشاء.
2- بيان سنة الله تعالى في أن الحسنة تمحو السيئة وفي الحديث: «الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينها ما لم تغش الكبائر».
3- وجوب الصبر والإِحسان وأنهما من أفضل الأعمال.

.تفسير الآيات (116- 119):

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}

.شرح الكلمات:

{فلولا}: لولا كلمة تفيد الحض على الفعل والحث عليه.
{من القرون}: أي أهل القرون والقرن مائة سنة.
{أولو بقية}: أي أصحاب بقيّة أي دين وفضل.
{ما أترفوا فيه}: أي ما نعموا فيه من طعام وشراب ولباس ومتع.
{وكانوا مجرمين}: أي لأنفسهم بارتكاب المعاصي ولغيرهم بحملهم على ذلك.
{بظلم}: أي منه لها بدون ما ذنب اقترفته.
{أمة واحدة}: أي على دين واحد وهو الإِسلام.
{ولذلك خلقهم}: أي خلق أهل الأختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله {فلولا كان من القرون} من قبلكم أيها الرسول والمؤمنون {أولو بقيّة} من فهم وعقل وفضل ودلين ينهون عن الشرك والتكذيب والمعاصي أي فهلاّ كان ذلك إنه لم يكن اللهم إلا قليلا ممن أنجى الله تعالى من اتباع الرسل عند إهلاك أممهم وقوله تعالى: {واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين} أي لم يكن بينهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجى الله وما عداهم كانوا ظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي متبعين ما اترفوا فيه من ملاذ الحياة الدنيا وبذلك كانوا مجرمين فأهلكهم الله تعالى ونجى رسوله والمؤمنين كما تقدم ذكره في قصة نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام. وقوله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} أي لم يكن من شأن ربّك أيها الرسول أن يهلك القرى بظلم من هو وأهلها مصلحون، ولكن يهلكهم بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك والتكذيب والمعاصي. وما تضمنته هذه الآية هو بيان لسنة الله تعالى في إهلاك الأمم السابقة ممن قص تعالى أنباءهم في هذه السورة. وقوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} أي على الإِسلام بأن خلق الهداية في قلوبهم وصرف عنهم الموانع، ولما لم يشأ ذلك لا يزالون مختلفين على أديان شتى من يهودية ونصرانية ومجوسيةوأهل الدين الواحد يختلفون إلى طوائف ومذاهب مختلفة وقوله: {إلا من رحم ربك} أيها الرسول ولا خلاف بينهم دينهم واحد وأمرهم واحد، وقوله: {ولذلك خلقهم} أي وعلى ذلك خلقهم فمنهم كافر ومنهم مؤمن، والكافر شقي والمؤمن سعيد، وقوله: {وتمت كلمة} أي حقت ووجبت وهي {لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين} ولذا كان اختلاقهم مُهيّئاً لهم لدخول جهنم حيث قضى الله تعالى بامتلاء جهنم من الجن والإِنس أجمعين فهو أمر لابد كائن.

.من هداية الآيات:

1- ما يزال الناس بخير ما وجد بينهم أولو الفضل والخير بأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن الفساد والشر.
2- الترف كثيرا ما يقود إلى الاجرام على النفس باتباع الشهوات وترك الصالحات.
3- متى كان أهل القرى صالحين فيهم آمنون من كل المخاوف.
4- الاتفاق رحمة والخلاف عذاب.

.تفسير الآيات (120- 123):

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}

.شرح الكلمات:

{وكلاّ نقص}: أي وكل ما تحتاج إليه من أنباء الرسل نقصه عليك تثبيتاً لفؤادك.
{ما نثبت به فؤادك}: أي نقص عليك من القصص ما نثبت به قلبك لتصبر على دعوتنا وتبليغها.
{وجاءك في هذه الحق}: أي في هذه السورة الحق الثابت من الله تعالى كما جاءك في غيرها.
{وموعظة وذكرى}: أي وجاءك فيها موعظة وذكرى للمؤمنين إذ هم المنتفعون بها.
{ولله غيب السموات والأرض}: أي ما غاب علمه فيهما فالله يعلمه وحده وليس لغيره فيه علم.
{فاعبده}: أي وَحِّدْهُ في العباده ولا تشرك به شيئا.
{وتوكل عليه}: أي فوض أمرك إليه وثق تمام الثقة فيه فإِنه يكفيك.

.معنى الآيات:

لما قص تعالى على رسوله في هذه السورة الشريفة ما قصه من أنباء الرسل مع أممهم مبيّناً ما لاقت الرسل من أفراد أممهم من تكذيب وعناد ومجاحدة وكيف صبرت الرسل حتى جاءها النصر أخبر تعالى رسوله بقوله: {وكلاّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} أي ونقص عليك كل ما تحتاج إليه في تدعيم موقفك وقوة عزيمتك من أنباء الرسل أي من أخبارها مع أممها الشيء الذي نثبت به قلبك حتى تواصل دعوتك وتبلغ رسالتك. وقوله: {وجاءك في هذه} أي السورة الحق من الأخبار كما جاءك في غيرها {وموعظة} لك تعظ بها غيرك، {وذكرى} يتذكر بها المؤمنون فيثبتون على الحق ويصبرون على الطاعة والبلاء فلا يجزعوا ولا يملوا، وقوله: {وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون} أي وقل يا رسولنا للذين لا يؤمنون من قومك ممن هم مصرون على التكذيب والشرك والعصيان اعملوا على حالكم وما أنتم متمكنون منه إنا عاملون على حالنا كذلك،
وانتظروا أيّنا ينتصرة في النهاية أو ينكسر. وقوله ولله غيب السموات والأرض فهو وحده يعلم متى يجيء النصر ومتى تحق الهزيمة. وإليه يرجع الأمر كله أمر الانتصار والانكسار كأمر الهداية والاضلال والإِسعاد والاشقاء، وعليه فاعبده يا رسولنا وحده وتوكل عليه وحده، فإِنه كافيك كل ما يهمك من الدنيا والآخرة، وما ربك بغافل عما تعملون أيها الناس وسيجزي كلاّ بما عمل من خَيْرٍ أو غيرٍ وهو على كل شيء قدير.

.من هداية الآيات:

1- بيان فائدة القصص القرآني وهي أمور منها:
أ- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- إيجاد مواعظ وعبر للمؤمنين.
ج- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- علم الغيب لله وحده لا يعلمه غيره.
3- مرد الأمور كلها لله بداءاً وعوداً ونهاية.
4- وجوب عبادة الله تعالى والتوكل عليه.