فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (59- 65):

{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}

.شرح الكلمات:

{بآلهتنا}: أي بأصنامكم التي سموها آلهة لأنهم يعبدونها ويؤلهونها.
{فتى يذكرهم}: أي بالعيب والإنتقاص.
{على أعين الناس}: أي ظاهراً يرونه بأعينهم.
{يشهدون}: أي عليه بأنه الذي كسر الآلهة، ويشهدون العقوبة التي ننزلها به.
{أأنت فعلت هذا}: هذه صيغة الاستنطاق والاستجواب.
{بل فعله كبيرهم هذا}: أشار إلى أصبعه نحو الصنم الكبير الذي علق به الفاس قائلاً بل فعله كبيرهم هذا وَوَرَّى بإصبعه تحاشيا للكذب.
{فرجعوا إلى أنفسهم}: أي بعد التفكر والتأمل حكموا على أنفسهم بالظلم لعبادتهم مالا ينطق.
{نسكوا على رؤوسهم}: أي بعد اعترافهم بالحق رجعوا إلى اقرار الباطل فكانوا كمن نكس فجعل رأسه أسفل ورجلاه أعلى.
{ما هؤلاء ينطقون}:

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما دار بين إبراهيم الخليل وقومه من حوار حول العقيدة انه لما استغل إبراهيم فرصة خروج القوم إلى عيدهم خارج البلد ودخل البهر فكسر الآلهة فجعلها قطعاً متناثرة وعلق الفأس بكبير الآلهة المزعومة وعظيمها وخرج فلما جاء المساء وعادوا إلى البلد ذهبوا إلى الآلهة المزعومة لأخذ الطعام الموضوع بين يديها لتباركه في زعمهم واعتقادهم الباطل وجدوها مهشمة مكسرة صاحوا قائلين: {من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} فأجاب بعضهم بعضاً قائلاً: {سمعنا فتى يذكرهم} أي شاباً يذكر الآلهة بعيب وازدراء، واسمه إبراهيم، وهنا قالوا إذاً {فأتوا به على أعين الناس} لنشاهده ونحقق معه فإذا ثبت أنه هو عاقبناه وتشهد الناس عقوبته فيكون ذلك نكالاً لغيره، وجاءوا به عليه السلام وأخذوا في استنطاقه فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم: {أأنت فعلت هذا} أي التكسير والتحطيم {يا إبراهيم}؟ فأجابهم بما أخبر تعالى به عنه بقوله: {قال بل فعله كبيرهم هذا} يشير بأصبعه إلى كبير الآلهة تورية، {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} تقريعاً لهم وتوبيخاً وهنا رجعوا إلى أنفسهم باللائمة فقالوا: {إنكم أنتم الظالمون} أي حيث تألهون مالا ينطق ولا يجيب ولا يدفع عن نفسه فكيف عن غيره، وقوله تعالى: {ثم نكسو على رؤوسهم} أي قلبهم الله رأساً على عقب فبعد أن عرفوا فبعد أن عرفوا الحق ولاموا على أنفسهم عادوا إلى الجدال بالباطل فقالوا: {لقد عملت} أي يا إبراهيم ما {هؤلاء ينطقون} فكيف تطلب منا أن نسألهم وأنت تعلم أنهم لا ينطقون. كما أن اعترافهم بعدم نطق الآلهة المدعاة إنتكاس منهم إذ اعترفوا ببطلان تلك الآلهة.

.من هداية الآيات:

1- الظلم معروف لدى البشر كلهم ومنكر بينهم ولولا ظلمة النفوس لما أقروه بينهم.
2- إقامة البينّة على الدعاوي أمر مقرر في عوف الناس وجاءت به الشرائع من قبل.
3- أسلوب المحاكمة يعتمد على الاستنطاق والاستجواب اولاً.
4- مشروعية التورية خشية القول بالكذب.

.تفسير الآيات (66- 72):

{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}

.شرح الكلمات:

{مالا ينفعكم شيئاً}: أي آلهة لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم إن أرادت ضركم.
{أفٍ لكم}: أي قبحاً ولما تعبدون من دون الله.
{قالوا حرقوه}: أي أحرقوه بالنار إنتصاراً لآلهتكم التي كسرها.
{برداً وسلاماً}: أي على إبراهيم فكانت كذلك فلم يحرق منه غير وثاقه الحبل الذي وثق به.
{كيداً}: وهو تحريقه بالنار للتخلص منه.
{فجعلناهم الأخسرين}: حيث خرج من النار ولم تحرقه ونجا من قبضتهم وذهب كيدهم ولم يحصلوا عل شيء.
{ونجيناه ولوطاً}: أي ابن أخيه هاران.
{التي باركنا فيها}: وهي أرض الشام.
{ويعقوب نافلة}: زيادة على طلبه الولد فطلب ولداً فأعطاه ما طلب وزاده آخر.
{وكلاً جعلنا صالحين}: أي وجعلنا كل واحد منهم صالحاً من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله كاملة وحقوق الناس كذلك.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قال لقومه منكراً عليهم عبادة ألهتهم {أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئاً ولا يضركم} أي أتعبدون آلهة دون الله علمتم أنها لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم ولا تنطق إذا استنطقت ولا تجيب إذا سئلت {أف لكم ولما تعبدون من دون الله} أي قبحاً لكم ولتلك التماثيل التي تعبدون من دون الله الخالق الرازق الضار النافع {أفلا تعقلون} قبح عبادتها وباطل تأليهها وهي جماد لا تسمع ولا تنطق ولا تنفع ولا تضر وهنا أجابوا بما أخبر تعالى به عنهم فقالوا: {حرقوه} أي أحرقوا إبراهيم بالنار {وانصروا آلهتكم} التي أهانها وكسرها {إن كنتم فاعلين} أي مريدين نصرتها حقاً وصدقاً. ونفذوا ما أجمعوا عليه وجمعوا الحطب وأججوا النار في بنيان خاص وألقوه فيه بواسطة منجنيق لقوة لهبها وشدة حرها وقال تعالى للنار ما أخبر به في قوله: {قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} فكانت كما طلب منها ولم تحرق غير وثاقه الحبل الذي شدت به يداه، ورجلاه، ولو لم يقل وسلاماً لكان من الجائز أن تنقلب النار جبلاً من ثلج ويهلك به إبراهيم عليه السلام. روى أو والد إبراهيم لما رأى إبراهيم لم تحرقه النار وهو يتفصد عرقاً قال: نعم الرب ربك يا إبراهيم! وقوله تعالى: {وأرادوا به كيداً فجعلناهم هم الأخسرين} أي أرادوا بإبراهيم مكراً وهو إحراقه بالنار فخَّيب الله مسعاهم وأنجى عبده وخليله من النار وأحبط عليهم ما كانوا يأملون فخسروا في كل أعمالهم التي أرادوا بها إهلاك إبراهيم، وقوله تعالى: {ونجيناه ولوطاً} أي ونجينا إبراهيم وابن أخيه هاران وهو لوط {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وهي أرض الشام فنزل إبراهيم بفلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهي قرى قوم لوط التي بعد دمارها استحالت إلى بحيرة غير صالحة للحياة فيها وقوله: {باركنا فيها للعالمين} أي بارك في أرزاقها بكثرة الاشجار والانهار والثمار لكل من ينزل بها من الناس كافرهم ومؤمنهم لقوله: {للعالمين} وقوله تعالى: {ووهبنا له} أي لإبراهيم إسحاق حيث سأل الله تعالى الولد، وزاده يعقوب نافلة وقوله: {وكلا جعلنا صالحين} أي وجعلنا كل واحد منهم من الصالحين الذين يعبدون الله بما شرع لهم فأدوا حقوق الربَّ تعالى كاملة، وأدوا حقوق الناس كاملة وهذا نهاية الصلاح.

.من هداية الآيات:

1- بيان قوة حجة إبراهيم عليه السلام، ومتانة أسلوبه في دعوته وذلك مما آتاه ربه.
2- مشروعية توبيخ أهل الباطل وتأنيبهم.
3- آية إبطال مفعول النار فلم تحرق إبراهيم إلا وثاقه لما أراد الله تعالى ذلك.
4- قوة التوكل على الله كانت سبب تلك المعجزة إذ قال إبراهيم حسبي الله ونعم والوكيل.
فقال الله تعالى للنار: {كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} فكانت، وكفاه ما أهمه بصدق توكله عليه، ويؤثر أن جبريل عرض له قبل أن يقع في النار فقال هل لك يا إبراهيم من حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.
5- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
6- خروج إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام كانت أول هجرة في سبيل الله في التاريخ.

.تفسير الآيات (73- 77):

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}

.شرح الكلمات:

{أئمة}: أي يقتدى بهم في الخير.
{يهدون بأمرنا}: أي يرشدون الناس ويعلمونهم ما به كمالهم ونجاتهم وسعادتهم بإذن الله تعالى لهم بذلك حيث جعلهم رسلاً مبلغين.
{وكانوا لنا عابدين}: أي خاشعين مطيعين قائمين بأمرنا.
{ولوطاً آتياه حكماً وعلماً}: أي أعطينا لوطاً حكماً أي فصلاً بين الخصوم وفقهاً في الدين وكل هذا يدخل تحت النبوة والرسالة وقد نبأه وأرسله.
{تعمل الخبائث}: كاللواط وغيره من المفاسد.
{فاسقين}: أي عصاه متمردين عن الشرع تاركين للعمل به.
{ونوحاً إذ نادى من قبل}: أي واذكر نوحاً إذ دعا ربه على قومه الكفرة.
{من الكرب العظيم}: أي من الغرق الناتج عن الطوفان الذي عم سطح الأرض.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر أفضال الله تعالى على إبراهيم وولده فقال تعالى: {وجعلناهم} أي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة هداة يقتدى بهم في الخير ويهدون الناس إلى دين الله تعالى الحق بتكليف الله تعالى لهم بذلك حيث نبأهم وأرسلهم. وهو بمعنى قوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} وقوله: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} أي أوحينا إليهم لأن يفعلوا الخيرات جمع خير وهو كل نافع غير ضار فيه مرضاة لله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وقوله تعالى: {وكانوا لنا عابدين} أي امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به وكانوا لنا مطعين خاشعين وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال وقوله تعالى: {ولوطاً آتينا حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} أي وكما آتينا إبراهيم وولديه ما آتيناهم من الإفضال والإنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا لوطاً وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم آتيناه أيضاً حكماً وعلماً ونبوة ورسالة متضمنة حسن الحكم والقضاء وأسرار الشرع والفقه في الدين. هذه منة وأخرى أنا نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث وأهلكنا أهلها لأنهم كانوا قوم سوء لا يصدر عنهم الا ما يسوء إلى الخلق فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا، وقوله: {وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين} وهذا إنعام آخر أعظم وهو ادخاله في سلك المرحومين برحمة الله الخاصة لأنه من عباد الله الصالحين. وقوله تعالى: {ونوحاً} أي واذكرنا يا رسولنا في سلك هؤلاء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحاً الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم فقال إني مغلوب فانتصر، {فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما وظلمهما فكانا من المغرقين. وقوله: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} أي ونصرنا بإنجائنا له منهم فلم يمسوه بسوء، وأغرقناهم أجمعين لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين.

.من هداية الآيات:

1- فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف القائمين بها.
2- فضل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات.
3- ثناء الله تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم، وخشوعهم له.
4- الخبث إذا كثر في الأمة استوجبت الهلاك والدمار.
5- التنديد بالفسق والتحذير من عواقبه فإنها مدمرة والعياذ بالله.
6- تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها إذ مثل هذا القصص لا يتأنى الا لمن يوحى إليه.

.تفسير الآيات (78- 82):

{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}

.شرح الكلمات:

{في الحرث}: أي في الكرم الذي رعته الماشية ليلاً.
{نفشت فيه}: أي رعته ليلاً بدون راع.
{شاهدين}: أي حاضرين صدور حكمهم في القضية لا يخفى علينا شيء من ذلك.
{ففهمناها}: أي القضية التي جرى فيها الحكم.
{وكلاً آتينا حكماً وعلماً}: أي كلاً من داود وولده سليمان أعطيناه حكماً أي النبوة وعلماً بأحكام الله وفقهها.
{يسبحن}: أي معه إذا سبح.
{وكنا فاعلين}: أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فلا تعجبوا.
{صنعة لبوس لكم}: هي الدروع وهي لباس الحرب.
{فهل أنتم شاكرون}: أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح.
{إلى الأرض التي باركنا}: أي أرض الشام.
{يغوصون}: أي في أعماق البحر لاستخراج الجواهر.
{ويعلمون عملاً دون ذلك}: أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات.
{وكنا لهم حافظين}: أي لأعمالهم حتى لا يفسدوها.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده، وفي ذلك تقرير لنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي كذبت بها قريش فقال تعالى: {وداود وسليمان} أي واذكر يا نبينا داود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث} أي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان في الحرث الذي {نفشت فيه غنم القوم} أي رعت فيه ليلاً بدون راع فأكلته وأتلفته {وكنا لحكمهم شاهدين} حاضرين لا يخفى علينا ما حكم به كل منهما، إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية مقابل ما أتلفته لأن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته، وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الماشية الرزع يقوم عليه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها وسخالها فإذا ردت إليه كرومة كما كانت أخدها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الأول وهو قوله تعالى: {ففهمناها} أي الحكومة أو القضية أو الفتيا سليمان، ولم يعاتب داود على حكمه، وقال: {وكلا آتينا حكماً وعلماً} تلافياً لما قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم.
وقوله: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير} هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: {وكنا فاعلين} أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: {وعلمناه} أي داود {صنعة لبوس لكم} وهي الدروع السابغة التي تقي لا سبها طهن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى: {لتحصنكم من بأسكم} {فهل أنتم شاكرون} أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والإعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله {ولسليمان} أي وسخرنا لسليمان {الريح عاصفة} شديدة السرعة {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} إذ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام.
وقوله: {وكنا بكل شيء عالمين} يخبر تعالى أنه وما زال عليماً بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون تتم حسب علم الله وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق الألوهة والعبادة.
وقوله: {ومن الشياطين من يغوصون له} أي وسخرنا لسليمان من الشياطين من يغوضون له في أعماق البحار لاستخراج الجواهر، {ويعلمون عملا دون ذلك} كالبناء وصنع التماثيل والمحاريب والجفان وغير ذلك. وقوله تعالى: {وكنا لهم حافظين} أي وكنا لأعمال أولئك العاملين من الجن حافظين لها عالمين بها حتى لا يفسدوها بعد عملها مكراً منهم أو خديعة فقد روى أنهم كانوا يعملون ثم يفسدون ما عملوه حتى لا ينتفع به.
وهذا كله من إنعام الله تعالى على داود وسليمان وغيره كثير فسبحان ذي الأنعام والأفضال إله الحق ورب العالمين.

.من هداية الآيات:

1- وجوب نصب القضاة للحكم بين الناس.
2- بيان حكم الماشية ترعى في حرث الناس وإن كان شرعنا على خلاف شرع من سبقنا فالحكم عندنا إن رعت الماشية ليلاً قوم المتلف على صاحب الماشية ودفعه لصاحب الرزع، وإن رعت نهاراً فلا شيء لصاحب الزرع لأن عليه أن يحفظ زرعه من أن ترعى فيه مواشي الناس لحديث العجماء، جبار وحديث ناقة البراء بن عازب.
3- فضل التسبيح.
4- وجوب صنع آلة الحرب وإعدادها للجهاد في سبيل الله.
5- وجوب شكر الله تعالى على كل نعمة تستجد للعبد.
6- بيان تسخير الله تعالى الجن لسليمان يعملون له أشياء.
7- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ من أرسل هؤلاء أرسل وأنعم عليهم بما أنعم لا يستنكر عليه إرسال محمد رسولاً وقد أرسل من قبله رسلاً.
8- كل ما يحدث في الكون من أحداث يحدث بعلم الله تعالى وتقديره ولحكمة تقتضيه.

.تفسير الآيات (83- 86):

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}

.شرح الكلمات:

{وأيوب}: أي واذكر أيوب.
{إذ نادى ربه}: أي دعاه لما ابتلى بفقد ماله وولده ومرض جسده.
{مسني الضر}: هو ما ضر بجسمه أو ماله أو ولده.
{وذكرى للعابدين}: أي عظة للعابدين، ليصبروا فيثابوا.
{وأدخلناهم في رحمتنا}: بأن نبأناهم فانخرطوا في سلك الأنبياء إنهم من الصالحين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من شاء من عباده الصالحين فقوله تعالى في الآية الأولى (83): {وأيوب} أي واذكر عبدنا في شكره وصبره وسرعة أوْبِتَه، وقد ابتليناه بالعافية والمال والولد، فشكر وابتليناه بالمرض وذهاب المال والأهل والولد فصبر. أذكره {إذ نادى ربه} أي داعياً ضارعاً بعد بلوغ البلاء منتهاه ربّ أي يا رب {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} {فاستجبنا له} دعاءه {فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله} من زوجة وولد {ومثلهم معهم} أي ضاعف له ما أخذه منه بالابتلاء بعد الصبر واما المال فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه أنزل عليه رَجْلاً من جَرَادٍ من ذهب فكان أيوب يحثو في ثوبه فقال له ربه في ذلك فقال من ذا الذي يستغنى عن بركتك يا رب. وقوله تعالى: {رحمة من عندنا} أي رحمناه رحمة خاصة، وجعلنا قصته ذكرى وموعظة للعابدين لنا لما نبتليهم بالسراء والضراء فيشكرون ويصبرون ائتساء بعبدنا أيوب {إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب} وقوله تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل} أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر والشكر اسماعيل بن إبراهيم الخليل، وادريس وهو اخنوخ وذا الكفل {كل من الصابرين} على عبادتنا الشاكرين لنعمائنا، وادخلناهم في رحمتنا فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم بجوارنا إنهم من الصالحين.

.من هداية الآيات:

1- علو مقام الصبر ومثله الشكر فالأول على البأساء والثاني على النعماء.
2- فضيلة الدعاء وهو باب الاستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الاستجابة.
3- في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر.
4- من ابتلى بفقد أو أهل أو ولد فَصَبَر كان له من الله الخلف وما يقال عند المصيبة: «إنا لله وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها».