فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (79- 82):

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}

.شرح الكلمات:

{في زينته}: أي لباس الأعياد والحفلات الرسمية.
{يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون}: أي تمنوا أن لو أعطوا من المال والزينة ما أعيط قارون.
{إنه لذوو حظ عظيم}: أي إنه لذو بخت ونصيب وهبه الله إياه في كتاب المقادير.
{وقال الذين أوتوا العلم}: أي اعطوا العلمم الديني بمعرفة الله والدار الآخرة وموجبات السعادة والشقاء.
{ويلكم}: أي حضر ويلكم وهلاككم بتمنيكم المال وزخرف الدنيا.
{ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً}: أي ما عند الله من جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات وهو الجنة خير من حطام الدنيا الفاني.
{ولا يلقاها إلا الصابرون}: أي ولا يوفق لقول هذه الكلمة وهي ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً إلا الصابرون على الإِيمان والتقوى.
{فخسفنا به وبداره الأرض}: أي أسخنا الأرض من تحته فساخت به وبداره وكل من كان معه فيها من أهل البغي والإِجرام.
{تمنوا مكانه بالأمس}: أي الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون فالمراد من المكان المكانة وما عليه قارون من الامارة والزينة والمال والجاه.
{ويكأنَّ الله يبسط}: أي أعجبُ عالماً أن الله يبسط الرزق لمن يشاء.
{ويقدر}: أي يضيّق.
{ويكأنه لا يفلح الكافرون}: أي أعجبُ عالماً أنه لا يفلح الكافرون أي أنهم لا يفوزون بالنجاة من النار ودخول الجنان كما يفوز المؤمنون.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص قارون الباغي قال تعالى: {فخرج على قومه} أي قارون في يوم عيد أو مناسبة خرج على قومه وهمم يشاهدون موكبه {في زينته} الخاصة من الثياب والمراكب. قوله تعالى: {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} أي من قوم موسى وهم المفتونون بالدنيا وزخرفها من أهل الغفلة عن الآخرة وما أكثرهم اليوم وقبل وبعد اليوم قالوا ما أخبر الله تعالى به عنهم: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} تمنوا أن يكون لهم مثل الذي أوتي قارون من المال والزينة {إنه لذو حظ عظيم} أي بخت ونصيب ورزق {وقال الذين أوتوا العلم} أي الشرعي الديني العالمون بالدنيا والآخرة. واسباب السعادة والشقاء في كل منهما قالوا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً} أي ويحكم هلكتم إن كنتم تؤثرون هذا الفاني على الباقي {ثواب الله} وهو الجنة خير من هذا الزخرف الفاني {لمن آمن وعمل صالحاً} ولازم وذلك أنه ترك الشرك والعاصي، وقوله تعالى: {ولا يلقاها} أي هذه الجملة من الكلام: {ثواب الله خير لمن آمن} بربه {وعمل صالحاً} في حياته بأداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والرذائل أي ولا يلقى هذه الكلمة {إلا الصابرون} من أهل الإِيمان والتقوى هم الذين يلقنهم الله غياها فيقولونها الصفاء أرواحهم وزكاة أنفسهم وقوله تعالى في الآية (81): {فخسفنا به وبداره الأرض} يخبر تعالى أنه خسف بقارون وبداره الأرض انتقاماً منه لكفره ونفاقه وبغيه وكبريائه.
وقوله تعالى: {فما كان له من فئة} أي جماعة {ينصرونه من دون الله} لما أراد الله خذلانه بخسف الأرض به وبداره ومن قبلها من أعوانه الظلمة والمجرمين. {وما كان من المنتصرين} أي لنفسه فنجاها مما حل بها من الخسف في باطن الرض التي ما زال يتجلجل فيها غلى يوم القيامة. وقوله تعالى: {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} يخبر تعالى عن الذين قالوا يوم خرج عليهم قارون في زينته يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون يخبر تعالى عنهم أنهم لما شاهدوا الخسف الذي حل بقارون وبداره وقالوا ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء أي نعجب عالمين، أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي على من يشاء فالبسط والقبض كله لله وبيد الله فما لنا لا نفزع إلى الله نطلب رضاه ولا نتمنى ما تمنيناه وقد اصبح ذَاهباً لا يرى بعين ولا يلمس بيدين، {لولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون} أي نعجب أيضا عالمين بأنه لا يفلح الكافرون وكقارون وفرعون وهامان أي لا يفوز الكافرون لا بالنجاة من العذاب ولا بدخول الجنان.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن الفتنة أسرع إلى قلوب الماديين ابناء الدنيا والعياذ بالله تعالى.
2- بيان موقف أهل العلم الديني وأنهم رُشَّد أي حكماء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
3- بيان أن البغي يؤخذ به البغاة في الدنيا ويعذبون به في الآخرة.
4- بيان أن وجود الإِيمان خير من عدمه وإن قل وأن ذا الإِيمان أقرب إلى التوبة ممن لا إِيمان له.

.تفسير الآيات (83- 84):

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}

.شرح الكلمات:

{تلك الدار الآخرة}: أي الجنة، دار الأبرار.
{لا يريدون علواً في الأرض}: أي بغياً ولا استطالة على الناس.
{ولا فساداً}: أي ولا يريدون فساداً بعمل المعاصي.
{والعاقبة}: أي المحمودة في الدنيا والآخرة.
{للمتقين}: الذين يتقون مساخط الله فلا يعتقدون ولا يقولون ولا يعملون مالا يرضى به الله تعالى.
{من جاء بالحسنة}: أي يوم القيامة والحسنة: اثر طاعة الله تعالى يجزى به المؤمن.
{فله خير منها}: أي تضاعف له عشرة أضعاف.
{ومن جاء بالسيئة}: السيئة أثر معصية الله تعالى يعاقب به العبد إذا لم يعف الله تعالى عنه.

.معنى الآيات:

لقد تقدم في السياق أن ثواب الله وهو الجنة خير لمن آمن وعمل صالحاً فاشار إليه تعالى بقوله: {تلك الدار الآخرة} التي هي الجنة إذ هي آخر دار يسكنها المتقون فلا يخرجون منها.
نجعلها، هذا هو الخبر عن قوله تلك الدار الآخرة فأخبر تعالى أنه يجعلها مأوى ومسكناً للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، لا يريدون استطالة على الناس وتعالياً وتكبراً عليهم وبغياً، ولا فساداً بارتكاب المعاصي كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر، وقوله تعالى: {والعاقبة للمتقين} أي والعاقبة المحمودة في الدارين لأهل الإِيمان والتقوى وهم المؤمنون الذين يتقون مساخط الله عز وجل، وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات.
وقوله تعالى: {من جاء} أي يوم القيامة {بالحسنة} وهي الطاعات لله ورسوله {فله} جزاء مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها وقد تُضاعف إلى أكثر بشرط أن لا تكون حسنة أعطيت له من حسنات ظالم في الدنيا فهذه لا تتضاعف. إذ تضاعف الحسنة التي باشرها، كما لا تضاعف حسنة من همَّ بحسنة ولم يعملها فإنها تكتب له حسنة ولا تضاعف لعدم مباشرته إياها وقوله: {ومن جاء بالسيئة} أي يوم القيامة. والسيئة أثر معصية الله تعالى ورسوله في نفسه {فلا يجزى} إلا مثلها أي لا تضاعف عليه وذلك لعدالة الله تعالى ورأفته بعباده، وهو معنى قوله تعالى: {فلا يجزى الذين عملوا السيئات} من الشرك والمعاصي {إلا ما كانوا يعملون} أي في الدنيا إذ هي دار العمل والآخرة دار الجزاء.

.من هداية الآيات:

1- حرمة التكبر والاستطالة على الناس، والعمل بالمعاصي، وأنه الفساد في الأرض.
2- بيان فضل الله ورحمته وعدله بين عباده بمضاعفة الحسنات وعدم مضاعفة السيئات.
3- العاقبة الحسنى وهي الجنة لأهل الإِيمان والتقوى.

.تفسير الآيات (85- 88):

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}

.شرح الكلمات:

{إن الذي فرض عليك القرآن}: أي الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك قراءته والعمل بما فيه وتبليغه.
{لرادك إلى معاد} أي لمرجعك إلى مكة فاتحاً إذ معاد الرجل بلده الذي يعود إليه.
{وما كنت ترجو}: أي تأمل أن ينزل عليك القرآن ويوحى به إليك.
{إلا رحمة من ربك}: لكن برحمة من الله وفضل أنزله عليك.
{فلا تكونن ظهيراً}: أي فمن شكر هذه النعمة أن لا تكون معيناً للكافرين.
{ولا يصدنك}: أي لا يصرفنك عن العمل بآيات الله بعد أن شرفك الله بإنزالها عليك.
{وادع إلى ربك}: أي ادع الناس إلى الإِيمان بالله وعبادته وترك الشرك به.
{ولا تدع مع الله إلهاً آخر}: أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر بدعائه والذبح والنذر له.
{كل شيء هالك}: أي فانٍ.
{إلا وجهه}: أي إلا الله سبحانه وتعالى فلا يهلك كما يهلك ما عداه.

.معنى الآيات:

تقدم في السياق الكريمة الدعوة إلى أصول الدين الثلاثة: التوحيد، النبوة، البعث والجزاء وهذه خاتمة ذلك في هذه السورة الكريمة فقال تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أنزله عليك وفرض عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه، {لرادك} أي لمرجعك {إلى معاد} وهو العودة غلى مكة بعد خروجك منها واشتياقك إلى العودة إليها وإلى الجنة بعد وفاتك لأنك دخلتها ليلة عُرج بك إلى السماء وفي هذا تقرير لنبوته صلى الله عليه وسلم بالوحي إليه، وقوله تعالى: {قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين} فإنه تعليم له صلى الله عليه وسلم بما يرد به على المشركين الذين اتهموه بأ، ه ضال في دعوته وخروجه عن دين آبائه وأجداده علَّمه أن يقول لهم ربي أعلم بمن جاء بالهدى وهو أنا، رسول الله، ومن هو في ضلال مبين وهو أنتم أيها المشركون. وقوله: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} أي وما كنت يا محمد تأمل أن ينزل عليك القرآن، وذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وقوله: {إلا رحمة من ربك} أي لكن رحمة ربك عليك اقتضت إنزاله عليك لتكون رسول الله للعالمين، وهي نعمة كبيرة وإفضال عظيم فاشكره بما يلي:
(1): {فلا تكونن ظهيراً للكافرين} أي عوناً لهم بحال من الأحوال.
(2): {ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك} فتترك تلاوتها وإِبلاغها والعمل بها.
وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية.
(3): {وادع إلى ربك} ادع الناس إلى توحيد ربك والعمل بشرعه.
(4): {ولا تكونن من المشركين} أي فتبرَّأُ منهم ولا ترضى بشركهم وادعهم إلى خلافه وهو التوحيد.
(5): {ولا تدع مع الله إلهاً آخر} أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر لا بالدعاء ولا بالنذر والذبح ولا بتقديم أيّ قربان أو طاعة لغير الله سبحانه وتعالى، وفي هذا تقرير للتوحيد وقوله: {لا إله إلا هو} تقرير للتوحيد بإبطال أن يكون هناك إله مع الله.
وقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} يخبر تعالى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل ذاهب بلا مثوبة عليه. كما أن كل شيء سوى الله عز وجل فإن ولم يبق إلا الله سبحانه وتعالى كقوله: {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام} {وله الحكم} أي القضاء العادل بين عباده وقوله: {وإليه ترجعون} أي بعد الموت للحساب والجزاء يوم بعثكم وحشركم إليه عز وجل، وفي تقرير للبعث والجزاء. والحمد لله أولاً وآخراً.

.من هداية الآيات:

1- معجزة القرآن في وقوع الغيب بعد الإِخبار به وذلك حيث عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد الخروج منها.
2- مشروعية الملاينة في الجدال والمناظرة أثناء الدعوة باستعمال أسلوب التشكيك.
3- حرمة معاونة الكفار ومناصرتهم لاسيما ضد المؤمنين.
4- وجوب الثبات والصبر على الدعوة حتى نجاحها ببلوغها الناس واستجابتهم لها.
5- تقرير التوحيد والبعث والنبوة المحمدية.
6- فناء كل شيء إلا الله تعالى إلا ما ورد الدليل بعدم فنائه وعُدَّ منهُ ثمانية نظمها بعضهم بقوله:
هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم...

.سورة العنكبوت:

.تفسير الآيات (1- 7):

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)}

.شرح الكلمات:

{آلم}: هذه أحد الحروف المقطعة تكتب آلم وتقرأ ألف لام ميم.
{وهم لا يفتنون}: بما يتبين به حقيقة إيمانهم من التكاليف ومنها الصبر على الأذى.
{ولقد فتنا الذين من قبلهم}: أي اختبرنا من قبلهم إذ هي سنة جارية في الناس.
{فليعلمن الله الذين صدقوا}: أي في إيمانهم، وليعلمن الذين كذبوا فيه بما يظهر من أعمالهم.
{أن يسبقونا}: أي يفوتونا فلا ننتقم منهم.
{ساء ما يحكمون}: أي بئس الحكم هذا الذي يحكمون به، وهو حسبانهم أنهم يفوتون الله تعالى ولم يقدر على الانتقام منهم.
{من كان يرجو لقاء الله}: أي من كان يؤمن بلقاء الله وينتظر وقوعه فليعلم أن أجله لآت فليستعد له بالإِيمان وصالح الأعمال.
{ومن جاهد}: أي بذل الجهد في حرب الكفار أو النفس.
{فإنما يجاهد لنفسه}: أي منفعة الجهاد من الأجر عائدة على نفسه.
{ولنجزينهم أحسن}: أي ولنجزينهم على أعمالهم بأحسن عمل كانوا عملوه.

.معنى الآيات:

آلم: الله أعلم بمراده به وهذا هو مذهب السلف في هذه الحروف وهو تفويض علمها إلى منزّلها عز وجل وقوله: {أيحسب الناس} أي أظن الناس {أن يقولوا آمنا} فيكتفى منهم بذلك و{وهم لا يفتنون} أي ولا يختبرون بل لابد من اختبار بالتكاليف الشاقة كالهجرة والجهاد والصلاة والصيام والزكاة وترك الشهوات والصبر على الأذى. والآية وإن نزلت في مثل عمار بن ياسر وبلال وعياش فإنها عامة إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، واللفظ عام هنا، لأن اسم الجنس إذا دخلت عليه (ال) أفادت استغراق جميع أفراده. وقوله تعالى: {ولقد فتنا الذين من قبلهم} من الأمم السابقة فهي إذاً سنة ماضية في الناس لا تتخلف. وقوله تعالى: {فليعلمن الله الذين صدقوا} في إيمانهم أي يظهر ذلك ويعلمه مشاهدة بعد أن عَلِمَه قبل إخراجه إلى الوجود حيث قدر ذلك وكتبه في كتاب المقادير وذلك بتكليفهم وقيامهم بما كلفوا به من شاق الأفعال وشاق التروك، إذ الهجرة والجهاد والزكاة أفعال، وترك الربا والزنا والخمر وتروك {وليعلمن الكاذبين} حيث ادَّعوا الإِيمان ولما ابتلوا بالتكاليف لم يقوموا بها، فبان بذلك عدم صدقهم وإنهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون. وقوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} أي أظن {الذين يعملون السيئات} من الشرك والمعاصي {أن يسبقونا} أي يفوتونا فلم نأخذهم بالعذاب. {ساء ما يحكمون} به لأنهفسم أي قبح حكمهم هذا من حكم لفساده، إذ أقاموه على ظن منهم أن الله تعالى لا يقدر عليهم وهو على كل شيء قدير وأنه لا يعلمهم وهو بكل شيء عليم. وقوله تعهالى: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} أي {من كان} يؤمن ويؤمل لقاء الله وذلك يوم القيامة فليعلم أن أجل الله المضروب لذلك لآت قطعاً وعليه فليستعد للقائه بما يناسبه وهو الإِيمان والعمل الصلاح بعد التخلي عن الشرك والعمل الفاسد، ومن هنا دعوى المرء أنه يرجو لقاء ربه ولم يعمل صالحاً يثاب عليه، دعوى لا تصح قال تعالى في سورة الكهف (110): {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} وقوله: {وهو السميع العليم} أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأعمالهم، فدعوى الإِيمان ظاهرة من العبد أو باطنة لا قيمة لها ما لم يقم صاحبها الدليل عليها وذلك بالإِيمان والجهاد للعدو الظاهر والباطن. وقوله تعالى: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} أي منفعة هذه العبادة عائدة على العبد نفسه أما الله عز وجل فهو في غنى عن عمل عباده غِنًى مطلقاً وهذا ما دل عليه قوله: {إن الله لغني عن العالمين} الملائكة والإِنس والجن وسائر المخلوقات إذ كل ما سوى الله تعالى عالم ويجمع على عوالم وعالمين. وقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم} هذا وعد من الله تعالى لمن آمن من عباده وذلك على إِيمانه وصالح عمله فعلاً وتركا بأنه يكفر عنه سيئاته التي عملها قبل الإِسلام وبعده. ومعنى يكفرِّها عنهم يغطيها ويسترها ولم يطالبهم بها كأنهم لم يفعلوها. وقوله: {ولنجزينهم} أي على أعمالهم الصالحة {أحسن} أي بأحسن عمل عملوه فتكون أعظم ما تكون مضاعفة. وهذا من تكرمه على عباده الصالحين ليجزي بالحسنة أضعافها مئات المرات.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة أن الإِيمان يصدق بالأعمال أو يكذب.
2- بيان إمكان التكليف بما يشق على النفس فعله أو تركه ولكن ليس بما لا يطاق.
3- تحذير المغترين من العقوبة وإن تأخرت زمناً ما فإنها واقعة لا محالة.
4- ثمرة الجهاد عائدة على المجاهد نفسه. فلذا لا ينبغي أن يمنها على الله تعالى بأن يقول فعلت وفعلت.
5- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الوعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات بتكفير السيئات والجزاء الأحسن وهذا يتم يوم البعث.

.تفسير الآيات (8- 13):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}

.شرح الكلمات:

{ووصينا الإنسان}: أي عهدنا إليه بطريق الوحي المنزل على رسولنا.
{بوالديه حسناً}: أي أيصاءً ذا حسن، وذلك ببرهما وعدم عقوقهما.
{وإن جاهداك}: أي بذلا الجهد في حملك على أن تشرك.
{لندخلنهم في الصالحين}: أي لندخلنهم مدخلهم في الجنة.
{فتنة الناس}: أي أذاهم له.
{كعذاب الله}: أي في الخوف منه فيطيعهم فينافق.
{إنا كنا معكم}: أي في الإِيمان وإنما أكرهنا على ما قلنا بألسنتنا.
{إتبعوا سبيلنا}: أي ديننا وما نحن عليه.
{ولنحمل خطاياكم}: أي ليكن منكم اتباع لسبيلنا وليكن منا حمل لخطاياكم، فالكلام خبر وليس إنشاء.
{وليحملن أثقالهم}: أي أوزارهم، والأوزار الذنوب.
{وأثقالاً مع أثقالهم}: أي من أجل قولهم للمؤمنين اتبعوا سبيلنا.
{عما كانوا يفترون}: أي يكذبون.

.معنى الآيات:

هذه الآيات نزلت في شأن سعد بن ابي وقاص لما أسلم قالت له أمه حمنة بنت أبي سفيان ما هذا الدين الذي أحدثت والله لا آكل ولا اشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتُعَيَّر بذلك أبد الدهر يقال يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلى، فلما ايست منه أسلمت وأكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية: {ووصينا الإِنسان بوالديه حسناً} أي عهدنا إليه بواسطة الرسل إيصاءً ذا حسن وهو برهما بطاعتهما في المعروف وترك أذاهما ولو قل، وإيصال الخير بهما من كل ما هو خير قولاً كان أو فعلاً. وقوله تعالى: {وإن جاهداك} أي بذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي شيئا من الشرك أو الشركاء فلا تطعهما كما فعل سعد بن ابي وقاص مع والدته في عدم إطاعتها. وقوله: {إليّ مرجعكم} أولاداً ووالدين {فأنبئكم بما كنتم تعملون} وأجزيكم به فلذا قدموا طاعتي على طاعة الوالدين، فإني أنا الذي أحسابكم وأجزيكم بعملكم أنتم وإياهم على حد سواء. وقوله تعالى: {والذين آمنوا} أي بالله ورسوله {وعملوا الصالحات} التي هي العبادات التي تَعَبَّد الله تعالى بها عباده المؤمنين، فشرعها لهم وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم كالذكر وقراءة القرآن والصلاة والصيام والصدقات والجهاد والحج وما إلى ذلك. هؤلاء الذين جمعوا بين الإيمان الحق والعمل الصالح الخالي من الشرك والرياء. يقسم الله تعالى أنه يدخلهم في مدخل الصالحين وهم الأنبياء والأولياء في الجنة دار السلام. وقوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} الآية هذه نزلت في أناس كانوا بمكة وآنموا وأعلنوا عن إيمانهم فاغضطهدهم المشركون فكانوا ينافقون فأخبر تعالى عنهم بقوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله} أي آذاه المشركون نافق وارتد {جعل فتنة الناس} أي أذاهم له وتعذيبهم إياه {كعذاب الله} يوم القيامة فوافق المشركين على الكفر.
وقوله تعالى: {ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنامعكم} أي على الإِيمان وإنما كنا مكرهين وهذه نزلت فيمن خرجوا من مكة غلى بدر مع المشركين لما انهزم المشركون وانتصر المسلمون واسروا قالوا {إنا كنا معكم} أي على الإِيمان فرد تعالى دعاهم بقوله: {أو ليس الله أعلم بما في صدور العالمين} أي الناس. وقوله تعالى: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} تقرير لما سبق في الآية قبل وليترتب عليه الجزاء على الإِيمان وعلى النفاق. فعلمه تعالى يستلزم الجزاء اعلادل فأهل الإِيمان يجزيهم بالنعيم المقيم وأهل النفاق بالعذاب المهين. أولئك في دار السلام وهؤلاء في دار البوار. وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا} أي ديننا وما نحن عليه {ولنحمل خطاياكم} أي قال رؤساء قريش لبعض المؤمنين اتركوا سبيل محمد ودينه واتبعوا سبيلنا وديننا، وإن كان هناك بعث وجزاء كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم- نحن مستعدون أن نتحمل خطاياكم ونجازى بها دونكم فأكذبهم الله تعالى بقوله: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء} و{إنهم لكاذبون} في قولهم ولنحمل خطاياكم. وقال تعالى مقسماً بعزته وجلاله: {وليحملن أثقالهم} أي أوزارهم {وأثقالاً مع أثقالهم} أي وأوزاراً أي ذنوباً مع أوزارهم التي هي ذنوبهم وذلك من أجل ما قالوا لهم. {وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون} أي يكذبون من أنهم يحملون خطايا المؤمنين يوم القيامة.

.من هداية الآيات:

1- وجوب بر الوالدين في المعروف وعدم طاعتهما فيما هو منكر كالشرك والمعاصي.
2- بشرى المؤمنين العاملين للصالحات بإِدخالهم الجنة مع النبيين والصديقين.
3- ذم النفاق وكفر المنافقين وإن ادعوا الإِيمان فما هم بمؤمنين.
4- بيان ما كان عليه غلاة الكفر في مكة من العتو والطغيان.
5- تقرير مبدأ: «من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» كما في الحديث الصحيح.