فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (90- 94):

{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}

.شرح الكلمات:

{فتنتم به}: أي ابتليتم به أي بالعجل.
{لن نبرح عليه عاكفين}: أي لن نزال عاكفين على عبادته.
{إذ رأيتهم ضلوا}: أي بعبادة العجل واتخاذه الهاً من دون الله تعالى.
{لا تأخذ بلحيتي}: حيث أخذ موسى من شدة غضبه بلحية أخيه وشعر رأسه يجره إليه يعذله ويلوم عليه.
{ولم ترقب قولي}: أي ولم تنتظر قولي فيما رأيته في ذلك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى وقومه بعد رجوعه إليهم من المناجاة فقوله تعالى: {ولقد قال لهم هارون من قبل} أي من قبل رجوع موسى قال لهم أثناء عبادتهم العجل يا قوم إن العجل ليس إلهكم ولا إله موسى وإنما هو فتنة فتنتم به ليرى الله تعالى صبركم على عبادته ولزوم طاعة رسوله، وليرى خلاف ذلك فيجزى كلاً بما يستحق وقال لهم: {وإن ربكم الرحمن} الذي شاهدتم آثار رحمته في حياتكم كلها فاذكروها {فاتبعون} في عبادة الله وحده وترك عبادة غيره {وأطيعوا أمري} فإني خليفة موسى الرسول فيكم فأجاب القوم الضالون بما أخبر تعالى عنهم بقوله: {قالوا لن نبرح عليه عاكفين} أي لن نزول عن عبادته والعكوف حوله {حتى يرجع إلينا موسى}. ولما سمع موسى من قومه ما سمع التفت إلى هارون قائلاً معاتباً عازلاً لائماً {يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا} أي بعبادة العجل {ألا تتبعني} أي بمن معك من المسلمين وتترك المشركين، {أفعصيت أمري}، ومن شدة الوجد وقوة اللوم والعذل أخذ بشعر رأسي أخيه بيمينه وأخذ بلحيته بيساره وجره إليه وهو يعاتبه ويلوم عليه فقال هارون: {يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} إن لي عذراً في عدم متابعتك وهو إني خشيت إن أتيتك ببعض قومك وهم المسلمون وتركت بعضاً آخر وهو عباد العجل {أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} وذلك لا يرضيك. {ولم ترقب قولي} أي ولم تنظر قولي فيما رأيت في ذلك.

.من هداية الآيات:

1- معصية الرسول تؤدي إلى فتنة العاص في دينه ونياه.
2- جواز العذل والعتاب للحبيب عند تقصيره فيما عهد به إليه.
3- جواز الاعتذار لمن اتهم بالتقصير وان حقا.
4- قد يخطئ المجتهد في اجتهاده وقد يصيب.

.تفسير الآيات (95- 98):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}

.شرح الكلمات:

{فما خطبك}: أي ما شأنك وما هذا الأمر العظيم الذي صدر منك.
{بصرت بما لم يبصروا به}: أي علمت من طريق الإبصار والنظر ما لم يعلموا به لأنهم لم يروه.
{قبضة من أثر الرسول}: أي قبضت قبضة من تراب حافر فرس الرسول جبريل عليه السلام.
{فنبذتها}: أي القيتها وطرحتها على الحلى المصنوع عجلاً.
{سولت لي نفسي}: أي زينت لي هذا العمل الذي هو صنع العجل.
{أن تقول لا مساس}: أي اذهب تائها في الأرض طول حياتك وأنت تقول لا مساس أي لا يمسني أحد ولا أمسه لما يحصل من الضرر العظيم لمن تمسه أو يمسك.
{إلهك}: أي العجل.
{ظلت}: أي ظللت طوال الوقت عاكفاً عليه.
{في اليم نسفاً}: أي في البحر ننسفه بعد إحراقه وجعله كالنشارة نسفاً.
{إنما الهكم الله}: أي لا معبود إلا الله لا إله إلا هو.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار بين موسى وقومه فبعد لومه أخاه وعذله له التفت إلى السامرى المنافق إذ هو من عباد البقر وأظهر الإسلام في بني إسرائيل، ولما اتيحت له الفرصة عاد إلى عبادة البقر فصنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته فقال له: في غضب {فما خطبك يا سامري} أي ما شأنك وما الذي دعاك إلى فعلك القبيح الشنيع هذا فقال السامري كالمعتذر {بصرت بما لم يبصروا به} أي علمت ما لم يعمله قومك {فقبضت قبضة من أثر} حافز فرس {الرسول فنبذتها} في الحلي المصنوع عجلاً فخار كما تخور البقر. {وكذلك سولت لي نفسي} ذلك أي زينته لي وحسنته ففعلته، وهنا أجابه موسى عليه السلام بما أخبر تعالى به في قوله: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} أي لك مدة حياتك أن تقول لمن أراد أن يقربك لا مساس أي لا تمسني ولا أمسك لتتيه طول عمرك في البرية مع السباع والحيوان عقوبة لك على جريمتك، ولا شك أن فراره من الناس وفرار الناس منه لا يكون مجرد أنه لا يرقب في ذلك، لعله قيل إنها الحمى فإذا مس أحد حممعاً أي أصابتهما الحمى معاً كأنه اسلاك كهربائية مكشوفة من مسها تكهرب منها. وقوله له: {وإن لك موعداً لن تخلفه}، أي ذاك النفي والطرد عذاب الدنيا، وإن لك عذاباً آخر يوم القيامة في موعد لن تخلفه أبداً فهو آت وواقع لا محالة.
وقوله أي موسى للسامري: {وانظر إلى إلهك} المزعوم {الذي ظلت عليه عاكفاً} تعبده لا تفارقه، والله {لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً} وفعلاً حرقه ثم جعله كالنشارة وذره في البحر تذرية حتى يعثر له على أثر، ثم قال لأولئك الذين عبدوا العجل المغرر بهم المضللين: {إنما إلهكم} الحق الذي تجب له العبادة والطاعة {الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً} أي وسع علمه فهو عليم بكل شيء وقدير على كل شيء وما عداه فليس له ذلك ولم لم يكن ذا قدرة على شيء وعلم بكل شيء فكيف يُعبد ويُطاع.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية الاستنطاق للمتهم والاستجواب له.
2- ما سولت النفس لأحد ولا زينت له شيئاً إلا تورط فيه إن هو عمل بما سولته له،
3- قد يجمع الله تعالى للعبد ذي الذنب العظيم بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
4- مشروعية هجران المبتدع ونفيه وطرده فلا يسمح لأحد بالاتصال به والقرب منه.
5- كسر الأصنام والأوثان والصور وآلات اللهو والباطل الصارفة عن عباد الله تعالى.

.تفسير الآيات (99- 104):

{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)}

.شرح الكلمات:

{كذلك}: أي كما قصصنا عليك هذه القصة قصة موسى وفرعون وموسى وبني إسرائيل نقص عليك من أنباء الرسل.
{من لدنا ذكراً}: أي قرآناً وهو القرآن الكريم.
{من أعرض عنه}: أي لم يؤمن به وبم يقرأه ولم يعمل به.
{وزراً}: أي حملاً ثقيلاً من الآثام.
{يوم ينفخ في الصور}: أي النفخة الثانية وهي نفخة البعث، والصور هو القرن.
{زرقا}: أي عيونهم زرق ووجوههم سود آية أنهم أصحاب الجحيم.
{يتخافتون بينهم}: أي يخفضون أصواتهم يتسارون بينهم من شدة الهول.
{أمثلهم طريقة}: أي أعدلهم رأياً في ذلك، وهذا كله لعظم الموقف وشدة الهول والفزع.

.معنى الآيات:

بعد نهاية الحديث بين موسى وفرعون، وبين موسى، وبني إسرائيل قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {كذلك نقص عليك} أي كما قصصنا عليك ما قصصنا من نبأ موسى وفرعون وخبر موسى وبني إسرائيل نقص عليك {من أنباء قد سبق} أي أحداث الأمم السابقة ليكون ذلك آية نبوتك ووحينا إليك، وعبرة وذكرى للمؤمنين. وقوله تعالى: {وقد آتيناك من لدنا ذكراً} أي وقد أعطيناك تفضلا منا ذكرا وهو القرآن العظيم يذكر به العبد ويهتدي به إلى سبيل النجاة والسعادة، وقوله: {من أعرض عنه} أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه {فإنه يحمل يوم القيامة وزراً} أي اثماً عظيماً لأنه لم يعمل صالحاً ولك عمله كان سيئاً لكفره وعدم إيمانه، {خالدين فيه} أي في ذلك الوزر في النار، وقوله: {وساء لهم يوم القيامة حملاً} أي قبح ذلك الحمل حملاً يوم القيامة إذ صاحبه لا ينجو من العذاب بل بطرح معه في جهنم يخلد فيها وقوله: {يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين} أي المكذبين بالدين الحق العاملين بالشرك والمعاصي {يومئذ} أي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية {زرقا} أي الأعين مع اسوداد الوجوه وقوله: {يتخافتون بينهم} أي يتهامسون بينهم يسأل بعضهم بعضاً كما لبثتم في الدنيا وفي القبور فيقول البعض: {إن لبثتم الا عشراً} أي ما لبثتم إلا عشر ليال، وقوله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة} أي أعدلهم رأياً {إن لبثتم إلا يوماً}، وهذا التقال للزمن الطويل سببه هول القيامة وعظم ما يشاهدون فيها من ألوان الفزع والعذاب.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يقص تعالى انباء ما قد سبق بعد قصه عليه أنباء موسى وفرعون بالحق، وايتائه القرآن الكريم.
2- كون القرآن للذاكرين لما يحمل من الحجج والدلائل والبراهين.
3- سوء حال المجرمين يوم القيامة، الذين أعرضوا عن القرآن الكريم.
4- عظم أهوال يوم القيامة حتى يتقال معها المرء مدة الحياة الدنيا التي هي آلاف الأعوام.

.تفسير الآيات (105- 112):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}

.شرح الكلمات:

{يسألونك عن الجبال}: أي المشركون عن الجبال كيف تكون يوم القيامة.
{فقل ينسفها ربي نسفا}: أي يفتتها ثم تذرها الرياح فتكون هباء منثاً.
{قاعاً صفصفا}: أي مستوياً.
{عوجا ولا أمتا}: أي لا ترى فيها انخفاضاً ولا ارتفاعاً.
{الداعي}: أي إلى المحشر يدعوهم إليه للعرض على الرب تعالى.
{وخشعت الأصوات}: أي سكنت فلا يسمع الهمس وهو صوت الأقدام الخلفي.
{ورضى له قولاً}: بأن قال لا إله إلا الله من قلبه صادقاً.
{ولا يحيطون به علما}: الله تعالى ما بين أيدي الناس وما خلفهم، وهو لا يحيطون به علما.
{وعنت الوجوه للحي القيوم}: أي ذلت وخضعت للرب الحي الذي لا يموت.
{من حمل ظلما}: أي جاء يوم القيامة يحمل أوزار الظلم وهو الشرك.
{ظلما ولا هضما}: أي لا يخاف ظلما بأن يزاد في سيئاته ولا هضماً بأن ينقص من حسناته.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله: {ويسألونك} أي المشركين من قومك المكذبين بالبعث الآخر والجزاء {عن الجبال} عن مصيرها يوم القيامة فقل له: {ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} أي أجبهم بان الله تعالى يفتتها ثم ينسفها فتكون هباء منبثاً، فيترك أماكنها قاعاً صفصفاً أي أرضاً مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا أي لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً. وقوله: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} أي يوم تقوم القيامة فينشرون يدعوهم الداعي هلموا إلى أرض المحشر فلا يميلون عن صوته يمنة ولا يسرة وهو معنى لا عوج له. وقوله تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن} أي ذلت وسكنت {فلا تسمع إلا همساً} وهو صوت خفي كأصوات خفاف الإبل إذا مشت وقوله تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا} أي يخبر تعالى انهم يوم جمعهم للمحشر لفصل القضاء لا تنفع شفاعة أحدٌ أحداً إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة، ورضى له قولا أي وكان المشفوع فيه من أهل التوحيد لا إله إلا الله وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً} أي يعلم ما بين أيدي أهل المحشر أي ما يسيحكم به عليهم من جنة أو نار، وما خلفهم مما تركوه من أعمال في الدنيا، وهم لا يحيطون به عز وجل علماً، فلذا سيكون الجزاء عادلاً رحيماً، وقوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم} أي ذلت وخضعت كما يعنو بوجهه الأسير، والحي القيوم هو الله جل جلاله وقوله تعالى: {وقد خاب} أي خسر {من حمل ظلماً} ألا وهو الشرك والعياذ بالله وقوله تعال: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن} والحال أنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والبعث الآخر فهذا لا يخاف ظلما بالزيادة في سيآته، ولا هضما بنقص من حسناته، وهي عدالة الله تعالى تتجلى في موقف الحساب والجزاء.

.من هداية الآيات:

1- بيان جهل المشركين في سؤالهم عن الجبال.
2- تقرير مبدأ البعث الآخر.
3- لا شفاعة لغير أهل التوحيد فلا يَشفع مشرك، ولا يُشفع لمشرك.
4- بيان خيبة المشركين وفوز الموحدين يوم القيامة.

.تفسير الآيات (113- 115):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)}

.شرح الكلمات:

{وكذلك أنزلنا}: أي مثل ذلك الإنزال أنزلنا قرآناً عربياً أي بلغة العرب ليفهموه.
{وصرفنا فيه من الوعيد}: أي من أنواع الوعيد، وفنون العذاب الدنيوي والأخروى.
{أو يحدث لهم ذكرا}: أي بهلاك الأمم السابقة فيتعظون فيتوبون ويسلمون.
{فتعالى الله الملك الحق}: أي عما يقول المفترون ويشرك المشركون.
{ولا تعجل بالقرآن}: أي بقرءاته.
{من قبل أن يقضى إليك وحيه}: أي من أن يفرغ جبريل من قراءته عليك.
{عهدنا إلى آدم}: أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة.
{فنسي}: أي عهدنا وتركه.
{ولم نجد له عزما}: أي حزما وصبراً عما نهياه عنه.

.معنى الآيات:

يقول تعالى: {وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً} أي ومثل ما أنزلنا من تلك الآيات المشتملة على الوعد والوعيد أنزلنا القرآن بلغة العرب ليفهموه ويهتدوا به {وصرفنا فيه من الوعيد} أي بينا فيه من أنواع الوعيد وكررنا فنون العذاب الدنيوي والأخروى لعل قومك أيها الرسول يتقون ما كان سببا في اهلاك الأمم السابقة وهو الشرك والتكذيب والمعاصي {أو يحدث لهم ذكرا} أي يوجد لهم ذكرا في أنفسهم فيتعظون فيتوبون من الشرك والتكذيب للرسول ويطيعون ربهم فيكملون ويسعدون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (113).
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} فإن الله تعالى يخبر عن علوه من سائر خلقه وملكه لهم وتصرفه فيهم وقهره لهم، ومن ثم فهو منزه عن الشريك والولد وعن كل نقص يصفه به المفترون الكذابون.
وقوله: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} يعلم تعالى رسوله كيفية تلقي القرآن عن جبريل عليه السلام فيرشده إلى أنه لا ينبغي أن يستعجل في قراءة الآيات ولا في إملائها على أصحابها ولا في الحكم بها حتى يفرغ جبريل من قراءتها كاملة عليه وبيان مراد الله تعالى منها في إنزالها عليه. وطلب إليه أن يسأله المزيد من العلم بقوله: {وقل رب زدني علما}، وفيه إشعار بأنه دائماً في حاجة إلى المزيد، ولذا فلا يستعجل ولكن يتريث ويتمهل، وهذا علماء أمته أحوج منه صلى الله عليه وسلم فالاستعجال في الفيتا وفي اصدار الحكم كثيراً ما يخطئ صاحبهما.
وقوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما} يقول تعالى مخبراً رسوله والمؤمنين ولقد وصينا آدم من قبل هذه الأمم التي أمرناها ونهيناها فلم يطع أكثرها وصيناه بأن لا يطيع عدوه إبليس وأن لا يأكل من الشجرة فترك وصيتنا ناسيا لها غير مبال بها وأطاع عدوه وأكل من الشجرة، ولم نجد له عزماً بل ضعف أمام الإغراء والتزيين فلم يحفظ العهد ولم يصبر على الطاعة، فكيف إذاً بغير آدم من سائر ذرياته فلذا ينبغي أن لا تأسى ولا تحزن على عدم ايمان قومك بك واستجابتهم لدعوتك.

.من هداية الآيات:

1- بيان الحكمة من إنزال القرآن باللسان العربي وتصريف الوعيد فيه.
2- اثبات علو الله تعالى وقهره لعباده وملكه لهم وتنزهه عن الولد والشريك كل نقص يصفه به المبطلون.
3- استحباب التريث والتأني في قراءة القرآن وتفسيره وإصدار الحكم والفيتا منه.
4- الترغيب في طلب العلم والمزيد من التحصيل العلمي وإشعار النفس بالجهل والحاجة إلى العلم.
5- التسلية بنسيان آدم وضعف قلبه أمام الإغراء الشيطاني.

.تفسير الآيات (116- 122):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}

.شرح الكلمات:

{وإذ قلنا للملائكة}: أي اذكر قولنا للعظة والاعتبار.
{إلا إبليس أبى}: أي امتنع من السجود لكبر في نفسه إذ هو ليس من الملائكة وإنما هو ابن الجان كان مع الملائكة يعبد الله معهم.
{عدو لك ولزوجك}: أي حواء ومعنى عدو أنه لا يحب لكما الخير بل يريد لكما الشر.
{فتشقى}: أي بالعمل في الأرض إذ ترزع وتحصد وتطحن وتخبز حتى تتغذى.
{لا تظمأ فيها ولا تضحى}: أي لا تعطش ولا يصيبك حر شمس الضحى المؤلم في الأرض.
{شجرة الخلد}: أي التي يخلد من أكل منها.
{وملك لا يبلى}: أي لا يفنى ولا يبيد ولازم ذلك الخلود.
{فبدت لهما سواءتهما}: أي ظهر كل منها قُبُلَ صاحبه ودُبَرهُ فاستاءا لذلك.
{وطفقا يخصفان}: أي أخذا وجعلا يلزقان ورق الشجر عليهما ستراً لسوءاتهما {فغوى}: أي بالأكل من الشجرة المهني عنها.
{فاجتباه ربه فتاب عليه}: أي اختاره لولايته فهداه فتاب ليكون عبداً صالحاً.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى ضعف آدم عليه السلام حيث عهد الله إليه بعدم طاعة إبليس حتى لا يخرجه هو وزوجه من الجنة، وأن آدم نسي العهد فأكل من الشجرة ناسب ذكر قصة آدم بتمامها ليكون موعظة للمتقين وهدى للمؤمنين فقال تعال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم واذكر {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} وسجودهم عبادة الله تعالى وتحية لآدم لشرفه وعلمه. فامتثلت الملائكة أمر الله {فسجدوا} كلهم اجمعون {إلا إبليس أبى} أن يسجد لما داخله من الكبر ولأنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن إلا أنه يتعبد الله تعالى مع الملائكة في السماء. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (116).
وقوله تعالى: {فقلنا يا آدم} أي بعد أن تكبر إبليس عن السجود لآدم نصحنا آدم وقلنا له {إن هذا} أي إبليس {عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} أي فلا تطيعانه فأن طاعته تكون سبب أخراجكما من الجنة ومتى خرجتما منها شقيتما، ووجه الخطاب إلى آدم في قوله تعالى: {فتشقى} لأن المراد من الشقاء هنا العمل كالزرع والحصاد وغيرهما مما هو ضروري للعيش خارج الجنة والزوج هو المسئول عن إعاشة زوجته فهو الذي يشقى دونها، وقوله تعالى لآدم: {إن لك ألا تجوع فيها} أي في الجنة {ولا تعرى}، {وإنك لا تظمأ فيها} أي لا تعطش {ولا تضحى} أي لا تتعرض لحر الشمس ضحى كما هي في الأرض والخطاب وإن كان لآدم فحواء تابعة له بحكم رئاسة الزوج على زوجته، ومن الأدب خطاب الرجل دون امرأته إذ هي تابعة له وقوله تعالى: {فوسوس إليه الشيطان} أي ناداه من طريق الوسوسة. {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} فقبل منه ذلك آدم واستجاب لوسوسته فأكلت حواء أولاً ثم أكل آدم وهو قوله تعالى: {فأكلا منها} فترتب على ذلك انكشاف سوءاتهما لهما بذهاب النور الساتر لهما بمعصية لله تعالى وقوله تعالى: {فطفقا يخصفان عليهما} من ورق الشجر أي فأخذا يشدان ورق الشجر على عوراتهما ستراً لهما لأن منظر العورة يسوء الآدمي ولذلك سميت العورة سوءة وهكذا عصى آدم ربه باستجابته لوسواس عدوه وأكله من الشجرة فبذلك غوى، إلا أن ربه تعالى اجتباه أي نبياً وقربه ولياً {فتاب عليه وهدى} وهداه للعمل بطاعته ليكون من جملة أصفيائه وصالح عباده.
والحمد لله ذي الإنعام والإفضال.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بذكر مثل هذا القصص الذي لا يعلم إلا بالوحي الإلهي.
2- تقرير عداوة إبليس لبني آدم.
3- بيان أن الجنة لا نصب فيها ولا تعب، وإنما ذلك في الأرض.
4- التحذير من أخطار الاستجابة لوسوسة إبليس فإنها تُردى صاحبها.
5- ضعف المرأة وقلة عزمها فقد أكلت قبل آدم فسهلت عليه المعصية.
6- كون المرأة تابعة للرجل وليس لها أن تستقل بحال من الأحوال.
7- حرمة كشف العورات ووجوب سترها.
8- إثبات نبوة آدم وتوبة الله عليه وقبولها منه وهدايته إلى العمل بمحابة وترك مكارهه.